عربي

هل تقترب سوريا ولبنان من الانضمام إلى ركب التطبيع مع إسرائيل؟

الرئيس الأمريكي يلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور ولي العهد السعودي على هامش القمة الخليجية في الرياض، 14 مايو 2025 (الصورة: RT)

آخر تحديث في: 02-06-2025 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن

ترى الدوائر الإسرائيلية أن تراجع النفوذ الإيراني وتغيرات السلطة في سوريا ولبنان تفتحان الباب أمام احتمال انضمام البلدين إلى الاتفاقات الإبراهيمية، بدفع أمريكي وتحت مظلة إدارة ترامب. لكن التصعيد الإسرائيلي في غزة ولبنان، ورفض الرأي العام العربي، تظل تحديات رئيسية تُعرقل هذا المسار وتُهدد فرص تحقيقه في المدى القريب.



مركز سوث24 | محمد فوزي


بينما تنشغل كافة الدوائر السياسية والبحثية بملف التطبيع السعودي الإسرائيلي، باعتباره أولوية بالنسبة لكلاً من الإدارة الأمريكية وكذا الحكومة الإسرائيلية، خرج السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة يحيئيل لايتر، بتصريحات لافتة أشار فيها إلى "احتمالية انضمام كلاً من سوريا ولبنان إلى مسار الاتفاقات الإبراهيمية"، في إشارة إلى تلك الاتفاقات التي أقامت بموجبها مجموعة من الدول العربية علاقات مع إسرائيل. وقد طُرحت هذه التصريحات بعض التساؤلات عن طبيعة المتغيرات التي دفعت الدوائر الإسرائيلية باتجاه تبني تقديرات باحتمالية التطبيع مع كلا البلدين، فضلاً عن طبيعة التحديات التي تواجه هذا المسار.


أولاً- المتغيرات الرئيسية التي تُحفز التطبيع


أشار السفير الإسرائيلي إلى أنه "لا يوجد سبب الآن يمنعنا من الانتقال نحو تسوية مع سوريا ولبنان، لقد غيرنا بشكل جذري نمط العلاقات هناك، وأنا متفائل جداً بإمكانية توقيع اتفاق إبراهام مع سوريا ولبنان". معتبرا أنّ هذه الخطوة قد "تسبق مسار التطبيع مع السعودية". وقد عبرت هذه التصريحات الإسرائيلية عن رهان تل أبيب على إمكانية دفع المتغيرات الأخيرة في الإقليم باتجاه توسيع مظلة الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل كلاً من سوريا ولبنان، ويُمكن تناول أبرز هذه المتغيرات في ضوء الآتي: 


1- عودة دونالد ترمب إلى الحكم في أمريكا: مثّلت عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى الحكم في الولايات المتحدة، أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى تنامي الحديث عن عودة مسار الاتفاقات الإبراهيمية، على اعتبار أن الاتفاقات الإبراهيمية قد تمت بدعم ورعاية "ترمب" وكانت أحد أبرز منجزات السياسة الخارجية الأمريكية في حقبته الأولى. ومع عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض عادت الإدارة الأمريكية لتنظر إلى استكمال هذه الاتفاقات بما يشمل بعض الدول الأخرى، كمدخل للتعاون والشراكة الإقليمية بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ومن ضمنهم إسرائيل. كما أنّ ذلك يصب في إطار استراتيجية "تقاسم الأعباء" سواءً الاقتصادية والأمنية، وهي الاستراتيجية التي تتبناها الإدارة الأمريكية الحالية. 


اقرأ أيضا: جولة ترمب الخليجية: الرسائل والمخرجات وأبرز الدلالات


2- سعي "نتنياهو" لـ "تغيير وجه الشرق الأوسط": كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنذ السابع من أكتوبر 2023، يتحدث عن الحرب الجارية باعتبارها "صراع وجود"، وقد استخدم في أكثر من مناسبة صيغة "حرب السبع جبهات"، معتبراً أيضاً أنّ "أحد أهداف الحرب هو تغيير وجه الشرق الأوسط". وفي هذا الإطار يبدو أنّ الرؤية الإسرائيلية تجاه تحقيق هذا الهدف تستند بشكل رئيسي إلى مجموعة من المسارات الرئيسية التي تعمل عليها إسرائيل، وأولها تحجيم الوجود الإيراني والأذرع الخاصة بإيران في المنطقة وحرمان طهران من كافة أوراق الضغط التي تملكها. وثانيها تحجيم الوجود الفصائلي إجمالاً في المنطقة. وثالثها توسيع مظلة الانخراط في تحالفات الشرق الأوسط وترتيباته سواءً من خلال توسيع مظلة الاتفاقات الإبراهيمية أو من خلال العلاقات الثنائية المعلنة وغير المعلنة مع العديد من الأطراف في المنطقة. 


3- إنهاء الوجود الإيراني بشكل شبه كامل في سوريا: كان أحد المتغيرات الرئيسية التي نتجت عن الحرب والتصعيد الموسع الذي شهدته المنطقة منذ 7 أكتوبر 2023، إلى  جانب الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد،  هو تلاشي الوجود الإيراني في سوريا بشكل شبه كامل. وحتى قبيل عملية "ردع العدوان" وما ترتب عليها من تداعيات، كانت إسرائيل قد شنت حملات عسكرية مكثفة على كافة الأهداف الإيرانية الموجودة في سوريا، واستهدفت عشرات القادة الإيرانيين، ضمن لها تحقيق مجموعة من الأهداف.


4- النهج الخاص بهيئة تحرير الشام في حكم سوريا: مثّل صعود هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع إلى الحكم في سوريا، أحد المتغيرات الرئيسية التي تعول عليها إسرائيل من أجل تعزيز النفوذ في سوريا من جانب، وتوسيع مظلة الاتفاقات الإبراهيمية من جانب آخر. ويتجلى ذلك من خلال مجموعة من المؤشرات الرئيسية، أولها النهج البراجماتي لهيئة تحرير الشام وزعيمها في سوريا، على مدار السنوات الماضية، وهو النهج الذي قد يدفع حتى باتجاه إقامة علاقات مع إسرائيل. وثانيها طبيعة التحديات الاقتصادية خصوصاً التي تواجه الإدارة السورية الجديدة، والتي قد ترى في التطبيع مع إسرائيل مدخلاً لمعالجة كافة هذه الأزمات. وثالثها انفتاح الإدارة السورية الجديدة على مسألة إجراء مباحثات مباشرة مع إسرائيل، وعقد هذه المباحثات بالفعل مع تل أبيب بوساطة من تركيا. ورابعها يرتبط بالعامل الأمريكي، وحديث العديد من التقارير عن ضغوط وابتزاز من الإدارة الأمريكية للقيادة السورية الجديدة من أجل إحداث تطبيع بين الجانبين الإسرائيلي والسوري، خصوصا بعد قرار واشنطن برفع العقوبات عن سوريا ومطالبة ترامب للرئيس السوري بالتطبيع، خلال لقاءهما الأخير في الرياض.


5- انكسار هيمنة حزب الله في لبنان: كان من تداعيات الحرب والتصعيد في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً فيما يتصل بالجبهة اللبنانية، انكسار شوكة حزب الله اللبناني. حيث عاش الحزب حالة استنزاف كبيرة على وقع هذه الحرب، وخسر خلالها معظم قيادات الصف الأول والثاني من هيكله القيادي، وعلى رأسهم أمين عام الحزب حسن نصر الله. كما أنّ الحرب وخسائرها الكبيرة في لبنان دفعت عملياً باتجاه تأليب البيئة اللبنانية إجمالاً والبيئة الحاضنة لحزب الله على وجه الخصوص، وهي كلها عوامل أدت إلى مجموعة من التداعيات والنتائج المهمة. أول هذه التداعيات هي انتخاب العماد جوزيف عون كرئيس للبلاد في مقابل انسحاب مرشح "حزب الله" المفضل سليمان فرنجية. وثانيها تكليف رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام بتشكيل حكومة جديدة، وهي الحكومة التي أسقطت من بيانها الوزاري البند المتعلق بـ"المقاومة"، خلافاً لما درجت عليه مضامينُ البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ عام 2000. وثالثها التصريحات المتكررة من الرئيس عون بأن "لبنان يبدأ مرحلة جديدة، وأنّ حمل السلاح في لبنان سوف يكون مقتصراً على الدولة". ورابعها الإعلان عن مباحثات ستجري بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي بخصوص ترسيم الحدود البرية، والاتفاق على تشكيل ثلاث مجموعات عمل مشتركة مع لبنان وفرنسا والولايات المتحدة.


وقد عبرت كافة المؤشرات السابقة عن مجموعة من الدلالات المهمة، أولها أنّ المرحلة الجديدة التي بدأت في لبنان مع انتخاب "عون" كرئيس للجمهورية، سوف تشهد قطيعة مع كافة الأنماط السياسية التي طغت على الحالة اللبنانية منذ العام 2000. وثانيها أنّ هذه المرحلة تشهد توجهاً نحو تعزيز احتكار الدولة للسلاح وتعزيز أدوار الجيش اللبناني، وهو ما سيتبعه بطبيعة الحال انحسار في نفوذ وأدوار حزب الله اللبناني.  وثالثها الضغوط الأمريكية الغربية من أجل تهيئة الأجواء لتطبيع أو على أقل تقدير علاقات إيجابية بين لبنان وإسرائيل، وهي كلها متغيرات أغرت إسرائيل باتجاه تبني سردية التطبيع مع لبنان.


وبشكل عام، فقد عبرت كافة المؤشرات السابقة عن مشهد إقليمي جديد، يغلب عليه مجموعة من السمات الرئيسية، خصوصاً ما يتصل بتراجع وطأة النفوذ الإيراني، وانحسار أدوار كافة الأذرع الإيرانية في المنطقة، جنباً إلى جنب مع تراجع كبير مُني به الفاعلون المسلحون من دون الدولة، في مقابل تنامي الحديث عن ضرورة استعادة أدوار "الدولة الوطنية" باعتبارها الفاعل الأهم في المشهد السياسي الإقليمي، وضمانة للأمن والاستقرار في المنطقة. ويُضاف إلى ما سبق العامل الأمريكي والذي يدفع باتجاه فرضية توسيع مظلة الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل دولاً جديدة.


ثانياً- تحديات قائمة


رغم كافة المؤشرات السابقة، التي تُحفز المساعي الإسرائيلية الأمريكية الرامية إلى توسيع مظلة الاتفاقات الإبراهيمية، إلا أنّ هذا المسعى إن كان في حالة السعودية، أو حتى في حالتي سوريا ولبنان، لا يزال يواجه مجموعة من التحديات الرئيسية، ومن أبرز هذه الإشكالات والتحديات: 


1- تداعيات الحرب في قطاع غزة: أدت الحرب الإسرائيلية على غزة، وكم الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في القطاع على مدى 19 شهراً من الحرب المستمرة حتى اليوم، إلى تداعيات شديدة السلبية على مستوى العلاقات العربية إجمالاً بإسرائيل. بل إنّ هذه العلاقات وصلت إلى مستوى غير مسبوق من التوتر على المستويات الثنائية والجماعية، ويتجلى ذلك من خلال مجموعة من المؤشرات الرئيسية. وأولها تعقد مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وربط السعودية أي مسار لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وثانيها بعض التحديات التي فُرضت على الاتفاقات الإبراهيمية، وكان المثال الأبرز في ذلك يتمثل في حالة البحرين، التي أعلنت عن العديد من الإجراءات التصعيدية ضد إسرائيل. وثالثها يرتبط بالرأي العام العربي حيث تصاعدت الدعاية السلبية ضد انفتاح بعض الدول العربية على إسرائيل تزامناً مع تعزيز ضغوط الرأي العام على الأنظمة الحاكمة في المنطقة، وهي كلها تحديات تنعكس بطبيعة الحال على فكرة انضمام المزيد من الدول تحت مظلة الاتفاقات الإبراهيمية. 


2- السياسات المتغيرة من إدارة "ترمب": أحد السمات الرئيسية التي تغلب على أنماط السياسات التي تتبناها الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة دونالد ترمب، تتمثل في أنّ سياسات هذه الإدارة غير متوقعة، وغير معروفة المآلات ومفاجئة في العديد من الأوقات، وربما متناقضة ومتقلبة. وفي هذا السياق ورغم الانفتاح النسبي الكبير من قبل إدارة "ترمب" على فكرة توسيع مظلة الاتفاقات الإبراهيمية، إلا أنّ بعض التقارير أشارت، على سبيل المثال، إلى أنّ الرئيس الأمريكي، أسقط شرط التطبيع مع إسرائيل لإبرام اتفاقات ذات طابع استراتيجي مع السعودية. كذلك فإن الاتفاق الأمريكي مع الحوثيين بخفض التصعيد، وصولاً إلى المباحثات المستمرة مع إيران بخصوص الملف النووي الإيراني، كلها مؤشرات عبرت عن عدم تشجع الإدارة الأمريكية تحت وطأة ممارسات الحكومة الإسرائيلية لفكرة توسيع الاتفاقات الإبراهيمية على الأقل على المدى القريب. 


3- الممارسات الإسرائيلية في سوريا ولبنان: تظل الممارسات الإسرائيلية في كلاً من سوريا ولبنان، أحد العوائق الرئيسية أمام أي مسار محتمل لتطبيع العلاقات الثنائية بين الأطراف الثلاثة، خصوصاً مع استمرار التصعيد العسكري في لبنان، وبوتيرة أقل في الفترات الماضية في سوريا. فضلاً عن استمرار احتلال إسرائيل لخمس نقاط في الجنوب اللبناني، بالإضافة لجبل الشيخ والمنطقة العازلة وعدد من المناطق في الجنوب السوري، التي سيطرت عليها إسرائيل خلال انهيار نظام بشار الأسد. هذه الممارسات دفعت حزب الله لاتخاذ الله استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في المناطق الجنوبية كذريعة لاستمرار حمل السلاح والتصعيد المحتمل، فضلاً عن تصريحات متكررة من الإدارة السورية الحالية بضرورة انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من المناطق التي سيطر عليها.


إقرأ أيضا: دلالات ومآلات المباحثات التركية الإسرائيلية بشأن سوريا


ويمكن القول، إنّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتصعيد الإسرائيلي في المنطقة بشكل عام، حتى وإن كان قد خلق بيئة تعزز من التموضع الإسرائيلي عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً في المنطقة، إلا أنّه مثل في الوقت نفسه تحدياً كبيراً لفكرة توسيع مظلة الاتفاقات الإبراهيمية، خصوصاً مع تحول إسرائيل تدريجياً إلى دولة منبوذة على المستوى العربي والعالمي. فضلاً عن التحديات المرتبطة بالرأي العام العربي ومواقفه المتشددة حالياً تجاه إسرائيل وأي مساعي خاصة بإدماجها في علاقات مع أطراف عربية.


محمد فوزي

خبير متخصص في شؤون الأمن الإقليمي، باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا