التحليلات

شرق إفريقيا مفتاح إيران والحوثيين للهروب من ضغوط ترامب

الولايات المتحدة اخترقت سفينة حربية إيرانية قدمت المساعدة لقراصنة حوثيين (المصدر: إيفان مارك سانشيز)

07-05-2025 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol
بعكس الاعتقاد الشائع، لا يندرج التحالف الحوثي-الإيراني تحت بند ترتيبات بين الراعي والعميل، كما أنه ليس بالعلاقة المؤقتة، بل مشروع أثبت قدرته على التكيف مع حالة الضبابية المتزايدة. 

سوث24 | فرناندو كارفخال


لا تزال إمدادات الأسلحة الإيرانية تواصل تدفقها إلى شرق إفريقيا وشمال اليمن لمساعدة المتمردين الحوثيين على استمرار تهديد التجارة البحرية وممالك الخليج. في مارس 2023، وافقت إيران على وقف تسليح الحوثيين، المتمركزين في صنعاء في إطار اتفاق أبرمته مع السعودية بوساطة صينية. بيد أن عمليات التهريب استمرت بعواقبها المدمرة على الاقتصاد العالمي وجيران اليمن. وقد تتفتق المحادثات التي بدأت مؤخرا بين إيران والولايات المتحدة عن تعهد جديد من طهران. ينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن الشبكة المتجذرة في أرجاء شرق إفريقيا يمكن أن تساعد طهران على الالتفاف على أي اتفاق وتجنب حدوث تداعيات كبرى مؤقتا. وتلعب السودان والصومال دورا استراتيجيا رئيسيا في هذه الشبكة الجديدة.


بعكس الاعتقاد الشائع، لا يندرج التحالف الحوثي-الإيراني تحت بند ترتيبات بين الراعي والعميل كما أنه ليس علاقة مؤقتة، بل مشروع أثبت قدرته على التكيف مع الضبابية المتزايدة. وبعد مرور عقد على الحرب الأهلية، تتضح كيفية تطور التهديدات عبر إلقاء نظرة للوراء إلى صعود الحوثيين. بعد عامين من انقلاب 2014، قام الحوثيون بتصعيد حربهم على السعودية بإطلاق صاروخ باليستي (بركان-1) من حوالي 800 كم من صعدة نحو قاعدة مطار الملك فهد الجوية في الطائف، لكن تم اعتراضه بالقرب من مدينة مكة المكرمة. في نوفمبر 2017، أطلق الحوثيون صاروخًا باليستيًا(بركان-اتش 2) من مسافة تتجاوز 1000 كم نحو الرياض، وأكدت الولايات المتحدة أن مصدره إيران. في يناير 2018، أكد تقرير أعدته لجنة خبراء أممية انتهاك إيران لحظر السلاح المفروض على اليمن. وأسهبت نتائج لجنة الخبراء في وصف تدفق مكونات تقنية وطائرات مسيرة إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن. وأدى هذا الفيض من الأسلحة الصغيرة، ومكونات أخرى مثل رقائق الحاسوب والبطاريات، وطائرات مسيرة في مساعدة الحوثيين بشكل سريع في التغلب على الفجوة العسكرية مع القوات اليمنية المنافسة والتفوق الجوي للتحالف العربي بقيادة المملكة السعودية.


لقد وثقت لجنة خبراء الأمم المتحدة، التي تراقب تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2140، وقائع تهريب مستمرة، والطرق البرية والبحرية التي يتم استغلالها، والأسلحة والمكونات التي ضبطتها القوات الدولية واليمنية. وتوضح الأدلة التي جرى جمعها على مدار العقد الفائت تنامي القدرات العسكرية والدقة والمدى للحوثيين. وبدأ هذا التطور من خلال طائرات مسيرة صغيرة جاهزة للاستخدام تم تهريبها من جنوب شرق آسيا عبر المهرة. وتطورت عمليات التهريب لتشمل بطاريات ومحركات أوروبية الصنع ترتبط بالطائرات المسيرة بالإضافة إلى مشاركة إيران معلومات استخبارية مع الحوثيين. لقد سمح ذلك للحوثيين بالتطور من كونهم مصدر عدم استقرار محلي إلى تهديد إقليمي وعالمي حاليًا. بالرغم من استخدام الحوثيين الأساسي لهذه الإمكانيات في تأمين مصالحهم في مواجهة السعودية، فإن تلاقي مصالح الجماعة مع إيران يجعلهم عضوًا حيويًا في "محور المقاومة" يتصرف كما لو كان مفتاح تشغيل وإيقاف. لا تستطيع إيران التخلي عن الحوثيين حيث تواصل تدفق الأسلحة والوقود عبر طرق تقليدية أو شواطئ مكتشفة حديثًا على امتداد شرق إفريقيا من أجل استمرار العلاقة من الجماعة. 


تدفق الأسلحة


لقد أدى تدفق الأسلحة والتكنولوجيا من إيران، أغلبها عبر ساحل البحر الأحمر في اليمن، بلا شك، في تسهيل التوسع الحوثي منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء عام 2014. استمرار السيطرة على الحديدة يشكل أمرًا حيويًا للحوثيين للإبقاء على تدفق الأسلحة والإيرادات. بالنظر إلى إمكانيات الحوثيين عام 2010 مقارنة بترسانة اليمن قبل سبتمبر 2014، ندرك أنهم لم يكن باستطاعتهم تشكيل التهديد الحالي دون تزويدهم بهذا الكم من الأسلحة والتكنولوجيا الإيرانية.


يتفق الخبراء اليمنيون في أن الحوثيين تلقوا أسلحة من إيران منذ عام 2014 في أعقاب انقلابهم في صنعاء وسيطرتهم على المطار الدولي. لقد سمح تحالف الحوثيين مع الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح في نهاية المطاف بالاستفادة من شبكات التهريب الراسخة المنتشرة في جميع أنحاء القرن الإفريقي. وقبل عام 2014، كان المهربون يركزن على الأسلحة الخفيفة والاتجار بالبشر والمخدرات، لكن الطرق البحرية والبرية كانت مهيأة للبضاعة الجديدة وحصد الأرباح. شهدت علاقة الحوثيين مع إيران وتدفق الأسلحة تطورًا تدريجيًا أثناء عهد التحالف مع صالح.


وبينما كان يوصف التحالف بين صالح والحوثيين بـ "زواج المصلحة" الذي يقترن بتاريخ انتهاء صلاحية، تبدو العلاقة بين الحوثيين وطهران متعددة الأوجه وأكثر تشابكًا. ثمة ثلاثة أسباب وراء انجذاب الحوثيين صوب إيران تتضمن الشرعية الدولية، وتدفق دخل الوقود لتمويل شبكات المحسوبية، والفيض المستمر للأسلحة للحفاظ على التفوق العسكري على خصومهم اليمنيين واستمرار قوة الردع في مواجهة السعودية. يطلق البعض على الحوثيين “وكلاء“ لإيران استنادا إلى بصريات العلاقة وكأن الجماعة لا تمتلك طموحات مستقلة. إنهم يقيسون الأمر بعلاقة طهران مع حزب الله اللبناني الجنوبي بالنظر إلى مسارهم خلال الأعوام العشرة. على غرار حزب الله، يستطيع الحوثيون تشكيل تهديد يتجاوز نطاق المنطقة.


يرتبط تدفق الأسلحة للحوثيين بوظيفتين أساسيتين كلتاهما تتعلقان بمصالح مشتركة مع إيران. الوظيفة الأولى تتعلق بمركز القوة الذي بات عليه الحوثيون حاليا نتيجة للدعم الفني المقدم من خبراء إيرانيين والأسلحة المطلوبة للتفوق على خصومهم اليمنيين. ولهذا، يعتبر الحوثيون أن سيطرتهم على أكثر من 75% من السكان في ثلث مساحة اليمن بمثابة "باب خلفي" يهدد المملكة السعودية. الوظيفة الثانية مفادها أن الإمداد التدريجي للأسلحة والتكنولوجيا والخبرة يرتبط بمسار بدأ بتوطيد سلطة الحوثيين إلى أن استطاعوا اكتساب ثقة كبيرة داخل التحالف. بمجرد انقضاء التحالف بين الحوثيين وصالح، تلاقت مصالح الجماعة مع إيران وتوسعت قدراتهم. يتواصل تدفق الأسلحة داخل مناطق الحوثيين برا عبر المهرة وبحرا من بحر العرب والبحر الأحمر، حيث باتت شواطئ شرق إفريقيا تخدم كنقاط اتصال رئيسية. لا تعد الصومال الأرض الوحيدة التي يتبع فيها الحوثيون خطى إيران في بناء علاقات تكافلية مع جماعات مثل حركة الشباب الموالية للقاعدة لكن السودان حاليا يمنح الحوثيين أيضا موطئ قدم عبر البحر الأحمر. 


شرق إفريقيا كطريق جديد


لقد تطورت العلاقات الحوثية الإيرانية من مجرد دعاية وشعارات حيث تحولت "التبعية من جانب واحد" إلى تحالف استراتيجي عابر للحدود. وفي أوقات عدم اليقين، تبرز ضرورة تنويع وتأمين تدفق ثابت من الأسلحة يعتمد على طرق متعددة. من المرجح أن يؤدي أي اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران إلى غلق طريق المزيونة (في عمان على حدود اليمن)، مما يجعل شرق إفريقيا منطقة إستراتيجية حيوية للحوثيين للحفاظ على قوة رادعة موثوقة. 


العديد من الأولويات تدفع الحوثيين نحو التوسع إلى مناطق شرق إفريقيا كالصومال والسودان. في أعقاب ترسيخ حضور دائم في عمان، وضع الحوثيون في أولوياتهم إنشاء نقاط خارجية لتسهيل حركة عملائهم وقواعدهم المستقبلية كمظلة من أجل تأمين "شبكة مقاومة". وعلى سبيل المثال، يعتبر الحضور الحوثي في الصومال بالشراكة مع حركة الشباب، بمثابة نقطة اختناق على امتداد مضيق باب المندب على نحو يمنحهم قوة مضاعفة من خلال علاقاتهم مع القراصنة وتحقيق أرباح عبر تجارة السلاح. حضور الحوثيين في شرق إفريقيا يؤمن مصالحهم المشتركة مع إيران بمساعدة من شبكات تهريب راسخة تعرض خدماتها على كافة الأطراف. من جانب آخر، يعرض السودان فرصا لا حصر لها للحوثيين. في أعقاب الخطوات التي اتخذتها إيران منذ 2014، تمنح العلاقات مع القوات المسلحة السودانية الحوثيين المزيد من الشرعية الدبلوماسية، وقاعدة على امتداد ساحل البحر الأحمر عبر الأراضي السعودية من ينبع إلى جازان، وطريقا بريا إلى ليبيا والبحر المتوسط. 


يعكس هذا التوسع الحوثي العابر للحدود تمسك إيران بالتحالف مع الجماعة. الشائعات التي تزعم تخلي إيران عن الحوثيين بسبب الضغط الأمريكي المتزايد لا تعدو مجرد تكهنات إذ أن الشراكات الجديدة في شرق إفريقيا توضح تماما أن التحالف متين الجذور ويرتبط بمصالح متبادلة طويلة الأمد. في الحقيقة، ومن أجل استمرار قوة ردع موثوقة، تحتاج إيران إلي الحوثيين في شرق إفريقيا بنفس قدر احتياج الجماعة إلى الطريق لاستمرار تدفق الأسلحة حتى تواصل الحرب ضد خصومها اليمنيين والمملكة السعودية. تتركز مصالح إيران في شرق إفريقيا بكل تأكيد في مجابهة النفوذ المتنامي لخصومها الخليجيين أمثال المملكة السعودية والإمارات. تمنح شواطئ السودان كلا الحليفين إمكانية الدخول مباشرة إلى ينبع، وهو ميناء رئيسي لصادرات الغاز والنفط يتيح للسعودية تخطي مضيق هرمز وباب المندب في الطريق إلى قناة السويس. وعلاوة على ذلك، توفر السودان نقاط إطلاق بديلة تخدم قدرات الحوثيين الجوية والبحرية للطائرات المسيرة مما يحمي ظهر الجماعة حال حدوث غزو أجنبي عن طريق البحر. 


خلال عام 2024، قدمت إيران مساعدات استخبارية إلى الحوثيين في ضرباتهم ضد سفن تجارية واستهداف المساعدات والقوات البحرية الدولية على امتداد البحر الأحمر. ترددت أيضا شائعات مفادها أن إعادة انتشار القوات البحرية الإيرانية بعيدا عن البحر الأحمر في ظل الحشد العسكري الأمريكي يمثل انسحابا من طهران بدلا من كونه خطوة حذرة لتجنب تصعيد محتمل مع اقتراب البحرية الأمريكية من باب المندب. الانسحاب التكتيكي للبحرية الإيرانية وسفنها التجسسية لا يعني التخلي التام إذ لا تزال أصولها الكبرى تتمركز عبر مناطق سيطرة القوات المسلحة السودانية على امتداد البحر الأحمر.

 

تغيير الطريق لتجنب الالتزامات


لقد طالبت السعودية والولايات المتحدة إيران بتعليق شحنات الأسلحة إلى الحوثيين كما طالبا عمان بطرد عناصر الجماعة من أراضيها لكن من الواضح أن كلتا البلدين تجاهلا المطالب. بعد الجولة الأولى من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران في مسقط(12 أبريل)،كان من المتوقع أن تزيد إيران ضغطها على عمان لإغلاق حدودها مع المهرة. إبرام عمان اتفاقا لإبداء حسن النوايا في أعقاب زيادة الانتقادات ضد السلطنة نظرا لعلاقاتها مع الحوثيين قد يرضي إدارة ترامب. ويظل التحدي قائما، لاسيما وأن الصراعات في شرق إفريقيا أكثر تعقيدا بفارق شاسع بالنسبة لصناع السياسة الخارجية الأمريكية.


أحجم الحوثيون عن استهداف سفن تجارية مدنية عبر باب المندب منذ أواخر ديسمبر 2024 وتوقفوا عن التصعيد منذ بداية الضربات الجوية الأمريكية في مارس. لقد قويت شوكة إيران بالتحديد منذ استعادة القوات المسلحة السودانية السيطرة على الخرطوم (مارس 2025) حيث كشفت تحقيقات الدور الإيراني في إنشاء أنفاق وتسليم أنظمة سلاح عبر مناطق القوات المسلحة السودانية. قد يكون سابقا للأوان الحديث عن عملية برية لطرد الحوثيين من الحديدة إذ أن سياسة "الضغط الأقصى" التي ينتهجها ترامب تجاه إيران تركز على ما يبدو على الحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق دون اعتبار واضح للتحديات التي يشكلها لاعبون عبر شرق إفريقيا. ينبغي على الولايات المتحدة إيجاد سبل أخرى للحفاظ على نفوذها على الحوثيين وإيران من أجل القضاء على التهديدات المحتملة التي تعطل المحادثات، وحتى يعود الحوثيون إلى مائدة المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة.


خبير في الشؤون اليمنية. عمل في فريق خبراء اليمن التابع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا