التقارير الخاصة

انعكاسات وقف إطلاق النار في غزة على الملف اليمني

غارات إسرائيلية على صنعاء الخاضعة للحوثيين، 24 أغسطس 2025 (رويترز)

آخر تحديث في: 27-10-2025 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن

"الصراع بين الحوثيين وإسرائيل بعد وقف إطلاق النار بغزة سيستمر طالما أن الطرفين يجدان فيه مصلحة متبادلة".

مركز سوث24 | عبد الله الشادلي


يشكّل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الراهن، منعطفًا حاسمًا في مسار الأحداث في الشرق الأوسط. فبعد عامين من الحرب المدمّرة، تلوح للمرة الأولى بوادر تهدئة شاملة حظيت بضمانات دولية غير مسبوقة، لكنها في الوقت ذاته تبقى هشّة ومفتوحة على احتمالات الانتكاس. 


وبينما تتركز الأنظار على مآلات الوضع الفلسطيني، تبرز أسئلة جوهرية حول الملفات المتأثرة بهذه الهدنة، وفي مقدمتها الملف اليمني الذي ظلّ لسنوات مسرحًا لتقاطع النفوذ الإقليمي والدولي.


لم تكن حرب غزة بالنسبة لليمن مجرّد حدثٍ خارجي، بل تحوّلت إلى عامل مباشر أثّر في ديناميات أزمته الداخلية. فمع انخراط مليشيا الحوثيين في الصراع عبر البحر الأحمر واستهداف الملاحة الدولية والسفن وشن الهجمات على الأراضي الإسرائيلية، خرجت الجماعة من حدود المواجهة المحلية إلى مسرح الصراع الإقليمي الأوسع.


أدى هذا التحوّلٍ الاستراتيجي إلى تجميد المسار السياسي اليمني وتعطيل جهود التسوية التي رعتها الأمم المتحدة.


واليوم، مع سريان اتفاق الهدنة في غزة، تبرز تساؤلات عدة داخل الأوساط السياسية اليمنية والدولية بشأن إمكانية أن تُمهّد هذه التهدئة لعودة الحوار السياسي في اليمن.  أم أن الحوثيين سيواصلون استخدام الصراع الإقليمي كورقة ضغط لتكريس نفوذهم الداخلي. فضلًا عن التساؤلات بشأن هل ما تزال خارطة الطريق الأممية صالحة للتطبيق بعد المتغيرات التي فرضتها الحرب عبر البحر الأحمر.


انعكاسات وقف إطلاق النار


لفهم انعكاسات وقف إطلاق النار في غزة على الملف اليمني، لا بد أولًا من فهم كيف غيّرت الحرب ذاتها مسار الأزمة في اليمن.


أدّت حرب غزة إلى إعادة خلط الأوراق في المشهد اليمني، بعدما انتقل الحوثيون من جبهة داخلية محدودة إلى مسرح إقليمي مفتوح عبر البحر الأحمر، مستخدمين الصراع الفلسطيني ذريعة لتوسيع نطاق عملياتهم العسكرية. هذا الانخراط المباشر في الصراع مع إسرائيل حوّل اليمن إلى أحد خطوط المواجهة في “محور المقاومة” المدعوم من إيران، وأدى إلى استنفار التحالفات الإقليمية والدولية حول باب المندب والممرات الملاحية.


وأفضت الهجمات الحوثية ضد السفن والعمق الإسرائيلي إلى تجميد كامل للمسار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة، وتعطيل خارطة الطريق التي كانت قاب قوسين من التوقيع أواخر 2023. 


في المقابل نفذت إسرائيل والولايات المتحدة غارات جوية استهدفت البنية التحتية الرئيسية في شمال اليمن مثل موانئ الحديدة ومطار صنعاء ومحطات الكهرباء ومصانع الأسمنت. كما استهدفت أيضًا حكومة الحوثيين في 28 أغسطس الماضي بغارة في صنعاء مما أدى لمقتل رئيس الحكومة وعدد من الوزراء. 


كما جاء لاحقًا إعلان مقتل رئيس أركان قوات الحوثيين، محمد الغماري، قبل أيام، في ما يُرجَّح أنها الغارة ذاتها التي تكتّمت الجماعة عن نتائجها إلى حين دخول وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ.


وحول انعكاسات هذا الاتفاق على الملف اليمني، يرى عبد العزيز العقاب، رئيس منظمة فكر للحوار والحريات، أن الهدنة في غزة يمكن أن تفتح نافذة جديدة للتهدئة في اليمن، معتبرًا أن ما يجري في فلسطين له تأثير مباشر على البيئة السياسية اليمنية والإقليمية ككل.


وأضاف لمركز سوث24 أن الحوثيين "مشاركتهم في أي محادثات يمنية بإنهاء الحرب في غزة، وهو ما جعل مسار الأزمة اليمنية مرتبطًا بتطورات الصراع الفلسطيني."


ويضيف العقاب أن توقف الحرب في غزة سيسهم في تهيئة أجواء أكثر استقرارًا لبحث الحلول السياسية في اليمن، ويمهّد الطريق أمام استئناف الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى إنهاء الحرب بشكل نهائي.


ويرى أن مثل هذه التهدئة، رغم هشاشتها، يمكن أن تعيد إحياء مسار الأمم المتحدة عبر إجراءات بناء الثقة وإعادة تنشيط قنوات الحوار. 


وفي هذا السياق، يعتقد العقاب أن خارطة الطريق الأممية ما تزال صالحة للتطبيق رغم المتغيرات الأخيرة. ويرى أنها "تشكل إطارًا لبناء الثقة وتحسين الظروف المعيشية وتهيئة الأجواء الإيجابية للدخول في حوار سياسي شامل يقود إلى حل مستدام."


لكنه يشدّد في الوقت ذاته على ضرورة أن تُرفق الخارطة بـآليات رقابية وجدول زمني وضمانات تنفيذ واضحة، تجنبًا لتكرار الإخفاقات السابقة، مع التأكيد على أن نجاحها يعتمد على التزام الأطراف المحلية والإقليمية بمسار سلام حقيقي لا يخضع للمساومات اللحظية.


ودعا العقاب إلى اعتماد خطاب سلام ولغة تهدئة وتواصل بدل التحريض والتصعيد، مشددًا على أن المرحلة الراهنة تتطلب ترشيد الخطاب الإعلامي ومدّ جسور الثقة بين الأطراف بحثًا عن حلول واقعية تضمن سلامًا شاملًا وعادلًا. 


في المقابل، يقدم عدنان الجبرني، الصحفي اليمني المتخصص في الشؤون العسكرية وجماعة الحوثيين، قراءة أكثر حذرًا للمرحلة الراهنة. وقال الجبرني لمركز سوث24 إن "وقف إطلاق النار في غزة لم ينعكس بشكل واضح على الملف اليمني حتى الآن."


وأشار إلى أن جماعة الحوثيين لم تُعلن انتهاء عملياتها العسكرية، بل اكتفت بالقول إنها "تراقب الاتفاق" وتبقي على استعدادها للتدخل في أي لحظة.


مضيفًا أن هذا الموقف يجعل من الصعب الجزم بانعكاسات محددة أو حاسمة على المشهد اليمني، باستثناء أن المرحلة الحالية تمثل فترة هدوء مؤقتة لإعادة تقييم الخيارات المقبلة واستكشاف فرص إنعاش خارطة الطريق الأممية من جديد.


ويضيف الجبرني أن الهدنة، وإن كانت توفر فرصة للتهدئة، إلا أن الملف اليمني سيظل معلقًا إلى حدٍّ كبير. لافتًا إلى أنه "من المستبعد أن يتشكل مسار متكامل في المدى القريب، خاصة في ظل استمرار الانقسام الداخلي وضعف الإرادة الدولية."


وخلال الأيام الماضية، هدد مسؤولون من جماعة الحوثيين بشن هجمات على منشآت النفط والطاقة في السعودية، واستئناف الحرب. ففي 14 أكتوبر، هددت الجماعة المملكة عبر منشور لعضو مجلسها السياسي حِزام الأسد، الذي حمّل الرياض مسؤولية استمرار ما وصفه بـ«المماطلة في تنفيذ الالتزامات ». وتوعد بقصف أرامكو ونيوم لمنع حالة الجوع في صفوف السكان اليمنيين.


وَضمن مؤشرات لا تتسق مع حالة التهدئة العامة، داهمت جماعة الحوثيين مكاتب تابعة للأمم المتحدة في صنعاء وصادرت معدات وأصولًا مرتبطة بتقنيات المعلومات والاتصالات، وفق بيان صادر عن المنظمة الدولية في 27 أكتوبر الجاري. 


وأوضحت الأمم المتحدة أن الجماعة احتجزت أحد موظفيها تعسفيًا بعد أيام فقط من احتجاز خمسة آخرين في العاصمة الواقعة تحت سيطرتها، في تصعيدٍ وصفته مصادر أممية بأنه سابقة خطيرة تهدد العمل الإنساني في اليمن.


وكان مصدر مطلع قد أخبر مركز سوث24 بأن الحوثيين داهموا يوم السبت (25) أكتوبر مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في صنعاء. وعبثوا بمحتوياته. 


استقلالية الصراع الحوثي–الإسرائيلي


يرى فرناندو كارفاخال، الخبير الأمريكي والعضو السابق في فريق خبراء اليمن التابع لمجلس الأمن الدولي، أن الصراع بين الحوثيين وإسرائيل بعد وقف إطلاق النار بغزة "سيستمر طالما أن الطرفين يجدان فيه مصلحة متبادلة".


وأضاف لمركز سوث24 أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحتاج إلى  عدو خارجي لتبرير استمرار عملياته ضد حركة حماس، في حين يحتاج الحوثيون إلى إبقاء هذا الصراع قائمًا لضمان بقائهم في صدارة “محور المقاومة” والحفاظ على دعمهم الدولي بين المناهضين لإسرائيل".


ويشير كارفاخال إلى أن هذا الصراع يمنح الحوثيين فرصة لتعبئة الشارع اليمني في مناطق سيطرتهم وإقصاء القوى السياسية الأخرى، إذ لا يستطيع أحد انتقادهم طالما أنهم يعلنون مواجهة إسرائيل.


متعلق: ما بعد غزة: هل يكتسب الصراع بين الحوثيين وإسرائيل مسارًا مستقلاً؟

من جانبه، يقول نيك برومفيلد، الباحث الأمريكي المتخصص في الشأن اليمني، إنّ "الصراع بين الحوثيين وإسرائيل قد يكتسب دينامية مستقلة، حتى بعد التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في غزة"، مشيرًا إلى أن المشهد "لا يزال مفتوحًا على احتمالات عدة في ظل هشاشة الهدنة".


وأضاف لمركز سوث24: "الانفجار الذي وقع مؤخرًا على متن السفينة "فالكون"، والذي يُعتقد أنه ربما كان نتيجة هجوم إسرائيلي سري استهدف شحنة مرتبطة بإيران ومتجهة نحو الحوثيين، قد يكون مؤشرًا على استمرار مستويات منخفضة من الصراع غير المعلن بين الطرفين".


أبعاد عسكرية وتقنية 


على صعيد القدرات العسكرية لمليشيا الحوثيين خلال العامين الماضيين، قال كارفاخال أن "الترسانة الصاروخية للحوثيين تعتمد بالأساس على إيران"، موضحًا أنه "من غير الواضح عدد الصواريخ التي زُوّدوا بها" وأنهم لا يمتلكون القدرة على تصنيعها من الصفر".


وأشار إلى أن مخزون الطائرات المسيّرة لدى الحوثيين ليس وفيرًا، وأن الجماعة باتت أكثر حذرًا في استخدامها تحسبًا لأي تصعيد محتمل ضد خصومها في اليمن أو السعودية.


ويضيف كارفاخال أن الحوثيين قد "يفضّلون الادعاء بتنفيذ هجمات ضد إسرائيل دون استخدام فعلي لكثير من المسيّرات، حفاظًا على ترسانتهم الجوية بانتظار توقيت مناسب>


أما برومفيلد، فيرى أن الجماعة حققت خلال العامين الماضيين تقدمًا نوعيًا في خبراتها العسكرية، مشيرًا إلى أنه "كان من غير المتصور أن يتمكن الحوثيون من تنفيذ ضربات داخل العمق الإسرائيلي، لكنهم فعلوا ذلك بالفعل مؤخرًا".


ويضيف برومفيلد أن هذا التطور "يعكس تناميًا في خبراتهم العسكرية، غير أنّ اعتراض عدد من شحنات الأسلحة المرتبطة بإيران والموجهة للحوثيين من قبل خصومهم قد يفرض ضغوطًا متزايدة على شبكات التهريب ويحدّ جزئيًا من وتيرة تطوير قدراتهم".


الآفاق


على الرغم من أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أتاح للإقليم فرصة محدودة لالتقاط الأنفاس، إلا أن الأزمة اليمنية ما تزال محكومة بجمودٍ سياسي داخلي وتشابكٍ إقليمي معقّد.  ومن المرجح أن تأثير الهدنة على اليمن سيكون وظيفيًا ومؤقتًا، أي أنه يخفف التوتر دون أن يبدّل جذور الصراع أو يخلق مسارًا جديدًا نحو التسوية.


على الأرض، لم تُترجم الهدنة إلى أي تغيّر ملموس في الميدان، وما يزال سلوك الحوثيين قائمًا على التصعيد واستثمار الفوضى السياسية، خاصة مع استمرارهم في ممارساتهم التصعيدية ضد موظفي الأمم المتحدة في صنعاء ومناطق سيطرتهم، مما قد يؤثر على الوساطة الأممية بأسرها. 


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا