صورة محسنة بواسطة الذكاء الاصطناعي للقائد العام لتنظيم القاعدة، أحمد سيف العدل (تحسين مركز سوث24)
15-06-2024 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | إبراهيم علي*
تتظافر الأحداث التي تؤكد وجود علاقة من نوع خاص بين زعيم تنظيم القاعدة الحالي، أحمد سيف العدل، وفرع التنظيم في اليمن. كان آخر هذه الأحداث تأكيد الفرع اليمني للتنظيم موت نجل زعيمه. جاء التأكيد في العدد "18" من مجلة صدى الملاحم التي تضمنت مقالا لـ"خالد سيف العدل" مع جملة "رحمه الله" تحت الاسم. وقد أكدت تقارير أن وفاته كانت نتيجة حريق نشب بمنزله في مديرية وادي عبيدة بمحافظة مأرب اليمنية في مارس / آذار الماضي.
ما يجعل هذا التساؤل مثيرا للاهتمام هو دلالات وجود نجل القائد العام للتنظيم في اليمن وليس لدى أي فرع آخر من فروع القاعدة. يمكن أن نستخلص من ذلك تصورا معينا عن طبيعة اهتمام القيادة العامة الجديدة بهذا الفرع بالذات، وما هي الأسباب والدوافع الحقيقية وراء هذا الاهتمام.
اهتمام متبادل:
لا شك أن اهتمام سيف العدل بفرع القاعدة اليمني لا يتعلق فقط برد جميل جهد هذا الفرع في الإفراج عنه من أحد سجون إيران عبر صفقة تبادل معتقلين، فهناك اهتمام متبادل بين الطرفين. في العام 2015، أبرم التنظيم صفقة كبيرة مع إيران تضمنت الإفراج عن الملحق الثقافي الإيراني لدى صنعاء، أحمد نكبخت، مقابل الإفراج عن أحمد سيف العدل. وفق مصادر خاصة لـ"سوث24"، كان الهدف الرئيسي من وراء اختطاف القاعدة للمسئول الإيراني هو مقايضته بسيف العدل، ولم تأت فكرة المقايضة بعد العملية، مما يثير تساؤلات حول حرص التنظيم على خروج "العدل" من السجن.
لكن الغريب في الأمر هو أن سيف العدل، وبعد خروجه من السجن، قرر البقاء داخل الأراضي الإيرانية. كان بإمكانه الانتقال إلى مناطق البلوش، وهو مثلث بين باكستان وأفغانستان وإيران، حيث يمكنه الحصول على حماية من القبائل. لكن لماذا بقي في إيران بعد الإفراج عنه؟ لا شيء بكل تأكيد إن كان الأمر سيستمر على هذا النحو.
الانتقال إلى اليمن:
كان الاتفاق بين إيران وتنظيم القاعدة على نقل سيف العدل إلى اليمن بعد وصول الملحق الثقافي أحمد نكبخت إلى طهران، وفقا لمصادر خاصة لمركز سوث24. كانت الأجواء حينها مفتوحة بين اليمن وإيران بعد سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، لكن إعلان المملكة العربية السعودية ودول خليجية وعربية عن عملية عسكرية في اليمن "عاصفة الحزم" حال دون ذلك.
سيطر التحالف العربي على الأجواء اليمنية وأيضا على معظم المنافذ البرية والبحرية، وبات من الصعب القيام بخطوة كبيرة بحجم تهريب قيادي بارز في القاعدة إلى اليمن. لا يتعلق الأمر بصعوبة هذه المهمة فقط، فسيف العدل نفسه، وبعد انطلاق العملية العسكرية، اتخذ قرارا بالتريث، بحسب المصادر السابقة، لذا كان البقاء في إيران خيارا اضطراريا. لكنَّ تقارير أفادت بأنه عاد للمحاولة من جديد.
بدلا من قدوم سيف العدل إلى اليمن، قدم نجله خالد، وهو واحد من القيادات الفاعلة في التنظيم. ربما يعني قدوم خالد تخلي سيف العدل عن فكرة التواجد في اليمن، خصوصا بعدما أصبح القائد العام للقاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري بغارة أمريكية في العاصمة الأفغانية كابل قبل عامين. غير أنَّ مصادر مقربة من التنظيم أكّدت لـ"مركز سوث24" أن قدوم خالد كان تمهيدا لانتقال أبيه.
كما إنّ وجود نجل سيف العدل في اليمن يعكس اهتمام القيادة الجديدة بهذا الفرع بالتحديد. قد يكون ذلك بسبب قدرة الفرع اليمني على تنفيذ عمليات مؤثرة، أو بسبب التحالفات المحلية القوية التي يتمتع بها، خصوصا بعد التعاون الذي ظهر بين تنظيم القاعدة ومليشيا الحوثيين التي تدعمها إيران، وبعد توقف التنظيم عن استهداف الجماعة اليمنية منذ أكثر من عامين.
كذلك، تشير ذات المصادر السابقة إلى أنّ هواجس أمنية لدى سيف العدل كانت وراء إرسال نجله إلى اليمن، خصوصا بعد الاختراقات التي شهدها التنظيم وأدت إلى مقتل عدد كبير من قادته بغارات للطائرات الأمريكية من دون طيار خلال السنوات الماضية. تسوّق مصادر أخرى رواية ثالثة، مفادها أن سيف العدل ألحَّ على الإيرانيين من أجل الانتقال إلى اليمن، إلا أنّ الحرس الثوري الإيراني قابل ذلك برفض مطلق "خشية أن ينتزع سيف العدل استقلاله الذاتي بمجرد خروجه من تحت أيديهم".
حاليا، وبعد وفاة نجله في حريق مأرب، لا يُعرف ما القرار الذي سيتخذه سيف العدل فيما يتعلق بالقدوم إلى اليمن، خصوصا إن ساورته شكوك حول طبيعة موت نجله وأيضا موت خالد باطرفي زعيم الفرع اليمني، بعدما ألمحت تقارير إلى أن هناك شكوكا حول تعرضه للسم. لكنَّ المؤكد هو أن اليمن تعني الكثير لزعيم القاعدة، بصرف النظر عن قدومه من عدمه.
لماذا اليمن؟:
على الرغم من أن القيادة العامة لتنظيم القاعدة بقيت بين أفغانستان وباكستان منذ التأسيس، إلا أن هذين البلدين لم يعودا مناسبين بالنسبة إلى زعيم يتمتع بحس أمني عالٍ مثل أحمد سيف العدل. إلى جانب أن اتفاق الأمريكيين مع حركة طالبان تضمن اشتراطا بعدم استقبال وإيواء عناصر القاعدة، لقي أيمن الظواهري مصرعه بغارة أمريكية في العاصمة كابل التي تسيطر عليها طالبان.
لا شك أن مقتل الظواهري في مربع أمني تسيطر عليه طالبان أمر مثير للشكوك. أيضا، تعتبر باكستان مرتعا للاستخبارات الأمريكية، وهناك تعاون وثيق بين الأخيرة وبين الاستخبارات الباكستانية، وقد توج ذلك من قبل بالوصول إلى زعيم التنظيم الأسبق أسامة بن لادن، الذي لقي حتفه بعملية أمريكية في "أبوت اباد" بتاريخ 2 مايو 2011. إلى جانب ذلك، لم يعد لتنظيم القاعدة تواجد كبير في هذين البلدين.
وعلى الأرجح، يبدو فرع القاعدة اليمني أكثر اهتماما بقدوم سيف العدل إلى اليمن، لاعتبارات عديدة، من بينها تأثير الجناح المصري بقيادة إبراهيم البنا، وحاجة هذا الفرع إلى قيادي من الوزن الثقيل بعد نزيف القادة الذي تعرض له خلال السنوات الماضية. كما أن تواجد سيف العدل في إيران يمثل حرجا له ولتنظيمه، رغم أنَّ ذلك يحميه من محاولة الاغتيال الأمريكية.
لكن، وفي حال لم يتمكن سيف العدل من الانتقال شخصيا إلى اليمن، لأسباب تتعلق بصعوبة ذلك، أو برفض إيران، قد يتمكن من نقل مركز القيادة العامة إليه، مع بقائه قائدا في الظل عن بعد. غير أنَّ موت نجله، الذي يبدو أنه كان يعتمد عليه بشكل كبير، سيحيط المهمة ببعض التعقيدات.
خلاصة:
مع أن وفاة نجل زعيم تنظيم القاعدة في اليمن قد يكون خبرا غير مهم في حد ذاته كحادث وفاة، إلا أنه يحمل دلالات مهمة حول طبيعة العلاقة بين القيادة العامة الجديدة للتنظيم وفرعها اليمني، وما قد يترتب على ذلك من خطوات وإجراءات مستقبلية يمكن أن تزيد من تعقيد الوضع في الداخل وتثير قلق الخارج.
تشير المعطيات والمعلومات آنفة الذكر إلى أن هناك اهتماما كبيرا بنقل مركز القيادة العامة لتنظيم القاعدة إلى اليمن، بعد مقتل الظواهري، وتراجع التنظيم بشكل كبير في أفغانستان وباكستان، وتولي سيف العدل الزعامة. ولا يبدو أن وفاة نجل زعيم القاعدة سيحول دون ذلك.
على الرغم من أن رغبة سيف العدل في الانتقال إلى اليمن تصطدم بمعوقات عديدة، أبرزها رفض إيران للفكرة، إلا أن حدوث ذلك مستقبلا أمرٌ غير مستبعد، خصوصا وأن لدى الفرع اليمني أوراق ضغط قد تجبر إيران على الرضوخ، من بينها ـ على سبيل المثال ـ معاودة النشاط في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
*إبراهيم علي
باحث متخصص بشؤون الجماعات المسلحة اليمنية، أخفى هويته لأسباب شخصية
قبل 3 أشهر