الصورة: تشييع الحوثيين لقتلى حكومتهم يوم الإثنين 01 سبتمبر 2025 (رويترز)
02-09-2025 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
|
"قد تواصل إسرائيل سياسة "الصيد الفردي" لضرب القيادات البارزة على فترات متقطعة، بهدف استنزاف الجماعة سياسيا ونفسيا دون الانجرار إلى مواجهة واسعة."
مركز سوث24 | إبراهيم علي
بعد صمت استمر لأيام، أعلنت جماعة الحوثيين عن مقتل رئيس حكومتها – غير المعترف بها - أحمد غالب الرهوي و 11 وزيرا ومسؤولا رفيعا، في غارة إسرائيلية استهدفت العاصمة صنعاء الخميس يوم 28 أغسطس الماضي.
تمثّل العملية العسكرية لإسرائيل أول نجاح معلن للدولة العبرية في استهداف شخصيات رفيعة داخل البنية الحكومية للجماعة الدينية في صنعاء، ما يعكس تحولا في مسار المواجهة من التركيز على المواقع العسكرية والبنية التحتية إلى القيادات السياسية. كما أن العملية أظهرت امتلاك إسرائيل معلومات ميدانية دقيقة مكّنتها من تتبع تحركات المسؤولين رفيعي المستوى.
وعلى الرغم من دلالات الضربة، إلا أن يمكن وصفها بأنها صيد متاح نسبيا، إذ لم تؤثر على البنية العميقة للجماعة بل استهدفت القطاع الإداري. كما تعكس العملية جرأة إسرائيل أكثر من كونها علامة على تفوق استخباراتي شامل، خاصة في ضوء المحاولات السابقة غير الحاسمة لاستهداف قيادات تنفيذية عسكرية عليا، وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان الغماري، ووزير الدفاع العاطفي. التأخير في إعلان الحوثيين عن مقتل رئيس الحكومة لأكثر من 24 ساعة أظهر حجم ارتباك الجماعة وفداحة الخسارة.
الأثر السياسي والأمني الداخلي
توقيت الضربة وعدد المستهدفين أحدث صدمة مزدوجة للجماعة، إذ استهدفت الضربة الحكومة المدنية المسؤولة عن إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها. ورغم أن الخسائر لم تؤثر مباشرة على القدرات العسكرية المستقلة، فقد شكلت تحديا سياسيا ومعنويا. وقد أبرزت خطابات قيادة الجماعة، بما في ذلك رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، وقع الحدث وشدته على الجماعة، من خلال التهديدات التي توعّد بها.
كما أنّ العملية ألقت بظلالها على العلاقة بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان للرهوي حضور بارز فيه. لذا فتعيين محمد مفتاح، المحسوب على الجماعة، قائماً بالأعمال سيثير ـ بلا شك تساؤلات حول مستقبل تقاسم السلطة، خاصة في ظل التوترات الأخيرة التي شملت اعتقالات قيادات الحزب داخل صنعاء، ما قد يعيد ترتيب التحالف الداخلي ويعزز سيطرة الحوثيين على الحكومة.
ومن المتوقع أن تؤدي العملية الإسرائيلية إلى زيادة كبيرة في حالة القلق والارتباك الداخلي لدى جماعة الحوثيين، ما سيجبرها على تشديد إجراءاتها الأمنية عبر جميع القطاعات الحكومية والإدارية والعسكرية. هذه الإجراءات قد تشمل تعزيز الحماية للقيادات، مراقبة حركة الموظفين، وفرض قيود أكبر على التنقلات الداخلية، الأمر الذي سيزيد من العزلة التنظيمية ويضاعف الضغوط المالية واللوجستية على الجماعة، خاصة في ظل الموارد المحدودة المتاحة لها. علاوة على ذلك، ستسعى الجماعة إلى تعويض الخسائر في الحكومة بسرعة، من خلال إعادة توزيع المناصب واستقدام كوادر جديدة من المقربين لملء الفراغات القيادية. هذه الخطوة قد تعيد تشكيل التوازنات الداخلية وتؤثر على كفاءة القطاع الإداري، إذ قد تواجه الحكومة – غير المعترف بها - صعوبات في ضمان استمرارية العمل وتنفيذ السياسات بكفاءة، خصوصا مع ضغوط الوقت والحاجة الملحة لتعويض القيادات المفقودة.
كما من المرجح أن تزيد الجماعة من وتيرة القمع الداخلي لتعزيز السيطرة الأمنية، بما يشمل اعتقالات جديدة ضد من تراهم معارضين أو مهددين لها ونفوذها. ومن شأن هذا أن يخلق ضغطا إضافيا على الموارد البشرية والتنظيمية، ويزيد من العزلة الداخلية للجماعة عن المجتمع المحيط بها، الأمر الذي قد يؤدي إلى توترات متصاعدة بين القيادة والمجتمع داخل المناطق الخاضعة لسيطرتها. ويعزز ذلك اقتحام مليشيا الحوثيين، بعد يومين من الضربة الإسرائيلية، مقار عدة للأمم المتحدة في صنعاء ونفذت حملة اعتقالات طالت عدد نحو 11 شخصا من موظفي المنظمة الأممية بحسب الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أدان بشدة هذه الإجراءات وطالب بسرعة الإفراج عنهم.
كذلك، من الملاحظ استخدام الحوثيين وسائل الدعاية لتعزيز معنويات أعضائهم ومواجهة الهزات السياسية، من خلال التأكيد على تصعيد الرد على خصومهم وتوضيح قدرتهم على مواجهة الضغوط الخارجية. تجلي ذلك في كلمتي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي ورئيس مجلسها السياسي مهدي المشاط. هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى تكثيف الحملات الإعلامية والعسكرية في الوقت نفسه، ما يزيد من استنزاف موارد الجماعة ويضاعف تحدياتها البشرية والمالية، ويضع قيادتها أمام اختبار كبير لضمان استمرار السيطرة والتماسك الداخلي.
الأبعاد الإقليمية والدولية
يمكن القول إن الضربة وضعت اليمن في صراع إقليمي أوسع، حيث تعتمد إسرائيل سياسة استهداف القيادات التي استخدمتها سابقا ضد حزب الله وقيادات فلسطينية وإيرانية، بهدف إحداث خلل تنظيمي وضرب معنويات الخصم. نجاح العملية في صنعاء يفتح المجال أمام احتمال تكرارها مستقبلا، بعدما ثبت قدرة إسرائيل على جمع معلومات ميدانية دقيقة. بالمقابل فإنّ استمرار هذه الضربات قد يدفع الجماعة إلى تطوير إجراءات سرية أكثر صرامة في تحركاتها واجتماعاتها، وتعزيز الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد إسرائيل، ما يبقي حالة الحرب قائمة. من الناحية الإقليمية، تتابع إيران الداعم الرئيسي للجماعة التطورات عن كثب، في حين تراقب دول أخرى أي تصعيد قد يؤثر على أمن البحر الأحمر والممرات البحرية الحيوية.
يعكس استهداف رئيس حكومة الحوثيين وعدد من وزرائه منهجية مشابهة لتصفيات قيادات حزب الله في لبنان، حيث يركز هذا الأسلوب على ضرب الصفوف العليا لإحداث أثر معنوي وسياسي مضاعف وكسر شعور الحصانة لدى القيادات. كما أن العملية تفرض على الحوثيين مواجهة فراغ قيادي واضطراب في إدارة القرار السياسي، مثل ما حدث مع حزب الله بعد اغتيالاته السابقة التي أثرت على إيقاع عملياته الداخلية.
غير أن هناك فروقات جوهرية بين الحالتين، أبرزها البيئة الجغرافية والسياسية، فلبنان قريب من إسرائيل ويحتوي على شبكة استخباراتية معقدة، بينما اليمن أبعد، ما يتطلب أدوات استهداف متقدمة مثل الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة والتعاون الإقليمي. كما أن الحوثيين أكثر عزلة دوليا مقارنة بحزب الله، ما يجعل استهدافهم أقل تكلفة سياسية لإسرائيل، ويتيح توسيع نطاق العمليات النوعية.
السيناريوهات المستقبلية
من المرجح أن يسعى الحوثيون إلى رد يتجاوز عملياتهم الاعتيادية، وذلك للحفاظ على توازن الردع، وقد يشمل الرد تكثيف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة. في المقابل، قد تواصل إسرائيل سياسة "الصيد الفردي" لضرب القيادات البارزة على فترات متقطعة، بهدف استنزاف الجماعة سياسيا ونفسيا دون الانجرار إلى مواجهة واسعة.
داخليا، ستختبر العملية قدرة الجماعة على إدارة الفراغ السياسي والحفاظ على تماسك تحالفاتها. احتفاظ الجماعة بالتحكم الكامل في الحكومة عبر شخصيات مقربة قد يؤدي إلى تهميش حزب المؤتمر، بينما صيغة جديدة لتقاسم السلطة قد تساعد في احتواء تداعيات العملية.
استنتاج
تمثل العملية الإسرائيلية في صنعاء تحولا لافتا في مسار المواجهة مع الحوثيين، إذ انتقلت من استهداف البنية العسكرية التقليدية إلى ضرب مركز مدني يعد رمزا سياسيا لسلطتهم، وهو ما يضفي على الحدث بعدا سياسيا ودعائيا يتجاوز البعد العسكري المباشر. هذا التغيير يكشف عن رغبة إسرائيل في توجيه رسالة ردع قوية وإحراز نصر معنوي أمام الرأي العام، حتى وإن كان الثمن هو توسيع دائرة الصراع وتصعيده.
في المقابل، قد يفسر الحوثيون هذه الضربة باعتبارها دليلا إضافيا على "ضرورة" التصعيد وتعزيز قدراتهم التسليحية، ما يدفعهم إلى محاولة الرد بطرق تظهر أنهم ما زالوا قادرين على المبادرة والتأثير. وعلى المدى القريب، ستسعى الجماعة على الأرجح لإثبات حضورها الميداني والسياسي من خلال عمليات مؤثرة. أما على المدى البعيد، فإن استمرار هذا النمط من العمليات قد يسهم في إعادة رسم التوازنات داخل اليمن وفي محيطه، إذ يضع الحوثيين أمام تحديات جديدة تتجاوز حدود المعارك التقليدية.
إبراهيم علي
اسم مستعار لباحث غير مقيم في مركز سوث24، متخصص في شؤون الجماعات المسلحة، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية