رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، مارس 2025 (رسمي - إعلام المجلس)
آخر تحديث في: 11-09-2025 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
|
"يمكن فهم قرارات الزبيدي على أنها محاولة لفرض معادلة سياسية موازية داخل المجلس الرئاسي، تعيد التذكير بمبدأ المناصفة بين الشمال والجنوب.."
مركز سوث24 | تقدير موقف
في مساء 10 سبتمبر/أيلول 2025، أقدم عضو مجلس القيادة الرئاسي في اليمن ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، على خطوة غير مسبوقة داخل مؤسسات السلطة اليمنية، حين أعلن حزمة قرارات رسمية بصفته في الرئاسة وبصفته رئيسًا للانتقالي. تضمنت هذه القرارات تعيين 13 شخصية جنوبية في مناصب حكومية ومحلية مختلفة، شملت رئاسة هيئة الأراضي، مناصب نواب ووكلاء وزارات، ووكلاء لمحافظات جنوبية عدّة.
تزامنت هذه القرارات مع بيان سياسي حاد للمجلس الانتقالي، اتهم فيه شركاءه في مجلس القيادة بـ«عرقلة الشراكة وتعطيل اتفاق الرياض»، مؤكدًا أنه «سيمضي في حماية حقوق شعب الجنوب وصيانة منجزاته». كما رافقها إعلان عن دعوة جماهيرية للتظاهر في عدن في مناسبتين رمزيتين للجنوب، هما ذكرى ثورة 14 أكتوبر وذكرى الاستقلال في 30 نوفمبر. هذا التزامن بين القرارات والبيان والدعوة للحشد الشعبي عكس رغبة الانتقالي في منح خطوته بعدا سياسياً وشعبياً يتجاوز مجرد التعيينات.
خلفية الأزمة داخل «الرئاسي»
تثير هذه القرارات تساؤلات جوهرية حول خلفياتها وتوقيتها، خصوصًا أنها جاءت في ظل انسداد سياسي متفاقم داخل مجلس القيادة الرئاسي. فمنذ نقل السلطة في أبريل 2022، اتجه رئيس المجلس رشاد العليمي، بحسب اتهامات متكررة من شركائه، نحو ممارسة صلاحياته بصورة فردية، متجاوزًا طبيعة البنية الجماعية للمجلس. لم تُعقد اجتماعات منتظمة، ولم تُطرح القرارات الكبرى على التوافق، الأمر الذي جعل المجلس عمليًا في حالة شلل.
هذه الشكاوى لم تقتصر على الانتقالي، بل صدرت أيضًا عن قوى أخرى مثل المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح، التي انتقدت في بيانها الصادر في يونيو 2025 «سياسة الإقصاء والتمييز» التي يتبعها العليمي، محذرة من عواقب تقويض الشراكة. كما سبقتها تصريحات ناصر الخبجي، القيادي البارز في الانتقالي، خلال مشاركته في منتدى اليمن الدولي في عمّان (فبراير 2025)، والتي اتهم فيها العليمي بالانفراد بالقرار وبتهميش بقية أعضاء المجلس. جميع هذه الوقائع كشفت عن تراكمات سبقت خطوة الزبيدي الأخيرة.
وسبق لمركز سوث24 أن ناقش في وقت سابق، إصرار رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي على مواصلة مهامه كـ "رئيس جمهورية" بصلاحيات فردية، وليس كرئيس مجلس جماعي، متجاوزاً طبيعة الهيكل السياسي الذي تشكّل عقب إعلان نقل السلطة. إذ أدى هذا الخلل البنيوي في نهاية المطاف إلى تفاقم الأزمة وتعميق حالة الانقسام والتوتر داخل المجلس.
قراءة الخطوة: ضبط للإيقاع أم بداية تصعيد؟
يمكن فهم قرارات الزبيدي على أنها محاولة لفرض معادلة سياسية موازية داخل المجلس، تعيد التذكير بمبدأ المناصفة بين الشمال والجنوب الذي نص عليه اتفاق الرياض، وتؤكد على التفويض الشعبي الذي يستند إليه المجلس الانتقالي في تمثيل الجنوب. وتعمّد المجلس بتذكير الأطراف الأخرى بأنّ "الأرض أرض شعب الجنوب، والقرار قراره". غير أن القرارات من منظور قانوني تظل مرتبطة بإشكالية «النفاذ»، إذ أن إعلان نقل السلطة (أبريل 2022) نصّ على أن رئيس المجلس حصريًا هو من يُصدر القرارات الجمهورية بعد التوافق. وبالتالي فإن أي قرارات تصدر خارج هذا الإطار تبقى محل جدل قانوني وإجرائي.
لكن من الناحية السياسية، تبدو الخطوة مقصودة بذاتها حتى وإن قوبلت بالرفض. فهي تحمل رسالة مزدوجة: أولًا، اعتراض مباشر على ممارسة العليمي لصلاحيات فردية خارج نطاق التوافق، وثانيًا، تمهيد لتصعيد محتمل إذا استمر تجاهل مطالب الانتقالي. وهذا ما عززه تصريح أنيس الشرفي، رئيس الدائرة السياسية بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي لوّح بـ«إعلان حالة الطوارئ» إذا لم تُنفذ القرارات، مؤكدًا أن المجلس يستند في خياراته إلى قوة عسكرية وشعبية ووعي جماهيري.
ويمكن القول أنّ خطوات الانتقالي تنبع من مخاوف سياسية متزايدة بشأن موقعه داخل السلطة. فحتى اليوم، لا يزال المجلس يُعامل من قبل العليمي وقوى شمالية أخرى كشريك غير متكافئ، على الرغم من نفوذه الواسع في الجنوب سياسياً وعسكرياً. هذه المخاوف تتصل أيضًا بالتصورات المستقبلية بعد حسم ملف الحوثيين، حيث يخشى الانتقالي من أن تتحول المعركة لاحقًا إلى محاولة فرض الوحدة بالقوة، أو إلى إقصاء الجنوب من المعادلات الوطنية. لذا فإن رد فعل بقية الأطراف في الرئاسي سيحدد مدى حدة خطوات المجلس الانتقالي القادمة، وما إذا كان هناك توجه للذهاب أبعد من تعيينات في إطار «الشرعية».
البُعد الإقليمي
ولأنّ الإقليم لاعب رئيسي في المشهد اليمني، لم ينس بيان المجلس الانتقالي الجنوبي الإشادة بـ "الدور الأخوي للتحالف العربي وجهود الدول الراعية لعملية السلام". مثمنا "حرصهم على الاستماع للصوت الجنوبي والتعاطي الجاد مع قضيته باعتبارها ركناً أساسياً في معادلة الأمن والاستقرار بالمنطقة."
لذا فإنّ العامل الإقليمي حاضرا في تفسير نتائج هذه التطورات. فمن خلال رعايتها المستمرة للوساطات وإدارة الخلافات بين الأطراف اليمنية، ربما تسعى المملكة العربية السعودية، على غرار تدخلها في 2019، إلى استدعاء الأطراف مجدداً إلى طاولة التسوية، لتفادي تعمّق الانقسام داخل «الشرعية» في لحظة إقليمية حساسة. وفي المقابل، قد تدفع دولة الإمارات العربية المتحدة باتجاه ترجيح الكفة لمن يملك نفوذا فعليا على الأرض، وهو ما يجعل الانتقالي في موقع قوة نسبيا. في الحالتين، يبدو أن الرياض وأبوظبي معنيتان بضرورة وجود هيكل قادر على إدارة المرحلة المقبلة وتحدياتها الأمنية والعسكرية،وخصوصا في ظل تعثر اقتصادي كبير وعجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها الأساسية. ومع ذلك تظل هذه فرضيات تحليلية وليست مواقف رسمية يمكن البناء عليها.
في المحصلة، تضع قرارات الزبيدي مجلس القيادة أمام اختبار حقيقي: إما أن تُقرأ كخطوة لـ«ضبط إيقاع» الرئاسة وفرض احترام آلية التوافق، أو أن تتحول إلى محطة لتصعيد سياسي أكبر يعيد خلط الأوراق داخل «الرئاسي». المؤشرات الفعلية ستظهر سريعًا من خلال الموقف الرسمي للرئاسة: فإذا صدرت مراسيم جمهورية لتغطية القرارات، سيكون ذلك إقرارا ضمنيا بواقع جديد؛ أما إذا جرى تعطيلها، فقد يكون الشارع الجنوبي هو الساحة القادمة للمواجهة.
فريدة أحمد
المديرة التنفيذية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات