الصور: غرفة الإنذار المبكر في المكلا بحضرموت (مركز سوث24)
25-08-2024 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
"خلف الدور الحيوي لغرفة الإنذار المبكر في حضرموت، يكمن واقع معقد تتداخل فيه العقبات الفنية مع التحديات اللوجستية.."
سوث24 | عبد الله الشادلي
في قلب محافظة تعتبر من أكثر المناطق تأثرًا بالتغيرات المناخية في اليمن، تبرز غرفة الأرصاد الجوية بحضرموت كركيزة أساسية في التصدي للتحديات الجوية التي تتهدد حياة السكان واقتصاد المنطقة. حضرموت، بمساحتها الشاسعة وتضاريسها المتنوعة الممتدة من السواحل إلى الصحاري، لطالما كانت عرضة للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والعواصف المدارية.
ومن هنا، تكتسب غرفة الأرصاد الجوية التي تعمل على رصد وتحليل التغيرات الجوية في محاولة للتنبؤ بالأخطار المحتملة وتنبيه المجتمع المحلي والحكومة لاتخاذ التدابير اللازمة أهميتها البالغة. لكن خلف هذا الدور الحيوي، يكمن واقع معقد تتداخل فيه العقبات الفنية مع التحديات اللوجستية. فغرفة الأرصاد بحضرموت تعمل بإمكانات متواضعة، تعتمد بشكل كبير على أجهزة قديمة وتقنيات محدودة لا تواكب التطورات العالمية في مجال التنبؤات الجوية.
ورغم الجهود المبذولة من قبل فريق صغير من المتخصصين الملتزمين بتأدية دورهم في حماية المحافظة، إلا أن نقص التمويل والدعم الحكومي يجعل من الصعب تحقيق دقة عالية في التنبؤات، وهو أمر بالغ الأهمية في منطقة يمكن أن يؤدي فيها خطأ صغير في التقدير إلى كارثة إنسانية وبيئية.
يكشف هذا التقرير لمركز سوث24 من داخل غرفة الأرصاد الجوية بحضرموت، التحديات اليومية التي تواجهها هذه المؤسسة الحيوية. نستعرض من خلاله الظروف الصعبة التي يعمل فيها الأرصاديون، بدءًا من نقص المعدات وانتهاءً بالصعوبات في الوصول إلى الإنترنت، وهي مشكلة حاسمة في عملهم حيث يعتمدون على بيانات وتحليلات تحتاج إلى تقنية متقدمة وشبكة اتصالات قوية. كما يتناول التقرير محاولات الغرفة لمواكبة هذه التحديات عبر تقسيم مشروعاتها إلى مراحل تطويرية، رغم العقبات المستمرة.
الصعوبات والتحديات
بشكل عام، تواجه غرف الأرصاد الجوية في اليمن تحديات كبيرة في التنبؤ الدقيق بحالات الطقس، خاصة في المناطق الساحلية. يعتمد الأرصاديون على عدد محدود من محطات الرصد الجوي، بالإضافة إلى شبكة سينوبتك (SYNOPTIC) العالمية التابعة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، لجمع البيانات وإجراء الحسابات اللازمة للتنبؤات.
مُتعلق: أبرز تداعيات تغير المناخ في اليمن
إلا أن عمليات التنبؤ العددية [1] تتطلب حواسيب فائقة السرعة وسرعات إنترنت عالية، وهو ما يفتقر إليه اليمن في البلد. لذلك، يعتمد الأرصاديون على الاشتراكات في الشبكات العالمية لاستخدام حواسيبها القوية في إجراء المعالجات الحسابية، وسط تمويل حكومي ضعيف للغاية. علاوة على ما يقول الأرصاديون أنها نظرة قاصرة متشككة من المجتمع، وصناع القرار ربما، تجاه جهودهم وعملهم في توقعات الطقس والمناخ.
في حديثه مع مركز سوث24، استعرض رئيس مركز الأرصاد والإنذار المبكر بحضرموت، المهندس عبد الرحمن حميد، جهود المركز في تطوير نظام متكامل للتنبؤ بالأحوال الجوية. وسلط الضوء على التحديات التي تقف أمام المركز، مثل نقص التمويل والوعود التي لم تتحقق بعد، فضلاً عن انقطاع وضعف الإنترنت.
وقال حميد: "بدأنا مشروعنا في العام 2016 بجهود ذاتية بسيطة، ثم تم الافتتاح الرسمي في العام 2021 بعد تجهيز مكتب أفضل. لقد بدأنا عملنا في حي السلام بالمكلا داخل إدارة المحافظة، وكان لدينا مكتب متواضع في مبنى قديم، وكانت الإمكانيات الفنية محدودة للغاية. كما كانت لدينا محطة في منطقة فوة، إلا أنها توقفت عن العمل حاليًا بسبب غياب الصيانة وضعف القدرات الفنية."
وتحدث حميد عن جهود المركز لتنفيذ مشروع تطويري على مرحلتين:
في المرحلة الأولى، يتم إنشاء نظام للتنبؤات العددية يعتمد على قواعد بيانات يتم إدخالها إلى أجهزة حاسوب فائقة القوة. هذه الأجهزة تتيح إجراء حسابات معقدة تساعد في توقع التغيرات المناخية بدقة أكبر.
أما المرحلة الثانية، فتتمثل في نشر شبكة من محطات الرصد الجوي في مختلف مناطق حضرموت. هذه المحطات ستجمع بيانات دقيقة عن حالة الطقس، والتي سيتم تحليلها بواسطة الحواسيب الفائقة.
ورغم أن مركز الإنذار المبكر بحضرموت قطع شوطًا في المشروع، لكنه واجه تحديات كبيرة أبرزها انقطاع الإنترنت المتكرر، خاصة خلال الأزمات والكوارث. الأمر الذي عوق قدرة المركز على جمع البيانات وتحليلها في الوقت المناسب بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة ملحة لتحديث الأجهزة الحالية وتوفير أجهزة جديدة، حيث إن المواصفات الحالية للأجهزة لا تلبي متطلبات المشروع.
مُتعلق: حضرموت والمهرة: دعوة للعمل من أجل مواجهة كارثة المناخ
القدرات الحالية
وبالنسبة للقدرات الحالية، قال المسؤول المحلي: "في الوقت الراهن، لدينا محطتان للرصد الجوي تزودنا بمعلومات آنية عن حالة الطقس. الأولى هنا في مكتب مركز الإنذار بمدينة المكلا، والثانية في مدينة الشحر. وخلال الأشهر القادمة، من المتوقع أن نتلقى دعمًا بمحطات جديدة لتوزيعها في باقي المديريات، وقد قُطعت لنا وعود بذلك."
أما بالنسبة للبيانات التي تقدمها هذه المحطات، أوضح حميد أنها: "عبارة عن رصد آني للحالة الجوية، نقوم بإدخالها في الحواسيب لتغذية البيانات. ونحن في الوقت الحالي مشتركين في شبكة 'سينوبتك' العالمية، وهي شبكة تقدم بيانات محطات الرصد الجوي العالمي، والتي بدورها تقوم بتغذية بيانات حواسيبنا، مما يتيح لنا إصدار التوقعات".
ولفت إلى أنهم في مركز الإنذار المبكر بحضرموت يتطلعون إلى الدعم، مضيفًا: "لقد قدمنا طلبات دعم للعديد من الجهات والمنظمات، بما في ذلك الجهات العليا في الدولة، لكن لم نتلقَ سوى وعود لم ترَ النور حتى الآن."
وأشار إلى الكوارث المناخية التي ضربت حضرموت ومحافظات أخرى، لا سيما فيضانات 2008 والحالات الجوية المتطرفة خلال السنوات الأخيرة. وقال إن التغيرات المناخية أصبحت أكثر قسوة وهو ما يتطلب، فهمًا أعمق لدور مراكز الإنذار، ودعمًا يلائم هذه التحديات التي يمكن تجنب كثير من تداعياتها وأضرارها على الأرواح والبنية التحتية.
ولفت إلى ضرورة الوعي بظروف وطبيعة عملهم التي لا تقدم معلومات قطعية، ولكن تنبؤات واردة ومرجحة الحدوث بناءً على البيانات.
مضيفًا: "عندما نستخدم أنظمة التنبؤ بالأحوال الجوية، نعتمد على معادلات معقدة لتحليل البيانات، لا سيما أنَّ بلادنا تقع بين منطقة شبه مدارية ومنطقة مدارية. المشكلة تكمن في أن هذه التنبؤات ليست دقيقة بنسبة 100%، بل هي مجرد توقعات واحتمالات."
وتابع: "حتى إذا قارنا المناطق الساحلية في اليمن بالمناطق الساحلية في السعودية، نلاحظ العديد من الإخفاقات هناك رغم تطور الإمكانيات، ويمكن ملاحظة ذلك في فيضانات جدة التي كانت خارج توقعات الأرصاد السعودي بشكل تام".
وتحدث حميد عن التغيرات المناخية التي شهدتها الأمطار الموسمية في ساحل حضرموت في السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أنَّ الأمطار التي كانت تبدأ عادةً في شهر يناير وتستمر حتى شهر مارس قد انقطعت في الآونة الأخيرة.
وفيما يتعلق بدور وتجاوب السلطة المحلية في حضرموت مع غرفة الأرصاد والإنذار المبكر، أشار إلى "تحسن واستجابة ملموسة في الفترة الأخيرة، مع استعدادات واحترازات يتم تنفيذها وأخذها بعين الاعتبار".
الاحتياجات الملحة
يؤكد الأكاديمي ورئيس قسم الجغرافيا بجامعة حضرموت د. عمر المحمدي، على أن مركز الإنذار المبكر بحضرموت بحاجة ماسة إلى الدعم. وقال لمركز سوث24: "من الناحية الفنية، هناك عدة تحديات تواجه غرفة الأرصاد في حضرموت، منها قلة المعدات والتقنيات المتطورة وضعف الاتصالات والإنترنت."
وأضاف: "قد تواجه غرفة الأرصاد صعوبة في الحصول على المعدات والتقنيات الحديثة التي تساعدهم في جمع وتحليل البيانات الجوية. وقد تكون هناك حاجة لتوفير المزيد من الموارد المالية لتحديث وتطوير البنية التحتية الفنية، فضلاً عن صعوبات الوصول إلى الإنترنت عند وقوع الكوارث."
وأشار المحمدي إلى أنه لا يملك فكرة متكاملة عن نوعية الأجهزة ومدى توفرها في مركز الأرصاد والإنذار المبكر بحضرموت، لكنه أكد على أهمية وجود مجموعة متنوعة من الأجهزة للكشف عن الزلازل وإصدار التحذيرات المبكرة".
وأضاف: "من بين الأجهزة والتقنيات المطلوبة، نجد أجهزة لرصد المنخفضات الجوية التي تتشكل منها الأعاصير التي تهب من المحيط الهندي، وأجهزة لإرسال المعلومات، ومحطات لرصد الزلازل التي تستخدم لقياس الزلازل وتسجيل البيانات الزلزالية."
واختتم المحمدي حديثه بالتأكيد على وجود فجوة واضحة مقارنة بالمعايير الدولية، نتيجة لعدم توفر الأجهزة الحديثة واستخدامها في هذه التقنيات.
وفي 5 أغسطس الجاري، وجه رئيس الوزراء اليمني أحمد بن مبارك بإعداد "رؤية وطنية" تعكس أولويات اليمن لمواجهة التغيرات المناخية، وسط كوارث سيول اجتاحت منطقة تهامة على الساحل الغربي لليمن، وبعد قرابة عام من إعصار تيج المداري الذي ضرب المهرة وحضرموت.
وحتى الآن، لم تتضح ملامح وأولويات هذه الرؤية، وما إذا كانت ستشمل تقديم الدعم اللازم لمراكز الإنذار المبكر في المحافظات، وفي مقدمتها حضرموت.