آثار التصحر في منطقة حبان بمحافظة شبوة جنوب اليمن، 1 مايو 2025 (مركز سوث24)
آخر تحديث في: 19-06-2025 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
|
مركز سوث24 | عبدالله الشادلي
في بلد أنهكته الحرب وانكمشت فيه مقومات الحياة، يلتهم التصحر المساحات الخضراء ويحوّلها إلى أراضٍ قاحلة. تقدم التصحر ببطء لكنه بثبات، مدفوعًا بتضافر عوامل مناخية وبشرية. فمع استمرار الصراع المسلح واستنزاف الموارد، وغياب السياسات البيئية، يجد هذا التهديد البيئي طريقًا مفتوحًا للانتشار في عمق الجغرافيا اليمنية، التي تُعد من بين أكثر مناطق العالم هشاشة أمام تأثيرات التغير المناخي.
التحولات المناخية في اليمن، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وعدم انتظام الأمطار، وزيادة شدة الكوارث الطبيعية مثل السيول والأعاصير، باتت تشكل بيئة خصبة لتفاقم أزمة التصحر. إلى جانب ذلك، ساهمت الأنشطة البشرية غير المستدامة مثل القطع الجائر للأشجار، والرعي المفرط، والزحف العمراني العشوائي، وسوء إدارة الموارد المائية، في تسريع تدهور الأراضي. أما الحرب، فقد أضافت بُعدًا كارثيًا لهذا التدهور، من خلال تدمير البنى التحتية الزراعية، ونزوح السكان، وتعطيل جهود المواجهة المؤسسية.
هذا التدهور المتسارع لا يهدد فقط الزراعة التي تشكل عماد سبل العيش للملايين، بل يفاقم أيضًا من هشاشة الأمن الغذائي في بلد يُعد من بين الأعلى عالميًا من حيث معدلات سوء التغذية. ومع وصول احتلال التصحر مساحة شاسعة من البلاد، تبدو الأزمة البيئية وكأنها جزء لا يتجزأ من المشهد الإنساني القاتم، بل وقد تكون مقدمة لانهيار أعمق إن تُركت دون استجابة.
أمام هذا الواقع، يبرز التصحر ليس فقط كظاهرة طبيعية، بل كنتاج لتفاعل معقّد بين الطبيعة والبشر والسلاح. وتُظهر شهادات المزارعين والمسؤولين والخبراء، أن ما يحدث على الأرض لم يعد مجرد تدهور في التربة والغطاء النباتي، بل انهيار لمنظومة معيشية كاملة.
آثار التصحر في منطقة حبان بمحافظة شبوة جنوب اليمن، 1 مايو 2025 (مركز سوث24)
فقدان الأراضي
جاء أبرز تحذير رسمي بشأن معدل فقدان الأراضي الزراعية في اليمن على لسان وزير المياه والبيئة، توفيق الشرجبي، خلال مشاركته في مؤتمر الأطراف (COP16) الذي انعقد في الرياض في ديسمبر 2024. أكد الشرجبي أن "التصحر يعد من أكبر الأزمات البيئية التي تواجه اليمن"، مشيرًا إلى أن البلاد تفقد سنويًا ما بين "3-5% من الأراضي الصالحة للزراعة"، في ظل تسارع معدلات التدهور.
وفي السياق ذاته، قدّم وكيل وزارة الزراعة، المهندس أحمد الزامكي، أرقامًا أكثر تحديدًا حول حجم التأثير على القطاع الزراعي. وقال الزامكي في حديث لمركز سوث24: "نسبة الأراضي الزراعية المتأثرة بالتصحر في اليمن وصلت إلى 17.5%، وهو ما يمثل مساحة تقدر بنحو 79 ألف كيلومتر مربع، مما يشكل تحديًا كبيرًا للقطاع الزراعي والأمن الغذائي في البلاد."
آثار التصحر في منطقة حبان بمحافظة شبوة جنوب اليمن، 1 مايو 2025 (مركز سوث24)
وتتقاطع هذه الأرقام مع تقديرات عالمية تؤكد أن العالم يفقد سنويًا نحو 100 مليون هكتار من الأراضي المنتجة. وفي الحالة اليمنية، تشير بيانات دراسة حكومية أعدها قطاع الدراسات بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، بدعم من الأمم المتحدة، النشرة الاقتصادية والاجتماعية لليمن (العدد 74، يوليو 2022)، إلى أن أزمة التصحر في البلاد بلغت مستويات مقلقة، إذ تُقدَّر مساحة الأراضي المتصحرة بنحو 405 ألف كيلومتر مربع، ما يمثل أكثر من 71% من إجمالي مساحة البلاد. كما تُظهر الأرقام أن حوالي 15.9% من أراضي اليمن تقع ضمن المناطق المهددة بالتصحر.
ويؤدي هذا التدهور الواسع إلى انعكاسات كارثية على الأمن الغذائي في البلاد. ففي بلد تقدَّر فيه الأراضي الصالحة للزراعة بنحو 3.62 مليون هكتار (تمثل حوالي 7% من إجمالي المساحة)، تشكّل الزراعة موردًا أساسيًا لحياة ملايين اليمنيين. ومع ازدياد التصحر، تتفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي التي تطال أكثر من 16 مليون شخص، ما يجعل من أزمة التربة أزمة وطنية تمس البقاء والاستقرار.
الأسباب
لا تنبع أزمة التصحر في اليمن من العوامل الطبيعية وحدها، بل تمثل نتيجة لتفاعل معقّد يجمع بين الظروف المناخية القاسية، والأنشطة البشرية غير المستدامة، والتأثيرات المباشرة وغير المباشرة للحرب، بالإضافة إلى تداعيات تغير المناخ العالمي. هذا التداخل يجعل من التصحر أزمة متعددة الأبعاد، تتطلب فهماً شاملاً لتفكيك جذورها.
يرى البروفيسور عمر سالم المحمدي، أستاذ جغرافية التخطيط الحضري ونظم المعلومات الجغرافية (GIS) بجامعة حضرموت، في حديث لمركز سوث24 أن "وتيرة تدهور الأراضي في اليمن تسارعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة"، مشيراً إلى أن هذا التفاقم يعود بدرجة كبيرة إلى "الآثار المباشرة وغير المباشرة للحرب، وتزايد حدة وتواتر الكوارث الطبيعية كالأعاصير والفيضانات الجارفة".
ويضيف المحمدي أن الأسباب تشمل "الظروف المناخية الطبيعية القاسية لليمن والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية"، لكنه يركز بشكل خاص على عاملين أساسيين. الأول، يتمثل في "التغيرات المناخية العالمية التي تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار، مما يزيد من حدة الجفاف ويساهم بشكل مباشر في زيادة تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة".
آثار التصحر في منطقة حبان بمحافظة شبوة جنوب اليمن، 1 مايو 2025 (مركز سوث24)
ويشهد اليمن فعلياً مظاهر واضحة لهذا التأثير، إذ ارتفعت درجات الحرارة، وشهد العام 2024 شحاً في الأمطار أعقبته سيول جارفة أثرت بشكل مباشر على النشاط الزراعي، وأضعفت قدرة المجتمعات المحلية على التكيف.
ويؤكد وكيل وزارة الزراعة، المهندس أحمد الزامكي، هذا التوجه، قائلاً: "التغيرات المناخية تؤثر بشكل مباشر في زيادة التصحر بسبب ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها، إضافة إلى الجفاف الشديد واختلاف مواسم الأمطار وشحتها من جهة، وحدوث الفيضانات والأعاصير من جهة أخرى". ويضيف: "لقد ضاعفت هذه التحديات في بلادنا التي تصنف من البلدان شحيحة الموارد المائية كونها تعتمد بصورة أساسية على الأمطار لتوفير احتياجات المياه في كافة المجالات، ومنها الزراعة التي تستهلك حوالي 90% من الموارد المائية المتاحة في البلد".
ويتابع الزامكي موضحاً أن "بلادنا تصنف ضمن الدول الأكثر عرضة وتأثراً بالتغيرات المناخية والأقل استعداداً لمواجهة هذه التغيرات والتكيف معها، وتعتبر أيضا من البلدان الأقل أو عديمة الحصول على التمويلات المناخية"، في إشارة إلى محدودية الدعم الدولي المخصص لتعزيز قدرة اليمن على الصمود في وجه الأزمات البيئية.
أما العامل الثاني الذي يبرزه المحمدي، فيتعلق بالحرب الدائرة، التي "لا تزال تلقي بظلالها الكارثية على البيئة، من خلال التدمير المباشر للأراضي الزراعية والبنية التحتية للري، وتلويث التربة والمياه، والتسبب بنزوح السكان، فضلاً عن إعاقتها لأي جهود مؤسسية". ويتفق الزامكي مع هذا الطرح، قائلاً: "وما ضاعف هذه التحديات هو استمرار الصراع الدائر منذ حوالي أكثر من 10 سنوات".
وإلى جانب الحرب والمناخ، تسهم الممارسات الزراعية غير المستدامة، مثل الرعي الجائر والقطع المفرط للأشجار، وتدهور المدرجات الزراعية، في تعميق الأزمة. وقد أشار تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى أن اليمن يواجه ارتفاعاً في درجات الحرارة، وتغيراً في أنماط هطول الأمطار، وزيادة في الكوارث المرتبطة بالطقس المتطرف، ما يفاقم من تدهور الأراضي ويزيد الضغط على الموارد المحدودة.
التأثيرات
تتجلى آثار التصحر المتفاقم في اليمن عبر مظاهر بيئية واجتماعية شديدة الوضوح، وتعكس حالة متقدمة من التدهور. يصف البروفيسور عمر سالم المحمدي المشهد قائلاً إن مظاهر التصحر باتت "واضحة للعيان"، ويعددها على النحو التالي: "انخفاض حاد في خصوبة التربة، تدهور واسع في الغطاء النباتي، زحف متزايد للكثبان الرملية، تفاقم أزمة شح المياه وتدهور جودتها، وزيادة ملحوظة في العواصف الترابية والغبارية".
من جهتها، تحذر الناشطة البيئية زهرة خميس من العواقب الوخيمة لهذه الظاهرة على المجتمعات المحلية، معتبرة أنها تمس جوهر معيشة الناس وأمنهم الغذائي. تقول خميس في حديثها لمركز سوث24: "إن التصحر يضرب سبل عيش المزارعين في الصميم، فهو يؤدي إلى جفاف الأراضي الزراعية ونضوب مصادر المياه الحيوية كالآبار الارتوازية والأنهار، وحتى مياه السيول الموسمية أصبحت شحيحة".
وتوضح خميس، التي تنحدر من مديرية وادي حجر بمحافظة حضرموت، أن التدهور الحاصل "قلّص بشكل كبير من قدرة المزارعين على زراعة أراضيهم أو تحقيق إنتاجية مجدية، مما يهدد أمنهم الغذائي والاقتصادي". وتضيف: "إننا نواجه ظاهرة طبيعية خطيرة، بل يمكن وصفها بالكارثة البيئية التي لا تقل خطورة عن كوارث طبيعية أخرى شهدناها، مثل إعصار تشابالا، الذي تسبب في انجراف هائل للتربة وتدمير للآبار والمحاصيل والأشجار".
آثار التصحر والجفاف في منطقة رحاب بمديرية دوعن بمحافظة حضرموت جنوب اليمن، 14 مايو 2025 (مركز سوث24)
وعن التغيرات الملحوظة في البيئة المحلية، تقول خميس إن "الأرض والمياه شهدتا تغيرات جذرية ومقلقة. لقد لاحظنا على مدى السنوات الماضية كيف أدت ظاهرة التصحر إلى انجراف التربة السطحية الخصبة، مما ترك الأراضي الزراعية متدهورة وغير قادرة على دعم محاصيل أساسية كالموز والنخيل، وأصبحت استعادة خصوبتها تحديًا كبيرًا". وتتابع: "أما مصادر المياه، فقد شهدت انعداماً أو تراجعاً حاداً. السيول الجارفة لم تعد مصدراً للخير فقط، بل أصبحت عاملاً مدمراً يطمر الآبار بالتراب ويعطلها عن العمل، مما فاقم من أزمة المياه".
هذه الانعكاسات تنعكس بوضوح في شهادات المزارعين على الأرض. تقول المزارعة سعيدة باوادي، البالغة من العمر 47 عامًا، بينما تقف أمام بقعة أرض جرداء في وادي المحمديين غرب المكلا بساحل حضرموت: "لم تعد أرضنا هي الأرض التي عرفناها. كل شيء تغير. جفت الآبار، وتشققت التربة، وماتت الكثير من أشجارنا. الإنتاج انهار بشكل مريع، وأصبحنا نعيش على الكفاف". وتضيف: "نحن هنا في وادي المحمديين نعاني الأمرين. الجفاف لم يرحمنا، والأمطار شحيحة للغاية، وإن هطلت تكون أحياناً سيولاً تجرف ما تبقى من تربة صالحة. هذا الوضع، الذي يصفه الخبراء بأنه 'تصحر' يزحف بسرعة، يهدد وجودنا كمزارعين".
وتشرح باوادي جانباً من المعاناة اليومية قائلة: "تدهور خصوبة التربة وفقدانها لعناصرها الحيوية هو ما نلمسه يومياً. كنا نزرع أنواعاً متعددة من المحاصيل، أما اليوم فنجد صعوبة بالغة في إنبات أي شيء. نرى الكثبان الرملية تقترب، ونشعر بتغير المناخ، حيث ترتفع درجات الحرارة بشكل لم نعهده، وتزداد العواصف الترابية. هذا تماماً ما يعنيه تفاقم أزمة شح المياه وتدهور جودتها".
وفي مديرية دوعن، تروي المزارعة سلمى عبيد، البالغة من العمر 55 عامًا، تجربة مشابهة،: "أرضي التي ورثتها عن زوجي أراها اليوم تتلاشى أمام عيني. إنتاج مزرعتي يتضاءل بشكل مخيف عاماً بعد عام". وتضيف بأسى: "الجفاف يضرب بقسوة، والأمطار أصبحت نادرة جداً. هذا الشح في المياه حوّل تربتنا الطينية الخصبة إلى تربة متصلبة، فقيرة". وتشير إلى أن التربة فقدت حيويتها، قائلة: "كنا نزرع الذرة والسمسم وبعض الخضروات، أما الآن فالبذور إما لا تنبت، أو تنمو ضعيفة هزيلة".
وتتابع عبيد بمرارة: "كل يوم يمر، يزداد الوضع سوءاً. أفكر كيف أتعامل مع أرض باتت لا تعطي. فقدان أرضنا يعني فقدان كل شيء. لا أحد يدعمنا ولسنا حتى على هامش اهتمام المنظمات أو الدولة على الأقل".
من جانبه، يوضح البروفيسور المحمدي أن المناطق الهامشية الجافة وشبه الجافة، والمناطق الرعوية التقليدية، وكذلك الزراعية التي تعتمد على الأمطار الموسمية، هي الأكثر هشاشة وتضررًا. ويلفت بشكل خاص إلى "المناطق الشرقية، وتحديداً محافظات حضرموت وسقطرى والمهرة، التي باتت في مواجهة مباشرة ومتكررة مع الأعاصير والمنخفضات الجوية العنيفة"، مضيفًا أن محافظات مأرب وأبين وشبوة أيضاً من بين المناطق التي تشهد تصحرًا مستمرًا. ويؤكد أن هذه الظاهرة لا تقتصر على اليمن، بل تمثل جزءًا من تحدٍ أوسع يشمل المنطقة العربية.
الاستجابات
رغم تعاظم خطر التصحر في اليمن، إلا أن الجهود المبذولة لمواجهته لا تزال تصطدم بتحديات هائلة، يأتي في مقدمتها استمرار النزاع وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلى جانب محدودية الموارد والقدرات الفنية والمؤسسية. ووفق تصنيف وزارة التخطيط والتعاون الدولي، يحتل اليمن المرتبة 30 بين الدول الأكثر ضعفاً، والمرتبة 17 بين الدول الأقل قدرة على التكيف مع آثار تغير المناخ، ما يعكس هشاشة الاستجابة الوطنية لهذه الأزمة البيئية.
في هذا السياق، يشير وكيل وزارة الزراعة، المهندس أحمد الزامكي، إلى أن الوزارة تتبنى مجموعة من التدابير لمكافحة التصحر، من بينها الوسائل البيولوجية والميكانيكية. ويؤكد أن من أبرز الحلول المعتمدة هي برامج التشجير، وتوسيع نطاق استخدام البيوت المحمية، وتشجيع أنماط الزراعة الكثيفة لتعظيم الاستفادة من الموارد المحدودة. كما يلفت إلى اعتماد ما يُعرف بالحلول القائمة على الطبيعة، مثل أنظمة التكامل الزراعي الرعوي الحرجي (Agrosilvopastoral)، والتكامل الزراعي الحرجي (Agroforestry)، إضافة إلى برامج تثبيت الكثبان الرملية عبر التشجير، وإنشاء الأحزمة الخضراء.
ورغم هذه الجهود، يرى البروفيسور عمر المحمدي أن حجم التحدي يستوجب نهجاً أكثر شمولية وتكاملاً، مشدداً على ضرورة تبني مقاربات واقعية تركز على الحفاظ الصارم على ما تبقى من الغطاء النباتي والموارد المائية. ويقترح اعتماد تقنيات كفؤة لإدارة المياه، ودعم الممارسات الزراعية المستدامة، إلى جانب تنفيذ مشاريع لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، وتكثيف برامج التوعية البيئية، مع ضمان إشراك المجتمعات المحلية بشكل فاعل.
ويضيف المحمدي أن من الضروري دمج جهود الاستجابة الإنسانية والإغاثية للكوارث مع خطط وبرامج مكافحة التصحر، إلى جانب توجيه جزء من الجهود لحماية المناطق الأقل تضرراً، تجنباً لاتساع نطاق التدهور.
آثار التصحر والجفاف في منطقة رحاب بمديرية دوعن بمحافظة حضرموت جنوب اليمن، 14 مايو 2025 (مركز سوث24)
هذا التوجه يلقى صدى لدى المزارعين المتضررين على الأرض، إذ تقول سعيدة باوادي: "نحن بحاجة ماسة إلى دعم حقيقي، إلى مشاريع تعيد الحياة لنا، وتوفر لنا حلولاً مستدامة". أما سلمى عبيد، فتناشد الجهات والمنظمات المهتمة قائلة: "نحن لا نريد أن نهجر أرضنا. نناشد كل من يستطيع المساعدة أن ينظروا إلى معاناتنا. نحتاج إلى دعم بتقنيات زراعية حديثة وإلى مشاريع لاستصلاح التربة وتحسين الري".
وتوضح الناشطة البيئية زهرة خميس أن هناك احتياجات عاجلة يجب تلبيتها لمواجهة الأزمة، من بينها إنشاء حواجز مائية وسدود فعالة لحصاد مياه السيول والحفاظ عليها. وتضيف أن "نحن بحاجة أيضاً إلى بناء جسور، ولكن ليست مجرد جسور تقليدية، بل هياكل مصممة بذكاء بحيث تساهم في تجميع المياه في مواقع محددة لفترات أطول وتحد من انجراف التربة السطحية".
وتشير خميس إلى نموذج ناجح تحقق في منطقة جزول بوادي حجر، حيث تم إنشاء جسر بتمويل من مؤسسة بناء للتنمية وجهات مانحة دولية، وكانت جزءاً من اللجنة التكاملية لهذا المشروع بالتعاون مع السلطة المحلية. وتقول إن "هذا النموذج يجب أن يُعمم على المناطق المتضررة الأخرى".
التوصيات
في العاشر من فبراير الماضي، أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) حزمة من التوصيات لمعالجة أزمة التصحر في اليمن، ركزت على أهمية إيجاد حلول جذرية ومستدامة. شملت التوصيات إعطاء الأولوية لحل النزاع بشكل سلمي، وتطوير قواعد البيانات المرتبطة بالبيئة والموارد، وتعزيز تنظيم استخدام المياه الزراعية ورفع كفاءة استغلالها. كما دعا البرنامج إلى تنفيذ ممارسات زراعية تسهم في الحد من تآكل التربة، والاستثمار في البنية التحتية للتنبؤ بالظواهر المناخية، إلى جانب دعم التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية للفئات الأشد ضعفاً.
مزرعة للنخيل بمديرية وادي حجر بمحافظة حضرموت، 27 اغسطس 2024 (مركز سو24)
البروفيسور عمر المحمدي جدّد التأكيد على ضرورة تضافر الجهود العاجلة والمشتركة على مختلف المستويات لمواجهة هذا التحدي البيئي الوجودي، مشدداً على أن حماية البيئة في اليمن وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة ليست خياراً، بل تمثل استثماراً حتمياً في مستقبل اليمن وأمنه الغذائي والمائي، وضماناً لاستدامة موارده الطبيعية لصالح الأجيال القادمة.
هذا النداء يتقاطع مع ما عبّرت عنه المزارعة سلمى عبيد، التي لخصت بكلمات بسيطة عمق الأزمة والأمل في تجاوزها، قائلة: "إن إنقاذ ما تبقى من أراضينا الزراعية ليس فقط إنقاذاً لنا كمزارعين، بل هو استثمار في مستقبل اليمن وأمنه الغذائي".
وعلى نطاق أوسع، لا تقتصر أزمة التصحر على اليمن وحده، بل تمثل جزءاً من تحدٍ إقليمي بالغ الخطورة. ووفق دراسة صادرة عن صندوق النقد العربي، تُعد دول عربية كاملة أراضيها متصحرة، مثل البحرين والكويت والإمارات وقطر، فيما تتراوح نسبة التصحر في عشر دول أخرى، من بينها اليمن والسعودية ومصر والجزائر والأردن والمغرب، بين 60 و98%. هذا الواقع الإقليمي يضع مسؤولية إضافية على عاتق الحكومات والمنظمات الدولية لإطلاق استجابات جماعية أكثر فاعلية.
صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات
يأتي هذا التقرير ضمن مشروع ممول من "صندوق العمل العاجل" (Urgent Action Fund)، بهدف تسليط الضوء على القضايا المناخية والبيئية وقضايا المرأة وذوي الإعاقة.
قبل 3 أشهر
قبل 3 أشهر