التحليلات

جنوب اليمن تحت الضغط: تناغم خفي بين أجندات القاعدة والحوثيين في حضرموت

بواسطة الذكاء الاصطناعي - تعديل لمركز سوث24

آخر تحديث في: 13-08-2025 الساعة 8 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol
"الحوثيون يستفيدون من عمليات القاعدة لزعزعة مناطق خارجة عن سيطرتهم دون أن يتحملوا كلفة المواجهة المباشرة، بينما تستفيد القاعدة من البيئة الفوضوية التي يوفرها الحوثيون.."

مركز سوث24 | إبراهيم علي


في ظل احتقان شعبي متصاعد في حضرموت، دخل تنظيم القاعدة على خط الأزمة ببيان لافت، حاول من خلاله إعادة التموضع واستغلال الاضطراب لعرقلة أي مسار نحو الاستقرار في جنوب اليمن. البيان، الذي جمع بين الشعارات الجهادية والمطالب الاقتصادية، ربط احتجاجات حضرموت بمعركة غزة، مقدِّمًا نفسه كحامل لراية "المقاومة" في مواجهة ما يسميه "الهيمنة الأمريكية" و"الفساد المحلي".


وراء هذا الخطاب الممزوج بالدين والسياسة، تكمن استراتيجية أعمق: إبقاء الجنوب في دائرة عدم الاستقرار الدائم. التنظيم يسعى لاستثمار الغليان الاجتماعي وتحويله إلى أداة تعبئة تخدم أجندته الجهادية، ما يعرقل أي إصلاحات قد تمهد لحسم ملف الإرهاب في اليمن. خصوصا وأنّ الأيام الأخيرة شهدت تحسنًا لقيمة العملة المحلية في مناطق الحكومة المعترف بها دوليا، وهبوط ملحوظ في بعض أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.


البيان تبنى مقاربة مزدوجة؛ إذ شرعن الغضب الشعبي باعتباره "انتفاضة ضد الظلم والطغيان"، وفي الوقت ذاته أعاد تأطيره في مشروعه الجهادي، رابطًا إياه بمقولات "إزالة الطغاة" و"إقامة الشريعة" و"طرد الأمريكان والصهاينة". الهدف كان واضحًا: نزع الشرعية عن الحكومة بوصفها "أداة أمريكية"، وتسييس الاحتجاجات المعيشية لتحويلها إلى دعوات لإسقاط النظام، وربط الساحة المحلية بالصراع العالمي ضد واشنطن وتل أبيب، مستثمرًا الحس العاطفي المتعلق بالقضية الفلسطينية.


كما وجّه البيان رسائل متعددة؛ للسكان بأن تحركاتهم مشروعة دينيًا وتتجاوز الجانب المعيشي، وللعلماء والدعاة لحثهم على القيام بدور تعبوي، ولواشنطن وحلفائها للتأكيد أن أي محاولة لتثبيت الاستقرار ستُقابل باضطرابات مدروسة.


تركيز خاص على حضرموت


اختيار حضرموت كأولوية لم يكن اعتباطيًا. فالمحافظة ذات المساحة الشاسعة والتضاريس المتنوعة، خاصة في الوادي، توفر فراغًا أمنيًا نسبيًا يسهل عمليات الاختباء وإعادة التموضع. كما أن التوتر بين بعض القوى المحلية — لا سيما عقب التصعيد الذي يقوده عمرو بن حبريش ضد السلطات — يمنح القاعدة فرصة للظهور كداعم للاحتجاجات. إضافة إلى ذلك، تحتضن المحافظة حقول نفط وموانئ تصدير، ما يجعلها ورقة ضغط استراتيجية.


البيان حرص على الربط بين السياق المحلي والإقليمي، جاعلًا من أحداث حضرموت جزءًا من "معركة الأمة" عبر وصلها مباشرة بقضية غزة، ما يضفي على الصراع المحلي بُعدًا مقدسًا ويستثمر المشاعر المناهضة لإسرائيل وأمريكا. الجديد أيضًا هو الحضور البارز للملف الاقتصادي، إذ دعا التنظيم إلى السيطرة على الثروات النفطية والغازية ومنع الحكومة من الاستفادة منها، في محاولة لإضعافها ماليًا واستقطاب قبائل أو جماعات لها مطالب مشابهة، حتى لو لم تشاركه أيديولوجيته.


تقاطع مصالح مع الحوثيين


رغم ما يبدو على السطح من تناقضات عقائدية وفكرية حادة بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة، إلا أن المعطيات الميدانية والمؤشرات الأمنية تكشف عن نمط من التخادم المباشر بين الطرفين، يتجاوز مجرد "تقاطع المصالح". فبيان القاعدة الأخير، بمضامينه واستهدافاته، ينسجم بشكل لافت مع الأجندة الحوثية، خاصة في ضرب المصالح الاقتصادية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وفي مقدمتها عرقلة تصدير النفط من الموانئ الجنوبية، عبر الهجمات المباشرة أو تحريض السكان على ذلك. هذه الهجمات، سواء نفذها القاعدة أو الحوثيون، تصب في هدف واحد: إبقاء الجنوب في حالة شلل اقتصادي وأمني.


ويحاصر الحوثيون موانئ جنوب اليمن منذ أكتوبر 2022، عقب ضربات بالطائرات المسيّرة استهدفوا خلالها ميناءي الشحر والضبة بحضرموت والنشيمة بمحافظة شبوة. وأعلنت الحكومة اليمنية مؤخرا أنّها تكبدت خسائر بنحو 7.5 مليار دولار جراء توقف عملية تصدير النفط.


كما أنّ  التخادم هنا لا يقوم على تحالف معلن، بل على توزيع أدوار غير رسمي، حيث يجد كل طرف في الآخر أداة مفيدة ومناسبة لتحقيق غاياته. فالحوثيون يستفيدون من عمليات القاعدة لزعزعة مناطق خارجة عن سيطرتهم دون أن يتحملوا كلفة المواجهة المباشرة، بينما تستفيد القاعدة من البيئة الفوضوية التي يوفرها الحوثيون، والتي تسمح لها بإعادة التموضع والتجنيد والتحرك بحرية أكبر. وبذلك، يتحول العدو المشترك — وهو الحكومة المعترف بها دوليا وحلفاؤها — إلى نقطة التقاء عملية بين خصمين عقائديين، تجمعهما المصلحة في تعطيل أي استقرار قد يعزز شرعية الدولة، ويحفز المجتمع الدولي على التحرك بحزم أكبر ضد الطرفين معا.


وكان الحوثيون قد أصدروا نهاية يولي بيانا سابقا لبيان القاعدة أيدوا فيه الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في حضرموت، وحرضوا على "الانتفاضة" ضد السلطات المحلية. وقد استخدم البيان أيضا مصطلحات شبيهة بمصطلحات القاعدة مثل "مرتزقة" و "الاحتلال السعودي الإماراتي" و كلمة "انتفاضة". 


والجدير بالإشارة له انّ بيان تنظيم القاعدة جاء بعد أيام من إعلان السلطات الأمنية في محافظة حضرموت عن “معلومات مؤكدة وتفصيلية تؤكد وجود عناصر مندسة تابعة لتنظيمات إرهابية مثل القاعدة، وعناصر للحوثيين تسعى لإثارة الفوضى في ساحل حضرموت"، وفقا لبيان صادر عنها. 


مؤشرات على تحركات قادمة


لغة البيان ومضامينه تكشف عن أربعة اتجاهات رئيسية في خطة القاعدة المقبلة:


• إعادة التموضع في حضرموت: عبر الاحتماء بالمظلة الاجتماعية للاحتجاجات، لكسب شرعية ضمنية وحماية من العمليات الأمنية، واستعادة شبكات الدعم المحلي التي فقدها خلال السنوات الأخيرة.


• تصعيد الحرب الدعائية: بدمج القضايا المحلية (الفساد، الخدمات) بالقضايا الأممية (فلسطين، الصراع مع الغرب) لاستقطاب مؤيدين خارج الإطار الجهادي التقليدي.


• استهداف المنشآت الاقتصادية: بوضعها في صلب الأجندة القادمة، من خلال هجمات أو تحريض قبلي، بهدف شل الموارد المالية للحكومة وزيادة السخط الشعبي.


• توسيع التحالفات المؤقتة: باستقطاب قبائل أو جماعات تشترك معه في رفض الحكومة، ولو اختلفت أيديولوجيًا، لتوفير غطاء محلي يمنع عزله ميدانيًا. وقد رافق البيان نشر مادة مرئية استعرض فيها التنظيم ما وصفه بـ"إنجازاته" خلال سيطرته على ساحل حضرموت (2015–2016).


خلاصة


يسعى تنظيم القاعدة إلى توظيف الغضب الشعبي في حضرموت كأداة لإطالة أمد الاضطراب في الجنوب، جامعًا بين الخطاب الجهادي والمطالب المعيشية. التركيز على حضرموت يعكس إدراكه لموقعها الاستراتيجي: فراغ أمني، توترات سياسية، وثقل اقتصادي. كما يظهر تناغمًا ضمنيًا مع أهداف الحوثيين في ضرب اقتصاد الجنوب، ما يعزز فرضية التخادم غير المعلن بينهما. في النهاية، يدرك التنظيم أن الاستقرار النسبي سيعيد الحرب على الإرهاب إلى الواجهة، وأن أفضل وسيلة لتأجيل ذلك هي إبقاء الجنوب في حالة غليان دائم، عبر الاستثمار الممنهج في الاحتجاجات وربطها بأجندة عابرة للحدود.


إبراهيم علي
اسم مستعار لباحث غير مقيم في مركز سوث24. متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة. أخفى هويته لظروف أمنية.


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا