التقارير الخاصة

كيف دمّر النظام اليمني العاصمة عدن وحوّلها إلى قرية متهالكة!

27-05-2020 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24|خاص


رصد مهندس جنوبي ما اعتبره "تدمير ممنهج" نفذه النظام اليمني خلال الثلاثين سنة الماضية، منذ 1990، بحق ست قطاعات خدمية هامة في العاصمة عدن، أدّت – كما يقول- إلى تحويلها من مدينة راقية وعظيمة بكل شي، إلى قرية مظلمة بدون ماء ولا كهرباء ولا صحة ولا سواها من مقوّمات المدن الأساسية.


واستعرض المهندس المدني أمين عميران أعمال فساد وتخريب وسطو وإهمال متعمد طالت قطاعات الصحة والكهرباء، المياه والصرف الصحي، النقل، التعليم، والسياحة. 


قطاع الصحة


يقول عميران، وهو مهندس مدني يعمل في شركة مقاولات كبرى في السعودية، أن "النظام اليمني لم يبنِ مستشفى واحد في عدن منذ عام 1990، بل ذهب على النقيض إلى "تدمير جميع المستشفيات الكبرى التي كانت حاضرة، مثل مستشفى الجمهورية ومستشفى الصداقة. كما أغلق نهائياً مستشفى عدن العام رغم حداثته، وأغلق عدد من المستشفيات الصغيرة أمثال المستشفى الكوبي، والمستشفى البلغاري ومستشفى عبود العسكري واستهدف مستشفى النصر التابع لقوى الأمن والشرطة وأهمل مصحة السلام المخصصة للأمراض النفسية، كما تعرض أكبر مستشفى عسكري جنوبي "مستشفى باصهيب" للتدمير.


فضلا عن إهمال وإغلاق أكثر من 25 مجمع صحي في كل مديريات العاصمة عدن،  وتحويل القطاع الصحي في عدن أشبه إلى "خرابة" كما نشاهدها اليوم.


ويأتي التقرير الذي رصده عميران، في وقت تشهد العاصمة عدن انهيار كامل لمنظومتها الصحية، مع انتشار فيروس كوفيد19 المستجد، وبقية أمراض الحمّيات التي تفتك بحياة المواطنين، إثر فيضانات السيول التي ضربت المدينة في أبريل الماضي. 


ولقي قرابة 1000 شخص حتفهم في عدن وحدها خلال أقل من عشرين يوم الأخيرة. وحذرت منظمات دولية ومحلية من تفاقم انتشار المرض في ظل ما اعتبرته "انهيار المنظومة الصحية"، في البلد الذي يعاني من حرب أهلية منذ ست سنوات. 



قطاع الكهرباء


ولم يقتصر الأمر على القطاع الصحي وحسب، بل أن نظام صنعاء، بحسب أمين عميران، لم يشيّد "محطة كهرباء واحدة، مقابل تدمير وإهمال محطات الكهرباء، سواء الكهرو حرارية في مدينة الشعب التي أصبحت اليوم شبه منتهية إلى محطة المنصورة التي باتت محطة شبه خاصة نتيجة استئجار المولدات الكهربائية فيها."


ويضيف أن محطة "خورمكسر تم تدميرها بطريقة ممنهجة وأصبحت اليوم خاوية على عروشها ومثلها محطة شيناز ومحطة حجيف والتواهي، وبينما قبل عام 1990 كانت كهرباء عدن تغطي عدن ولحج وأبين 24 ساعة دون انقطاع، باتت اليوم تنطفئ لـ فترات تصل إلى 24 ساعة في عدن وحدها".


ويضيف "مارست السلطات المتعاقبة في عدن، عمليات فساد واسعة، مستغلة عقود شراء ضخمة للوقود والطاقة المستأجرة."


وتشكّل كهرباء العاصمة عدن التحدي الأكبر الذي يواجه الإدارة الذاتية في جنوب اليمن، خصوصا وأن هناك مسؤولين بارزين في مؤسسة الكهرباء مرتبطين بأعمال فساد وصفقات مشبوهة، لا يزالون في مهامهم. 


تشكّل كهرباء العاصمة عدن التحدي الأكبر الذي يواجه الإدارة الذاتية في جنوب اليمن، خصوصا وأن هناك مسؤولين بارزين في مؤسسة الكهرباء مرتبطين بأعمال فساد وصفقات مشبوهة، لا يزالون في مهامهم

يرى مراقبون أن نجاح الإدارة الذاتية في هذا الملف سيعزز من ثقتها وقدرتها أمام الشارع في عدن. وسيمنع استغلال قوى سياسية لهذه الملفات من إثارة "الفوضى" في المدينة المُنهكة. 


قطاع المياه والصرف الصحي


ويسري الحال على قطاع المياه أيضا كما يقول عميران، فلم تقدّم سلطات النظام اليمني التي حكمت عدن منذ 90 أي جهد جديد في خدمة المياة. لم يتم حفر أي آبار، ولم تقدم "على بناء أي مكينة أو مضخة، كما لم تتم صيانة شبكات إمدادات المياه التي أصبحت مهترئة".


وقال عميران أن السلطات المتعاقبة عملت على تدمير خطوط وآبار إنتاج المياه في بئر ناصر وبئر احمد وخزانات البرزخ، وأصبحت الكثير منها تالفة. فضلا عن الإهمال الذي تعرضت له محابس ومضخات جبل حديد.


وكذلك الحال بالنسبة للبنية التحتية المتعلقة بنظام الصرف الصحي، التي تحوّلت إلى مصدر مفزع لانتشار الأمراض، بعد تفجّر الكثير من إمداداتها طيلة السنوات الماضية، وانتهاء بكارثة السيول الأخيرة.


يقول عميران أن السلطات لم تقم على الإطلاق بأي أعمال صيانة أو ترميم لهذه الشبكة منذ ثلاثين عاما. فضلا أن مناطق تجميع الصرف الصحي صرفتها السلطات ووزعتها كـ أراضي لمتنفذين، وبُنيت عليها هناجر ومستودعات، وهو الأمر الذي جعل الصرف الصحي ينفجر داخل الأحياء والمدن، مسببا كوارث صحية وبيئية خطيرة. 


قطاع النقل


تميّز قطاع النقل في الجنوب كأفضل قطاعات النقل البري في الوطن العربي إبان دولة الجنوب السابقة. يقول عميران أن هذا القطاع تم "محوه نهائياً من على أرض الوجود بعدما كانت باصات النقل البري تنقل كل أبناء وزوار العاصمة عدن بين مديرياتها وتنقل طلاب الروضة والمدارس الابتدائية والثانوية والجامعة، فضلا عن نقلها المسافرين بين محافظات الجنوب من عدن الى عواصم محافظاتهم."


أما قطاع النقل الجوي ف طيران اليمدا الجنوبي الذي كان يطير من العاصمة عدن الى عدد من عواصم العالم وبين الكثير من مدن ومحافظات الجنوب مثل المكلا وسيئون والغيضة وعتق وسقطرى ومكيراس، بواقع 65 رحلة يومية محلية وخارجية، فقد تعرّض لتدمير كبير. 


يقول عميران "لقد تم سرقة طيران اليمدا وبيع بعض طائراته ودمج البعض الآخر مع طيران اليمنية الشمالية التي لم تكن تملك حكومة المحتل منها إلا 49% والباقي كانت ملكا السعودية". وأعقب ذلك كما يقول "تقليص عدد الرحلات الدولية من والى مطار عدن رويداً رويدا حتى بات شبه مغلق، كما أغلقت مطارات الجنوب الأخرى، وأغلقا مطاري عتق ومكيراس نهائياً".


 وعلى صعيد النقل البحري فقد تحوّل ميناء عدن من ثالث أهم ميناء في العالم الى أسوأ ميناء على مستوى الوطن العربي، بعد تحويل جميع مدخلات هذا الميناء لحسابات جهات النفوذ". 


ويشير عميران أن نظام صنعاء "عمل على نقل الحركة البحرية الى موانئ الشمال على البحر الأحمر في رأس عيسى وميناء الحديدة وميناء المخاء وميدي".


والأمر نفسه مع شق الطرقات الجديدة أو بناء الجسور أو الأنفاق. فلا يزال كما يشير "طريق الجسر بين جولة كالتكس وجولة فندق عدن عالق العمل فيه وتطويره منذ عشرات السنين، ولم يتم الانتهاء منه رغم تمويله من قبل صناديق دولية".


قطاع التعليم


هذا القطاع الحيوي الهام، ففضلا عن أنه لم يتم تطويره أو إضافة أي مرافق تعليمية حديثة على نفقة الدولة منذ عام 90، فقد تعرض لتهميش وإهمال شديدين. كما يقول أمين عميران.


ويشير إلى "أن المدارس التي بنيت في عدن وبعض مدن الجنوب، وهي قليلة، تم تمويلها من منظمات وصناديق دولية وبصعوبة بالغة، تم الموافقة الموافقة عليها بالتزامن مع انتخابات الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح عام 99 وعام 2006."


"وفضلا عن إهمال الكوادر التربوية، وحرمان شباب الجنوب من المنح التعليمية، وانتشار ظاهرة الغش والمحسوبية في قطاع التعليم، تم تدمير المعاهد التقنية والمهنية، التي كانت تنتج الأيدي العاملة المختصة، كمعهد المنصورة المهني ومعهد الانشاءات والمعهد التجاري بخورمكسر والمعهد التقني بالمعلا".


ويشير عميران أن سلطات نظام صنعاء بعدن "أغلقت نهائياً المعهد السمكي بجزيرة العمال والمعهد السياحي بـ جولدمور كما تم إغلاق معهد الفنون الجميلة بكريتر، يقابل ذلك تطوير المدارس والمعاهد في محافظات الشمال كصنعاء وتعز".


قطاع السياحة


يشير المهندس المدني أن "صهاريج عدن وقلعة صيرة أو بوابة عدن، وهي معالم تاريخية بارزة في المدينة، لم يتم ترميمها أو صيانتها، أو إعادة إصلاحها". فضلا عن "إغلاق  وبيع بعض السواحل والمتنفسات، وإهمال المحميات البحرية والبرية من ساحل جولدمور الى ساحل أبين الى الغدير وأشيد في البريقة".


ويشير عميران أن سلطات النظام اليمني في عدن ذهبت لأسوأ من ذلك في "توزيع المحميات والمزارع في المنصورة والحسوة والعماد وبئر احمد لعدد من أتباع النظام، بينهم جنوبيين وبعقود استثمار، دون خطط استراتيجية لاستيعاب مدنهم السكنية التجارية ضمن منظومات البنية التحتية من كهرباء ومياه وصرف صحي وغيرها".


يقول أن "مدينة إنما السكنية وبحجمها الكبير، والواقعة فوق محمية الحسوة و أبو حربة، لا تملك منظومة للصرف الصحي، ويتم تصريفها إلى الساحل المقابل لها، وأما المدينة الخضراء، فاشتهرت بالمجاري الطافحة على الشوارع وبجانب البيوت، ويسري ذلك على مدينة التقنية ومدينة السلام ومدينة الفيصل ومدينة عدن الجديدة والمدينة البيضاء ومدينة الجوكر ومدينة الصالح ومدينة الوالي".


ويقول عميران في نهاية بحثه الذي بعثه لـ "سوث24" أن التدمير الممنهج طال قطاعات أخرى، واسعة بينها مصافي عدن وقطاع المصانع، الذي تعرض أكثر من ثلاثين مصنع هام وفاعل بعدن وحدها للتدمير، بينها مصنع الغزل والنسيج، مصنع الأدوات الكهربائية، مصنع البطاريات ومصنع الأدوات الزراعية.


وطال التدمير الممنهج، كما يضيف، قطاع المؤسسات الإنتاجية والايرادية، كـ المؤسسة العامة لمطاحن الحبوب، مؤسسة النجارة، مؤسسة الأقمشة، فضلا عن المجمعات الاستهلاكية.


وأرفق المهندس أمين عميران ورقته هذه، مقترحات عملية "عاجلة"، اطلع عليها "سوث24"، لإنقاذ قطاعي الكهرباء والصحة، قال أنه بعثها للجنة الإدارة الذاتية في جنوب اليمن، التي أعلن عنها المجلس الانتقالي الجنوبي في 26 أبريل الماضي.



- هذه المادة خاصة بـ مركز سوث24 للأخبار والدراسات



شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا