عربي

أبعاد ودلالات زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة

Evan Vucci/Copyright 2025 The AP

آخر تحديث في: 22-11-2025 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن

"لعل أهمية هذه الزيارة قد ارتبطت ليس فقط بالمخرجات الرئيسية التي حملتها خصوصاً على مستوى الاتفاقات الثنائية، بل بالدلالات والرسائل التي حملتها.."


مركز سوث24 | محمد فوزي


أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زيارة مهمة إلى الولايات المتحدة، التقى خلالها بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي الزيارة التي تمخض عنها توقيع العديد من الاتفاقات المهمة بين الجانبين، وإعلان "ترامب" أنّ السعودية باتت حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو. ولعل أهمية هذه الزيارة قد ارتبطت ليس فقط بالمخرجات الرئيسية التي حملتها خصوصاً على مستوى الاتفاقات الثنائية، بل بالدلالات والرسائل التي حملتها، خصوصاً في ظل السياق الإقليمي المضطرب الذي تأتي في ظله، وما بدا أنه توافق أمريكي سعودي حول عدد من القضايا الملحة.


أولاً- أبرز الملفات التي حملتها الزيارة


جاءت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى السعودية، كاستمرار لحالة من التعاون عمرها يتجاوز الـ 9 عقود بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وكان لافتاً أنّ الزيارة والمباحثات الثنائية بين "بن سلمان" و"ترامب" قد تناولت العديد من الملفات المهمة، وذلك في ضوء الآتي:


1- تعزيز العلاقات الثنائية: أفرد الجانبان مساحة واسعة من المباحثات الثنائية، لملف العلاقات الثنائية، من حيث السعي لتأطير هذه العلاقات وتعزيزها. وفي هذا الإطار كان لافتاً إعلان الجانبين عن اتفاقية للشراكة الاستراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي، والبيان المشترك لاستكمال المفاوضات بشأن التعاون في الطاقة النووية المدنية، والإطار الاستراتيجي للشراكة في تأمين سلاسل الإمداد لليورانيوم والمعادن والمغانط الدائمة والمعادن الحرجة، واتفاقية تسهيل إجراءات تسريع الاستثمارات السعودية، وترتيبات الشراكة المالية والاقتصادية من أجل الازدهار الاقتصادي، واتفاقية متعلقة بالتعاون في قطاع هيئات الأسواق المالية، ومذكرة تفاهم في مجال التعليم والتدريب، واتفاقية خاصة بمعايير سلامة المركبات. 


كذلك أعلن الأمير محمد بن سلمان على هامش الزيارة أنّ المملكة تعتزم رفع حجم استثماراتها في الولايات المتحدة لتصل إلى نحو تريليون دولار. وقال: «لدينا استثمارات على مختلف الصعد والقطاعات التي تربطنا مع الولايات المتحدة». وأضاف: «الولايات المتحدة دولة مهمة تمتلك اقتصاداً قوياً، ومهم لنا أن نستثمر معها في مختلف القطاعات». 


2- اتفاق الدفاع الاستراتيجي: وقع الجانبان على هامش زيارة "بن سلمان" إلى واشنطن اتفاقية الدفاع الاستراتيجي. وتؤكد الاتفاقية أنّ المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية شريكان أمنيان قادران على العمل المشترك لمواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية والدولية، بما يعمّق التنسيق الدفاعي طويل الأجل، ويعزّز قدرات الردع ورفع مستوى الجاهزية، إلى جانب تطوير القدرات الدفاعية وتكاملها بين الطرفين.


وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تصنيف السعودية رسمياً حليفاً أمنياً رئيسياً من خارج حلف الناتو، وهذا التصنيف هو أعلى درجة تعاون عسكري وأمني تمنحه الولايات المتحدة لدولة لا تنتمي الى حلف شمال الأطلسي. وقد بدأ الكونغرس الأميركي بمنح هذا اللقب منذ عام 1987 بموجب المادة 22 من قانون الولايات المتحدة، ويعد تصنيف حليف رئيسي من خارج (الناتو) أداة استراتيجية تستخدمها الولايات المتحدة لتعزيز التعاون الدفاعي مع دول ليست أعضاء في حلف شمال الأطلسي من دون أن يشملها التزام الدفاع المشترك. ويمنح هذا التصنيف الدول المعنية امتيازات عسكرية وأمنية متقدمة، ويُستخدم لتوسيع النفوذ الأميركي في مناطق استراتيجية من دون الحاجة إلى تحالفات رسمية. 


ويسمح هذا التصنيف أيضاً للدولة الحليفة خارج "الناتو" بالمشاركة في برامج تطوير أسلحة مشتركة مع الولايات المتحدة، وتلقي تمويل أمريكي لمشاريع البحث والتطوير العسكري. وكانت قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة التي حصلت على هذا الامتياز، لتصبح السعودية هي الثانية.


3- إقرار أمريكي بالدور السعودي المهم في سوريا: كان لافتاً على هامش لقاء "بن سلمان" بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التصريح الذي صدر عن الرئيس الأمريكي والذي قال فيه: "ولي العهد السعودي اتصل بي وطلب مني بشكل واضح رفع العقوبات عن سوريا، لأنه يريد أن يرى سوريا تنهض من جديد وبالفعل قائد سوريا (أحمد الشرع) كان هنا والتقيت به وكان اجتماعاً جيداً". وأضاف "ترامب": "الشرع رجل قوي وأعتقد أنّ سوريا تحتاج لرجل قوي ونحن بالفعل رفعنا العقوبات عن سوريا، بناء على طلب ولي العهد السعودي، ولكن أيضاً الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الذي اتصل بي وقال إذا لم ترفع العقوبات عن سوريا فلن يكون لسوريا أي أمل" وفق تعبيره. 


وتأتي هذه التصريحات من قبل ترامب لتعبّر عن متغير مهم شهدته المرحلة التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وهو المتغير الذي يتمثل في تحول السعودية إلى أحد أهم الفاعلين في الملف السوري، والراعي الرئيسي للإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، والجهة المسؤولة عن إعادة تأهيل هذه الإدارة على المستوى الدولي. 


4- الترتيبات الجديدة الخاصة بقطاع غزة: جاءت زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة بالتزامن مع تطورات جديدة خاصة بالوضع في قطاع غزة، خصوصاً ما يتعلق بإقرار مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الأمريكي الداعم لخطة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة. ويمنح القرار الأمم المتحدة تفويضاً واضحاً بإنشاء مجلس السلام، وهو هيئة انتقالية ستتولى الإشراف على إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي لغزة، إضافة إلى تنسيق إدارة المرحلة الانتقالية. كما يجيز تشكيل قوة دولية لإرساء الاستقرار في القطاع، تتولى تنفيذ عملية نزع السلاح، بما في ذلك التخلص من الأسلحة وتدمير البنية التحتية العسكرية، وأُدرجت في نص القرار خطة ترامب المؤلفة من 20 بنداً كملحق رسمي. 


وكان لافتاً أنّ الأمير محمد بن سلمان أشار في تصريحات على هامش لقاؤه بترامب، إلى أنّ المملكة تجري محادثات حول المبلغ الذي ستقدمه لإعادة إعمار غزة، مؤكداً أنه لم يتم تحديد أي مبلغ نهائي بعد، لكن هذا التصريح عبر عن بعض الدلالات المهمة، خصوصاً فيما يتعلق باحتمال انخراط السعودية في مسألة إعادة الإعمار في قطاع غزة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والدول الوسيطة، فضلاً عن الدور السعودي الكبير في الملف الفلسطيني مستقبلاً.


5- تحفيز واشنطن للتحرك في الملف السوداني: أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيعمل على إنهاء "الفظائع المروعة" في السودان بعد طلب قدمه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لوقف الحرب. وقال ترامب خلال مشاركته في منتدى أمريكي - سعودي للأعمال، إنّ "الأمير يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان"، موضحاً أن "السودان لم يكن ضمن الملفات التي أنوي الانخراط فيها، وكنت أعتقد أن الوضع هناك تعمّه الفوضى وخارج عن السيطرة". كما أكد ترامب أنه سيعمل مع المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، وشركاء آخرين في الشرق الأوسط من أجل وضع حدٍ لهذه الفظائع، وفي الوقت نفسه تحقيق الاستقرار في السودان.


وهو التطور الذي احتفى به قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، والذي كتب تغريدة على موقع "إكس" أعرب فيها عن شكره للأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن جهته نشر مجلس السيادة السوداني، بياناً قال فيه: "ترحب حكومة السودان بجهود المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية من أجل إحلال السلام العادل والمنصف في السودان، كما تشكرهم على اهتمامهم وجهودهم المستمرة من أجل إيقاف نزيف الدم السوداني، وتؤكد استعدادها للانخراط الجاد معهم من أجل تحقيق السلام الذي ينتظره الشعب السوداني".


وتعبّر المعطيات السابقة عن تطورات شديدة الأهمية فيما يتعلق بالتعاطي الأمريكي مع الملف السوداني، من حيث وجود درجة كبيرة من التنسيق الأمريكي السعودي بخصوص الملف السوداني، فضلاً عن إعطاء زيارة "بن سلمان" لواشنطن دفعة قوية للإدارة الأمريكية فيما يتعلق بملف السودان.


6- ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي: سأل صحفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي عما إذا كانا قد توصلا إلى اتفاق بشأن معاهدة دفاع أمريكية-سعودية، وما إذا تناولا موضوع الاتفاقيات الإبراهيمية. وقال ولي العهد السعودي إنه "يرغب في أن تكون السعودية جزءاً من هذه الاتفاقيات"، لكنه أضاف أنه يريد أيضاً التأكد من وجود مسار واضح لحل الدولتين. وأوضح أنه أجرى "نقاشاً صحياً" مع ترامب حول هذا الموضوع، من جهته، قال ترامب إنهما أجريا "حديثاً جيداً جداً" تناول فيه "حل الدولة الواحدة، الدولة الثانية... والكثير من الأمور". ثم سأل ترامب ولي العهد عن شعوره تجاه الموضوع، فأجاب الأخير: "نعم بالتأكيد، سيدي الرئيس"، وفيما يخص معاهدة الدفاع، أكد ترامب أنهما تقريباً توصلا إلى اتفاق نهائي. 


وبتحليل هذه التصريحات يطفو إلى السطح مجموعة من الدلالات المهمة، وأولها أنّ الإدارة الأمريكية عادت إلى استئناف مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل. وثانيها أن هناك مباحثات جارية بخصوص الضمانات التي تطلبها السعودية في هذا الملف خصوصاً ما يتعلق بضمانات إقامة الدولة الفلسطينية وكذا الضمانات الأمنية التي تُعد جزءاً من هذه الصفقة. وثالثها التحديات التي تواجه هذه المسألة خصوصاً مع حالة الرفض الإسرائيلي لإقامة الدولة الفلسطينية وكذا الضمانات الأمنية التي تطلبها السعودية لا سيما ملف الطاقة النووية، فضلاً عن طائرات الـ "اف 35" على اعتبار أن ذلك يهدد التفوق الاستراتيجي لإسرائيل في المنطقة.


ثانياً- دلالات الزيارة


حملت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، وما اشتملت عليه من مواقف وتصريحات ومخرجات، العديد من الدلالات المهمة، التي تتجاوز العلاقات الثنائية وتنصرف إلى العديد من الملفات الإقليمية الأخرى، ويمكن تناول أبرز هذه الدلالات في ضوء الآتي:


• يأتي رفع مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، ليعبر عن علاقات استراتيجية قوية تربط السعودية بالولايات المتحدة، وتسعى السعودية في هذا الإطار إلى تنويع مصادر القوة الاقتصادية لدى السعودية، وتجاوز العلاقات الاقتصادية السعودية الأمريكية مسألة النفط فقط، للدخول في القطاعات الحساسة التي تبقيها الولايات المتحدة على نفسها والحلفاء الأقربين، من الرقائق الأكثر تقدماً إلى المفاعلات النووية والصناعات العسكرية والمعادن النادرة وسواها.


• لم يتم الإعلان رسمياً خلال الزيارة عن صفقة "إف 35" للسعودية، على الرغم من تنامي الحديث الإعلامي قبيل الزيارة عن هذه المسألة، وهو أمر لا ينفي المسألة، ولكن يُحتمل أنه تم إرجاء هذه المسألة لاعتبارات مرتبطة بالضغوط الإسرائيلية الرامية إلى الحصول على تنازلات سعودية نظير أي امتيازات أمنية كبيرة، فضلاً عن احتمالية كون هذه المسألة جزءاً من صفقة أكبر تسعى الولايات المتحدة إلى إنجازها في المنطقة.


• تؤكد الزيارة على تنامي حجم التنسيق الأمريكي السعودي في العديد من الملفات، خصوصاً مع تقارب وجهات النظر تجاه العديد من القضايا الإقليمية، وتتربع مسائل التطبيع السعودي الإسرائيلي، والملف اللبناني والسوري، بالإضافة لمستقبل قطاع غزة، والحرب في السودان، على عرش المسائل محل التنسيق حالياً بين الجانبين الأمريكي والسعودي.


• رغم أنّ الزيارة الأخيرة لـ "بن سلمان" إلى الولايات المتحدة، لم تشهد تركيزاً يُذكر على الملف اليمني، إلا أنّ الحوثيين في اليمن تلقفوا الزيارة وتعاطوا معها بمنطق "نظرية المؤامرة". حيث اعتبروا أنّ تنامي العلاقات السعودية بإدارة "ترامب" يمهد لانخراط سعودي محتمل في تصعيد جديد ضد الميليشيا اليمنية، وهو ما ذكرته بعض القيادات الحوثية، في مؤشر يكشف عن قلق الميليشيا اليمنية من تنامي التنسيق والعلاقات السعودية الأمريكية.


إجمالاً يمكن القول، إنّ الزيارة الأخيرة للأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، كشفت عن فصل جديد من التعاون والعلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ليس فقط في ضوء الاتفاقات الثنائية العديدة التي تم التوقيع عليها، ولكن أيضاً في ضوء تقارب وجهات النظر الذي بدا تجاه العديد من الملفات الإقليمية، ما يشي باحتمالية تنامي هذا التنسيق وتحوله إلى مسارات لرسم واقع جديد في المنطقة على المدى القريب والمتوسط.


خبير في الأمن الإقليمي. باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا