صورة جماعية قبيل القمة العربية الطارئة في الدوحة. (رويترز)
آخر تحديث في: 21-09-2025 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن
|
"القمة عكست تضامنًا سياسيًا ورمزيًا مع قطر، لكنها كشفت في الوقت نفسه عن محدودية العمل العربي–الإسلامي المشترك، وعدم القدرة على تحويل المخاوف من التصعيد الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا إلى خطوات عملية مؤثرة.."
مركز سوث24 | محمد فوزي
شهدت العاصمة القطرية الدوحة انعقاد القمة العربية الإسلامية غير العادية والتي خُصصت لمناقشة الاستهداف الإسرائيلي الأخير للمكتب السياسي لحركة حماس بقطر، على اعتبار أن هذا الهجوم الإسرائيلي مثل تصعيداً غير مسبوقاً، ودفع باتجاه إدخال دول الخليج على خط الاستهداف الإسرائيلي. فضلاً عما حمله الهجوم من رسائل إسرائيلية مفادها عدم الاهتمام بالتوصل لاتفاق لوقف الحرب في غزة، خصوصاً مع بدء عملية اجتياح إسرائيلية موسعة لقطاع غزة. وهي كلها سياقات تطرح تساؤلات بخصوص مدلولات انعقاد القمة، وأبرز الرسائل التي حملتها القمة، ومدى تأثيرها وفاعليتها على مستوى التعامل مع التصعيد الإسرائيلي.
أولاً- أبرز الرسائل والدلالات
بعثت القمة العربية الإسلامية في الدوحة بمجموعة من الرسائل والدلالات المهمة سواءً من خلال طبيعة الحضور والمشاركة أو من خلال المداخلات التي أدلى بها الزعماء والقادة الذين شاركوا في القمة، وذلك على النحو التالي:
1- حضور يعبر عن التضامن مع قطر: شهدت القمة العربية الإسلامية في الدوحة حضورًا واسعًا؛ إذ شارك على مستوى رؤساء وملوك كل من: مصر، السعودية، تركيا، فلسطين، العراق، سوريا، لبنان، الأردن، موريتانيا، جيبوتي، الصومال، القمر المتحدة، طاجيكستان، المالديف، ليبيا، غامبيا، إيران، إضافة إلى رئيس مجلس السيادة السوداني ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني.
كما مثّلت بوفود على مستوى ثانٍ كل من: الكويت، عُمان، المغرب، الإمارات، البحرين.
وشهدت القمة أيضًا حضور دول عربية وإسلامية أخرى على مستوى وزراء أو مبعوثين، مثل: الجزائر، تونس، إندونيسيا، باكستان، ماليزيا، بوركينا فاسو، تشاد، نيجيريا، قرغيزستان، تنزانيا، السنغال، إثيوبيا، أوزبكستان، النيجر، كازاخستان، تركمانستان، أوغندا، غينيا بيساو، غينيا، بنغلاديش، بروناي، توغو، غويانا، بما يعكس طابعًا موسعًا وتضامنًا سياسيًا واسعًا.
2- تجنب سردية "استهداف حماس": كان ملاحظاً في المداخلات التي ألقاها القادة المشاركون في القمة، فضلاً عن البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية، التركيز على أنّ الهجوم الإسرائيلي الأخير كان استهدافاً لأمن وسيادة قطر. مع التأكيد على أنّ هذا الاعتداء يمثل اعتداء على كافة دول المنطقة، فيما يبدو أنها سردية مضادة للرواية التي تبنتها إسرائيل والتي ركزت بشكل كبير على أنّ "الهجوم كان موجهاً ضد حماس".
3- تجنب قطر التصعيد ضد واشنطن: كان ملاحظاً في خطاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في القمة العربية الإسلامية، تجنب أي تصعيد سياسي أو دبلوماسي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ركز على التنديد بالهجوم الذي وصفه بـ "الإرهابي". فضلاً عن التأكيد على سعي إسرائيل إفشال مباحثات وقف إطلاق النار، وارتباط الهجوم بمخطط "تغيير الشرق الأوسط" الذي يتبناه نتنياهو. وبشكل عام يمكن القول إنّ قطر ومن قبيل القمة تجنبت الانجرار وراء التصعيد مع واشنطن، حيث أجرى رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، مباحثات في العاصمة الامريكية، واشنطن، مع نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو.
وفي سياق متصل، أكدت قطر أنّ شراكتها الأمنية والدفاعية مع الولايات المتحدة الأمريكية "أقوى من أي وقت مضى"، نافية الأنباء حول عزم الدوحة "إعادة تقييم" العلاقات الأمنية مع واشنطن، وذلك في بيان نشره مكتب الإعلام الدولي القطري.
4- رسائل تصعيدية من مصر في القمة: حملت كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القمة العربية الإسلامية في الدوحة العديد من الرسائل اللافتة والمهمة. وأولها مخاطبة الداخل الإسرائيلي وليس القيادة الإسرائيلية بأنّ "ما يحدث حالياً يقوض جهود السلام في المنطقة ويضر بأمن الداخل الإسرائيلي نفسه". وثانيها في الفقرة الختامية للكلمة والتي دعا فيها إلى ضرورة «أن نغير مواقفنا من نظرة العدو نحونا»، وهذه هي المرة الأولى التي يصف فيها رئيس مصري إسرائيل بالعدو منذ توقيع اتفاقية السلام عام 1977، فيما يبدو أنه خطاب تصعيدي ارتباطاً بالمخططات الإسرائيلية التي تضر بالأمن القومي المصري بشكل مباشر. وثالثها إحياؤه الدعوة إلى اتخاذ «قرارات وتوصيات قوية» وإنشاء «آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون» من أجل تغيير هذه النظرة حتى «يرتدع كل باغ ويتحسب أي مغامر» وفق تعبيره.
5- البيان الختامي للقمة: رغم أنّ البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية لم يتضمن أي قرارات فعلية خاصة بالتعاطي مع السلوك الإسرائيلي في المنطقة، إلا أنّ هذا البيان بعث بمجموعة من الرسائل المهمة، وأولها التشديد على ضرورة وجود تحقيق أممي في السلوك الإسرائيلي، ومحاسبة إسرائيل على ممارساتها بما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته بهذا الخصوص. وثانيها التلويح بالتوجه نحو مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل إذا استمرت في هذا النهج التصعيدي. وثالثها طرح فكرة إنشاء آلية عربية–إسلامية دائمة للتنسيق، بما يعكس وجود إدراك عربي إسلامي أنّ هذا السلوك الإسرائيلي لم يعد يقتصر في تهديده على الأراضي الفلسطينية، بل امتد ليشمل دول المنطقة أجمع. كما أنّ مجمل البيان الختامي عبر عن بدء هذه الدول في البحث عن أدوات ضغط جديدة والتلويح بها، بما يضمن توازن الردع، وبما يضمن الضغط لضبط السلوك الإسرائيلي.
ثانياً- مسارات ما بعد القمة العربية الإسلامية
يبدو أنّ القمة العربية الإسلامية في الدوحة حتى وإن سعت عبر المسارات السابق الإشارة إليها إلى خلق نوع من الضغط الدبلوماسي والسياسي على واشنطن وتل أبيب من أجل وقف التصعيد الجاري، إلا أنها عملياً لم تستطع الدفع باتجاه تفعيل هذه الضغوط، وانحسرت نتائجها في الطابع التضامني الرمزي وليس المستوى الفعلي والعملي، ويتجلى ذلك من خلال بعض المؤشرات الرئيسية:
1- بدء إسرائيل اجتياح قطاع غزة: عقب انتهاء القمة العربية الإسلامية في الدوحة، تبين أنّ إسرائيل تعاطت مع القمة ومخرجاتها بمنطق تصعيدي، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن قواته "بدأت عملية عسكرية متصاعدة في غزة". وشدد على أنّ "الجيش وصل إلى مرحلة الحسم في غزة"، في هجوم وصفه العديد من المراقبين بأنه الأعنف والأوسع على قطاع غزة منذ بدء الحرب، ما يعني عملياً أنّ إسرائيل بدأت في خطط السيطرة على قطاع غزة، وفرض أمر واقع جديد.
2- تصاعد التحركات الإسرائيلية في الضفة: لم يقتصر السلوك الإسرائيلي التصعيدي على قطاع غزة، حيث شملت هذه التحركات منطقة الضفة الغربية، وذلك على مستويات متعددة، أولها مصادقة مجلس التخطيط "الإسرائيلي"، برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على بناء أكثر من 1,200 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، إلى جانب إنشاء منطقة صناعية جديدة، في إطار ما وصفه مسؤولون بـ"تعزيز السيادة الإسرائيلية".
وثانيها تهديد وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بإسقاط السلطة الفلسطينية إذا لم يتم فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة. وثالثها تشديد الخناق على سكان الضفة بعدما أغلقت إسرائيل المعبر الوحيد بين الضفة الغربية المحتلة والأردن، وذلك بعد يوم من إطلاق سائق يحمل مساعدات إنسانية من الأردن إلى غزة النار، مما أسفر عن مقتل اثنين من العسكريين الإسرائيليين هناك.
3- استمرار السلوك الأمريكي الداعم لإسرائيل: لعل أحد مستهدفات القمة العربية الإسلامية الأخيرة في الدوحة، كان يرتبط بالضغط على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تغيير نمط تعاطيها مع السلوك الإسرائيلي، ووقف حالة الدعم المطلق لتل أبيب. لكن السلوك الأمريكي ورغم التلويحات العربية بتأثير دعم واشنطن لإسرائيل على العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، لم يتغير، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال بعض المؤشرات الرئيسية، والتي كان آخرها استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لإسقاط مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي الذي كان سيطالب بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في غزة، ويطالب إسرائيل برفع جميع القيود المفروضة على إيصال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني.
كذلك كانت الولايات المتحدة وفي أحدث حلقات الدعم لإسرائيل، قد نددت عبر وزارة الخارجية باتهام لجنة تابعة للأمم المتحدة لإسرائيل بأنها "ارتكبت إبادة جماعية" في قطاع غزة، وقال متحدث باسم الوزارة، رداً على سؤال حول التقرير الصادر مؤخراً عن اللجنة: "اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية قمة النفاق".
وبشكل عام، يمكن تفسير حالة عدم الفاعلية التي طغت على مخرجات القمة العربية الإسلامية، على مستوى التعامل مع السلوك الإسرائيلي الأمريكي، في ضوء الاعتبارات التالية:
• ترتبط أحد أبعاد عدم الفاعلية بضعف القدرة على بناء تحالفات استراتيجية في المنطقة، بمعنى تراجع قدرة الدول العربية والإسلامية على أن تكون قوة إقليمية وازنة تدافع عن مصالحها وتفرض رؤيتها، ولعل ذلك يرتبط باختلاف محددات تعاطي كل دولة مع القضايا الإقليمية، بما ينعكس على السلوك الخارجي لهذه الدول.
• ويُضاف إلى العامل السابق حالة الضعف التي تطغى على المؤسسات ذات الطابع الإقليمي، سواءً جامعة الدول العربية التي تعاني من أزمات بنيوية عميقة منذ سنوات، أو منظمة التعاون الإسلامي والتي ظل دورها هامشياً وغير فاعل تجاه العديد من القضايا، أو حتى مجلس التعاون الخليجي، والذي برزت العديد من القضايا خلال السنوات الأخيرة والتي عبرت عن تباينات بين مكوناته تجاه العديد من القضايا، رغم الحفاظ نسبياً على درجة من التماسك التنظيمي.
• هناك العديد من الإشكالات التي تواجه مسألة تشكيل تحالفات أمنية تعبر عن رؤية دول العالم العربي والإسلامي، وتجسد ذلك في عدم نضوج وتفعيل أي مبادرات بهذا الخصوص حتى اللحظة، فضلاً عن عرقلة أي محاولات لربط الأمن الخليجي بالأمن القومي العربي والإسلامي.
• أيضاً لا يمكن إغفال المحددات الداخلية لكل دولة في العالمين العربي والإسلامي، على اعتبار أن كل هذه الدول تواجه العديد من الإشكالات والتحديات الداخلية السياسية والاقتصادية والتنموية والأمنية، بما ينعكس بشكل سلبي على أولويات هذه الدول على المستوى الخارجي. فضلاً عن الأدوات التي تملكها لتفعيل أطر العمل الإقليمي، ما أدى حتى إلى تراجع مكانة القضية الفلسطينية كقضية مركزية بالنسبة لهذه الدول في السنوات الأخيرة.
• كانت شبكة "بي بي إس نيوز" قد نشرت تحليلاً استند إلى فرضية مهمة يمكن البناء عليها في إطار تفسير حالة عدم الفاعلية، متمثلة في أنّ الخلافات الكامنة بين الدول المشاركة في القمة العربية الإسلامية حالت دون أي تحرك جماعي فاعل على مستوى التعاطي مع السلوك الإسرائيلي.
إجمالاً يمكن القول، إنّ القمة العربية الإسلامية الأخيرة في الدوحة جاءت للتعبير عن موقف تضامني مع قطر في مواجهة السلوك الإسرائيلي، وانطلاقاً من تخوفات لدى كافة الدول المشاركة بخصوص تداعيات هذا السلوك. لكن هذه التخوفات لم تُترجم على أرض الوقع إلى سلوك جماعي فاعل للتعامل مع هذا السلوك الإسرائيلي المدعوم أمريكياً، بما جعل القمة في الوقت نفسه تعبيراً عن الأزمات البنيوية العميقة التي يعيشها النظام الإقليمي العربي ومنظومة العمل العربي والإسلامي بشكل عام.