دولي

«سناب باك»: تحديات ومآلات المفاوضات النووية مع إيران

الصورة: بواسطة مهر نيوز

04-09-2025 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

يسعى هذا التحليل لرصد مؤشرات التوتر في العلاقات الإيرانية الأوروبية وسياق المفاوضات النووية ومآلاتها المحتملة.


مركز سوث24 | محمد فوزي


تواجه العلاقات الإيرانية الأوروبية حالياً مأزقاً استراتيجياً كبيراً وعلى مستوى كبير من التعقيد، وذلك على وقع حالة الجمود التي تطغى على المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، فضلاً عن تحضير الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) لتفعيل آلية "سناب باك" التي تعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران. وبين هذه المؤشرات التصعيدية، وبين انفراجة نسبية تمثلت في عودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران لأول مرة منذ الضربات الإسرائيلية والأمريكية على منشآتها النووية في يونيو الماضي، يبدو المشهد معقداً بين خيار التصعيد حتى حافة الهاوية أو العودة لمفاوضات مثقلة بالتحديات.


أولاً- التوتر في العلاقات الإيرانية الأوروبية


يبدو أنّ مرحلة المرونة والتحسن النسبي في العلاقات الأوروبية الإيرانية خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً مع إبداء إيران انفتاحها على إجراء المزيد من المباحثات مع الجانب الأوروبي خصوصاً دول الترويكا، هي مرحلة قد انتهت عملياً، حيث بدت الدول الأوروبية في الأيام الماضية أكثر حرصاً على  تبني مواقف أكثر حزماً تجاه إيران. وتتجلى مظاهر التوتر في العلاقات بين الجانبين في مجموعة من المؤشرات الرئيسية، وذلك على النحو التالي:


1- التوجه نحو تفعيل آلية "سناب باك": أفادت تقارير بأن دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) أخطرت مجلس الأمن الدولي بتفعيل آلية تستمر 30 يوماً لإعادة فرض عقوبات أممية على إيران بسبب برنامجها النووي. ولاحقاً قالت دول الترويكا الأوروبية -في بيان- إنه تم إبلاغ مجلس الأمن بعدم التزام إيران بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) بشكل كبير. وأعلنت أنها بالتالي قررت اللجوء إلى الآلية المعروفة باسم "آلية الزناد" أو"آلية العودة السريعة للعقوبات على إيران". 


2- توعد إيران دول الترويكا الأوروبية برد حاسم: هدد رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني إبراهيم عزيزي، بالرد على تفعيل فرنسا وبريطانيا وألمانيا لآلية إعادة العقوبات الأممية، مشيراً إلى وجود ثلاثة مشاريع قوانين جاهزة لذلك. فيما اعتبر وزير وزير الخارجية عباس عراقجي، أنّ القوى الأوروبية تفتقر للشرعية القانونية والسياسية لتفعيل «آلية الزناد»، مؤكداً رفض طهران للشروط الأوروبية المرتبطة بقرار مجلس الأمن 2231.


3- مشروع قانون إيراني للخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي: في إطار التعاطي الإيراني والتصعيد رداً على قرار الترويكا الأوروبية، أعلن نائب رئيس لجنة المادة 90 بمجلس الشورى الإيراني حسين علي حاجي دليجاني، بدء صياغة «مشروع قانون عاجل يقضي بانسحاب إيران الكامل من معاهدة حظر الانتشار النووي». وأوضح دليجاني أنّ المشروع سيُرفع على النظام الداخلي للبرلمان ليخضع في الجلسات العلنية للأسبوع المقبل للمسار القانوني الخاص بالمناقشة والتصويت. 


4- انفتاح أمريكي على قرار الترويكا الأوروبية: على مستوى الموقف الأمريكي من هذه التطورات، رحبت الولايات المتحدة بالإجراء الأوروبي ضد إيران، لكن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أكد رغم ذلك أنّ بلاده تظل منفتحة على التواصل المباشر مع إيران من أجل حل سلمي دائم للقضية النووية الإيرانية.


وبشكل عام يمكن القول إنّ حسابات الموقف الأوروبي على مستوى التوجه نحو تفعيل العقوبات الأممية ضد إيران تستند إلى مجموعة من العوامل والأسباب الرئيسية:


يمثل تفعيل "آلية الزناد" الورقة الوحيدة المتبقية بيد الأوروبيين للضغط على طهران، بعد رفض إيران مقترح تمديد الاتفاق النووي.


لا يمكن فصل هذا التحرك الأوروبي تجاه إيران، عن النظرة الأوروبية التي لم تتجاوز بعد تحالف إيران المستمر مع روسيا، حيث تعتبر أنّ طهران ساعدت موسكو في حربها على أوكرانيا، التي تعدها أوروبا جزءاً من أمنها القومي.


أنّ إيران حتى وإن سمحت لمفتشي الوكالة الدولية باستئناف عملهم في أراضيها، إلا أنها أشارت إلى أنّ التعاون الكامل لم يُستأنف بعد. وبالتزامن مع ذلك أفادت تقارير بأنّ إيران بدأت عملية تنظيف سريعة بموقع نووي في شمال طهران تعرض لضربات جوية إسرائيلية، وهو ما من المرجح أن يمحو الأدلة على أي عمل لتطوير أسلحة نووية، وهي مؤشرات مثلت هاجساً كبيراً بالنسبة للجانب الأوروبي.

ثانياً- ماذا يعني تفعيل آلية "سناب باك"؟


عملياً تعد آلية "سناب باك" أحد الأدوات الأوروبية القوية باتجاه الضغط على إيران، على اعتبار أنها تؤدي إلى إعادة تفعيل العقوبات الأوروبية ضد طهران. وهو السيناريو الذي يفرض مزيداً من الضغوط على إيران، التي تعاني في الأساس من التداعيات القوية للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية منذ 6 أغسطس 2018 بعد انسحابها من الاتفاق النووي في 8 مايو من العام نفسه.


أيضاً فإنّ التوجه الأوروبي نحو تفعيل هذه الآلية يُغلق الباب أمام طهران على مستوى التقارب مع الدول الأوروبية، وهو التوجه الذي برز في الأشهر الأخيرة، حيث سعت إيران إلى تحييد الجانب الأوروبي عن التصعيد ضدها سعياً لتجنب تفعيل "سناب باك"، فضلاً عن الرغبة في توظيف الخلافات الأوروبية الأمريكية متعددة المستويات بما يخدم هذا الهدف. كما أن إيران كانت تراهن على أن هذا الانفتاح على الجانب الأوروبي، سوف يؤدي عملياً حال التوصل لاتفاق نووي جديد، إلى استقطاب استثمارات أوروبية في قطاعات عديدة، خاصةً أنّ هذا الاتفاق سوف يتضمن رفعاً لقسم من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.


ثالثاً- التحديات التي تواجه المفاوضات النووية مع إيران


تعكس المؤشرات السابقة مجموعة من التهديدات والتحديات الكبيرة، التي قد تدفع إجمالاً باتجاه انهيار  المحادثات النووية والوصول إلى نقطة حافة الهاوية وتجدد التصعيد. ويمكن تناول أبرز هذه التحديات في ضوء الآتي:


1- حالة فقدان الثقة: يطغى على طرفي المفاوضات النووية سواءً الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الغربية، أو إيران، حالة من فقدان الثقة المتبادلة. فعلى المستوى الأوروبي يرى الجانب الأوروبي وفق العديد من المؤشرات، أنّ إيران غير ملتزمة بالمسارات السلمية لتخصيب اليورانيوم، وتعمل على كسب الوقت للوصول إلى إنتاج الأسلحة النووية والمزيد من التخصيب التي تتجاوز الحدود الخاصة بالأغراض السلمية.


بالمقابل ترى إيران أنّ التصعيد الأوروبي، مقروناً بالشروط التفاوضية والدعم الأميركي لإسرائيل في الحرب الأخيرة، عزز فقدانها الثقة بالغرب، ما انعكس تشدداً في مواقفها ورفضها للتفاوض المباشر مع واشنطن، واعتبار شروط الغرب "استسلاماً".


2- ربط الملف النووي بقضايا أخرى: في ضوء مجموعة من السياقات والتطورات الإقليمية والدولية، بدأ الجانب الغربي في رفع سقف المطالب الخاصة به في المفاوضات النووية مع إيران. فمع الإصرار على ضرورة تجميد البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، بدأت الدول الغربية وإلى جانب إسرائيل في وضع شروط أخرى، على غرار تحييد "التهديد الصاروخي البالستي"، باعتبار أن الصواريخ هي السلاح الذي سيحمل القنبلة النووية الإيرانية في حالة إنتاجها، ووقف "أنشطة زعزعة الأمن الإقليمي"، وذلك في الوقت الذي ترفض فيه إيران إدراج أي ملفات أخرى على أجندة المفاوضات غير الملف النووي.


3- الخلاف حول ماهية البرنامج النووي: بعيداً عن توجه الجانب الغربي نحو ربط الملف النووي الإيراني ببعض الملفات الأخرى وتحديداً ملف الصواريخ الباليستية، والأدوار الإقليمية لإيران، فإنّ المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي نفسه تواجه تبايناً كبيراً في وجهات النظر بين الجانبين. إذ ترى الدول الغربية أنّ على إيران وقف نقل كميات اليورانيوم المخصب إلى الخارج، أو عدم إجراء عمليات تخصيب جديدة. وقد ظهر هذا المطلب الأمريكي مؤخراً، وكشف عنه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في 23 أبريل 2025، عندما قال إنّ على إيران أن تتخلى عن كل عمليات تخصيب اليورانيوم إذا كانت ترغب في الوصول إلى اتفاق جديد، مضيفاً: "إذا كانت إيران تريد امتلاك برنامج نووي مدني، على غرار دول أخرى، فيمكنها أن تفعل ذلك من خلال استيراد المواد النووية المخصبة".


وفي المقابل ترفض إيران هذا المطلب وتصر على مواصلة عمليات تخصيب اليورانيوم، حتى لو بنسبة ضعيفة (3.67%)، في حالة الوصول إلى اتفاق جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دفع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران كأحد أدوات الضغط.


4- احتمالية تجدد الحرب الإسرائيلية الإيرانية: يطفو سيناريو واحتمال تجدد الحرب الإسرائيلية الإيرانية، كأحد التحديات الرئيسية التي تواجه مسار المفاوضات النووية مع إيران. وفي هذا السياق شهدت الفترات الأخيرة العديد من المؤشرات التي عبرت عن احتمالية العودة إلى مربع التصعيد مرة أخرى، على غرار الشروط التي طرحها "نتنياهو" لعدم العودة إلى الحرب، خصوصاً ما يتعلق بوقف تخصيب اليورانيوم، وإنهاء البرنامج الصاروخي الإيراني، فضلاً عن تقدم مشرعين أمريكيين بمشروع قانون يدعو الرئيس الأمريكي، إلى تزويد إسرائيل بقاذفات «بي 2» الشبحية مع قنابلها الخارقة للتحصينات، «لتمكينها من حماية نفسها من جميع الاحتمالات، في حال سعت إيران إلى تطوير سلاح نووي». كما توجد المؤشرات المتنامية على استعداد إيران لسيناريو تجدد الحرب مرة أخرى مع إسرائيل، بالإضافة لحالة التوتر في عدد من الملفات الإقليمية على غرار ملف نزع سلاح حزب الله اللبناني، وعودة ميليشيا الحوثي لاستهداف الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر، وتنامي المواجهات بين الحوثيين وإسرائيل.


رابعاً- المسارات المحتملة للمفاوضات


تؤدي التوجهات الأوروبية الأخيرة تجاه الجانب الإيراني إلى المزيد من التصعيد والضغط الكبير على إيران، وهو أمر يدفع باتجاه أحد السيناريوهين:


1- التوجه نحو حافة الهاوية: يفترض هذا السيناريو عودة منظومة العقوبات الأممية على إيران بالفعل، وتوجه إيران نحو المزيد من التصعيد، عبر مسارات على غرار إقرار قوانين تلزم الحكومة بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وربما إصدار فتوى من المرشد الإيراني تبيح إنتاج الأسلحة النووية، والعمل على كسب الوقت ومسابقة الزمن من أجل إنتاج هذه الأسلحة. ويأتي هذا السيناريو مدفوعاً بشكل رئيسي بتنامي الخلافات بين الجانبين حول العديد من الملفات المحورية في المفاوضات، وتشدد كل طرف بمواقفه تجاه هذه الملفات.


هذا المسار سيغلق مؤقتاً أفق المفاوضات النووية، مع عودة التصعيد عبر العقوبات والعمليات العسكرية ضد إيران، وصولاً إلى محاولات إسقاط النظام، فيما ستتعامل طهران مع ذلك كصراع وجود يدفعها لاستخدام كل أدواتها التصعيدية.


2- التوصل إلى صفقة جزئية: يفترض هذا السيناريو بأنّ استخدام الأوروبيين لآلية "سناب باك" قد لا يكون بهدف تفعيل العقوبات عملياً، بل كأداة ضغط لفتح مسار تفاوضي جديد. ويستند ذلك إلى رغبة أوروبية في تجنب العودة إلى مربع التصعيد في الشرق الأوسط، وإلى تقديرات أمريكية ترى أنّ الضربات الأخيرة عطلت جزءاً من البرنامج النووي الإيراني، ما يمنح وقتاً إضافياً لواشنطن لتركيز جهودها على إتمام صفقات إقليمية أخرى ذات أولوية.


إجمالاً، يمكن القول بأنّ لجوء الجانب الأوروبي إلى آلية "سناب باك"، يحمل أحد احتمالين؛ إما قرب العودة إلى مربع التصعيد مرة أخرى في منطقة الشرق الأوسط في إطار ما يُطلق عليه "حافة الهاوية"، أو أنّ هذه الخطوة جاءت كأحد أدوات الضغط لدفع عجلة المفاوضات ودفع إيران لتقديم تنازلات نوعية في مسار المفاوضات.


محمد فوزي

باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات. باحث متخصص في قضايا الأمن الإقليمي



شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا