الصورة: أرشيفية بواسطة المركز المصري للفكر والدراسات
02-12-2025 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
|
|
سوث24 | محمد فوزي
وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يقضي بدراسة تصنيف بعض من فروع جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات "إرهابية أجنبية". وأشار البيان خصوصاً إلى أفرع الإخوان المسلمين في لبنان ومصر والأردن، مستنداً إلى نهج الجماعة في دعم الإرهاب وتغذية خطاب الكراهية، وهو القرار الذي يطرح العديد من التساؤلات بخصوص دلالاته، وتداعياته المحتملة على التنظيم. وهل القرار الأمريكي ينسحب أو سيكون له تداعيات على باقي أفرع التنظيم في المنطقة خصوصاً الإخوان المسلمين في اليمن، أم أنه يقتصر على بعض الأفرع التي ترى فيها الإدارة الأمريكية تهديداً لإسرائيل.
أولاً- حيثيات ودلالات القرار الأمريكي
ارتبطت أهمية الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصنيف الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي بكونها توجيهاً تنفيذياً لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، بتقديم تقرير بشأن تصنيف أي من فروع الإخوان المسلمين، مثل تلك الموجودة في لبنان ومصر والأردن، كمنظمات "إرهابية". وينصّ الأمر على أن يتخذ وزير الخارجية ووزير الخزانة الإجراءات اللازمة خلال 45 يوماً من تقديم التقرير، إذا تقرّر المضي في تصنيف تلك الفروع كـ"منظمات إرهابية أجنبية" و"إرهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص"، وقد ارتبطت هذه الخطوة من "ترامب" بمجموعة من الخلفيات والاعتبارات المهمة:
1- تصنيف "تكساس" الإخوان كتنظيم إرهابي: في خطوة تُعدّ من أبرز الضربات الموجّهة لجماعة الإخوان المسلمين داخل الولايات المتحدة، أعلن حاكم ولاية تكساس، الجمهوري غريغ أبوت، في 19 نوفمبر الحالي، إدراج جماعة الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) على قائمة «المنظمات الإرهابية الأجنبية» و«المنظمات الإجرامية العابرة للحدود». ويترتب على هذا التصنيف حرمان تلك الكيانات من شراء أو امتلاك الأراضي داخل الولاية، كما يخوّل المدعي العام اتخاذ الإجراءات القانونية لإغلاق مقارّها. وقد وصف مجلس «كير» الذي يمتلك نحو 30 فرعاً في الولايات المتحدة، القرار بأنه «تشهيري» ويفتقر إلى أساس قانوني أو واقعي، واتّهم حاكم الولاية، غريغ أبوت، بتسييس القرار لخدمة أجندة مؤيدة لإسرائيل، وتأجيج «الهستيريا المعادية للمسلمين».
وبشكل عام ورغم الإشكالات والجدل المثار في الولايات المتحدة بخصوص حدود صلاحيات الولاية في هذا الصدد، إلا أنّ القرار كان وبلا شك أحد العوامل الضاغطة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبحث تصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية، على اعتبار أنه أعاد طرح المسألة إلى الواجهة من جديد. كذلك فقد ارتبط القرار بسياق عام تنامت فيه الاتهامات الأمريكية للإخوان المسلمين ومنظماتهم في أمريكا وفي ولاية تكساس تحديداً بالارتباط بحركة حماس والعديد من التنظيمات الإرهابية.
2- تصاعد المطالبات الأمريكية بهذا الخصوص: جاءت خطوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص الإخوان المسلمين، في سياق عام أمريكي شهد تنامياً في الدعوات التي تُطالب بتصنيف الولايات المتحدة الإخوان المسلمين ككيان إرهابي، وذلك من خلال مشاريع قوانين قدّمها أعضاء بارزون في الكونغرس الأمريكي، على غرار النائب الجمهوري ماريو دياز بالارت، والنائب الديمقراطي جاريد موسكوفيتش، اللذين قدّما مشروع قانون يحمل الرقم H.R.4397، للمطالبة بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمةً إرهابية. إذ جاءت المطالبات بالتزامن مع تقديم السيناتور الجمهوري، تيد كروز، مشروع قانون مماثلًا في مجلس الشيوخ تحت الرقم S.2293. وتهدف هذه المشاريع إلى المطالبة بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمةً إرهابية؛ ما قد يترتب عليه تجميد أصولها في الولايات المتحدة، ومنع أفرادها من دخول البلاد.
3- الهجوم ضد متظاهرين يهود في بولدر: من المهم الإشارة إلى الهجوم الذي وقع في مطلع يونيو 2025، والذي نفذه مواطن مصري بالقنابل الحارقة ضد مجموعة من المتظاهرين اليهود في بولدر. وقد كشفت منصات التواصل الاجتماعي الخاصة به عن انتمائه ودعمه لتنظيم الإخوان المسلمين، ما دفع العديد من المشرعين الأمريكيين إلى إعادة المطالبة بتصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي، وهو أمر كان بالأساس على رادار إدارة دونالد ترامب منذ الحقبة الأولى لها.
4- تصاعد القلق العالمي تجاه الإخوان: لا يمكن فصل القرار الأمريكي الأخير، عن السياق العالمي والغربي خصوصاً والذي يشهد تنامياً في التخوفات من تأثير تزايد نفوذ تنظيم الإخوان المسلمين، خصوصاً على مستوى السلم الاجتماعي والوضع الأمني في الدول الغربية، خصوصاً مع تنامي وعي العديد من الأطراف الغربية بخطورة التنظيم وكونه مفرخة لكافة التنظيمات الإرهابية الإسلاموية التي نشأت لاحقاً، الأمر الذي دفع العديد من الدول الأوروبية إلى تصنيف الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي.
5- التصنيف العربي للإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي: منذ ثورة الثلاثين من يونيو 2013 في مصر، والتي أدت إلى الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وما أتبع ذلك من سنوات من العنف والأعمال الإرهابية التي نفذتها الجماعة في مصر، توالت التصنيفات العربية للإخوان كتنظيم إرهابي، بدءاً من اتخاذ مصر الخطوة في ديسمبر 2013، مروراً بتصنيف المملكة العربية السعودية الجماعة كتنظيم إرهابي في مارس 2014، وبعد ذلك تصنيف الإمارات في نوفمبر 2014، وتعريجاً على ما سبق كانت الحيثيات الخاصة بعنف الجماعة في الدول العربية أحد المبررات الموضوعية لدى الإدارة الأمريكية لاتخاذ مثل هذه الخطة، خصوصاً وأن واشنطن كانت صنفت حركتي حسم ولواء الثورة المنبثقتين عن الجماعة واللتان مارستا الإرهاب في مصر لسنوات، كتنظيمات إرهابية وفق القانون الأمريكي.
وبشكل عام، كانت كل هذه الخلفيات والمعطيات عوامل محفزة للإدارة الأمريكية الحالية بقيادة دونالد ترامب من أجل إصدار الأمر التنفيذي الأخير. لكن وبعيداً عن كافة السياقات السابق الإشارة إليها، إلا أنّ هجمات طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، وما أتبعها من حرب إسرائيلية على قطاع غزة، وتنامي الصدام بين الولايات المتحدة وإسرائيل وما يُعرف بـ "محور المقاومة"، هي أيضاً عوامل أعادت طرح مسألة تصنيف الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي، على اعتبار الربط الأمريكي والإسرائيلي بين الإخوان وحركة حماس. ولعل ذلك ما يُفسر الاحتفاء الإسرائيلي الكبير على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بخطوة الرئيس "ترامب". إذ قال نتنياهو في معرض حديثه عن مقتل رئيس أركان حزب الله اللبناني هيثم الطبطبائي: " في هذه المناسبة، أود أيضًا أن أشيد بالرئيس دونالد ترامب لقراره حظر جماعة الإخوان المسلمين وتصنيفها منظمة إرهابية، هذه المنظمة تُهدد الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه".
ثانياً- تداعيات خطوة الرئيس الأمريكي
سوف يكون للأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص بحث تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية العديد من التداعيات المهمة، والتي يمكن تناول أبرزها في ضوء النقاط التالية:
• باتت الكرة الآن في ملعب وزارة الخارجية الأمريكية باعتبارها صاحب الاختصاص الأصيل في اتخاذ خطوات تصنيف المنظمات الأجنبية ككيانات إرهابية. ويتطلب التصنيف أن ينشر وزير الخارجية الأمريكي قراره بهذا الشأن في الجريدة الرسمية، إلا أنه يحق له -حسب القانون- ألا ينشر حيثيات التصنيف باعتباره "أسرار أمن قومي"، ويحق للمنظمة المصنفة أن تعترض على ذلك لدى محاكم العاصمة واشنطن.
• في حال اتخاذ وزارة الخارجية الأمريكية القرار بتصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي، فإنّ ذلك سيجعل الجماعة هدفاً للعقوبات والقيود الأميركية فوراً، بما فيها حظر السفر وقيود قانونية، ويحظر على المواطنين الأمريكيين تمويل أي أنشطة لها، سواء داخل الولايات المتحدة أم خارجها. وفوراً يًحظر كذلك على البنوك أي معاملات مالية لها، فضلاً عن منع من يرتبطون بها من دخول البلاد.
• سوف يحفز هذا القرار الأمريكي حال اتخاذه العديد من الأطراف الغربية نحو اتخاذ خطوات مماثلة خصوصاً في الاتحاد الأوروبي، كما أنّ هذا التوجه والقرارات تعبر عن توجه أمريكي نحو فرض رقابة مشددة على أنشطة وتحركات قيادات التنظيم في الولايات المتحدة، بما يعني أنّ الولايات المتحدة لن تكون على المدى القريب والمتوسط ملاذاً آمناً لعناصر وقيادات الإخوان المسلمين.
ثالثاً- ماذا عن الإخوان في اليمن؟
حتى وإن كان القرار الأمريكي سوف يؤدي إلى المزيد من القيود والضغوط الأمريكية على بعض الفصائل الإخوانية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً مصر ولبنان والأردن، ويُتوقع سوريا، إلا أن القرار الأمريكي ربما لن يشمل الضغط على بعض الفصائل الإخوانية الأخرى، وخصوصاً الإخوان المسلمين في اليمن أو حزب التجمع اليمني للإصلاح، ويستند هذا الافتراض إلى مجموعة من الاعتبارات الرئيسية، وذلك على النحو التالي:
• أكد مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، أنّ تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية أجنبية هو قرار "جيد جداً" ولا ينبغي أن يكون مفاجئًا. وأوضح أن هذا التصنيف "لا يرتبط مباشرة بالصراع في السودان"، لكنه "قد يحمل بعض التفسيرات أو التداعيات غير المباشرة"، وإذا ما وُضع هذا القرار جنباً إلى جنب مع نص قرار "ترامب" والذي خص بالذكر الإخوان في مصر والأردن وفلسطين، فإنّ هذه المعطيات تشير إلى انتقائية في قرار الإدارة الأمريكية وأنه لا يشمل مثلاً إخوان اليمن، واختيار الأفرع التي لها تماس مع إسرائيل، وترى فيها الدولة العبرية تهديداً لها.
• كانت بعض مراكز الفكر الأمريكية ومنها "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، قد أشارت في توصيات إلى الإدارة الأمريكية قبيل اتخاذ القرار، إلى صعوبة تصنيف حركة "الإخوان المسلمين" بأكملها كمنظمة إرهابية أجنبية، على اعتبار أن أفرع الجماعة حول العالم لا تعمل كمنظمة موحدة موجهة مركزياً. وهي تفسيرات تفتقر إلى الفهم العميق لبنية التنظيم الدولي للإخوان، على اعتبار أن الوحدة التنظيمية حتى وإن لم تتحقق بالمعنى التقليدي والتنسيقي، إلا أنّ كافة هذه التنظيمات تحمل نفس الأفكار والتوجهات، كما أنه يجمعها عشرات الأطر التعاونية التنظيمية، وشبكات الدعم المتبادل.
• يتبنى حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن، مقاربة براغماتية إذ يؤكد على موقعه الرسمي "عدم وجود أي علاقات تنظيمية أو سياسية تربطه بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين"، ويصر على أنّ أولوياته هي أولويات وطنية يمنية خالصة. وهذه التصريحات المتكررة لا تعدو كونها مناورة تكتيكية، خصوصاً لكسب المشروعية، لكن هذا الإنكار يمنحه حجة قانونية وسياسية قوية لا سيما لدى الإدارة الأمريكية.
• كذلك سوف يستند الحزب في مواجهة أي توجهات أمريكية جديدة، إلى سردية أنه شريك في تحالفات سياسية وعسكرية معترف بها دولياً في اليمن. كما أنّ الحزب كان له ولا يزال علاقات إيجابية بالمملكة العربية السعودية الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، فضلاً عن لقاءاته ومباحثاته المستمرة مع مسؤولين أمريكيين، وهي كلها عوامل سوف يراهن الحزب عليها لمواجهة أي ضغوط مستقبلية محتملة.
• ربما يتجه حزب التجمع اليمني للإصلاح، وفي ضوء البراغماتية المعروفة عنه على المدى القريب والمتوسط، إلى تصعيد سردية إنكار العلاقة بينه وبين الإخوان المسلمين، فضلاً عن الابتعاد عن أي مؤشرات تعبر عن التعاون مع ميليشيا الحوثي، سعياً لتجنب أي ضغوط أو توجهات تصعيدية من الإدارة الأمريكية.
إجمالاً يمكن القول، إنّ قرار الرئيس الأمريكي الأخير والذي حث وزارة الخارجية والمالية الأمريكيتين فيه على بحث تصنيف الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي، هو قرار شديد الأهمية على اعتبار أنه واقعة تمثل سابقة هي الأولى من نوعها، وتصعيداً كبيراً ضد الجماعة. لكن الإشكال الذي يواجه القرار يتمثل في كونه يأتي كارتباط بدوائر تهديد الأمن الإسرائيلي، وليس تعبيراً عن سعي حقيقي لمواجهة الجماعة وخطرها على المجتمعات، الأمر الذي سيجعل الخطوة حتى إذا تم اتخاذها فعلياً، تخضع لمنطق الانتقائية في التنفيذ، والتحايل عليها من قبل التنظيم.
محمد فوزي
خبير في شؤون الأمن الإقليمي، باحث في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل 3 أشهر
قبل 3 أشهر