حطام طائرة للخطوط اليمنية مدمرة في أعقاب غارة جوية إسرائيلية، في صنعاء، اليمن، 7 مايو 2025. رويترز/خالد عبد الله
آخر تحديث في: 07-05-2025 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
|
مركز سوث24 | فريدة أحمد
في تطور مفاجئ، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن وقف العمليات العسكرية الأمريكية التي تستهدف مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين في اليمن. يأتي هذا القرار بعد فترة تصعيد شهدت استئنافاً للغارات الأمريكية منذ 15 مارس، في سياق حملة ضغط تهدف إلى تقويض الحوثيين عن تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر. وقد جاء هذا التصعيد كرد فعل متزامن مع إعلان الحوثيين استئناف هجماتهم ضد السفن الإسرائيلية، وعقب هجمات للجماعة طالت طائرات أمريكية في البحر الأحمر.
بموازاة ذلك، أعلنت الخارجية العمانية، عن توصل الولايات المتحدة ومن وصفتهم "السلطات المعنية" في صنعاء، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يشمل وقف استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. الجدير بالذكر أنّ المبعوث الخاص للرئيس ترمب، ستيف ويتكوف، قاد محادثات إيران، وعمل على التوسط لوقف إطلاق النار مع الحوثيين خلال الأسبوع الذي سبق إعلان وقف الغارات الأمريكية. بالمقابل، يُعزز من دلالة رغبة الحوثيين في التهدئة حقيقة أن جهود الوساطة كانت جارية حتى قبل قيام المليشيا اليمنية باستهداف مطار بن غوريون الإسرائيلي، مما يشير إلى وجود نية مسبقة لدى الحوثيين للتراجع عن التصعيد مع الولايات المتحدة. لذلك فضّل ترامب أن يؤكد على أنّ الحوثيين "استسلموا".
اللافت أنه منذ 28 إبريل، توقف الحوثيون عن ضرب البوارج الأمريكية، وهو ما يشير إلى التأثير الكبير الذي أحدثته الضربات الأمريكية في القدرات العسكرية الحوثية. وقد عزز هذا التقدير تصريحات الحكومة اليمنية المعترف بها، التي أشارت إلى أنّ الحوثيين تكبدوا خسائر تقدّر بأكثر من 30% من قوتهم العسكرية بحلول مطلع إبريل. ووفق تقديرات أخرى، فقد تكون الخسائر تصاعدت إلى 60% حتى الآن. أمّا البنية التحتية الحيوية والاقتصادية الاستراتيجية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فقد قدّرت التقييمات الأولية؛ إلى أنّ حجم الخسائر خلال الأسابيع الماضية يتراوح بين مليار ونصف إلى مليارين دولار أمريكي. ولا يعني ذلك أيضا أنّ الولايات المتحدة لم تتكبد خسائر تشغيلية وقتالية خلال الأسابيع الماضية تجاوزت المليار دولار، لكنّ المقارنة هنا هي ضربٌ من الجنون، يصر الحوثيون على الاستمرار فيه.
في الوقت ذاته، أقرت جماعة الحوثيين بالاتفاق مع الولايات المتحدة التي تصفها بـ "العدو". لكنها شددت على أنّ الاتفاق "يقتصر حصرياً على العمليات ضد الأهداف الأمريكية في البحر الأحمر ولا يشمل بأي شكل من الأشكال العمليات التي تستهدف إسرائيل". من ناحيتها أكدت الخارجية الأمريكية ذات الأمر، وقالت أنّ الاتفاق يقتصر فقط على وقف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. وهذا الأمر على ما يبدو أغضب الإسرائيليين، الذي قالوا أنّ الإعلان كان بمثابة "صدمة" لتل أبيب.
ومع أنّ الاتفاق مع الحوثيين جاء في سياق الضغط العسكري الناجح، وليس كونه استجابة طوعية أو مبادرة حسن نية من جانب الحوثيين. إلا أنّ الإعلان الأمريكي فاجأ إسرائيل بشكل مضاعف، خاصة وأنّه جاء بعد ساعات فقط من توفير الجيش الأمريكي مظلة أمنية وقائية لهجمات تدميرية شنتها مقاتلات إسرائيلية ضد منشآت مدنية خاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء. من الواضح أنّ إسرائيل لديها مخاوف من أنّ يقود الاتفاق لمنح الحوثيين حرية إعادة تسليح أنفسهم، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة من جديد. فضلاً عن أنّ الربط بين اتفاق الحوثيين والملف النووي الإيراني، يثير مخاوف من أن أي اتفاق مستقبلي مع إيران قد يتم التعامل معه بنفس الطريقة، مع إعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية على حساب المصالح الإسرائيلية.
إقليميا، عكست ردود الفعل العربية ترحيباً حذراً بالجهود الدبلوماسية التي قادتها سلطنة عمان وأسفرت عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، معتبرة الاتفاق خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار الإقليمي والحد من حالة التصعيد في المنطقة. وهو نفس الموقف الإيراني الذي ثمّن الموقف العماني بالمثل. في حين أشارت الحكومة اليمنية المعترف بها، إلى أن "استسلام مليشيا الحوثي لم يكن خياراً طوعياً، بل جاء تحت وطأة الألم والإنهاك، بعد استهداف مراكز القيادة والسيطرة، ومخازن السلاح، ومنشآت تجميع الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة".
تمهيد لاتفاقات سلام أم اتجاهات نحو تصعيد
يمثل تصريح المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بشأن جهود إدارة ترامب لتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم، مؤشراً واضحاً على استمرار تبني واشنطن لسياسة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية كأولوية استراتيجية في المنطقة. وتسعى الإدارة الأمريكية بشكل حثيث إلى البناء نحو هذه الاتفاقيات لتحقيق مزيد من الإنجازات في سياستها الخارجية، فترمب يريد أن يترك إرث "صانع السلام" بأي ثمن. وقد أشار إلى أنّ هناك "إعلان كبير للغاية" قبل زيارته المرتقبة للشرق الأوسط، غير أنّه من غير المعروف ما إذا كان ذلك مرتبطاً بتوسيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، أو إحراز تقدم في ملف المفاوضات مع طهران أو ملف الحرب الإسرائيلية على غزة.
مع ذلك، فإنّ مساعي واشنطن لتوسيع مظلة اتفاقيات إبراهيم تصطدم بمعطيات إقليمية وسياسية معقدة. فغياب رؤية واضحة لحل القضية الفلسطينية مازال يشكل تحدياً أمام أي محاولة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية. كما أنّ التوازنات الإقليمية الدقيقة، وعلى رأسها حسابات الأمن القومي السعودي، ستكون عاملاً محدداً في تقييم جدوى ومستقبل أي مبادرات تطبيع جديدة. خاصة وأنّ السعودية ذهبت في تقارب مبكر مع إيران وبالتبعية في تهدئة مع الحوثيين في شمال اليمن منذ إبريل 2022. ويمكن تفسير امتناع الرياض عن المشاركة في تحالف "حارس الازدهار"، وكذلك عدم انضمامها للحملة الجوية الأمريكية ضد الحوثيين في سياقين متناقضين، الأول، يشير إلى رد فعل سعودي يعكس حالة من عدم الرضا أو "العناد" تجاه التذبذب الملحوظ في مواقف الولايات المتحدة تجاه حلفائها الإقليميين، خاصة وأنّ الرياض تُركت وحيدة في مواجهة الحوثيين لوقت طويل. والثاني، قد يرتبط بتوجه فعلي نحو تنويع خيارات السعودية الاستراتيجية، والانفتاح على محور إقليمي ودولي صاعد يضم إيران والصين وروسيا، خاصة وأنّ الصين أكبر مستورد في العالم للنفط السعودي.
من المهم القول، إنّ زيارة ترمب المرتقبة للسعودية والإمارات وقطر لن تحدث تحولاً ملموساً مالم تقترن بإعادة ضبط الموقف الأمريكي من الدعم غير المشروط لإسرائيل، وربما فتح مسار سياسي أكثر واقعية يضمن مصالح جميع الأطراف الإقليمية.
لكن يبقى السؤال الأبرز في ظل المشهد اليمني المعقد، هو حول موقع ودور الحكومة اليمنية المعترف بها، والذي يبدو أنّها وجدت نفسها خارج إطار أي مفاوضات تتعلق باليمن، بينما يفاوض الحوثيون رأساً مع جهات دولية وإقليمية. هذا الأمر يشي بأنّ السلطة اليمنية قد تكون فوّتت فرصة تاريخية عبر عدم الانخراط في حرب برية واسعة النطاق ضد الحوثيين. إذ كان من الممكن أن تكون مثل هذه الخطوة كفيلة بتغيير الموازين على الأرض في ظل تراجع القدرات العسكرية الحوثية. في مقابل ذلك، يمكن طرح سيناريو آخر يُفسر صمت الحكومة اليمنية الظاهري على أنّه جزء من استراتيجية تكتيكية متفق عليها مع الحلفاء الإقليميين وفي مقدمتهم السعودية والإمارات، هدفه استنزاف القدرات العسكرية والحيوية للحوثيين في مناطق سيطرتهم عبر العمليات الجوية المستمرة، تمهيداً لتدخل بري لاحق يهدف إلى تحقيق أهداف حاسمة ومصيرية تنهي السيطرة الحوثية، خاصة وأن المنشئات النفطية تم استهدافها بشكل كامل فضلا عن تدمير كامل لمطار صنعاء الدولي. وسيكون الحوثيون وفقاً لهذا السيناريو عاجزين عن تحريك آلياتهم وعرباتهم العسكرية للتقدم في معركة برية، وسينحصر نشاطهم ضمن نطاق عملياتي دفاعي فقط.
في نهاية المطاف، وعلى الرغم من تعليق الولايات المتحدة لعملياتها العسكرية المباشرة ضد الحوثيين، يبرز سيناريو محتمل آخر يتمثل في تحويل واشنطن لهذا الدور إلى إسرائيل. وبحكم عدم التزام الأخيرة بأي اتفاقات قائمة في ظل استمرار التهديدات الصادرة عن الحوثيين باستهدافها، قد تجد في ذلك مسوغاً لتصعيد عملياتها.
بالتوازي مع هذا الاحتمال، يمكن أن يذهب سيناريو ثالث إلى توقيع الأطراف اليمنية اتفاق سلام برعاية دولية. وقد يمثل هذا الاتفاق مخرجاً رسمياً للقوى الإقليمية المتورطة في الصراع، ما يسمح لها بالانسحاب العلني من الحرب اليمنية مع الحفاظ على نفوذها من خلال دعم الأطراف اليمنية المتحالفة معها بشكل غير مباشر. هذا الدور الضبابي، الذي يجمع بين الوساطة الظاهرية والدعم الخفي، يجد له نموذجاً حالياً في الدور الذي تلعبه سلطنة عمان، فبينما تتخذ مسار الوساطة المعلن، تشير تقارير متواترة إلى تورطها في دعم لوجستي للحوثيين، بما في ذلك تسهيل تدفق الأسلحة إليهم.
في المحصّلة، لا يعني بالضرورة أن مشهد ما بعد التدخل الأمريكي المباشر نهاية الصراع أو تحقيق سلام دائم في اليمن، بل قد يشهد تحولاً في طبيعة التدخلات الخارجية، يتنوع بين عمليات عسكرية مباشرة ودعم غير مباشر وتحركات استراتيجية خفية، مما يطيل أمد الأزمة ويحول دون تحقيق استقرار حقيقي في البلاد، خصوصا إذا ما استمر الحوثيون في انتهاج ذات المواقف العدائية المتشددة تجاه الأطراف اليمنية والإقليمية.