التحليلات

سكوت عن إيران وتحريض على العرب: مَن يخدم خطاب زعيم القاعدة في اليمن؟

الصورة: تصميم مركز سوث24 (تركيب)

آخر تحديث في: 11-06-2025 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن

"تكشف كلمة العولقي عن محاولة يائسة لإنعاش تنظيم فقد زخمه وشرعيته، حتى في أوساط المتعاطفين معه. الخطاب لا يعكس تضامنًا حقيقيًا مع مأساة غزة، بقدر ما يوظفها كأداة لتلميع مشروع عنف يمر بأزمة هوية وانحسار شعبي.."



مركز سوث24 | إبراهيم علي


في أول ظهور إعلامي له منذ توليه قيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خلفًا لخالد باطرفي، مارس 2024، خرج سعد عاطف العولقي في كلمة مرئية صادرة عن مؤسسة "الملاحم" الإعلامية التابعة للتنظيم. وقد تمحورت الكلمة حول ما يجري في قطاع غزة بعد الحرب الدامية التي شنتها إسرائيل في أعقاب عملية السابع من أكتوبر 2023.


أولًا: غزة كمدخل لإعادة التموضع الجهادي


يبدو جليًا أن تنظيم القاعدة لم يكن معنيًا بمتابعة ما يجري في غزة منذ بداية الحرب، إذ لم يُسجّل له أي نشاط لوجستي أو ميداني أو حتى موقف إعلامي مؤثر طوال الأشهر الأولى من الحرب. هذا الغياب يمكن تفسيره في إطار تراجع نفوذ التنظيم إقليميًا وتقلص قدراته نتيجة الضربات الأمنية والتغيرات الجيوسياسية. ومع تصاعد الزخم الشعبي والرسمي المناصر لغزة حول العالم، بدا أن تأخر ظهوره بات عبئًا، لا بد من تجاوزه عبر تسجيل موقف يعيده إلى واجهة الخطاب الجهادي العالمي، وهو ما يمكن فهمه من توقيت ومضمون كلمة العولقي.


اللافت أن الكلمة الأولى للعولقي خُصّصت بالكامل لغزة، رغم أن التنظيم عادة ما يستهل قياداته الجديدة برسائل داخلية تعبوية أو كلمات موجهة للساحات التي ينشط فيها فعليًا. اختيار غزة هنا يحمل بعدًا رمزيًا واضحًا، إذ يحاول التنظيم استثمار زخم الحرب لاستعادة حضوره الإعلامي وتذكير المتابعين بخطابه الجهادي القديم، وخاصة المتعلق بالقضية الفلسطينية.


وقد أعاد العولقي استخدام مضامين خطابية كلاسيكية مألوفة، تعود إلى عهد أسامة بن لادن وعبد الله عزام وأيمن الظواهري، في محاولة لإحياء ارتباط التنظيم التاريخي بالقضية. لجأ كذلك إلى استدعاء أقوال سابقة لهؤلاء القادة، بهدف الإيحاء بأن ما يجري اليوم في غزة يؤكد "صحة" ما طرحوه قبل عقود. وهذا الاستدعاء لم يكن بريئًا، بل جاء كجزء من عملية مقصودة لإعادة تدوير مبررات الجهاد العالمي وربطها بمشاهد دموية جديدة.


ما يميز هذه الكلمة أنها استخدمت مشاهد حقيقية من مأساة غزة، خصوصًا صور الأطفال الشهداء والأشلاء، كخلفية بصرية، وهو ما يُعد خروجًا نادرًا عن النمط البصري المعتاد لإنتاجات القاعدة. الهدف من ذلك كان خلق تعاطف وجداني وتحويله إلى تبنٍ عاطفي لسردية التنظيم.


ثانيًا: التصعيد والتحريض والفوضى.. خطاب يبحث عن جمهور


أخطر ما في كلمة العولقي كان تحريضه الصريح على الفوضى والعصيان في عدد من الدول العربية، مثل مصر والأردن ودول الخليج، وبشكل غير مسبوق في خطابات التنظيم. فقد دعا موظفي الوزارات الاستراتيجية، مثل البترول والبنوك، إلى الإضراب، وحث القبائل على التسلح استعدادًا لما أسماه "اليوم الموعود".


من أبرز محاور الكلمة، وربما أخطرها، دعوة العولقي الصريحة إلى إحياء ما أطلق عليه "سنة الاغتيالات"، في إشارة مباشرة إلى استهداف الحكام العرب، على رأسهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني، وكل "حكام الخليج". كما دعا الطيارين العسكريين إلى استخدام سلاحهم ضد حكوماتهم، في دعوة تعد من أشد ما صدر عن التنظيم في فرعه اليمني منذ تأسيسه. ولا شك أن هذا النوع من الخطاب الدموي، خصوصا أن يصدر عن قائد جديد، يشير إلى أن القاعدة تحاول تعويض تراجع نفوذها الميداني بإشعال الفوضى داخليا في البلدان المستقرة نسبيا. كما أنه استدعاء لنموذج الفوضى من الداخل، بعد أن فشلت الحرب المفتوحة ضد الأنظمة.


هذا النوع من التحريض يتجاوز الخطاب الجهادي التقليدي، الذي غالبًا ما كان يكتفي بالتنديد بالأنظمة أو الدعوة العامة للجهاد، إلى تحريض موجه ومحدد لفئات بعينها داخل المجتمعات. بذلك، يبدو أن فرع القاعدة في اليمن يحاول تبني نموذج أقرب إلى التنظيمات الثورية المسلحة التي تزرع الفوضى من الداخل.


ولم يخفِ العولقي سعيه لاستقطاب الغضب الشعبي، خصوصًا في أوساط الشباب، إذ حمّل الأنظمة الحاكمة مسؤولية ما يحدث في غزة، وصوّر القاعدة كتنظيم مبدئي لم يتغير في موقفه من فلسطين، على عكس الآخرين. وحين لم يجد هذا كافيًا، وسّع دائرة اللوم لتشمل رجال المال والعلماء، متهمًا إياهم بالتقصير في دعم "الجهاد".


لكن اللافت أيضًا كان سكوت العولقي الكامل عن إيران وأذرعها في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله والحوثيون. هذا الصمت غير المألوف، في توقيت كان يسمح له بمهاجمة خصوم تقليديين للتنظيم، يثير تساؤلات حول دوافعه. من الصعب فصل هذا عن التقارير المتداولة عن وجود قيادات من القاعدة في إيران، وعلى رأسهم الزعيم العام أحمد سيف العدل، وهو ما يعزز وجود تقارب تكتيكي أو اصطفاف غير معلن. فضلا عن التقارير المتعددة التي تشير إلى عمليات تنسيق وتعاون بين الحوثيين في اليمن وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحركة الشباب في الصومال.


ذات صلة: من آسيا إلى أفريقيا: تنظيم القاعدة يعيد رسم خريطته الجهادية


ثالثًا: إعادة تدوير خطاب العداء لأمريكا في ثوب داعش


لم تغب الولايات المتحدة عن خطاب العولقي، بل كانت حاضرة بقوة وبلهجة متطرفة. دعا العولقي المسلمين في أمريكا إلى تنفيذ عمليات دون الرجوع إلى أحد، مستعينًا بعبارة شهيرة لابن لادن: "لا تشاور أحدًا في قتل الأمريكان". الأخطر أنه لم يميز بين مدني وعسكري، بل حرّض بشكل مباشر على قتل النساء والأطفال، واعتبر ذلك "ردًا بالمثل".


الفيديو الذي امتد نحو ثلاثين دقيقة، تضمّن مشاهد تحريضية على شخصيات سياسية واقتصادية بارزة، من بينها الرئيس دونالد ترامب، ورجل الأعمال إيلون ماسك، ونائب الرئيس جي دي فانس، إضافة إلى وزيري الخارجية والدفاع. كما ظهرت شعارات شركة "تسلا" وعدد من العلامات التجارية المرتبطة بمراكز القوة الاقتصادية الأمريكية.


هذا النوع من التحريض العلني المباشر على شخصيات عامة، يعكس تحوّلًا في استراتيجية التنظيم نحو تعبئة فئات متطرفة وغير منظمة، من خلال استخدام أدوات بصرية وشعارات تجارية مألوفة، بما يشبه أسلوب تنظيم داعش أكثر من خطاب القاعدة التقليدي.


الخلاصة: صرخة مأزومة باسم غزة


في المجمل، تكشف كلمة العولقي عن محاولة يائسة لإنعاش تنظيم فقد زخمه وشرعيته، حتى في أوساط المتعاطفين معه. الخطاب لا يعكس تضامنًا حقيقيًا مع مأساة غزة، بقدر ما يوظفها كأداة لتلميع مشروع عنف يمر بأزمة هوية وانحسار شعبي. لقد سعى العولقي لإعادة تسويق التنظيم كحامل لمشروع "تحرري" يتجاوز الجغرافيا، لكنه لجأ في سبيل ذلك إلى دعوات للفوضى والاغتيالات والقتل العشوائي.


وفي واقع إقليمي تغيرت فيه موازين القوى، وتراجع فيه حضور القاعدة أمام صعود تنظيمات أشد عنفًا وتنظيمًا، بدت كلمته كاستدعاء يائس لمرحلة انتهت، أكثر من كونها إعلانًا عن مرحلة جديدة. فهي في جوهرها ليست سوى محاولة لصناعة زعامة على أنقاض مأساة، في وقت يحتاج فيه العالم إلى خطاب يوقف الدمار، لا يروّج له.


إبراهيم علي
اسم مستعار لباحث غير مقيم في مركز سوث24. متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة. أخفى هويته لأسباب شخصية.

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا