منزل المواطنة تيسير محمد - آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
آخر تحديث في: 08-10-2025 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
"خسرنا كل شيء تقريبًا؛ من الوثائق المهمة إلى الملابس، حتى أبنائي لم يعد لديهم ما يرتدونه.."
مركز سوث24 | ريم الفضلي
في مساء الثالث والعشرين من أغسطس الماضي، شهدت منطقة الحسوة بمديرية البريقة في عدن واحدة من أعنف موجات السيول خلال السنوات الأخيرة. تدفقت المياه بغزارة إلى الأحياء السكنية وورش العمل والمزارع، متسببة بخسائر بشرية ومادية واسعة وغرق مساحات كبيرة من المساكن.
لقطة جوية مقتطعة من فيديو لقناة عدن المستقلة لكارثة سيول الحسوة بعدن، 23 أغسطس 2025 (استقطاع بواسطة مركز سوث24)
لم يكن ما جرى مجرد نتيجة لهطول أمطار استثنائية فقط، بل انعكاسًا لاختلالات تراكمت في البنية التحتية وزحف البناء العشوائي وضعف تصريف السيول وغياب الاستعداد المسبق لمواجهة مثل هذه الظروف.
أدت الكارثة إلى تضرر مئات الأسر، وتدمير منازل وممتلكات، وانقطاع خدمات أساسية كالمياه والصرف الصحي، فيما ظل كثير من السكان يواجهون صعوبات في العودة إلى حياتهم الطبيعية. وبرغم التحركات المحدودة التي أعقبت الحادثة، لا تزال آثارها الميدانية والإنسانية حاضرة حتى اليوم.
من بين مئات الأسر التي غمرتها المياه، يروي هذا التقرير قصص بعض المتضررين من الكارثة، ويوثّق عبر شهاداتهم ووثائق رسمية حجم الأضرار، والاستجابات المحلية، والأسباب التي جعلت السيول في الحسوة تتحول من ظاهرة طبيعية إلى أزمة إنسانية لا تزال مستمرة حتى اليوم.
آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
شهادات من قلب الكارثة
بينما غمرت المياه الأحياء المنخفضة في الحسوة، وجد كثير من السكان أنفسهم أمام مشهد غير مألوف لم يعيشوه من قبل. يقول صالح محمد الهيج، وهو كهربائي من وحدة الصيادين، إن السيول جرفت كل ما يملك، بما في ذلك ورشته التي كانت مصدر رزقه الوحيد.
المواطن صالح محمد الهيج - آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
"فقدتُ كل ما أملك. غرقت ورشتي التي أعمل فيها كهربائيًا بالكامل، مما جعلني عاجزًا عن مواصلة عملي"، يقول صالح بأسى، مضيفًا لمركز سوث24 أن الكارثة اضطرته للنزوح مع أسرته إلى مكان آخر بعد أن أصبحت العودة إلى منزله مؤلمة نفسيًا.
ومن داخل منزلها المتضرر، تحدثت لمركز سوث24 هيفاء فريد، ربة منزل، عن تلك اللحظات الصعبة: "فوجئنا بسيول جارفة اجتاحت منازلنا بشكل مفاجئ، ما تسبب في حالة من الخوف والرعب بيننا، خاصة أننا لم نكن نتوقع حدوث ذلك بهذا الحجم... فقد تدمر المطبخ بالكامل وتضررت الأرضيات والسراميك نتيجة ارتفاع منسوب المياه بشكل غير مسبوق."
المواطنة هيفاء فريد - آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
وتسترجع تيسير محمد الموقف ذاته وهي تفكر بأطفالها أثناء اجتياح المياه منزلها: "أول ما خطر ببالِّي كان الخوف على سلامة أطفالي وزوجي. كنت أفكر فقط في إخراج أطفالي الثلاثة بسلام، والحمد لله نجونا، لكن بعد أسبوع عدنا إلى منزلنا لنجد كل شيء قد تدمر."
المواطنة تيسير محمد - آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
أما إبراهيم محمد عبدالله، وهو صياد من أبناء الحسوة، فقد خسر بيته الجديد وجميع أدوات عمله التي جمعها على مدى ثلاثة عشر عامًا من الكفاح. وقال لمركز سوث24: "السيل لم يسرق مني ممتلكاتي فحسب، بل أحلامي أيضاً. كنت مستعدًا للزواج في ديسمبر، لكن اضطررت لإلغاء العرس بعد أن فقدت كل شيء."
في جانب آخر من الحي، روت غصون قائد، أرملة تعيل سبعة أبناء بينهم اثنان من ذوي الإعاقة، لمركز سوث24 تجربتها الصعبة: "كنا نعيش في منزلنا بأمان، لكن السيول جرفت كل شيء. حاولنا الهروب لكننا لم نستطع الخروج من البيت في البداية، ثم نزحنا إلى المدرسة حيث بقينا نحو عشرين يومًا دون أي إمكانيات..".
المواطنة غصون قائد - آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
وأردفت: "أنا أرملة أعيش على راتب زوجي المتوفى، أعيل سبعة أبناء بينهم اثنان معاقان، ولا أملك أي مصدر دخل آخر. نعيش بظروف قاسية جدًا ولا نملك شيئًا. أتمنى أن تمتد أيادي الرحمة إلينا، تعبنا كثيرًا."
رئيس اللجان المجتمعية في وحدة الصيادين بالحسوة، عوض عبد الرب حنيشي، قال لمركز سوث24 إن الأضرار الأخيرة لكارثة السيول تعود أساسًا إلى غياب الرقابة والتخطيط العمراني.
مضيفًا: "السبب الرئيسي لهذه الكارثة هو المخلفات المتراكمة في مجرى السيول إلى جانب البناء العشوائي الذي سدَّ المنافذ الطبيعية المؤدية إلى البحر، وهو ما ضاعف من حجم الأضرار."
المشهد بعد شهر
بعد مرور نحو شهر ونصف على السيول التي اجتاحت منطقة الحسوة، ما تزال آثار الكارثة واضحة على الأرض. فالمنازل التي تهدمت جزئيًا لم تُرمم بعد، والطرقات التي فاضت بالمياه لا تزال تحمل علامات الانجراف والانقطاع، فيما تستمر معاناة كثير من الأسر التي لم تتلقَّ سوى مساعدات محدودة لا تلبي الحد الأدنى من احتياجاتها.
في النزول الميداني الذي نفذه فريف من مركز سوث24 إلى المنطقة، عبّر السكان عن استمرار معاناتهم وشحة الدعم فعلي من الجهات الحكومية أو المنظمات الإنسانية.
قال صالح محمد الهيج إنه لم يتلقَّ حتى اليوم أي مساعدة رغم خسائره الكبيرة في منزله وورشته. مضيفًا: "عشنا في بيت أحد أقاربي شهرًا كاملًا. لم أستطع العودة إلى البيت؛ فكرة العودة له تسببت لي ولأسرتي بالإحباط."
منزل المواطن صالح محمد الهيج - آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
تشاركهم تيسير محمد الشعور ذاته، إذ توضح أن الأضرار التي لحقت بأُسر الحسوة تفوق التصور: "خسرنا كل شيء تقريبًا؛ من الوثائق المهمة إلى الملابس، حتى أبنائي لم يعد لديهم ما يرتدونه."
من جهتها تقول غصون قائد إن ما تبقّى من منزلها لا يصلح للسكن، بعد أن فقدت معظم أجهزتها المنزلية ومقتنياتها.
منزل المواطنة غصون قائد - آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
ويقدّر الأهالي أن معظم المزارع المحيطة بالمنطقة تضررت بشكل شبه كامل، مع نفوق أعداد كبيرة من المواشي، وتلوث شبكات المياه بسبب تدفق السيول، إضافة إلى انهيارات في شبكة الصرف الصحي.
وتشير البيانات الرسمية التي تحصل عليها مركز سوث24 بشكل حصري من مكتب السلطة المحلية في مديرية البريقة إلى أن السيول تسببت بوفاة شخص على الأقل، بينما جرى إنقاذ 12 شخصًا جرفتهم المياه.
وتذكر الوثائق تضرر أكثر من 30 منزلًا كليًا أو جزئيًا، وما يزيد على 2000 منزل بدرجات متفاوتة، فيما سجلت الحسوة 621 أسرة متضررة تمثل النسبة الأعلى في محافظة عدن، بنسبة بلغت 82.3% من إجمالي المتضررين من السيول في عموم المحافظة. كما بلغت نسبة الأضرار في المساكن 61.96%، تلتها الأصول بنسبة 37.4%.
منزل المواطنة تيسير محمد - آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
السلطات المحلية والحكومة
تكشف شهادات السكان المحليين أن ما جرى في الحسوة لم يكن كارثة طبيعية فقط، بل نتيجة مباشرة لعوامل بشرية وإدارية متراكمة. فمجرى السيول للوادي الكبير الذي يصب في خليج عدن تحوّل خلال السنوات الماضية إلى ممر مغلق بالمخلفات الصلبة والبناء العشوائي، ما تسبب في انسداد المنافذ الطبيعية لتصريف المياه نحو البحر.
وعندما هطلت الأمطار بغزارة في الثالث والعشرين من أغسطس، لم تجد السيول طريقًا مفتوحًا، فانفجرت في قلب الأحياء السكنية حاملة معها ما في طريقها من طين ومخلّفات وأضرار.
لقطة جوية مقتطعة من فيديو لقناة عدن المستقلة لكارثة سيول الحسوة بعدن، 23 أغسطس 2025 (استقطاع بواسطة مركز سوث24)
وقد بذلت السلطة المحلية في مديرية البريقة جهودًا لتوفير دعم من قيادة المحافظة والحكومة للاستجابة لهذه الكارثة. وحتى الآن من غير واضح مدى تحقق هذه الاستجابة. وقدمت سلطة المديرية، بحسب الوثائق الرسمية التي اطلّع عليها مركز سوث24، بمقترح خطة شاملة لمواجهة الكارثة الأخيرة في الحسوة، مكونة من ثلاث مراحل:
1. الاستجابة الطارئة والإنقاذ (من أسبوعين إلى خمسة أسابيع).
2. التعافي المبكر وإعادة التأهيل (من 12 إلى 20 أسبوعًا).
3. إعادة البناء وتعزيز المرونة طويلة المدى (ثلاثة أشهر فأكثر).
منزل المواطن إبراهيم محمد - آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
وتركّز الخطة على تنسيق الجهود لتخفيف المعاناة الإنسانية واستعادة الخدمات وتطوير البنية التحتية وإنشاء نظام إنذار مبكر. كما أوصت بضرورة إنشاء مستشفى جديد في المديرية، وتخصيص اعتماد مالي عاجل لإعادة تأهيل البنية التحتية، مع اقتطاع 10% من حصة عدن المركزية لدعم البريقة التي تمثل 67% من مساحة المحافظة.
وعلى الرغم من غياب الدعم الحكومي على النطاق المطلوب، استذكر المواطنون في حديثهم مع فريق مركز سوث24 المبادرة الشجاعة لمدير مديرية البريقة صلاح الشوبجي أثناء الكارثة عندما عبر بسيارته سيول متدفقة لإنقاذ أسرة، قبل أن يواجه خطر الموت الوشيك جراء انجراف مركبته ثم إنقاذه من الغرق.
وفي أعقاب الكارثة، تحركت قوات الحزام الأمني لتأمين مجاري السيول والمفترقات الرئيسية التي غمرتها المياه، في محاولة للحد من الأضرار ومنع انهيارات إضافية في شبكة الطرق.
كما قام محافظ عدن أحمد لملس بزيارة تفقدية إلى المنطقة بعد ساعات قليلة من وقوع الكارثة، واطّلع على حجم الخسائر التي لحقت بالمنازل والبنية التحتية.
وضمن الإجراءات التي أعقبت الكارثة، وجّه رئيس الوزراء سالم بن بريك خلال اجتماع حكومي عُقد في 25 أغسطس بالعاصمة عدن، بالشروع في تنفيذ مشروع الممر المائي في الوادي الكبير بطول 13 كيلومترًا وعرض 300 متر، يمتد من منطقة الوهط شمالًا حتى مصب الحسوة جنوبًا، بهدف تصريف مياه الأمطار والسيول وحماية الأحياء والمزارع.
آثار سيول الحسوة بعدن، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
وشدد بن بريك على وقف التعديات والبناء العشوائي في مجرى السيول وإلغاء التراخيص المخالفة، مؤكدًا أن تلك الممارسات كانت السبب الرئيسي لتفاقم الأضرار. ووجّه بتأسيس مركز طوارئ وطني لتنسيق جهود الاستجابة للكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية، إلى جانب إلزام الجهات المختصة بإعداد تقارير تفصيلية عن حجم الأضرار لتأمين التمويل اللازم للإصلاحات.
وفي وقت لاحق، أكد محافظ عدن أحمد لملس في اجتماع فني أن ملف الوادي الكبير يمثل "أولوية قصوى" للسلطة المحلية، مشيرًا إلى تنسيق الجهود مع وزارة الأشغال العامة لإعداد دراسة هندسية شاملة تضع حلولًا مستدامة وتمنع تكرار الكارثة.
لكن هذه التحركات الأولية لم يلحقها حتى الآن إجراءات إغاثية وإنسانية فاعلة ومستدامة بحسب إفادات الأهالي الذين التقاهم فريق سوث24. ويقول المواطنون إن الاستجابة على مستوى الإغاثة لم ترقَ إلى مستوى الكارثة، إذ اقتصر الدعم على سلال غذائية محدودة وصلت إلى عدد من الأسر النازحة، فيما بقيت الغالبية داخل منازلها المهدّمة دون مساعدات أو مواد إيواء أساسية.
عوض عبد الرب حنيشي، رئيس اللجان المجتمعية في وحدة الصيادين، قال إن جهود السلطة المحلية كانت "مقدّرة لكنها غير كافية أمام حجم المأساة".
وأضاف: "نشكر الجهود التي بُذلت من قِبل السلطة المحلية في البريقة، وكذلك بعض المنظمات التي قامت بعمليات الحصر، لكننا نؤكد أن هذه التدخلات غير كافية أمام حجم الكارثة. الناس ما زالت تعيش في أوضاع مأساوية حتى اليوم، دون أي تعويض حقيقي."
القيادي المجتمعي عوض عبد الرب حنيشي، 21 سبتمبر 2025 (مركز سوث24)
ويشدد حنيشي على أن الحل لا يكمن فقط في التعويضات، بل في معالجة الأسباب الجذرية للكارثة عبر إزالة المخلفات من مجاري السيول، والحد من البناء العشوائي، وتفعيل دور الجهات المختصة في الرقابة الميدانية.
وكانت هيئة الشؤون الاجتماعية للمجلس الانتقالي الجنوبي قد خاطبت المنظمات الإنسانية والإغاثية في عدن، والقطاع الخاص، لتقديم العون الممكن للمتضررين من الكارثة. وقد استجابت بعض هذه الجهات وقدمت بعض أنشطة رفع الأضرار وإيواء بعض الأسر.
وبينما يحاول سكان الحسوة استعادة ما تبقّى من حياتهم بعد مرور نحو شهر ونصف على الكارثة، لا تزال آثار السيول ماثلة في كل زاوية من المنطقة؛ منازل مهدمة، شوارع متصدعة، ومجاري مياه لم تُنظف بعد. وسط هذه الظروف، تتواصل مناشدات الأهالي للسلطات المحلية والحكومة والمنظمات الإنسانية من أجل الإسراع في تعويضهم ومساعدتهم على تجاوز المحنة.
قبل 3 أشهر