اجتماع لمجلس القيادة الرئاسي اليمني في الرياض، 18 سبتمبر 2025 (رسمي - وكالة الأنباء سبأ)
آخر تحديث في: 04-10-2025 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
مع استمرار سياسة ترحيل الأزمات، وتسطيح أزمة المجلس الرئاسي أو اختصارها بأزمة حصص سياسية أو مناصب في الحكومة، ليس من الواضح إلى أي مدى سيكون هذا المجلس حصينًا من التفكك أو الانهيار..
مركز سوث24| عبد الله الشادلي
بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني في أبريل 2022، لم يعد الجدل منصبًّا حول إنجازاته، بل حول قدرته على البقاء كسلطة انتقالية موحّدة. فالمجلس الذي جاء بقرار من الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، وبدعم إقليمي واسع، كصيغة توافقية لإدارة المرحلة الانتقالية، يواجه اليوم واحدة من أعمق أزماته البنيوية.
تتمثل الأزمة في غياب آليات مؤسسية واضحة لصناعة القرار، والانفراد في إدارة الصلاحيات، وتنامي الخلافات بين مكوّناته، وهو ما دفع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى اتخاذ خطوات إصلاحية غير مسبوقة خلال شهر سبتمبر الماضي، وتحرّكت على إثرها وساطات إقليمية في محاولة لاحتواء الانقسام.
غير أن هذه الخلافات تطرح تساؤلات مصيرية: هل يستطيع المجلس الحفاظ على تماسكه، أم أن غياب التوافق سيقوده إلى مزيد من الشلل وربما التفكك؟
التطورات الأخيرة
في 10 سبتمبر 2025، فاجأ عيدروس الزبيدي، عضو مجلس القيادة ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الساحة السياسية بإعلان حزمة قرارات تعيين شملت 14 شخصية جنوبية في مناصب حكومية ومحلية.
هذه الخطوة غير المسبوقة لم تكن مجرد إجراء إداري، بل حملت رسالة سياسية واضحة بعد سنوات من الحديث حول الانفراد بالقرار من قِبل رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، بما يتجاوز مبدأ الشراكة وآلية التوافق المنصوص عليها في إعلان نقل السلطة من الرئيس هادي للمجلس الرئاسي.
اقرأ المزيد: قرارات الانتقالي الجنوبي: تصعيد سياسي أم ضبط لإيقاع «الرئاسي»؟
رافقت القرارات حملة سياسية وإعلامية قادها الانتقالي، اتهم فيها ضمنيًا شركاءه الشماليين في المجلس بتعطيل الشراكة، ولوّح بخيارات تصعيدية وصلت حدّ التهديد بإعلان حالة الطوارئ. كما دعا المجلس أنصاره إلى التظاهر في مناسبات رمزية، ما أضفى على الخطوة بُعدًا شعبيًا يسعى لترسيخ التفويض الجنوبي كرافعة سياسية في مواجهة ما اعتُبر تهميشًا متعمّدًا داخل مؤسسة الرئاسة.
هذا التصعيد دفع إلى تحركات إقليمية عاجلة لتفادي انزلاق الأزمة إلى مواجهة مفتوحة. وفي 18 سبتمبر، عُقد اجتماع للمجلس الرئاسي في الرياض شدد على مبدأ القيادة الجماعية والشراكة، وأقر تكليف فريق قانوني بمراجعة كافة القرارات الصادرة منذ 2022، بما فيها قرارات الزبيدي الأخيرة، خلال فترة 90 يومًا، مع إمكانية الاستعانة باللجنة العسكرية والأمنية.
رغم ذلك، لم تهدأ التوترات. ففي مقابلات لاحقة من نيويورك في 24 سبتمبر، صعّد الزبيدي خطابه باتهام الرئاسي بالعجز عن تحقيق التوافق، ولوّح بالذهاب نحو انتخابات تتيح تشكيل حكومة قوية.
تشخيص الأزمة البنيوية
منذ التأسيس، حمل المجلس في داخله بذور التناقض. فحتى اليوم، ما يزال المجلس بلا لائحة تنفيذية تحدد صلاحياته بدقة، وهو ما أكده ناصر الخبجي، رئيس وحدة شؤون المفاوضات في المجلس الانتقالي، خلال مشاركته في "منتدى اليمن الدولي" بعمان في 16 فبراير الماضي، حين حذّر من أن المجلس "ما يزال بعد سنوات من تأسيسه بلا لائحة تنفيذية تحدد مهامه بين السلطات المختلفة".
الخبجي لم يقف عند هذه النقطة، بل أضاف أن المجلس يفتقد إلى رؤية واضحة للتعامل مع الحوثيين سياسيًا أو عسكريًا أو اقتصاديًا، موجّهًا اتهامات مباشرة إلى رئيس المجلس رشاد العليمي بالانفراد بالقرار وتهميش بقية الأعضاء.
وفي 24 سبتمبر الماضي، صرّح عيدروس الزبيدي في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" قائلاً إن هناك "عجزًا في مجلس القيادة عن تحقيق التوافق"، مشيرًا إلى أن آلية تشاركية لاتخاذ القرار غائبة، ومتهمًا أطرافًا داخل المجلس بـ "الانفراد بإصدار آلاف القرارات دون توافق"، الأمر الذي – بحسبه – يهدد فعالية الحكومة. الزبيدي لم يكتف بالتحذير، بل لوّح بالذهاب نحو انتخابات لتشكيل حكومة قوية قادرة على إدارة المرحلة.
قبل هذه التصريحات، كان نائب رئيس المجلس الانتقالي وعضو المجلس الرئاسي عبد الرحمن المحرمي، قد صرح في 17 سبتمبر، أن "القرارات الفردية التي اتُّخذت خلال السنوات الماضية كانت سببًا رئيسيًا في الانقسام في مجلس القيادة الرئاسي"، محذرًا من أن الاستمرار في الانفراد بالقرار "يعرقل العملية الانتقالية ويقوض الثقة بين الأعضاء".
أما اللواء فرج البحسني، نائب رئيس الانتقالي وعضو المجلس الرئاسي، فقد طالب في تصريح متزامن منفصل بإقرار لائحة عمل تنظّم مهام المجلس "على وجه عاجل"، معتبرًا أن غيابها يفاقم الأزمات و"يفتح الباب أمام الفساد".
ولم تقتصر المواقف الناقدة على مكونات المجلس الجنوبي؛ إذ جدد المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، بقيادة عضو المجلس الرئاسي طارق صالح، في بيان يوم 17 سبتمبر، الموقف السابق بتاريخ 23 يونيو، الذي رفض "الممارسات الأحادية" داخل المجلس الرئاسي. آنذاك، اجتمع رشاد العليمي في وقت لاحق بالمكتب السياسي لاحتواء الأزمة.
تداعيات الأزمة
يرى المحلل السياسي الجنوبي نصر العيسائي أن ما يحدث "انعكاس طبيعي لغياب آلية واضحة وفعّالة لاتخاذ القرار داخل المجلس"، مشيرًا إلى أن ذلك يكشف "ضعف البنية المؤسسية والتوافقية للمجلس منذ تأسيسه".
وأضاف لمركز سوث24 أن المجلس، بصفته سلطة انتقالية، يفتقد إلى نهاية واضحة ومخرجات محددة، وأن الانقسام الحالي يجعل الوصول إلى هذه الغاية أمرًا بالغ الصعوبة.
بدوره، اعتبر عبد العزيز العقاب، رئيس منظمة "فكر للحوار والحريات"، أن أزمة القرارات الأحادية الأخيرة "نتاج طبيعي لغياب اللوائح الحاكمة لعمل المجلس، والتي يفترض أن تنظم طبيعة الشراكة الحقيقية بين أعضائه".
وقال العقاب لمركز سوث24: "هذا الغياب المتعمد للآليات المنظمة والضامنة للشراكة الحقيقية يؤدي إلى تكرار مثل هذه الإشكاليات بشكل دائم، والمشكلة ليست وليدة اللحظة وإنما متجذّرة منذ بداية تشكيل المجلس".
ويلفت الصحفي نسيم البعيثي، إلى أن أداء المجلس الرئاسي منذ تأسيسه كان "متفاوتًا ويتأثر بطبيعة التحديات البنيوية والإقليمية والداخلية". وأضاف لمركز سوث24: "على المستوى السياسي، نجح المجلس جزئيًا في الحفاظ على وحدة الشكل السياسي للشرعية، لكن التباين في الرؤى بين المكونات المختلفة أضعف من فعاليته".
وفي الجانب العسكري، أشار البعيثي إلى أن "الملف العسكري لم يشهد أي توحيد حقيقي للقوى تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية، ما أضعف الجبهة الموحدة في مواجهة ميليشيات الحوثيين". أما اقتصاديًا، فرغم بعض الإصلاحات بدعم إقليمي، "لا تزال الأزمة الاقتصادية ترهق المواطن، وهناك ضعف واضح في تفعيل الموارد المحلية".
إلى أين؟
في ندوة مشتركة نظمها مركز سوث24 ومركز صنعاء مطلع فبراير 2025، شدد باحثون يمنيون ودوليون على أن إصلاح مجلس القيادة الرئاسي يتطلب معالجة الخلل البنيوي قبل أي تغيير في الأسماء. وطُرحت عدة مقترحات فنية أبرزها تقليص عدد الأعضاء لتسهيل اتخاذ القرار، وإعادة كتابة اللوائح والقانون المؤسسي بما يحدد بوضوح صلاحيات كل عضو ويضع حدًا لتداخل المهام. كما شدد المتحدثون على ضرورة وجود مرجعية متفق عليها تضبط النقاشات وتُسهّل تطبيق أي إصلاحات.
وركزت الندوة كذلك على تجاوز معضلة المحاصصة التي تعيق فاعلية الدولة، عبر تشكيل حكومة كفاءات يقودها رئيس توافقي يختار وزراءه على أساس الخبرة لا الولاء السياسي. وطالب المشاركون بإشراك المجتمعات والمجالس المحلية في إدارة الشأن العام للحد من المركزية التي فشلت مرارًا في اليمن، مشيرين إلى أن نجاح أي إصلاح لن يتحقق ما لم يُراعَ التباين في الأولويات بين جنوب محرر يحتاج للتنمية والخدمات، وشمال ما زال غارقًا في الحرب ضد الحوثيين.
اقرأ المزيد: ندوة | مجلس القيادة الرئاسي اليمني فشل ويجب إصلاحه
وبالنظر إلى مخرجات اجتماع الرياض الأخير للمجلس الرئاسي، حول تكليف الفريق القانوني بحل أزمة القرارات، يبرز القلق مجددًا من غياب الحلول الجذرية أو المعالجات الحقيقية لأزمة المجلس الرئاسي. فضًلا عن محاولة ترحيلها إلى مراحل لاحقة.
رئيس هيئة التشاور والمصالحة المساندة للمجلس الرئاسي، محمد الغيثي، كان قد دعا في 17 سبتمبر إلى "حوار جاد ومباشر يفضي إلى آلية تشاركية فاعلة تنهي الجمود"، مؤكدًا تحرك رئاسة الهيئة نحو تعزيز التماسك والاتفاق على قواعد واضحة لاتخاذ القرار. وكان هذا التصريح هو الأول من نوعه مما يشي بجدية وخطورة الموقف آنذاك.
ويرى نصر العيسائي أن الإصلاح البنيوي يتطلب وضع آلية مؤسسية لاتخاذ القرار تقوم على التوافق أو التصويت المنظم، إلى جانب إنشاء مركز متوازن لصناعة القرار يضم جميع الأطراف الفاعلة. كما دعا إلى الفصل بين المسارات الاقتصادية والخدمية من جهة، والسياسية والعسكرية من جهة أخرى. وبرأيه، هذا الفصل "سيمكن المجلس من تقديم نموذج إداري ناجح في محافظات الجنوب وبقية المناطق المحررة، ويعيد الثقة بالسلطة الانتقالية، ويمنحها شرعية شعبية افتقدتها خلال السنوات الماضية".
وبشأن تكليف لجنة قانونية لمراجعة قرارات رشاد العليمي وعيدروس الزبيدي، أوضح العيسائي أن "اللجان القانونية لا يمكن أن تحل أزمة سياسية وهيكلية بهذا العمق"، مؤكدًا أن دورها استشاري بحت. وأضاف: "المشكلة الحقيقية ليست في نصوص القرارات، بل في غياب التوافق السياسي حول الصلاحيات داخل المجلس وطبيعة المرحلة الانتقالية ذاتها".
العيسائي اقترح أيضًا إعادة تعريف أهداف المرحلة الانتقالية من خلال توافق سياسي بين الأعضاء يحدد بوضوح ما إذا كان المجلس سلطة لإدارة الخدمات في المناطق الحكومية، أم قيادة سياسية للتفاوض، أم مرجعية عسكرية لإدارة الصراع. كما دعا إلى تحديد آلية لإنهاء المرحلة الانتقالية، سواء عبر اتفاق سلام أو استفتاء أو انتخابات محلية، مع ضمان توازن حقيقي في صناعة القرار، مذكرًا بأن الجنوب اليوم يمثل المساحة الأكبر من المناطق المحررة، وهو ما يمنحه مسؤولية إضافية لتقديم نموذج إداري واقتصادي ناجح.
في السياق نفسه، شدد العيسائي على أن تصريحات عيدروس الزبيدي الأخيرة في نيويورك "تمثل وجهة نظر سياسية لكيان فاعل، وهي منطلقة من قراءة واقعية بأن الجنوب هو الطرف الذي يدير أغلب المناطق المحررة وله حضور ميداني ومؤسسي".
نسيم البعيثي بدوره رأى أن نجاح الفريق القانوني المكلّف بمراجعة القرارات "مرهون بوجود إرادة سياسية داخل المجلس"، مشددًا على أن غياب اللائحة التنظيمية يجعل أي قرارات عرضة للخلاف. وأكد على ضرورة وضع ضوابط قانونية واضحة للقرارات السيادية ووقف الانفراد بالقرار.
واعتبر البعيثي أن الحل يكمن في إعادة بناء الثقة داخل المجلس من خلال الحوار والشفافية والتفاهم على أهداف وطنية موحدة بعيدًا عن المناكفات الفئوية والحزبية والمناطقية.
بعد أكثر من ثلاث سنوات على التأسيس، يتبيّن أن أزمة مجلس القيادة الرئاسي ليست مجرد اصطدام مصالح أو تصعيد إعلامي عابر، بل انعكاس لقصور مؤسسي واضح، يدفع سكان الجنوب ثمنه الأكبر اليوم. حيث أن هذه المشكلات أثّرت مباشرة على قدرة المجلس والحكومة اليمنية على تقديم الخدمات، توحيد موقفها السياسي بوفد تفاوضي مشترك لم ير النور حتى الآن، وإدارة المرحلة الانتقالية.
ومع استمرار سياسة ترحيل الأزمات، وتسطيح أزمة المجلس الرئاسي أو اختصارها بأزمة حصص سياسية أو مناصب في الحكومة، ليس من الواضح إلى أي مدى سيكون هذا المجلس حصينًا من التفكك أو الانهيار حتى. لا سيما إذا انفك الجمود الذي فرضته الأحداث الإقليمية الأخيرة على الملف اليمني، بمستوياته العسكرية والسياسية والاقتصادية.