الافتتاحية

أكتوبر العظيم... ذاكرة الثورة ومسؤولية الحاضر

فتاة تشارك في الاحتفال الحاشد في محافظة الضالع في الذكرى 62 لثورة 14 أكتوبر وتحمل علم دولة جنوب اليمن السابقة، 13 أكتوبر 2025 (مركز سوث24)

آخر تحديث في: 14-10-2025 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن

افتتاحية مركز سوث24


تحلّ الذكرى الثانية والستون لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، حاملةً معها عبق النضال الوطني وروح التحرر التي غيّرت وجه جنوب اليمن أو "الجنوب العربي" وأعادت صياغة وعيه الجمعي. يأتي أكتوبر هذا العام بطابعٍ خاص، حيث أحيت الضالع يوم أمس جذوة النضال في وجدان الآلاف من أبنائها، حين امتزج ترابها بهتافات الجماهير التي أكدت أن الثورة ما زالت حية في القلوب والعقول. لكنه أيضا يأتي وسط تحديات داخلية تتطلب وعيا ورؤية واضحين ومسؤولية وطنية صادقة، ووسط ظروف إقليمية وجيوسياسية سريعة التحوّل وشديدة التعقيد، تتطلب فهما عميقا وبعُدا استراتيجيا يوزان بين الواقعية السياسية واستغلال الفرص.


لم تكن ثورة أكتوبر حدثاً تاريخياً فحسب، بل تحولت إلى قيمة متجددة في الوعي الجنوبي، تستحضرها الأجيال في كل مراحل التحول والمنعطفات الصعبة. فهي حاضرة في الفرح والألم، في الكفاح والنضال، في السلام والحوار، في التسامح والتصالح، وفي التطلع نحو مستقبل كريم وعادل لكل أبناء الجنوب.


أكتوبر، بهذا المعنى، ليس فقط مناسبة للاحتفال، بل محطة وعي ومراجعة. فرسالة "الثورة" الحقيقية تقتضي مصارحة الذات وتقييم المسار، ومدّ جسور الأخوة بين جميع الجنوبيين، وتعزيز مبدأ الشراكة الوطنية التي تصون المستقبل والمصير المشترك.


كما أن ذكرى أكتوبر تأتي لتؤكد على أهمية الوقوف بوجه الفساد والعبث بكل أشكاله، في مواجهة من يسعون لاستثمار اللحظة الوطنية لصالح مصالحهم الخاصة، أو لحرف البوصلة عن أهداف قضيتنا الوطنية وقيم محطاتنا التاريخية الجامعة. وهي كذلك دعوة لمواجهة كل من يحاول شقّ الصف الجنوبي أو تغذية الانقسامات المجتمعية، أو النيل من وحدة الأرض والإنسان.


وتحمل المناسبة أيضا تذكيرا للمكونات السياسية الجنوبية، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، بمسؤولياتها التاريخية تجاه الوطن والمواطن، وتجاه تضحيات الشهداء الذين حلموا بدولة يسودها العدل والمساواة والكرامة. فروح أكتوبر تقتضي الإخلاص في العمل، لا الاكتفاء بالشعارات، والتمسك بخيار الحوار والبناء وتعزيز الثقة بين مؤسسات الجنوب ومجتمعه.


إن أكتوبر العظيم يذكّر الجميع بأن الوطن لا يُختزل في حزب أو مكوّن أو فرد، وأن بناء المستقبل يتطلب تضافر الجهود كافة، بروح جامعة تستلهم تجربة الثورة وتحوّلها إلى مشروع وطني واقعي. فالثورة لم تكن غاية في ذاتها، بل وسيلة لبناء وطن حر مزدهر يحقق العدالة ويحفظ كرامة الإنسان.


وفي هذه الذكرى الخالدة، يجدد الجنوبيون العهد على صون مبادئ الثورة في السلوك والممارسة، والمضي بثبات نحو جنوب آمن مزدهر، يقوم على قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وتنشأ فيه الأجيال الجديدة مسلحةً بالعلم والوعي والانتماء والأخلاق.


إن عظمة أكتوبر تكمن في استمراره كفكرة وموقف، كقيمة أخلاقية ووطنية تؤمن بأنّ الحرية لا تُستعطف، والكرامة لا تُشترى، والوطن لا يُورّث بل يُصان.


إياد قاسم

رئيس المركز


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا