عربي

دلالات وتداعيات الهجوم الإسرائيلي على قطر

reuters_tickers

آخر تحديث في: 12-09-2025 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن

"هذه الخطوة قد تمثل بداية لحلقة من التصعيد الإسرائيلي ليس فقط في غزة والضفة، ولكن في لبنان وسوريا وضد إيران، فضلاً عن جبهة ميليشيا الحوثي.."

مركز سوث24 | محمد فوزي


جاء الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف قيادات في المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة ليطرح مدلولات تتجاوز في طبيعتها النتائج المباشرة للهجوم أو الهدف الإسرائيلي المعلن بملاحقة هذه القيادات سواءً في داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها. على اعتبار أنّ الهجوم يعبر عن مرحلة جديدة من التصعيد الإسرائيلي، ووصول الأهداف الخاصة بتل أبيب إلى ذروتها، خصوصاً وأنه جاء في أعقاب إقرار الحكومة الأمنية في إسرائيل لخطط احتلال قطاع غزة، والحديث المتنامي عن ضم الضفة الغربية، بالإضافة للأهداف الإسرائيلية الخاصة بتغيير الخارطة الإقليمية في إطار ما يُطلق عليه "نتنياهو" "تغيير وجه الشرق الأوسط". وفي هذا السياق، يحاول  هذا التحليل تقديم قراءة للهجوم الإسرائيلي الأخير، من حيث مدلولاته وتداعياته المحتملة سواءً على مستوى ملف وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أو على المستوى الإقليمي.


أولاً- السياق العام للعملية ودلالاتها


ارتبطت أهمية ونوعية العملية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت قيادات المكتب السياسي لحماس بقطر، بالسياق العام الذي جاءت فيه، وهو ما يمكن تناوله في ضوء الآتي:


1- مقترح "ترامب" لوقف إطلاق النار: بالتزامن مع تحذير كان أطلقه "ترامب" تجاه حماس، كانت بعض التقارير الإخبارية قد أشارت استناداً إلى مصادر إسرائيلية، إلى أنّ الإدارة الأمريكية قدمت مقترحاً جديداً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، يتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين الـ48 المتبقين (20 منهم أحياء) في اليوم الأول من تنفيذ الصفقة، مقابل وقف إطلاق النار ونهاية العملية الإسرائيلية لاحتلال مدينة غزة. وفي المقابل، ستفرج إسرائيل عن 2500 إلى 3000 أسير ومعتقل فلسطيني محتجزين في سجونها، بما في ذلك المئات الذين يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد، على أن يتم في هذه الأثناء بدء مفاوضات بشأن شروط إنهاء الحرب ــ بما في ذلك مطالب إسرائيل بنزع سلاح حماس ومطالب حماس بالانسحاب النهائي والكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة. وقد أعلنت حركة حماس بدورها الموافقة على هذا المقترح الجديد.


2- تطورات نوعية للعملية الإسرائيلية في غزة: جاءت العملية الإسرائيلية الأخيرة تجاه المكتب السياسي لحماس في قطر، بالتزامن مع تطورات نوعية تشهدها الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وذلك على مستويات متعددة، أولها إقرار وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس خطة السيطرة على مدينة غزة، وأمر باستدعاء 60 ألف جندي احتياط للمشاركة في العملية، وأطلق على العملية اسم عربات جدعون (2). وثانيها إعلان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إيفي دفرين، أنّ الجيش الإسرائيلي يسيطر فعلياً على 40% من مدينة غزة. وثالثها إعلان إسرائيل استهداف واغتيال الناطق الإعلامي باسم كتائب القسام – الجناح العسكري لحماس – المعروف بـ "أبو عبيدة".


3- تصاعد موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية: جاء التصعيد الإسرائيلي الأخير بالتزامن مع تصاعد موجة الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، بالتزامن مع انعقاد الدورة السنوية للجمعية العامة في الأمم المتحدة. حيث أعلن وزير الخارجية الفرنسي جون نويل بارو، أنّ 15 دولة وجّهت نداءً جماعياً تعتزم فيه الاعتراف بدولة فلسطين، وهي دول: فرنسا وكندا وأستراليا وأندورا وفنلندا وأيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وسان مارينو وسلوفينيا وإسبانيا، الأمر الذي قرأته حكومة اليمين المتطرف بأنّ من شأنه أن يزيد من العزلة الدولية لإسرائيل. ويبدو أنّ الحكومة الإسرائيلية اختارت التصعيد كأداة للرد على هذه التوجهات الدولية.


4- توتر العلاقات الإسرائيلية بالمحيط العربي: كان السياق الإقليمي الذي سبق العملية الإسرائيلية الأخيرة يغلب عليه توتر غير مسبوق في العلاقات العربية الإسرائيلية، ليس فقط على وقع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما ترتكبه إسرائيل من انتهاكات بحق الشعب الفلسطيني، أو في حالة قطر على وقع الاتهامات المتكررة من إسرائيل لقطر بإيواء من تصفهم تل أبيب بـ "العناصر الإرهابية" في إشارة إلى قيادات حركة حماس. ولكن اتخذ هذا التصعيد أنماطاً جديدة حيث شرعت مصر والسعودية في الحشد لمسألة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. كما قدمت الدولتان لمجلس الجامعة العربية خطة جديدة خاصة بالأمن الإقليمي في المنطقة. كما حدثت حالة من التراشق بين مصر وإسرائيل وحالة كبيرة من التصعيد الإعلامي، كذلك لوحت الإمارات للإدارة الأمريكية وفق بعض التقارير، بأن خطط إسرائيل لضم الضفة الغربية سوف تؤثر بشكل سلبي على مسار الاتفاقات الإبراهيمية.


5- الحسابات الخاصة بالداخل الإسرائيلي: تزامنت العملية الإسرائيلية ضد المكتب السياسي لحماس بقطر مع ضغوط كبيرة واضطرابات في الداخل الإسرائيلي، حيث تنامت التظاهرات المناهضة لاستمرار الحرب من قبل ذوي الأسرى الإسرائيليين. ووصلت التظاهرات إلى حد اتهام الحكومة ورئيس الوزراء الإسرائيلي بالخيانة، لكن يبدو أنّ "نتنياهو" قد اعتمد على مسارين في هذا الصدد، الأول يتمثل في التصعيد العسكري بما يضمن الحفاظ على دعم أحزاب اليمين المتطرف المشاركة في الائتلاف الحكومي والتي تدعم هذا التصعيد وتلوح بالانسحاب حال التراجع عنه. والثاني هو تبني سردية صعوبة نجاة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية، بما يعكس السعي نحو تهيئة الرأي العام الإسرائيلي وذوي هؤلاء من أجل تقبل تكلفة خيار التصعيد العسكري.


6- التصعيد ضد إسرائيل في الداخل الفلسطيني: جاء الهجوم الإسرائيلي على قطر في أعقاب تصعيد كبير ضد إسرائيل في الداخل الفلسطيني وتجسد ذلك في عمليتين رئيسيتين، الأولى تمثلت في عملية إطلاق النار التي جرت في القدس عند مفرق رئيسي بالقرب من مدخل حي راموت في القدس الشرقية حيث أطلق شابان فلسطينيان النار على محطة حافلات، ما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص. والثانية تمثلت في إعلان الجيش الإسرائيلي عن مقتل 4 جنود من اللواء المدرع 401 في هجوم مباغت شمال قطاع غزة. وفي ضوء التجربة الإسرائيلية في ثنايا الحرب الجارية، فإنّ تل أبيب تعمد مع كل موجة تصعيد من الفلسطينيين إلى توظيف ذلك كذريعة لتبني أنماط من التصعيد العسكري والسياسي على كافة المستويات، ما يعني ارتباط عملية قطر في أحد أبعادها بهذه الهجمات.


ثانياً- التداعيات الخاصة بالهجوم الإسرائيلي


مثّل الهجوم الإسرائيلي الأخير على المكتب السياسي لحماس في العاصمة القطرية الدوحة مقامرة كبيرة من قبل الحكومة الإسرائيلية، على اعتبار أنه لم يحقق نتائجه المرجوة من حيث اغتيال قيادات المكتب السياسي لحماس. كما أنّه من ناحية أخرى يدفع باتجاه العديد من التداعيات السلبية بالنسبة لحكومة "نتنياهو" نفسها وبالنسبة للوضع في قطاع غزة والسياق الإقليمي إجمالاً، ويمكن بيان ذلك في ضوء الآتي:


• دفع الهجوم الإسرائيلي الأخير قطر إلى الإعلان عن تعليق مشاركتها ودورها في الوساطة في ملف وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وفي ضوء هذا المتغير فضلاً عن التعقيدات التي كانت موجودة بالأساس في مفاوضات وقف إطلاق النار، يمكن القول إنّ العملية الأخيرة سوف تؤدي إلى فرض المزيد من القيود على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، خصوصاً وأنها تدفع حركة حماس بدورها إلى المزيد من التصلب فيما يتعلق بهذه المباحثات.


• تعد قطر واحداً من أهم الحلفاء بالنسبة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وهي بموجب قرار أمريكي في مارس 2022 حليف رئيسي لواشنطن من خارج حلف الناتو، ويوجد بها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة. وبالتالي فإن مهاجمة إيران لقطر من قبل والآن إسرائيل تطرح العديد من الشكوك والتخوفات بالنسبة للجانب القطري بخصوص الشراكة وطبيعة الضمانات الأمنية التي تقدمها واشنطن. ولعل ذلك ما دفع مسؤولين قطريين وفق بعض التقارير إلى إبلاغ مبعوث البيت الأبيض، ستيف ويتكوف أنّ بلاده ستعيد تقييم شراكتها الأمنية مع واشنطن بعد هذا العمل الذي وصفوه بالخيانة. وأشار إلى أنّ الدوحة قد تجد بعض الشركاء الآخرين لدعم أمنها إذا لزم الأمر.


• تعريجاً على العامل السابق يبدو أن الجانب القطري قد أدرك خطورة الارتهان إلى الضمانات الأمريكية على المستوى الأمني والسياسي، بما يهدد التموضع الجيوسياسي للدولة الخليجية التي كان رأسمالها قائماً لعقود على كونها دولة محايدة وملاذاً أمنياً وسياسياً واستثمارياً، وذلك بموجب تنسيق وتفاهمات معينة مع الولايات المتحدة. وبالتالي فإن هذه الاستهدافات المتكررة وتغاضي الولايات المتحدة عنها تضر بمصداقية قطر كطرف محايد وملاذ آمن، وهو أمر استدعى مراجعة قطر هذه الضمانات الأمريكية.


• على مستوى آخر وفيما يتعلق بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يمكن القول، إنّ الضربة الإسرائيلية الأخيرة قد أضرت بالرئيس الأمريكي نفسه، وذلك على مستويات متعددة، أولها أنها تعصف بحديث "ترامب" عن صفقة بخصوص وقف إطلاق النار، خصوصاً مع شبهة تورط الولايات المتحدة على الأقل استخباراتياً في الضربة. وثانيها أنّ هذه الضربة تضر بسمعة "ترامب" ومصداقيته ومحاولته تصدير نفسه كصانع للسلام. وثالثها أنّ الضربة تعكس وضع أهداف نتنياهو فوق الأولويات الأمنية الحاسمة للولايات المتحدة، ما يهز صورة "ترامب" وقدرته على ضبط السلوك الإسرائيلي.


• دفع الهجوم الإسرائيلي الأخير على قيادات المكتب السياسي لحماس بقطر، باتجاه حشد الموقف الخليجي ضد إسرائيل، على اعتبار اشتراك هذه الدول في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية. خصوصاً وأنّ المادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية تنص على: "تعتبر الدول الأعضاء أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعاً".


• كما أنّ الهجوم الإسرائيلي بعث برسالة مفادها أنّ الخطوط الحمراء الموضوعة من قبل دول الخليج على المستوى الرسمي في الآونة الأخيرة، سواءً ما يتعلق باستهداف سيادتهم، أو ما يتعلق بمسائل احتلال قطاع غزة أو تهجير الشعب الفلسطيني أو ضم الضفة الغربية، هي اعتبارات غير مهمة بالنسبة للمستوى السياسي والأمني في حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. فضلاً عن رسالة مفادها أنّ هذه الحكومة قد تضحي بعلاقاتها الرسمية وغير الرسمية ببعض الأطراف الخليجية في سبيل تحقيق مطامعها التوسعية وما تصفه بـ "النصر المطلق". إلى جانب ذلك، رأى بعض المراقبين في هذا الهجوم، مؤشراً على انطلاق سلسلة من الحملات الإسرائيلية الرامية إلى تنفيذ هذه الخطط، وهو ما يضع الاتفاقات الإبراهيمية أمام تهديد مباشر، ويؤدي إلى تأجيل أي مسارات تطبيع محتملة، لا سيما فيما يخص الملف السعودي.


• يعكس الهجوم رسالة واضحة من إسرائيل بأنها عازمة على إطالة أمد الحرب في قطاع غزة، خصوصاً وأنّ هذه الخطوة قد تدفع حركة حماس إلى البدء في قتل الأسرى الموجودين لديها مع الضغط العسكري الكبير من قبل إسرائيل. فضلاً عن أنّ هذه الخطوة قد تمثل بداية لحلقة من التصعيد الإسرائيلي ليس فقط في غزة والضفة، ولكن في لبنان وسوريا وضد إيران، فضلاً عن جبهة ميليشيا الحوثي في اليمن والتي بدأت إسرائيل بالفعل في تبني عمليات نوعية فيها. وهي كلها مؤشرات تدفع باتجاه تعزيز حالة عدم الاستقرار الإقليمي وربما توسع المواجهات لتشمل العديد من الأطراف الأخرى.


إجمالاً يمكن القول، إنّ العملية الإسرائيلية الأخيرة في قطر والتي كانت تستهدف اغتيال قيادات المكتب السياسي لحماس في الدوحة، فضلاً عن أنها لم تحقق النتائج الإسرائيلية المرجوة منها، فإنها تدفع باتجاه العديد من التداعيات السلبية خصوصاً فيما يتعلق بتوسيع نطاق المواجهات في المنطقة، ووضع عراقيل أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. فضلاً عن أنها تضع العلاقات الخليجية الإسرائيلية وكذا مع الولايات المتحدة على المحك وتطرح العديد من التساؤلات والشكوك بخصوص هذه العلاقات.


باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات. باحث متخصص في قضايا الأمن الإقليمي

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا