الذكاء الاصطناعي (بواسطة مركز سوث24)
آخر تحديث في: 28-05-2025 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
|
"تعكس كافة المعطيات السابقة الخاصة بحسابات الطرفين، أنّ تموضعهما ورغم الضغوط الأمريكية للموازنة بينهما، يظل عرضة للاضطراب ومرشح للتصعيد، لا سيما في ظل حالة التوتر النسبي.."
مركز سوث24 | محمد فوزي
شهدت الفترة من 10 أبريل الماضي وحتى اليوم زخماً كبيراً على مستوى المباحثات بين كلاً من تركيا وإسرائيل بخصوص الوضع في سوريا وتموضع كلا الطرفين. وهي المباحثات التي عبرت في مجملها عن سعي ثنائي بضغط أمريكي لتجنب الوصول إلى نقطة الصدام. وعقد الجانبان حتى وقت كتابة هذه الورقة 4 جولات من التفاوض في العاصمة الأذربيجانية باكو، فيما من المتوقع أن تعقد جولة خامسة في وقت لاحق من هذا الشهر، بشأن اتفاق أوسع نطاقاً لتجنب الصراع. وهي التحركات التي تطرح تساؤلات مهمة بخصوص طبيعة الحسابات الخاصة بكل طرف في سوريا، فضلاً عن المآلات المحتملة لهذه الجولات التفاوضية، وما إن كانت قادرة على احتواء التنافس بين الجانبين في الجغرافيا السورية، وعدم الوصول إلى نقطة الصدام أو الصراع وطبيعة المحددات التي تحكم ذلك وتحكم موقف كل طرف.
أولاً- الحيثيات الخاصة بجولات التفاوض الثنائية
وفقاً "لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، فقد أسفرت المباحثات التركية الإسرائيلية حتى الآن عن إنشاء خط ساخن لمنع التوترات والصدامات في سوريا، بما في ذلك معلومات عن الأماكن التي ستضع فيها أنقرة أنظمة الدفاع الجوي والرادارات. وأفاد الموقع بأنّه تم إنشاء خط اتصال مباشر على مدار الساعة، بين تركيا وإسرائيل، لحل أي تعقيدات عسكرية وشيكة في سوريا بسرعة، ومنع أي حوادث غير مرغوب فيها بين جيشي الطرفين في سوريا. وفي ضوء الحيثيات المتاحة عن هذه المباحثات، يُمكن القول إنّ هناك جملة من الحسابات الخاصة بكل طرف في سوريا حالياً وذلك على النحو التالي:
1- الحسابات التركية في المعادلة السورية:
تسعى تركيا عبر العديد من التحركات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية في سوريا في مرحلة ما بعد الإطاحة ببشار الأسد إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية، التي تضمن تحولها إلى الفاعل الخارجي الأهم في الملف السوري وتعزز من تموضعها، خصوصاً فيما يتعلق بتأهيل الإدارة الجديدة في سوريا أمام المجتمع الدولي، في ضوء العلاقات الارتباطية التي تجمعها بهذه الإدارة. حتى أنّ بعض الدوائر والتقديرات الإسرائيلية ذهبت إلى أنّ "سوريا أصبحت ولاية تابعة للدولة العثمانية". وأنّ الجولاني أو الشرع يعد “الحاكم التركي العثماني الجديد لسوريا". كذلك تراهن تركيا على توظيف المتغيرات الأخيرة في سوريا من أجل تعزيز التموضع العسكري، ليس فقط عبر الفصائل المحسوبة عليها على غرار الجيش السوري الحر، ولكن عبر الوجود العسكري المباشر من خلال اتفاقات يجري التباحث حولها مع الإدارة السورية الحالية.
أيضاً لا ينفصل العامل الاقتصادي عن الحسابات التركية، إذ تراهن تركيا على مجموعة من الأهداف الاقتصادية المهمة التي تسعى إلى تحقيقها في سوريا ما بعد "الأسد". وتُركز تركيا في هذا الإطار على عدد من المشاريع الاقتصادية الرئيسية، والتي يعد مشروع خط الغاز القطري التركي الواصل إلى أوروبا، من أهمها، وهو حقل الغاز الذي يبدأ من حقل الشمال في قطر، مروراً بالسعودية والأردن، ومنهما إلى سوريا، وصولاً إلى حقل "غازي عنتاب" في تركيا، ومنها يتم نقله إلى أوروبا عبر بلغاريا. وهو المشروع الذي سيعزز من الاستراتيجية التركية الرامية إلى التحول لمركز رئيسي للطاقة في المنطقة. كذلك تسعى تركيا إلى تعظيم دورها في عملية إعادة إعمار سوريا، فضلاً عن السعي للسيطرة على القطاعات الحيوية في سوريا على غرار النفط والموانئ.
ويُضاف إلى ما سبق سعي تركيا إلى تقوية الإدارة السورية الجديدة على المستوى السياسي والأمني والعسكري، بما يضمن سيطرتها على كامل التراب السوري، وذلك في مواجهة الخطط أو الأطروحات الخاصة بالتقسيم، بما يضمن تأمين منطقة جنوب شرق تركيا من أي وجود لفصائل ترى فيها تركيا تهديداً لها، وبما يضمن تحويل سوريا إلى عمق استراتيجي لتركيا وليس مصدر تهديد.
2- الحسابات الإسرائيلية في سوريا:
في مقابل هذه الحسابات التركية، يبدو أنّ إسرائيل ومن خلال تحركاتها العسكرية متعددة الأبعاد منذ الإطاحة بـ "الأسد" فضلاً عن طبيعة المواقف السياسية التي تبنتها، تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، وأولها تأمين حدودها الشمالية من ناحية سوريا بعد رفضها لأي وجود لقوات الإدارة السورية الجديدة في الجنوب السوري، وهو ما ينسحب أيضاً على الوجود التركي، إذ ترفض إسرائيل أن يكون الانتشار التركي في مناطق التماس مع القوات الإسرائيلية. وثانيها أنّ إسرائيل تسعى إلى تثبيت التموضع الذي فرضته بقوة السلاح في مرحلة ما بعد الإطاحة بـ "الأسد" في مناطق جبل الشيخ والمناطق العازلة والعديد من مناطق الجنوب السوري. وثالثها أنّ إسرائيل تراهن على العامل العرقي والإثني من أجل دعم خطط خاصة بالتقسيم وتعول في ذلك على الدروز وبدرجة أقل الأكراد. ورابعها الضغط من أجل منع استضافة سوريا لأي فصائل فلسطينية.
وتعكس كافة المعطيات السابقة الخاصة بحسابات الطرفين، أنّ تموضع الطرفين ورغم الضغوط الأمريكية للموازنة بينهما، يظل عرضة للاضطراب ومرشح للتصعيد، لا سيما في ظل حالة التوتر النسبي التي تطغى على العلاقات الثنائية على وقع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، الأمر الذي تجسد في منع تركيا طائرة الوفد الإسرائيلي المفاوض من عبور أجواءها، ما مثل رسالة رمزية باستمرار التوتر وأنّ تركيا أرادت بعث رسائل بأنها ليست في موضع ضعف.
ثانياً- مخرجات نسبية للمباحثات الثنائية
رغم عدم وصول المباحثات بين الجانبين التركي والإسرائيلي حتى اللحظة إلى مخرجات رسمية واضحة، إلا أنّ هناك مؤشرات بخصوص عدد من المخرجات الرئيسية المحتمل الوصول إليها بين الجانبين، فضلاً عن بعض المخرجات التي انبثقت عملياً على هذه المباحثات، وذلك على النحو التالي:
1- احتمالية التوصل لآلية "فض الاشتباك": يُقصد بآلية فض الاشتباك تلك الآلية أو النظام الذي يقوم على تبادل المعلومات بين دولتين بهدف منع وقوع ضرر بين العناصر العسكرية التابعة لكل طرف في منطقة معينة. ويقوم الطرفان بإبلاغ بعضهما البعض بالإحداثيات الخاصة بتموضعهما العسكري وتحركاتهما بما يمنع نشوب أي اشتباكات، وهو من المفاهيم العسكرية المتعارف عليها خصوصاً في الدول التي تشهد تدخلات عسكرية خارجية.
وكان هناك العديد من الأمثلة والنماذج على آلية فض الاشتباك في السنوات الأخيرة، خصوصاً في سوريا والعراق، على غرار آلية فض الاشتباك بشرق نهر الفرات بين تركيا والولايات المتحدة، وفي الغرب بين تركيا وروسيا، وفي العراق تم إنشاء آلية مشابهة بين تركيا والولايات المتحدة. وفي حالة تركيا وإسرائيل سوف تكون الأولوية لإنشاء آلية خاصة بالمجال الجوي، وبعدها يمكن تطبيق الآلية ذاتها على العمليات البرية.
وبشكل عام، يبدو أنّ هناك حاجة من قبل الطرفين لخلق هذه الآلية فيما بينهما على الأراضي السورية فمن جانبها ترى تركيا أنّ الوصول إلى نقطة التصعيد العسكري مع إسرائيل قد يضر بعلاقاتها بالولايات المتحدة، فضلاً عن أنه سيؤدي إلى استنزاف القدرات العسكرية الخاصة بها، والمزيد من الضغط الإسرائيلي على الإدارة السورية الجديدة. ومن ناحيتها ترى إسرائيل أنّ التصعيد مع تركيا قد يدفع باتجاه فتح جبهات جديدة ضدها على الأراضي السورية بما قد يؤثر على المكتسبات الميدانية التي حققتها في مرحلة ما بعد بشار الأسد. كذلك وباعتبار تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي "الناتو" فإن أي اعتداء عليها يُفعل المادة الخامسة من ميثاق الحلف، التي تنص على أنّ الهجوم على عضو واحد هو هجوم على الجميع، مما يستوجب التدخل العسكري للناتو، بما يضع الولايات المتحدة نفسها في حرج كبير.
2- عودة التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الجانبين: كانت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما تبعها من تداعيات قد أدت إلى توترات كبيرة على مستوى العلاقات التركية الإسرائيلية، بما أثر بشكل نسبي على العلاقات الاقتصادية، وأدى إلى كمون وجمود على مستوى العلاقات السياسية الرسمية بين الجانبين. ثم جاءت التطورات الأخيرة في سوريا لتضفي توترا في العلاقات الثنائية، خصوصاً في ضوء تعارض الرؤى بين الجانبين تجاه العديد من المسائل التفصيلية الخاصة بالملف السوري.
جاءت المباحثات الأخيرة لتؤدي لعدد من التداعيات الرئيسية على مستوى العلاقات بين تركيا وإسرائيل، خصوصاً ما يتصل بعودة التنسيق الأمني والاستخباراتي المباشر بين الجانبين، من خلال المباحثات التي تم إجرائها في العاصمة الأذربيجانية، فضلاً عن تأكيد تقارير إنشاء الجانبين خط اتصال طارئ يعمل على مدار الساعة لمنع التوترات العسكرية في سوريا، لضمان معالجة أي سوء تفاهم عسكري بشكل سريع وعاجل.
3- مباحثات بين الإدارة السورية الحالية وإسرائيل: أفادت تقارير خلال الأيام الماضية بأن الإدارة السورية الحالية عقدت مباحثات مباشرة مع إسرائيل في أذربيجان، وبحسب التقارير فقد جرت المباحثات بمشاركة رئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي، الجنرال عوديد بسيوك، الذي اجتمع مع ممثلين عن النظام السوري بحضور مسؤولين أتراك.
وتعكس هذه المعطيات السابقة مجموعة من الدلالات المهمة وأولها أنّ المباحثات التي جرت بين تركيا وإسرائيل قد انصرفت لصالح عقد مباحثات بين الإدارة السورية وإسرائيل بشكل مباشر للمرة الأولى برعاية تركية. وثانيها أنّ هذه الخطوة لا يمكن فصلها عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع العقوبات المفروضة على سوريا وما يترتب على ذلك من سعي الإدارة السورية إثبات حسن النوايا. وثالثها أنّ هذه المباحثات على الأرجح ركزت على فكرة التوسعات الإسرائيلية في سوريا والهجمات المستمرة من تل أبيب على الأراضي السورية والسعي لخلق نوع من التهدئة. ورابعها أنّ أنقرة باتت تعتبر نفسها الركيزة الإقليمية الأساسية في هندسة العلاقات الخارجية للإدارة السورية الحالية بقيادة أحمد الشرع.
وبشكل عام يمكن القول، إن مآلات المباحثات التركية الإسرائيلية ومساراتها المتوقعة سوف تتوقف على مجموعة من المحددات الرئيسية، وأولها ما يتصل بمدى القدرة على منع الوصول إلى نقطة التصعيد أو الصدام، سواءً من خلال آلية فض الاشتباك أو من خلال أي آليات أخرى يجري التوافق حولها. وثانيها موقف واشنطن من فكرة التوسعات والتحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا. وثالثها مدى المرونة التي ستبديها إسرائيل إزاء هذه التحركات سواءً ما يتعلق بالانسحاب من الأراضي التي سيطرت عليها أو على أقل تقدير تثبيت الوضع الراهن، فضلاً عن مدى المرونة التي ستبديها إزاء التواجد العسكري التركي في سوريا. ورابعها مدى التزام الإدارة السورية الجديدة بالتخوفات والمتطلبات التي قدمتها واشنطن وتل أبيب، خصوصاً ما يتعلق بوجود الفصائل الإيرانية والفلسطينية على أراضيها.