الصورة: سعد بن عاطف (اقتطاع وسائل إعلام عربية - تحسين سوث24)
24-03-2024 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
"على الرغم أنّ باطرفي حاول تأليب القبائل المحلية ضد القوات الجنوبية ودولة الإمارات العربية خلال فترة ولايته لكنه فشل، إلا أنّ حديث سعد بن عاطف الذي نُشر في إحدى مؤلفاته في 2019 ولم يحظ بتداول واسع، يراهن على انتمائه بصورة أو بأخرى لمناطق الجنوب، وبالتالي قد يشكّل هذا تحديا محتملا للقوات الجنوبية."
مركز سوث24 | إبراهيم علي*
بخلاف كل قادته السابقين، أعلن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، وفاة ـ وليس مقتل ـ زعيمه خالد باطرفي. كان الأخير قد تولى قيادة هذا الفرع خلفا لزعيمه السابق قاسم الريمي الذي لقي حتفه بغارة أمريكية في العام 2020.
وفي مقطع الفيديو الذي نشرته منصات تتبع التنظيم، يوم الأحد الماضي، قرأ القيادي أبو خبيب السوداني، مسؤول بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بيانًا مفاجئا لم يقدم خلاله أية تفاصيل حول أسباب وفاة باطرفي. ومع ذلك، فقد أكدت مصادر خاصة لـ"سوث24"، أن باطرفي أصيب بمرض تطّلب نقله إلى المستشفى، لكنَّ وضعه الأمني حال دون ذلك، ليفارق الحياة بعد صراع مع مرضه.
ويعد باطرفي أول قيادي في فرع القاعدة اليمني يغادر الحياة بحالة وفاة طبيعية، إذ قضى كل قادته السابقين بغارات أمريكية. كما يُستبعد أن تكون الوفاة نتيجة لإصابة سابقة، لأن البيان كان سيتحدث عن "استشهاد" وليس "موت".
وباطرفي سعودي مولود في الرياض في أوائل الأربعينيات من عمره، وعمل متحدثا رسميا بالتنظيم. وقد صنفته الولايات المتحدة في 2018 "إرهابيا عالميا".
وكان باطرفي قد تولى القيادة في مرحلة صعبة بالنسبة إلى فرع تنظيم القاعدة اليمني، فإلى جانب الخلافات التي عصفت بهذا الفرع على خلفية رفضه مبايعة تنظيم الدولة، وأيضا الخلافات الشخصية بين باطرفي والقيادي المنشق أبو عمر النهدي، عاني الفرع من مشاكل أمنية وعسكرية بعد تضييق الخناق عليه في أهم معاقله بمحافظتي أبين وشبوة. وصلت القوات الجنوبية إلى هذه المعاقل لأول مرة منذ سنين، وخاضت اشتباكات مع عناصره الذين اضطروا لتركها. المعاناة الأكبر تمثلت في طرد القوات الجنوبية للعناصر المحسوبة على حزب الإصلاح من المناطق التي كانت تسيطر عليها في المحافظتين. كانت تلك المناطق قد شكّلت معاقل بديلة للتنظيم. على إثر تلك المعاناة وجه باطرفي ـ ولأول مرة ـ رسالة علنية إلى القبائل لحثها على تقديم الدعم.
ومع أن باطرفي لم يكن العقل الوحيد الذي يدير تنظيم القاعدة في اليمن، فهناك قيادات أخرى ـ غير يمنية ـ تفوقه خبرة، إلا أن وضع التنظيم شهد حالة من الجمود خلال فترة زعامته. ما يعني أن المشكلة لم تكن مشكلة قيادة بدرجة رئيسية، مع التأكيد على أن باطرفي أقل خبرة من كل القيادات السابقة.
ربما اختير باطرفي خلفا للريمي لأنه متعمق في الجانب الشرعي (الديني)، في مرحلة يحتاج فيها التنظيم إلى شخصية قادرة على معالجة المشاكل الداخلية لا الجانب العملياتي. كان لباطرفي تأثير واضح في هذا الجانب على بعض قرارات فرع القاعدة اليمني. على رغم أن قادة التنظيم لم يتخذوا موقفا صريحا مما دعا إليه تنظيم الدولة في بادئ الأمر، إلا أن باطرفي اتخذ موقفا هجوميا منذ البداية، كما تشير إلى ذلك رسائله من السجن. في نهاية المطاف، ساد موقف خالد باطرفي في هذه القضية. أما سعد عاطف، فقد كان ـ على ما يبدو ـ خيار الضرورة، لعدم وجود قادة آخرين مؤهلين من الجنسية اليمنية.
خيار الضرورة
في ذات بيان نعي باطرفي أعلن القاعدة أنّ مجلس شورى التنظيم "اختار" سعد بن عاطف العولقي أميرا جديدا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب (قاعدة اليمن).
وعلى رغم انخراطه المبكّر مع التنظيم، إلا أن الزعيم الجديد للقاعدة سعد عاطف، لم يكن من القادة البارزين المؤهلين للظهور إعلاميا في مراحل التنظيم الذهبية. ومع ذلك، فإن خبرته العسكرية والأمنية التي اكتسبها من خلال احتكاكه بقادة التنظيم السابقين ليست عادية.
ويمكن القول أيضا إن عاطف حرص على إحاطة نفسه بهالة من الغموض، لكنه اضطر للظهور قليلا بعد مقتل معظم قادة التنظيم العسكريين والأمنيين والشرعيين، وفق لما أفادت به مصادر مقربة من التنظيم لمركز سوث24. بين العامين 2014 - 2015، خسر التنظيم عددا كبيرا من قادته، أمثال ناصر الوحيشي، ونصر الآنسي، وإبراهيم الربيش، ومأمون حاتم، وحارث النظاري، وقاسم الريمي، وغيرهم.
وفيما يتعلق بغموض سعد عاطف، فيمكن ملاحظة ذلك من خلال تأكيده بأنه "لا نركز في هذه المراحل على البروز في الإعلام بشكل ملفت ونركز على الدعوة المحلية". ويعتقد العولقي أنّ "العدو في بعض الأحيان يحاول أن يسلط الإعلام على جماعة معينة أو طرف معين حتى يحشد ضده ويجيش، وهذا استخدم معنا في فترات سابقة لكنهم فشلوا"، كما يقول.
مع ذلك، فقد رأى التنظيم سعد عاطف مؤهلا لمناصب مهمة، حيث تم تعيينه "أميرا" لمحافظة شبوة في وقت مبكر. لعب عاطف دورا هاما في سيطرة التنظيم على مناطق شاسعة في المحافظة بين العامين 2011 - 2012. كما أُسندت إليه إدارة مدينة عزان في المحافظة التي أعلنها التنظيم، حينها، "إمارة إسلامية" وطبق فيها أحكام الشريعة وفق فهمه لها. كان سعد قبل ذلك قد لعب دورا في الاستقطاب في أوساط القبائل لصالح تنظيم القاعدة، وفي توفير المأوى والحماية لعناصره. وبحكم انتمائه إلى مديرية الصعيد بشبوة، حوَّل عاطف بعض مناطقها إلى ملاذات لعناصر التنظيم.[1] وعلى رغم أن القوات الجنوبية وصلت إلى تلك الملاذات، ولأول مرة في تاريخ الحروب ضد الإرهاب في اليمن، إلا عناصر التنظيم لا تزال تنفّذ فيها بين الحين والآخر هجمات ضد قوات دفاع شبوة. تعتبر مديرية الصعيد تاريخيا أهم مسقط رأس لقيادات التنظيم في محافظة شبوة، وإليها ينتمي عدد كبير من قادته، أمثال أنور العولقي، ومحمد عمير الكلوي، وسعد عاطف، وآخرين.
يدرك أمير التنظيم الجديد أهمية السيطرة على الأرض، وضرورة "التشكل مع الواقع بأشكال مختلفة"، ويستغل انتماءه لتلك المناطق في محاولة التأثير على بعض أبناء القبائل والمغرر بهم من الشباب العاطلين عن العمل. ولذلك يقول العولقي عن نفسه وجماعته في وقت سابق: " نحن متجذرون في الأرض وعندنا حاضنة شعبية كبيرة تنصرنا وتؤينا وتمدنا.. لسنا غرباء يسهل التخلص منا أو عزلنا عن محيطنا القبلي والشعبي".
يشير حديث سعد بن عاطف آنف الذكر، إلى أن الاستراتيجية التي ينتهجها قائمة على توطيد العلاقة مع المجتمع القبلي في المناطق التي يتواجد فيها عناصر التنظيم. وعلى الرغم أنّ باطرفي حاول تأليب القبائل المحلية ضد القوات الجنوبية ودولة الإمارات العربية خلال فترة ولايته لكنه فشل، إلا أنّ حديث العولقي السابق الذي نُشر في إحدى مؤلفاته في 2019 ولم يحظ بتداول واسع، يراهن على انتماءه بصورة أو بأخرى لمناطق الجنوب، وبالتالي قد يشكّل هذا تحديا محتملا للقوات الجنوبية.
وكان موقع سايت الأمريكي المتخصص بالجماعات الإرهابية قد ذكر أنّ سعد العولقي ظهر آخر مرة في مقطع مصور صدر في فبراير/شباط 2023، وحث فيه رجال القبائل السنية في محافظتي أبين وشبوة على مقاومة مبادرات الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي للانضمام إلى قتالهم ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
خلفية أمنية وعسكرية
بخلاف زعيم التنظيم السابق خالد باطرفي، يتمتع سعد عاطف بخبرة أمنية وعسكرية كبيرة. يمكن القول إنه يشبه ـ إلى حد كبير ـ زعيم التنظيم الأسبق قاسم الريمي. لم يكن الريمي ذا شخصية قيادية ملهمة، لكنه كان قائدا عسكريا محنكا. كان الريمي يقف وراء عملية التخطيط للسيطرة على محافظتي أبين وشبوة بين العامين 2011 و2012، إذ كان حينها المسؤول العسكري لفرع القاعدة اليمني.
كما أنّ برنامج المكافآت من أجل العدالة الأمريكي قد عرض في وقت سابق 6 ملايين دولار مقابل تقديم معلومات عن سعد العولقي. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن العولقي دعا علنا إلى شنّ هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها.
غير أن خلفية "عاطف" العسكرية والأمنية لا تعني أن تغييرا كبيرا سيطرأ على شكل نشاط تنظيم القاعدة في اليمن خلال المرحلة القادمة، لأنّ إدارة التنظيم الحقيقية لم تعد بيد شخص زعيمه، فهناك قادة كبار يشاركونه الإدارة، وربما اختير عاطف زعيما بسبب جنسيته اليمنية، إذ لا يُعطى هذا المنصب لأشخاص من خارج بلد تواجد التنظيم. إلى جانب ذلك، باتت اليمن نقطة تركيز قيادة التنظيم العامة، بعدما تراجع حضورها في أفغانستان وباكستان، وتولي أحمد سيف العدل (المتواجد في إيران) زعامة القاعدة خلفا لأيمن الظواهري الذي قتل بقصف أمريكي في مدينة كابل الأفغانية في أغسطس 2022. ما يعني أن مرحلة عاطف قد لا تختلف كثيرا عن مرحلة باطرفي، إلا فيما يتعلق بطبيعة العلاقات الاجتماعية والقبلية.
خلاصة
• ماتزال المعلومات المتوفرة عن الزعيم الجديد لفرع القاعدة في جزيرة العرب، قليلة، بسبب قلة ظهوره.
• يشير الظهور المتكرر لسعد عاطف خلال الآونة الأخيرة، إلى أنه كان يُعدّ لهذا المنصب بعد مقتل جل قادة التنظيم من الصفين الأول والثاني. لم يُعرف لعاطف أي ظهور إعلامي في المراحل المبكرة للتنظيم.
• لا يبدو أنّ تغيّرا كبيرا سيطرأ على وضع التنظيم الحالي في ظل قيادة "عاطف"، وإن حدث فلن يكون له علاقة بشخصية القائد، فالقيادة من بعد مقتل قاسم الريمي شكلية بصورة كبيرة.
• على رغم أن التحديات التي ستواجه القائد الجديد قد تكون أقل من التحديات التي واجهت سلفه باطرفي، بسبب الخلافات الداخلية مع النهدي، ومع تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن مهمة إعادة إحياء التنظيم ستكون صعبة وشاقة في ظل ظروفه الحالية.
• لم يعد لدى التنظيم قادة محليين مؤهلين لزعامته منذ مقتل الريمي.
إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية
هامش:
[1] مصدر خاص وآخر قبلي لمركز سوث24
قبل 3 أشهر