دولي

مسارات ما بعد تفعيل العقوبات الأممية على إيران

تصميم: مركز سوث24 (بواسطة الذكاء الاصطناعي)

01-10-2025 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن

"يتضح من استقراء الرد الإيراني على الخطوات الغربية الأخيرة وإعادة تفعيل العقوبات، أنّ إيران قرأت هذه الخطوات باعتبارها استهدافاً لنظامها السياسي وليس فقط لبرنامجها النووي.."

مركز سوث24 | محمد فوزي


دخلت خلال الأيام الماضية عقوبات الأمم المتحدة على إيران حيز التنفيذ مجدداً عبر آلية "سناب باك"، بعدما رفض مجلس الأمن الدولي، مشروع قرار "روسي صيني"، لتأجيل إعادة فرض العقوبات على إيران لمدة 6 أشهر، بعد اتهامات من الترويكا الأوروبية (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) لطهران بانتهاك الاتفاق النووي لعام 2015. ليصل بذلك الملف النووي إلى نقطة حرجة ومعه العلاقات الإيرانية بالدول الغربية إجمالاً. فضلاً عن أنّ هذه الخطوة تطرح العديد من التداعيات المحتملة المهمة بالنسبة لإيران والتطورات في المنطقة بشكل عام على المديين القريب والمتوسط.


أولاً- حيثيات إعادة تفعيل العقوبات


1- رفض 9 دول بمجلس الأمن تأجيل فرض العقوبات: صوتت 4 دول فقط لصالح تأجيل العقوبات الأممية على إيران، هي "روسيا، والصين، وباكستان، والجزائر"، فيما صوتت تسع دول بالرفض منها فرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، في حين امتنعت كوريا الجنوبية، وغيانا عن التصويت. 


2- تأكيد "الترويكا" استمرار الرهان على الدبلوماسية: قال وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا في بيان مشترك بعد انقضاء مهلة الثلاثين يوماً: "نحث إيران وجميع الدول على الالتزام التام بهذه القرارات"، وأضاف وزراء "الترويكا الأوروبية": "سنواصل اتباع الطرق الدبلوماسية والمفاوضات. إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة ليست نهاية للدبلوماسية"، وحثوا إيران على "الامتناع عن أي عمل تصعيدي والعودة إلى الامتثال لالتزاماتها بشأن الضمانات الملزمة قانوناً". 


3- رفض إيران إعادة فرض العقوبات: من جانبه اتهم وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، "الترويكا الأوروبية"، بـ"انتهاك التزاماتها"، معتبراً أنه "ليس من حقها تفعيل آلية سناب باك"، وأضاف وزير الخارجية الإيراني أمام مجلس الأمن: "نحمل أمريكا والترويكا الأوروبية العواقب الوخيمة للقرار.. وندعو الأمين العام إلى تجنب أي محاولة لإحياء الآليات المتعلقة بالعقوبات داخل الأمانة العامة". واستدرك: "أمريكا خانت الدبلوماسية أما الترويكا الأوروبية فأهالت عليها التراب"، وفق تعبيره.


4- دعوة الولايات المتحدة إلى حوار مباشر: في أعقاب إعادة فرض العقوبات على إيران، دعا وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، إيران إلى الموافقة على إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، وقال روبيو في بيان، إن "الدبلوماسية لا تزال خياراً (...) والتوصل لاتفاق يظل النتيجة الأفضل للشعب الإيراني والعالم. ولكي يحدث ذلك، يجب على إيران قبول إجراء محادثات مباشرة تتم بحسن نية ومن دون مماطلة أو تشويش"، داعياً الدول الأخرى إلى "التنفيذ الفوري" للعقوبات ضد طهران.


وبموجب هذه التطورات يتجلى أنّ إحياء القرارات الأممية السابقة على الاتفاق النووي (2010 وما قبلها) أصبح شبه محسوم. ومع تصريحات دول الترويكا فضلاً عن الولايات المتحدة، يتضح أنّ الهدف هو "الضغط الأقصى" على إيران بهدف ليس فقط إعادتها إلى الاتفاق النووي مع تقديم تنازلات، بل التوصل إلى اتفاق جديد يراعي المتغيرات الإقليمية الأخيرة، ويضمن التعامل ليس فقط مع البرنامج النووي الإيراني، ولكن مع الملف الصاروخي لإيران فضلاً عن الأدوار الإقليمية لها، بمعنى أنّ المطلوب هو تنازلات نووية وغير نووية.


كذلك يتضح من استقراء الرد الإيراني على الخطوات الغربية الأخيرة وإعادة تفعيل العقوبات، أنّ إيران قرأت هذه الخطوات باعتبارها استهدافاً لنظامها السياسي وليس فقط لبرنامجها النووي، وأنّ ما يحدث ربما يكون تمهيداً لمواجهة أكبر، ومن هنا بدأت إيران في التحرك نحو المزيد من التصعيد المضاد، وهو التصعيد الذي قد يشمل في المراحل المقبلة المزيد من الاستثمار في الاتفاق النووي، وتغيير العقيدة النووية إجمالاً.


ثانياً- اتجاهات التعامل الإيراني مع إعادة فرض العقوبات


لعله من المهم تسليط الضوء على اتجاهات التعاطي الإيراني مع قرار إعادة تفعيل العقوبات، بما يضمن الوقوف على مآلات الأزمة الراهنة، وفي هذا الإطار يمكن رصد مجموعة من المسارات الرئيسية التي تبنتها طهران في هذا الصدد، وذلك على النحو التالي:


1- إنهاء التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية: تتجسد ملامح هذا التوجه الإيراني بشكل رئيسي في تصريحات أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني في 26 سبتمبر 2025، والتي أشار فيها إلى أنّ "إيران سوف توقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حال إعادة فرض العقوبات عليها، وأنها ستوقف أي تأشيرات للتفتيش في منشآتها النووية"، بما يعني عملياً تعليق الاتفاق الذي تم التوصل إليه في القاهرة الشهر الماضي بين إيران والوكالة.


2- دعوات لتغيير العقيدة النووية: دائماً ما تُروج إيران إلى أنّ سياساتها النووية هي لأغراض سلمية وهو ما أكده الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. حتى أنّ الدستور الإيراني في المادة 4 و110، يربط القوانين والأوامر بولاية الفقيه، وفى نصوصه يُذكر البرنامج النووى دائماً باعتباره لأغراض سلمية، بما في ذلك فتوى "خامنئي" عام 2010. لكن التطور اللافت في هذا الصدد، تمثل في مطالبة 70 نائباً في البرلمان الإيراني في رسالة موجهة إلى رؤساء السلطات الثلاث والمجلس الأعلى للأمن القومي، بتغيير الفتوى السابقة الصادرة عن المرشد علي خامنئي، والبدء في إنتاج وامتلاك قنبلة نووية بهدف "الردع". وهذا الأمر يعبر عن تحولات تتجسد في ضغط دوائر إيرانية بهدف تغيير العقيدة النووية للبلاد، وتبني سردية مفادها أنّ "هذا الخيار هو الضمانة الرئيسية لاستعادة الردع".


3- التوجه نحو الالتفاف على العقوبات: أشارت تقارير إلى أنّ أحد الخيارات المطروحة بالنسبة لإيران، والتي صرحت بها بالفعل، تتمثل في تقويض مسار التعاون مع الغرب، وأنها ستسعى جاهدة لتوسيع العلاقات التجارية والمصرفية مع الصين وروسيا، وأيضاً مع الدول الجارة، على أن تستفيد من آليات التبادل بغير الدولار وطرق الالتفاف على العقوبات وإدارة الضغوط الاقتصادية في الداخل. وعلى المستوى الإقليمي، حذّرت إيران، في حال تصعيد الضغوط، من ردود إقليمية، ملوّحةً بتقوية القدرات العسكرية وأدوات الردع (سواء دعم الحلفاء أو تعزيز القدرات الصاروخية). 


4- حشد وتضييق في الجبهة الداخلية الإيرانية: بدأت السلطات الإيرانية في إطار تعاطيها مع إعادة فرض العقوبات في السعي لإحكام السيطرة على الجبهة الداخلية، وقد اتخذت هذه المقاربة مجموعة من المسارات الرئيسية، ففي 30 سبتمبر 2025، أعلنت السلطة القضائية الإيرانية أنها تراقب التغطية الإعلامية المتعلقة بالعقوبات الجديدة التي أعيد فرضها، وقد "تتخذ إجراءات قانونية ضد من تتهمهم بإثارة الاضطرابات العامة".


وفي سياق متصل وفي رسالة بمناسبة ذكرى الحرب الإيرانية العراقية، خرج المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بخطاب تجييشي وتعبوي، أكد فيه على "الاستمرار في القتال حتى الموت، وأنّ الشهادة هي مكافأة الجهاد".  ويعكس هذا الخطاب، في ضوء استقراء مسار الأحداث الراهنة، أن تقديرات دوائر صنع القرار العليا في إيران تميل إلى ترجيح احتمال تصاعد المواجهة في المرحلة المقبلة بوتيرة أشد.


وباستقراء هذه التطورات المرتبطة بالتعاطي الإيراني مع تفعيل العقوبات الأممية، يتضح مجموعة من الملاحظات الرئيسية:


• أنّ إيران بدأت في مواجهة الضغوط الغربية القصوى عليها، خصوصاً وأنها جاءت بالتزامن مع خسائر إقليمية كبيرة لإيران، لا سيما على وقع الحرب في غزة والتصعيد في جبهات إقليمية متعددة، وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، بدأت في اللجوء إلى ما يُعرف إعلامياً بـ "حافة الهاوية" وهي مقاربة يُقصد منها التصعيد المضاد بشكل كبير ونوعي.


• أنّ إيران تراهن بشكل كبير على الدعم الصيني والروسي، على الأقل في إطار محاولة الالتفاف على العقوبات الغربية. ويبدو أنّ مظلة هذا التعاون سوف تتسع على الأقل على المدى القريب، وهي فرضية يمكن الاستدلال عليها من توقيع إيران اتفاقاً جديداً مع مؤسسة "روس آتوم" الروسية الحكومية للطاقة النووية، تصل قيمته إلى 25 مليار دولار، بهدف بناء أربع محطات نووية على أراضيها، في خطوة شديدة الأهمية بالنسبة لإيران، وتعكس التوجه ليس فقط إلى الرهان على الدعم الروسي في إطار توظيف حالة الانسداد في العلاقات مع الغرب على مستوى الحرب الروسية الأوكرانية، ولكنها تعكس أيضاً استمرار الرهان على الاستثمار في البرنامج النووي الإيراني.


• في ضوء التطورات الخاصة بالموقف الإيراني، فضلاً عن الإشارات التي بعث بها الجانب الإسرائيلي والأمريكي، يبدو أنّ إيران تستعد بالفعل لسيناريو تجدد الحرب بينها وبين إسرائيل، مع افتراض أنّ دورة التصعيد الجديدة قد تكون أكثر عنفاً وقسوة من حرب الـ 12 يوماً. وبناءً عليه تسعى إيران إلى الاستعداد لهذا السيناريو عبر المزيد من الاستثمار في برنامجها الصاروخي، وهو ما تجسد في إعلان وزير الدفاع الإيراني نصير زاده في 20 أغسطس 2025، عن أنّ طهران أنتجت صواريخ جديدة بقدرات متفوقة، فضلاً عن السعي لمعالجة الثغرات الاستخباراتية التي بدا جلياً أنها تعاني منها.


• إذا ما وُضع الرد والتعاطي الإيراني مع إعادة تفعيل العقوبات جنباً إلى جنب مع عدم حسم كافة الملفات الخلافية التي أدت إلى التصعيد الغربي مع إيران، وأدت أيضاً إلى الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة، يتضح أنّ فرضية الخيار العسكري والإقدام على دورة جديدة أكثر عنفاً من التصعيد لا تزال قائمة بقوة. غير أنّ التصريح الغريب من "ترامب" والذي أشار إلى أنّ إيران سوف تكون جزءاً من الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل، يمكن قراءته في ضوء افتراض أنّ الهدف القادم للحرب لن يقتصر على فكرة تدمير البرنامج النووي والقدرات العسكرية لإيران، بل قد يمتد ليشمل إسقاط النظام الإيراني.


• في ضوء الخسائر الإقليمية الكبيرة التي مُنيت بها إيران منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، خصوصاً فيما يتعلق بخسارة الحليف الإقليمي الأهم ممثلاً في النظام السوري السابق بقيادة بشار الأسد، فضلاً عن حالة الضعف التي أصابت أذرعها في المنطقة خصوصاً الحوثيين وحزب الله، يبدو أنّ إيران باتت ترى في تغيير العقيدة النووية والتوجه نحو إنتاج الأسلحة النووية، المتنفس الوحيد أمام هذه الضغوط، وضمانة استعادة الردع المفقود، بما يشي بأن إيران قد تُقدم خلال الفترات المقبلة على المزيد من تخصيب اليورانيوم وربما الإعلان عن إنتاج الأسلحة النووية.


• بالتزامن مع المسعى السابق الإشارة إليه، أثارت تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمؤكدة أنّ بلاده لا ولن تسعى إلى تصنيع القنبلة النووية، فتح الباب إلى احتمالين رئيسيين: فإما أنّها تعكس تباينات داخلية بين التيارات المتشددة والإصلاحية أو حتى بين مستويات صنع القرار في طهران، وإما أنّها تندرج ضمن ما يُعرف بـ "عقيدة الغموض"، التي تقوم في الحالة الإيرانية على توجيه رسائل سياسية ودبلوماسية تؤكد الطابع السلمي للبرنامج النووي، مع الإيحاء في الوقت ذاته بامتلاك المعرفة والخبرة الكافية للانتقال إلى المستوى العسكري إذا اقتضت الضرورة.


إجمالاً يمكن القول، إنّ الدول الغربية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية وعبر تفعيل العقوبات على إيران، أكدت على تبني استراتيجية تجمع بين الدبلوماسية والضغوط؛ بمعنى إعطاء الفرصة نسبياً للدبلوماسية، ولكن في إطار تقييد إيران اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً، بما يضمن توسيع هامش التنازلات المقدمة من قبل إيران عبر توظيف هذه الضغوط، وتوظيف الحالة الإقليمية المتراجعة لإيران. لكن ومع النهج الإيراني القائم على التصعيد المضاد، يبدو أنّ ملامح مواجهة كبرى جديدة في الشرق الأوسط قد بدأت فعلياً في التشكل.


باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات. باحث متخصص في قضايا الأمن الإقليمي


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا