28-05-2020 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| بدر قاسم محمد
يحدد المجتمع الإقليمي والدولي نقطة اندلاع الحرب في اليمن لحظة اندفاع الجماعة الحوثية العسكري جنوباً باتجاه عدن وإسقاطها في مارس 2015، الأمر الذي استدعى قلقه وتشكّل ما بات يعرف بـ «التحالف العربي» تحت قيادة السعودية لدعم شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، وإعلانه عن انطلاق عملية «عاصفة الحزم» العسكرية في نفس اليوم.
ما يكشف أنّ للأزمة اليمنية، التي تجرّ خلفها أذيال أسبابها وعواملها السياسية بأبعادها التاريخية المتعددة، عامل زماني ومكاني يصعدّها لتصبح على هذا النحو من الخطورة. الزمن أواخر مارس 2015 والمكان العاصمة الجنوبية عدن المطلة على خط الملاحة الدولية.
امتلك المجتمع الإقليمي والدولي سعة صبر وهو يغضّ طرفه عن كل ما كان يعتمل شمالاً من أحداث، (انقلاب) الحوثيين العسكري على شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي وإسقاطهم العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 وتمددهم العسكري السريع نحو محافظات الشمال الواحدة تلو الأخرى.
سرعة الحوثيين في التوجه جنوباً إلى عدن، حرّرت قرار المجتمع الإقليمي والدولي من التباطؤ والتأني ودفعته للمسارعة في تبني تدخله العسكري السريع والحازم في اليمن، محاولاً مجاراة هذا الرتم العسكري السريع للحوثيين.
سارع الحوثي المتحالف حينها مع الرئيس صالح وحزبه، خشية خروج الجنوب عن السيطرة وعودته لعهده السابق كدولة جنوبية مستقلة وعاصمتها عدن، نظرا لوجود ثورة شعبية جنوبية هناك (الحراك الجنوبي).
|هناك حساسية دولية أخرى تتجلى في عمق حضرموت الداخل بصفتها منطقة النفط والثروة، عبّرت عنها مبكراً جميع الأطراف المتحاربة بالتزامها بتحييدها عن الصراع
بمعزل عن ظهور الحوثي منفرداً في صدارة المشهد السياسي، فتحالفه حينها مع حزب الرئيس صالح ما زال خفياً لم يظهر بعد، أراد الرئيس صالح في أكثر من مناسبة إرسال رسائل تطمينية للمجتمع الإقليمي والدولي تحاول نفي البُعد الطائفي للأزمة الذي يمثله الحوثي، مؤكداً بعدها السياسي (أول خطاب سياسي وجه الرئيس صالح للرؤساء العرب المجتمعين في قمة شرم الشيخ أواخر مارس 2015)، إلا أنّ محاولات صالح بائت بالفشل، كما باء مصيره بالقتل على يد جماعة الحوثي "الطائفية" في 4 ديسمبر 2017.
في يوليو 2015 تمكّن الجنوبيون من دحر الحوثيين من سيطرتهم على عدن، وتواصل دحرهم من كامل جغرافيا الركن الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية إلى حدود المحافظات الشمالية، الحديدة وتعز وإب.
في إبريل 2016 تمكنت قوات النخبة الحضرمية من تحرير مدينة المكلا وساحل حضرموت من سيطرة تنظيم القاعدة لينضم تحرر جغرافيا جنوبية أخرى في شرق البلاد كانت سيطرة التنظيم عليها متـآلفة مع سيطرة الحوثيين في الجوار.
مراوحة المعارك مكانها في شمال اليمن وتحديدا في الجبهة الشرقية الأقرب لصنعاء من جهة محافظة مأرب التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح اليمني)، ظل المجتمع الإقليمي والدولي يتعامل معها بنفس لامبالاته. ظل أمر تحرير الشمال شأناً شمالياً خالصا تقرره الرغبة الشمالية كما أنّ أمر تحرير الجنوب شأننا جنوبياً خالصا تقرره الرغبة الجنوبية.
عودة القلق الدولي
على خلفية التداعيات الأمنية للعمليات الإرهابية التي حدثت في العاصمة عدن في اغسطس العام 2019، طردت القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الحكومة اليمنية من عدن واقتربت من لحظة السيطرة على شبوة المحافظة الجنوبية الحدودية مع مأرب الشمالية في سياق مساعيها لتحرير الأراضي الجنوبي وتحقيق استقلال الجنوب، إلا أنّّ ما حدث العكس تماما، فقد نقضت مأرب بقواتها المسلحة على شبوة ودحرت قوات النخبة الشبوانية بقوة وسرعة كبيرتين واتجهت وأسقطت بعدها محافظة أبين المحاذية لعدن، كاشفة عن رغبة في اجتياح الجنوب وعدن لم تبدي مثلها في الشمال أمام صنعاء القريبة منها التي يسيطر عليها الحوثيون.
عاد القلق الإقليمي والدولي لنقطة فزعه وانطلاقه الأولى، المكانية عدن والزمانية أغسطس 2019، الأمر الذي سمح بتلقي القوات التي هاجمت عدن، ضربة عسكرية قاصمة على مشارفها، اتفق عليها الإجماع الأممي، يعززه رفض مشروع قرار إدانة الضربة المقدم من قبل الحكومة اليمنية.
اقرأ أيضا: اليمن.. خيار حلّ الدولتين قناعة دولية
على الرغم من توقيع اتفاق الرياض السياسي بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في 5 نوفمبر 2019م إلا أنّ خطر الاجتياح العسكري لعدن من القوات الحكومية القادمة من مأرب مازال ماثلاً حتى هذه اللحظة، بما لا يعبر عن وجود نية ورغبة حقيقية لدى هذه القوات في التوجه إلى مأرب لقتال الحوثيين حسب نص اتفاق الرياض الموقع عليه.
على منوال حساسية المجتمع الإقليمي والدولي المفرطة ناحية عدن، يدّعي البعض أنّ عملية اجتياح صنعاء وتحريرها من قبضة الحوثيين تمتلك نفس الحساسية التي لا يتورع بعض المسئولين الحكوميين المنحدرين شمالا من التعبير عنها في تصريحاتهم.
لكن هل يمثّل وقوف الحوثيين على مشارف الاجتياح العسكري لمأرب أي حساسية لدى المجتمع الدولي؟
طالما لا يمثل هذا أي حساسية لدى الحكومة اليمنية فعلى الأرجح أنّ المجتمع الدولي كعادته سيعتبر مأرب شأناً شمالياً خالصاً بعد أن عجز في جعلها شأناً حكومياً خالصاً، لكن من المؤكد، وفقا لما سبق، أن المجتمع الدولي وضع عدن شأناً دولياً قبل أن يكون شأناً جنوبياً.
هناك حساسية دولية أخرى تتجلى في عمق حضرموت الداخل بصفتها منطقة النفط والثروة، عبّرت عنها مبكراً جميع الأطراف المتحاربة بالتزامها بتحييدها عن الصراع. لذا لا بأس أن تأتي القوات الحكومية من حضرموت وشبوة ومأرب لتتصارع مع القوات الجنوبية في محافظة أبين فقط!
- بدر قاسم محمد: زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات وباحث في الشؤون اليمنية والجماعات المتطرفة
قبل 3 أشهر