التقارير الخاصة

بين الإمكانات والتحديات، الواقع الزراعي في محافظة شبوة

جانب من النشاط الزراعي في مديرية نصاب بمحافظة شبوة، 11 أكتوبر 2025 (مركز سوث24)

آخر تحديث في: 30-10-2025 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

"يُظهر المشهد الزراعي في شبوة تنوعًا غنيًا يعكس طبيعتها الجغرافية والمناخية، حيث تمتد أنماط الزراعة من المناطق الساحلية الرطبة إلى الوديان الداخلية الخصبة."


مركز سوث24 | عبد الله الشادلي


في جنوب اليمن، تبرز محافظة شبوة كواحدة من أكثر المحافظات تنوعًا في مواردها ومقوماتها الاقتصادية. فهي تمتد من المرتفعات الداخلية الخصبة إلى السهول المنبسطة على ساحل بحر العرب، ما جعلها بيئة طبيعية مواتية للزراعة منذ قرون. 


ورغم الحرب المستمرة وما رافقها من تدهور في الخدمات والبنية التحتية، ما تزال الزراعة تمثّل شريان الحياة الرئيس للسكان المحليين، ومصدر الدخل الأول لآلاف الأسر الريفية التي تعتمد عليها في معيشتها اليومية.


يسعى هذا التقرير إلى تحليل الواقع الزراعي في شبوة واستكشاف إمكاناتها الطبيعية والاقتصادية، إلى جانب التحديات التي تعيق تطور هذا القطاع الحيوي. كما يسلّط الضوء على الجهود الحكومية والمجتمعية المبذولة لتطوير الزراعة التقليدية وتحويلها إلى رافدٍ إنتاجي يسهم في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.


المقومات والإمكانات


تتمتّع شبوة بتنوّع طبيعي وجغرافي يجعلها من أبرز المناطق القابلة للتحول الزراعي في البلاد. فمناخها يتراوح بين المعتدل والحار، وتربتها الغنية بالمغذيات تمتد على نطاق واسع من الوديان إلى السواحل، بينما تسهم الموارد المائية الجوفية والموسمية في دعم الإنتاج الزراعي على مدار العام. هذا التنوّع البيئي، مقرونًا بمرونة السكان واعتمادهم التاريخي على الأرض، يشكّل ركيزة أساسية لبناء اقتصاد زراعي متوازن ومستدام.



جانب من النشاط الزراعي في منطقة المصينعة بمديرية الصعيد بمحافظة شبوة، 11 أكتوبر 2025 (مركز سوث24)


وبشأن الإمكانات الزراعية للمحافظة، وكيل وزارة الزراعة والري المهندس أحمد الزامكي لمركز سوث24: "محافظات الجنوب، وفي مقدمتها شبوة، تمتاز بامتلاكها مقومات زراعية غنية ومتنوعة، تشمل محاصيل الحبوب والنقدية والتمور والخضروات والفواكه، إلى جانب الثروة الحيوانية من الماشية والنحل والمنتجات السمكية."


وأضاف أن محافظة شبوة تمثل "نموذجًا فريدًا في هذا التنوع بفضل تضاريسها ومناخها المتباين، فمناطق السهول الساحلية والوديان الخصبة تشهد زراعة الحبوب، خصوصًا القمح في مديريات بيحان، وعين، ومرخة، فيما تشتهر مديريات أخرى بإنتاج أجود أنواع العسل الذي يُعد من المنتجات الزراعية ذات القيمة الاقتصادية العالية."


أما مدير مكتب الزراعة والري بمحافظة شبوة، المهندس فهد العتيقي، فأوضح لمركز سوث24 أن المحافظة تضم "عددًا من الأودية الزراعية المهمة، أبرزها بيحان ومرخة وعبدان وميفعة، وهي مناطق إنتاج رئيسية تعتمد على الزراعة المطرية والمياه الجوفية.” وأشار إلى أن المكتب “يركز على تطوير أنظمة الري والمنشآت المائية، وحماية الأراضي من التصحر، وتعزيز خدمات الإرشاد الزراعي ومكافحة الآفات."


ويؤكد الخبير الزراعي والمهندس الجيولوجي عصام بوعرام أن “تربة شبوة ممتازة جدًا وخصبة، وتصلح لزراعة مختلف أنواع المحاصيل تقريبًا”. وأوضح لمركز سوث24 أن “التجارب الزراعية أثبتت أن التربة المحلية تملك قدرة إنتاجية عالية وتنوعًا زراعيًا كبيرًا.”



جانب من النشاط الزراعي في مديرية نصاب بمحافظة شبوة، 11 أكتوبر 2025 (مركز سوث24)


تنوع الإنتاج الزراعي ومصادر الدخل


يُظهر المشهد الزراعي في شبوة تنوعًا غنيًا يعكس طبيعتها الجغرافية والمناخية، حيث تمتد أنماط الزراعة من المناطق الساحلية الرطبة إلى الوديان الداخلية الخصبة. هذا التنوع أوجد مزيجًا متوازنًا من المحاصيل الغذائية الأساسية والمحاصيل النقدية ذات الجدوى الاقتصادية العالية، ما جعل الزراعة مصدر دخلٍ رئيسي ومعيشي مستدام لآلاف الأسر الريفية.



جانب من النشاط الزراعي في منطقة المصينعة بمديرية الصعيد بمحافظة شبوة، 11 أكتوبر 2025 (مركز سوث24)


ويلفت المهندس فهد العتيقي، إلى أن "الذرة والدخن والتمور ما تزال تشكّل نسبة جيدة من المساحات المزروعة في معظم مناطق المحافظة، فيما شهدت السنوات الأخيرة تزايد اهتمام المزارعين بالمحاصيل النقدية ومحاصيل الخضروات التي تدر دخلاً أفضل." ويضيف أن هذا التحول نحو الزراعة التجارية ساهم في تحسين مستوى المعيشة للمزارعين رغم التحديات التي تواجههم.


ويقول المزارع ناصر السليماني لمركز سوث24 إن "الزراعة تمثل مصدر العيش الأساسي لأغلب الأسر في مناطقنا، خصوصاً في الوديان الخصبة مثل جردان وعبدان ومرخة. أبرز المحاصيل التي نعتمد على زراعتها هي الذرة والدخن والسمسم والقمح، إلى جانب الخضروات الموسمية مثل الطماطم والبطيخ.”


ويشير المهندس أحمد الزامكي إلى أن "محافظة شبوة تُعد رافدًا مهمًا للأسواق المحلية بمحاصيل الحبوب، خاصة القمح الذي يُعد سلعة أساسية يعتمد عليها السكان بشكل كبير.” ويضيف أن “نسبة الاستيراد من القمح تصل إلى نحو 95% من إجمالي الاحتياج السنوي، في حين يغطي الإنتاج المحلي 5% فقط”، لافتًا إلى أن المحافظة “تسهم أيضًا بإنتاج أنواع متميزة من العسل، ما يجعلها مساهماً فعالاً في دعم الناتج المحلي والصادرات الوطنية."


إلى جانب التنوع المحصولي، يشهد القطاع الزراعي في شبوة تحولًا تدريجيًا من الأساليب التقليدية إلى التقنيات الحديثة، خصوصًا في مناطق الوديان التي تعتمد على المياه الجوفية. ويوضح الخبير الزراعي عصام بوعرام أن "الاعتماد على الزراعة الحديثة بات ضرورة ملحّة، ويجب التخلص تدريجيًا من الأساليب التقليدية التي أصبحت مرهقة ومكلفة للمزارعين."


ويضيف أن "الزراعة الحديثة القائمة على أنظمة الري بالتنقيط والطاقة الشمسية توفر الجهد والتكلفة، وتشجع المزارعين على التوسع في الإنتاج، خصوصاً مع تراجع الاعتماد على الديزل وارتفاع كلفته."


أما المزارع ناصر السليماني فيؤكد أن "استخدام المضخات وشبكات الري بالتنقيط ساعد في تحسين الإنتاجية وترشيد استهلاك المياه في بعض المناطق، لكن هذه الوسائل ما زالت محدودة ومكلفة. أغلب المزارعين لا يستطيعون تحمل كلفة تركيب أنظمة الري الحديثة أو صيانتها."


ويشير إلى أن "في بعض الوديان التي تتوافر فيها المياه الجوفية، كانت المضخات سبباً في زيادة الإنتاج، لكن في مناطق أخرى تسببت بكثرة الاستنزاف وتراجع منسوب المياه."



جانب من النشاط الزراعي في منطقة المصينعة بمديرية الصعيد بمحافظة شبوة، 11 أكتوبر 2025 (مركز سوث24)


التحديات أمام التنمية الزراعية


على الرغم من المقومات الطبيعية الواعدة التي تمتلكها محافظة شبوة، فإن القطاع الزراعي فيها يواجه تحديات بنيوية متراكمة تُعيق تطوره وتحد من مردوده الاقتصادي. تتصدر ندرة المياه وتراجع منسوبها الجوفي أبرز هذه التحديات، إلى جانب ضعف البنية التحتية الزراعية وغياب مراكز التسويق والخدمات المتخصصة، فضلًا عن ارتفاع تكاليف التشغيل والوقود، وغياب الدعم الحكومي المنتظم.



آثار التصحر في منطقة حبان بمحافظة شبوة جنوب اليمن، 1 مايو 2025 (مركز سوث24)


يقول وكيل وزارة الزراعة والري المهندس أحمد الزامكي إن "أبرز التحديات تتمثل في شح الموارد المائية وتداعيات التغيرات المناخية"، مشيرًا إلى أن الوزارة "تولي اهتمامًا خاصًا بهذه القضية عبر مشاريع حصاد المياه والسدود التحويلية وقنوات الري."


ويضيف أن "الوزارة تعمل بالتعاون مع السلطة المحلية لتعزيز تدخلات الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، مشيدًا بدعم دولة الإمارات التي ساهمت في صيانة وتأهيل مشاريع حصاد المياه المنفذة سابقًا، إلى جانب تمويل مشاريع جديدة تهدف إلى تحسين إدارة الموارد المائية في المحافظة."


أما مدير مكتب الزراعة والري بمحافظة شبوة، فيوضح أن القطاع الزراعي "يعاني من صعوبات كبيرة في التسويق والتصدير الزراعي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة بسبب ظروف الحرب، مما أدى إلى تراكم مشكلات متعددة في هذا المجال.” ويضيف أن “أبرز التحديات تتمثل في غياب مراكز تسويق مجهزة تعمل بطريقة مثالية، حيث تتم عمليات البيع والشراء بأساليب بدائية وعشوائية، إلى جانب عدم وجود مراكز متخصصة لإعداد الصادرات."


كما يشير إلى أن "ضعف المستوى التأهيلي للعاملين وغياب الخطط الإنتاجية المتوافقة مع السوق يضاعف من حدة المشكلة."


من جانب آخر، يصف المزارع ناصر السليماني معاناة المزارعين بقوله: "أكبر الصعوبات التي نواجهها كمزارعين في شبوة تتمثل في نقص المياه وارتفاع أسعار الوقود للمضخات، إضافة إلى غياب الدعم الحكومي وصعوبة الحصول على الأسمدة والمبيدات بأسعار معقولة.” ويضيف أن “الكثير من المزارعين اضطروا لتقليص مساحات الزراعة بسبب تكاليف التشغيل المرتفعة."


وتُعد ظاهرة التغير المناخي والتصحر من أبرز التحديات الحديثة التي تضاعف من هشاشة الزراعة في المحافظة. ففي مناطق مثل مديرية حبان، تحوّل جزء من الوادي الخصيب إلى أرض متشققة منخفضة الخصوبة، في ظل ارتفاع شديد في درجات الحرارة وتأخر مواسم الأمطار وتكرار فترات الجفاف.


ووفقًا لتقرير نشره مركز سوث24 في يونيو 2025، ارتفعت وتيرة فقدان الأراضي الصالحة للزراعة في اليمن إلى مستويات مقلقة، بينما يشير مزارعو شبوة إلى أن أراضيهم الخصبة بدأت تتحول إلى بقع متصحّرة.



آثار التصحر في منطقة حبان بمحافظة شبوة جنوب اليمن، 1 مايو 2025 (مركز سوث24)


إلى جانب العوامل الطبيعية، تسهم أنشطة بشرية في تسريع الظاهرة، أبرزها قطع الأشجار بغرض الوقود والرعي الجائر وانجراف التربة بسبب السيول بعد فقدان الغطاء النباتي.


اقرأ المزيد: التصحر في اليمن: العوامل والأثر والاستجابات


آفاق الاستثمار والأمن الغذائي


رغم التحديات التي تعيق تطور الزراعة في شبوة، فإن الفرص الاستثمارية في هذا القطاع تبدو واعدة على المديين المتوسط والطويل. 


يقول الخبير الزراعي عصام بوعرام إن "زراعة القمح تأتي في مقدمة هذه الفرص، إذ أثبتت التجارب أن القمح المزروع في أراضي شبوة ينتج بجودة عالية جدًا"، داعيًا إلى "تشجيع التوجه نحو زراعة القمح والسمسم، إلى جانب الخضروات الأساسية مثل الطماطم والبطاطس والبصل." ويضيف أن "الاستثمار في هذه المحاصيل لن يحقق فقط الاكتفاء الذاتي للمحافظة، بل سيشكل أيضًا مشروعًا استثماريًا مجديًا على المدى المتوسط والطويل."



جانب من النشاط الزراعي في مديرية نصاب بمحافظة شبوة، 11 أكتوبر 2025 (مركز سوث24)


ويلفت بوعرام إلى إن "تحقيق الاكتفاء الذاتي ممكن بدرجة كبيرة إذا ما تم دعم المزارعين بشكل فعّال وتفعيل دور مكتب الزراعة بجدية ومصداقية"، مشيرًا إلى أن "توفير البذور المحسّنة والطاقة الشمسية، وإصلاح الأراضي العاطلة، ومكافحة الأشجار الضارة، كلها خطوات ضرورية لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة."


من جهته، يؤكد المهندس أحمد الزامكي أن "الوزارة وضعت خططًا لتوسيع استخدام تقنيات الري بالتنقيط والرش، إضافة إلى مشاريع حصاد مياه الأمطار وإنشاء الخزانات التحويلية الصغيرة لدعم المزارعين في المناطق الريفية." لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن "الاحتياجات ما تزال كبيرة جدًا، خاصة بعد توقف الموازنات الاستثمارية والتمويلات التنموية خلال سنوات الصراع."


ويتفق المزارع ناصر السليماني مع هذا الطرح، قائلًا: "لدينا أراضٍ خصبة وموارد كبيرة يمكن أن تجعل المحافظة سلة غذاء للجنوب إذا توفرت البنية التحتية والدعم الكافي. نحتاج إلى مشاريع ري حديثة، وتمويل زراعي، وتسويق للمنتجات المحلية حتى نتمكن من الاستمرار في الزراعة وتحسين دخلنا وحياتنا."


ترتبط هذه الفرص الاستثمارية ارتباطًا وثيقًا بتحقيق الأمن الغذائي المحلي والوطني. فمحافظة شبوة، بما تمتلكه من إمكانات طبيعية وطاقات بشرية، قادرة على أن تكون ركيزة أساسية لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير احتياجات السكان من الحبوب والخضروات. 



جانب من النشاط الزراعي في مديرية نصاب بمحافظة شبوة، 11 أكتوبر 2025 (مركز سوث24)


ويمكن القول إن شبوة تقف اليوم على عتبة تحول، فبين أرض خصبة لم تُستثمر بعد، وإرادة محلية تسعى للنهوض، ودعمٍ محتمل من مؤسسات وجهات محلية وخارجية، تمتلك المحافظة كل المقومات لتصبح - إلى جانب محافظات زراعية مثل أبين ولحج - “سلة غذاء الجنوب” ومركزًا زراعيًا مزدهرًا يرفد الاقتصاد الوطني ويعزز استقرار المجتمعات المحلية.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات

يأتي هذا التقرير ضمن مشروع ممول من "صندوق العمل العاجل" (Urgent Action Fund)، بهدف تسليط الضوء على القضايا المناخية والبيئية وقضايا المرأة وذوي الإعاقة.

الكلمات المفتاحية:



شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا