صورة من العرض العسكري للقوات الجنوبية الذي شهدته عدن، يوم 30 نوفمبر 2025 (مركز سوث24، فواز الحنشي)
آخر تحديث في: 07-12-2025 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
|
|
سوث24 | فريدة أحمد
شهدت محافظة حضرموت خلال الأيام القليلة الماضية توتر أمني وعسكري غير مسبوق، على وقع المواجهات بين القوات المسلحة الجنوبية ووحدات المنطقة العسكرية الأولى (قوات شمالية موالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، متمركزة منذ سنوات في وادي وصحراء المحافظة). وقد سيطرت القوات الجنوبية على مدينة سيئون وعدد من المناطق المحيطة بها، ومناطق الوادي بما في ذلك مقر المنطقة الأولى ومطار سيئون والقصر الجمهوري. سبق هذا التصعيد بأيام، حشد القوات الجنوبية نحو وادي حضرموت، مع انتشار عناصر من "لواء حماية حضرموت" التابعة للشيخ القبلي عمرو بن حبريش، قرب منشآت شركة (بترو مسيلة)، واتهام قيادة المنطقة العسكرية الثانية لبن حبريش، بالاعتداء على مواقع قوات حماية الشركات.
بدا أنّ بن حبريش كان يعوّل الحصول على دعم محتمل من قوات المنطقة العسكرية الأولى في وادي وصحراء حضرموت، إضافة إلى القوة العسكرية التي شكّلها مؤخراً. غير أن مسار المواجهات اتخذ منحى مختلفاً تماماً؛ إذ تحولت التطورات الميدانية سريعاً باتجاه إطلاق عملية "المستقبل الواعد" بقيادة خمسة ألوية من القوات المسلحة الجنوبية وقوات النخبة الحضرمية، بهدف تحرير الوادي والصحراء من وجود قوات المنطقة العسكرية الأولى. وجاء هذا التحرك استجابة لمطالب شعبية متواصلة في حضرموت منذ سنوات، تطالب برحيل هذه القوات وتمكين أبناء المحافظة من إدارة شؤونهم الأمنية والعسكرية والاقتصادية.
على الرغم من تراكم المخاوف الجنوبية لعقود بشأن وضع الوادي والصحراء الحضرمية، لم تحظ هذه المخاوف بالاهتمام السياسي والأمني الكافي، خاصة وأنّ القوات التي تسيطر عليها لديها ارتباطات تنظيمية بجماعة الإخوان المسلمين. وهذا الواقع حسب المقاربة الجنوبية، خلق بيئة غير مأمونة سمحت بوجود جماعات متطرفة ونشاطات تهديدية، انعكست في سلسلة اغتيالات واضطرابات أمنية ومنصة تهريب للحوثيين، ونتيجة لذلك تحوّل الوادي والصحراء إلى عبء أمني مزمن ينهك القوات الجنوبية ويقوّض استقرار مناطق الحكومة المعترف بها ودول التحالف.
دوافع إنهاء المنطقة العسكرية الأولى
بالإضافة إلى الأسباب المذكورة أعلاه، تبرز عدة عوامل أخرى دفعت إلى قرار إنهاء وجود المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت. فقد ظلت هذه القوات بمعزل تام عن النطاق العملياتي للمعارك التي خاضتها الحكومة المعترف بها ضد الحوثيين في مختلف المحاور القتالية، رغم امتلاكها خبرات وكفاءات عسكرية وتسليحاً متراكماً منذ عقود. في المقابل، اعتمدت القوات الموالية للحكومة المعترف بها على بناء جيوش جديدة من الصفر في مناطق انتشارها منذ 2015، بما في ذلك تشكيل وحدات جنوبية، في حين بقي موقف المنطقة الأولى تجاه القضية الوطنية غامضاً، ما جعل الاستفادة منها معدومة. على سبيل المثال: لم تُعطى هذه القوات أي أوامر عملياتية للمشاركة في تحرير المكلا من تنظيم القاعدة 2015، رغم قربها من مسرح العمليات، وبالمثل عندما سقطت مديريات بيحان الثلاث في شبوة بيد الحوثيين، وتالياً عندما اندلعت معركة تحرير بيحان عام 2022، بين الحوثيين وقوات "العمالقة الجنوبية"، لم تتدخل قوات المنطقة العسكرية الأولى في الحالتين، رغم قربها الجغرافي أيضاً من مسرح عمليات شبوة، في الوقت الذي جاءت فيه قوات العمالقة من الساحل الغربي لتشارك في المعركة. ولم يختلف الأمر في معارك مأرب، حيث بقيت المنطقة الأولى على هامش الأحداث رغم موقعها القريب من نطاق العمليات القتالية هناك.
هذا الواقع يطرح تساؤلات جدية حول دور هذه القوات وعدم حركتها خلال 11 عاماً كاملة من الصراع، رغم أنّها تشكل سُدس الجيش اليمني وتعد إحدى ست مناطق عسكرية رئيسية، كما أنها احتفظت بترسانة أسلحة متفوقة من الدبابات النوعية مقارنة ببقية الوحدات العسكرية الأخرى، لكنها لم تساهم بشكل فعلي في الدفاع أو تعزيز الجبهات. كما لم تشهد عرضاً عسكرياً واحداً خلال هذه السنوات، ما يجعل هذه القوات نظرياً محسوبة على وزارة الدفاع في الحكومة المعترف بها، لكنها خارج سيطرة غرفة عملياتها، خاصة مع الاتهامات بتورطها في تهريب أسلحة الحوثيين التي تمر من نقاط تفتيش تابعة لها.
ارتباطًا بما سبق، قدّم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح تصريحاً مثيراً خلال مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" في 2016، حين كشف أنّ قوات المنطقة العسكرية الأولى كانت تتقاضى رواتبها من شقين متناقضين: الحوثيين والمملكة العربية السعودية. قد يكون موقف الأخيرة مفهوماً في سياق سعيها لضمان حدودها وتأمين المناطق المجاورة لها عبر وجود قوة عسكرية مستقرة، إلا أنّ شهادة صالح وضعت تساؤلات حول استقلالية وموثوقية هذه القوات في سياق الصراع اليمني ومسألة حيادها أثناء المواجهات مع الحوثيين بالذات.
يثير هذا الوضع الجدل حول امتلاك المنطقة العسكرية الأولى شبكة ولاءات مزدوجة تمتد نحو الحوثيين مثل ما تمتد نحو الإخوان المسلمين، خصوصاً أن غالبية أفرادها ينحدرون من مناطق شمالية ويقضون إجازاتهم في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، ما يجعلهم أكثر قابلية للتأثر والتجنيد. ولذلك تبرز مخاوف حقيقية من قدرتهم على إحداث إرباك مفاجئ في لحظات حاسمة، خاصة إذا ما كان هناك معركة محتملة ضد الحوثيين، سواء عبر شنّ هجمات مباغتة على القوات الجنوبية في حضرموت وشبوة، أو عبر تسليم معسكرات وسلاح لتنظيم القاعدة بغرض تعقيد المشهد وتشتيت مسار المعركة. مثل هذا السيناريو لن تكون السعودية ولا القوى الجنوبية في موقع الاستعداد الكافي لمواجهته، ما لم تُتخذ خطوة استباقية جريئة كهذه.
لذا، لم يكن مستغرباً أن تلتزم دول التحالف وفي مقدمتها السعودية، موقف الحياد خلال التقدّم الجنوبي لاستعادة الوادي والصحراء من قوات المنطقة الأولى، باعتبار ذلك خطوة ضرورية لإنجاز المهمة. كما لم يصدر أي موقف إدانة دولي، بما في ذلك من الولايات المتحدة أو بريطانيا، خاصة في ظل احتمالية وجود نوايا أمريكية لتصنيف "الإخوان المسلمين" في اليمن كمنظمة إرهابية، بالتوازي مع تصنيف فروع الإخوان في لبنان ومصر والأردن مؤخراً. هذا الأمر يعكس قبولاً ضمنياً بإعادة ترتيب الساحة العملياتية في اليمن، وهو ترتيب يتقاطع مع ما ألمح إليه عضوا مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح وسلطان العرادة بشأن اقتراب معركة حاسمة مع الحوثيين.
يتضح أيضاً أنّ قطع خطوط التهريب يشكل أولوية دولية، فقد دعا اجتماع ترأسته السفيرة البريطانية عبدا شريف، للجنة تسيير الشراكة الأمنية البحرية مع اليمن، وذلك قبل يومين من استعادة وادي وصحراء حضرموت، أكد فيه بيان الدول المشاركة، على "أهمية تعزيز القدرات العملياتية لخفر السواحل اليمنية لاعتراض ومنع تدفق الأسلحة والمخدرات والبضائع المهربة". ويعكس هذا التوقيت دعماً دولياً واضحاً لجهود قطع خطوط التهريب البرية مع الحوثيين المرتبطة بالسواحل اليمنية في حضرموت والمهرة، باعتبارها ثغرات استراتيجية كبرى. خاصة وأنّ تقرير لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن، أشار مؤخراً إلى تصاعد غير مسبوق للتعاون بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية خلال عام 2025، شمل تهريب الأسلحة والتدريب العسكري، واستخدام الصومال لعبور شحنات أسلحة باتجاه سواحل حضرموت وشبوة.
تحركات جنوبية استراتيجية
رغم استعادة وادي وصحراء حضرموت من قوات المنطقة العسكرية الأولى والتوجه بالمثل نحو المهرة لإحكام السيطرة العسكرية الجنوبية، لا تزال القوات الجنوبية تواجه ضغوطاً من اللجنة الخاصة السعودية برئاسة اللواء محمد القحطاني، لتسليم المواقع التي سيطرت عليها إلى قوات درع الوطن، والأخيرة قوة أُنشئت برعاية سعودية عام 2022، ويقودها رمزياً رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي. اللافت أن ظهور القحطاني علناً للمرة الأولى يعكس أن المشهد في حضرموت لم يعد يحتمل المجاملات الدبلوماسية التي لطالما لعبها السفير محمد آل جابر في اللحظات الفاصلة.
من المهم القول، أن نية استبدال قوات المنطقة العسكرية الأولى بقوات درع الوطن ليست بجديدة، إذ صرح اللواء أحمد بن بريك قبل عامين، بوجود اتفاق يقضي بتسليم المنطقة الأولى لقوات درع الوطن بقيادات حضرمية بعد تدريبها. ويبدو أن هذا التغيير سيُنفذ تدريجياً، خاصة وأن قوات درع الوطن تشكّل في معظمها قوة جنوبية وتنسجم نسبياً مع باقي القوى العسكرية الجنوبية الأخرى، وهو عامل استراتيجي استثمرته السعودية بشكل جيد لتعزيز نفوذها. مع ذلك، يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي تأكيده الحفاظ على مكتسبات عملية "المستقبل الواعد" في حضرموت والمهرة، في إشارة واضحة إلى تمسكه بمواقعه الاستراتيجية رغم أي تغييرات محتملة. وقد أثارت تصريحات الوفد السعودي ورئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الداعية إلى عودة القوات إلى ثكناتها، حالة من الجدل في أوساط بعض قيادات حضرموت في المجلس الانتقالي الجنوبي، الذين اعتبروا أنّ مسارح العمليات القتالية ليست قضايا مناطقية.
في الوقت الحالي، يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على كامل جغرافيا جنوب اليمن تقريباً، وهي مساحة استراتيجية قد تعيد رسم خارطة النفوذ السياسي، سواء داخل مجلس القيادة الرئاسي أو في إطار جنوبي مستقل. ووفقاً لذلك، يبدو أنّ الانتقالي يعمل على تحفيز القاعدة الشعبية في مختلف محافظات الجنوب على خوض اعتصامات مفتوحة للمطالبة بـ "الإعلان عن الاستقلال الثاني لدولة الجنوب العربي"، بهدف الضغط ربما لتحقيق تغييرات سياسية داخل مجلس القيادة الرئاسي. هذه الخطوة قد تبدو أكثر منطقية من وجهة النظر الإقليمية، لا سيما مع وجود هدف استراتيجي مشترك مع التحالف العربي والقوى المحلية الأخرى للقضاء على الحوثيين، مقارنة بأي خطوة جنوبية مستقلة يمكن تأجيلها في الوقت الحالي.
في المحصّلة، يمثّل إنهاء بؤرة التوتر في وادي وصحراء حضرموت مكسباً استراتيجياً للقوى الجنوبية والإقليمية على حدٍ سواء، إذ يفتح المجال لتقليل مستويات عدم الاستقرار الأمني في المحافظة خلال المرحلة المقبلة. وتزداد أهمية هذا التطور إذا ما ترافق مع مواجهة أكثر فعالية لتهديدات تنظيم القاعدة، الذي بدأ يستهدف القوات الجنوبية عقب استعادة الوادي والصحراء، فيما يبدو كردّ فعل مباشر على خسارة المنطقة العسكرية الأولى والتغييرات الميدانية هناك. من شأن هذا المسار أن يهيّئ الظروف الميدانية والعملياتية للتحضير لمرحلة أكثر حساسية تتجه نحو مناطق نفوذ الحوثيين.
فريدة أحمد
المديرة التنفيذية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل 3 أشهر
قبل 3 أشهر