عربي

نزع سلاح حزب الله: بين المحددات الداخلية والمتغيرات الإقليمية

الصورة: فرانس برس

آخر تحديث في: 27-08-2025 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

"لا يمكن الفصل بين هذا الزخم الكبير الذي يحظى به ملف نزع سلاح حزب الله اللبناني، وبين مجموعة العوامل والمتغيرات الإقليمية السابق الإشارة إليها، فضلاً عن الموقف الخليجي والسعودي..


مركز سوث24 | محمد فوزي 


تشهد الساحة اللبنانية حالياً زخماً كبيراً على وقع ملف نزع سلاح الفصائل المسلحة من دون الدولة وعلى رأسها حزب الله، وهو الملف الذي طفا إلى السطح بشكل كبير في مرحلة ما بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل. ومع تسليم الموفد الأمريكي لسوريا ولبنان توماس باراك في 19 يونيو 2025،  ورقةً إلى الدولة اللبنانية، تستفسر عن خطط لبنان لمعالجة ما تبقى من سلاح حزب الله، وتطوير العلاقات اللبنانية-السورية، والتجاوب مع الإصلاحات المالية والإدارية التي يُطالب بها المجتمع الدولي لبنان منذ أكثر من خمس سنوات. ليأتي رد الحكومة اللبنانية في شكل قرار تم اتخاذه في الأسبوع الأول من أغسطس 2025، بتكليف الجيش بوضع خطة لنزع سلاح حزب الله على أن يتم تطبيقها قبل نهاية العام الجاري. وفي سياق متصل أعلن رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السفير رامز دمشقية في 21 أغسطس 2025، أن المرحلة الأولى من تسليم أسلحة المخيمات الفلسطينية بدأت انطلاقاً من مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي كلها تطورات وتفاعلات تطرح تساؤلات بخصوص مآلات مسار نزع السلاح في لبنان، وتداعياته المحتملة. 


أولاً- مؤشرات مبهمة بخصوص عملية نزع السلاح


سادت حالة من القلق في الداخل اللبناني ولدى العديد من الأوساط السياسية في لبنان والمنطقة بخصوص مآلات عملية نزع السلاح في لبنان، وذلك في ضوء مجموعة من المؤشرات المتناقضة، التي طرحت بدورها حالة من الضبابية على مسار عملية نزع السلاح، ويمكن رصد أبرز هذه المؤشرات في ضوء الآتي:


1- نفي فصائل فلسطينية تسليم السلاح: رغم ما سبق الإشارة إليه من إعلان السلطات اللبنانية البدء في تسلم أسلحة المخيمات الفلسطينية، إلا أن فصائل فلسطينية نفت في بيان لها في 22 أغسطس 2025، حمل توقيع "الفصائل الفلسطينية في لبنان"،  أن يكون تسليم بعض الأسلحة في مخيم برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية بداية لنزع السلاح الفلسطيني في لبنان. وأضافت في البيان أن "ما يجري شأن تنظيمي داخلي خاص بحركة فتح ولا علاقة له بالسلاح الفلسطيني داخل المخيمات". وأكدت الفصائل الفلسطينية رفضها تسليم السلاح طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مشيرة إلى أن هذا السلاح "لن يستخدم إلا في إطار مواجهة العدو الصهيوني حتى يتحقق لشعبنا حقه في العودة والحرية وإقامة دولته المستقلة على أرضه" وفق البيان. ما يعني عملياً ارتباط ملف نزع سلاح الفصائل الفلسطينية باعتبارات إقليمية، فضلاً عن ارتباطه ضمنياً بمآلات موقف حزب الله. 


2- خطاب تصعيدي من نعيم قاسم: خرج الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله اللبناني، في كلمة مصورة في 15 أغسطس 2025، بعث فيها بمجموعة من الرسائل المهمة والخطيرة، اعتبر فيها أن "مشروع نزع السلاح هو مشروع أمريكي إسرائيلي، وأن حزب الله يرفض تسليم سلاحه طالما دام الاحتلال الإسرائيلي قائماً، حتى لو اضطره ذلك لخوض "معركة كربلائية" وفق تعبيره. "محملاً الحكومة اللبنانية المسؤولية عن أي فتنة داخلية أو حرب في لبنان"، ومحذراً من أن "الاحتجاجات ضد تسليم السلاح قد تصل إلى السفارة الأمريكية في بيروت" وفق تعبيره. 


وعملياً، فقد عبر هذا الخطاب من أمين عام حزب الله عن رفض الحزب للتحركات الأخيرة الخاصة بالحكومة اللبنانية فيما يتعلق بملف نزع السلاح وحصريته بيد الدولة. كما أن استدعاء رمزية "كربلاء" يحمل دلالات تعبوية مهمة خاصة بالبيئة الحاضنة الشيعية في لبنان، وإشارة واضحة إلى الاستعداد للتصعيد، كما أن هذا الخطاب استدعى المزيد من التوتر والتصعيد بين الحزب وبين الحكومة اللبنانية.


وفي سياق متصل ولا ينفصل عن موقف حزب الله من مسألة نزع السلاح، وبالعودة إلى جلسة مجلس الوزراء اللبناني الخاصة بنزع سلاح حزب الله، وهي الجلسة التي استمرت لخمس ساعات، فقد شهدت الجلسة انسحاب الوزيرين تمارا الزين وركان ناصر الدين لاعتراضهما على قرار الحكومة. 


3- ضغط أمريكي على إسرائيل للتهدئة النسبية: أفاد موقع "أكسيوس" الأمريكي في تقرير له خلال الأيام الماضية، بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طلبت من إسرائيل تقليص غاراتها على لبنان، تعزيزاً لقرار الحكومة اللبنانية البدء بخطوات لنزع سلاح جماعة "حزب الله". وطلبت إدارة ترمب من إسرائيل النظر في الانسحاب من موقع واحد وتقليص الضربات الجوية بصورة كبيرة لبضعة أسابيع كخطوة أولية لإظهار الاستعداد للتعاون مع الجهد اللبناني، في مؤشر عبّر عن سعي الإدارة الأمريكية تهيئة الأجواء من أجل تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية. 


4- زيارة علي لاريجاني إلى بيروت: في خطوة أثارت جدلاً كبيراً من حيث مدلولاتها والتوقيت الذي جاءت فيه، أجرى علي لاريجاني، أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، زيارة إلى العاصمة اللبنانية بيروت في 13 أغسطس 2025. وخلال زيارته، التقى لاريجاني، رئيس الجمهورية اللبناني، جوزف عون، ورئيس الوزراء، نواف سلام، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، بالإضافة إلى الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم. وقد تمحورت تصريحات "لاريجاني" المعلنة على هامش الزيارة حول "رفض الهيمنة والوصاية الأمريكية على لبنان، وأنّ إقصاء أطراف مهمة في لبنان من المشهد أمر غير مقبول بالنسبة لإيران".


وقد حملت هذه الزيارة في التوقيت الراهن مجموعة من الدلالات المهمة، وأولها سعي "لاريجاني" عبر الزيارة إلى التهدئة النسبية مع الحكومة اللبنانية على وقع التراشق الذي حدث بين مسؤولين من الجانبين فيما يتعلق بمسألة نزع سلاح حزب الله. وثانيها أنّ هذه الزيارة سعت نسبياً إلى تثبيت نمط من إعادة التموضع الإيراني في لبنان على اعتبار أنها ترى في خطوات نزع السلاح المزيد من التقويض لنفوذها في المنطقة والذي يعتمد بشكل رئيسي على شبكة الوكلاء. وثالثها أنّ الزيارة على الأرجح شهدت تفاهمات أو مباحثات استكشافية مع حزب الله بخصوص مسار التعامل مع مسألة نزع السلاح والخطوات المقبلة في هذا الصدد. 


وقد عبرت كل المؤشرات السابقة عن سياق معقد يغلب على ملف نزع السلاح في لبنان. ففي الوقت الذي يتمسك فيه المناهضون لحزب الله داخلياً وخارجياً بنزع السلاح باعتباره أحد مقتضيات القرار 1701، فإن الحزب يتمسك برفض الفكرة استناداً إلى اعتبارات وهواجس أمنية واستراتيجية، وتأويل لاتفاق التهدئة الأخير مع إسرائيل على أنه محصور جغرافياً بمنطقة جنوب نهر الليطاني، وينعكس كل ذلك بطبيعة الحال على مسألة السلاح الفلسطيني في لبنان.


ثانياً- السياق الإقليمي المصاحب للقرار


يعد السياق الإقليمي الراهن والمصاحب للحرب الإسرائيلية على غزة الممتدة منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، فضلاً عن الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، وما أفرزته حالة التصعيد الإقليمي من تداعيات، أحد العوامل المهمة التي تُضفي خصوصية كبيرة على قرار نزع السلاح في لبنان، ويمكن رصد أبرز معالم هذا السياق في ضوء الآتي:


1- نتائج الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل: غلب على الموقف الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الحرب الأخيرة واتفاق التهدئة الذي تم توقيعه مع حزب الله، حالة من التشدد على مستوى التعامل مع تفاعلات الشأن اللبناني. وتنطلق إسرائيل في هذا السياق من مجموعة من الاعتبارات والعوامل الرئيسية. وأولها أنّ إسرائيل ترى في السياق الإقليمي والدولي الراهن فرصة لنزع سلاح حزب الله، بما يخفف عن كاهلها أحد التهديدات الاستراتيجية بالنسبة لها. وتراهن إسرائيل بشكل كبير في هذا الصدد على المتغيرات اللبنانية الداخلية، وقدوم حكومة داعمة بشكل كبير لمسألة نزع السلاح، فضلاً عن الرهان على العامل الأمريكي، والضغوط الأمريكية غير المسبوقة لنزع سلاح حزب الله.


وثانيها أنّ إسرائيل ترى أن الحرب الأخيرة قد أضعفت حزب الله بشكل كبير، لا سيما مع التقديرات الإسرائيلية بأنّ الحزب تلقى خسائر فادحة طالت نحو 70 إلى 80% من قدراته الصاروخية، بالإضافة إلى تدمير معظم طائراته المسيّرة ومنشآته اللوجستية تحت الأرض، والبنية التحتية العسكرية للحزب، وشبكات الاتصالات، ومقتل كبار قادته العسكريين. 


2- انقطاع الدعم اللوجستي عن حزب الله: أحد الافتراضات المهمة المطروحة فيما يتعلق بحالة حزب الله اللبناني، تتمثل في أنّ مرحلة ما بعد الحرب الأخيرة في لبنان، شهدت حالة من الضعف الكبير للحزب. خصوصاً مع التضييق على الدعم الإيراني للحزب في ظل رئاسة العماد جوزيف عون وحكومة نواف سلام، فضلاً عن إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وقدوم إدارة سورية مناوئة لإيران وحزب الله ولديها إرث من المواجهات مع الجانبين. وهو ما يعني عملياً تعطل خطوط الإمداد العسكري، سواء البرية عبر سوريا أو الجوية من إيران. وهنا يجب الإشارة إلى أنّ حزب الله حتى وإن كان يعتمد على التصنيع المحلي بقدر كبير، إلا أنّ تسليحه الاستراتيجي ظل مرتبطاً بممر الإمداد الممتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق. 


3- تغير مقاربة واشنطن تجاه الملف اللبناني: حملت الأشهر الأخيرة تغيرات لافتة على مستوى مقاربة واشنطن تجاه الملف اللبناني، وهي المقاربة التي باتت تقوم على مجموعة من الركائز الأساسية. وأولها ضرورة توظيف السياق الإقليمي الراهن من أجل تحييد الوكيل الإيراني في لبنان ممثلاً في حزب الله، كجزء من منظومة الضغط على إيران في المنطقة. وثانيها نقل إدارة الملف اللبناني إلى المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس براك، بما يُظهر أنّ واشنطن باتت تنظر إلى لبنان وسوريا بوصفهما وحدة سياسية وأمنية مترابطة، ما يعني دمج الملفين في إطار رؤية إقليمية شاملة، وثالثها الضغوط الأمريكية الكبيرة على لبنان بخصوص ملف نزع السلاح، لا سيما فيما بتعلق بمسألة الربط بالانسحاب الإسرائيلي، وما يتعلق بمسـألة إعادة الإعمار والدعم المالي والاقتصادي للبنان. 


4- الموقف الخليجي السعودي من نزع السلاح: لا يمكن الفصل بين هذا الزخم الكبير الذي يحظى به ملف نزع سلاح حزب الله اللبناني، وبين مجموعة العوامل والمتغيرات الإقليمية السابق الإشارة إليها، فضلاً عن الموقف الخليجي إجمالاً والسعودي على وجه الخصوص من هذه المسألة. على اعتبار أنّ السعودية تظل أحد أهم الفاعلين في الملف اللبناني، وبتحليل المعطيات الخاصة بالموقف السعودي، يتضح أنّ موقف الرياض داعم بشكل كبير لاحتكار الدولة للسلاح، ونزع السلاح الخاص بحزب الله وكافة الفصائل الموجودة في لبنان، كجزء من مقاربة الرياض الداعمة لتعزيز الدولة الوطنية، فضلاً عن كونه جزء من حالة التنافس الاستراتيجي مع إيران. 


ثالثاً- مسارات عملية نزع سلاح حزب الله


في ضوء كافة المعطيات السابق الإشارة إليها يمكن القول إننا أمام مجموعة من المسارات الخاصة بمسألة نزع سلاح حزب الله اللبناني، وهي المسارات التي لن تؤثر فقط على الداخل اللبناني، بل ستمتد تأثيراتها لتشمل السياق الإقليمي إجمالاً، وذلك على النحو التالي:


- أحد السيناريوهات المطروحة خلال الفترات المقبلة يتمثل في نزع سلاح حزب الله، استناداً إلى مجموعة من المتغيرات، خصوصاً ما يتعلق بإسقاط بند المقاومة من بيان الحكومة اللبنانية الحالية، والمتغيرات الإقليمية التي أدت إلى حالة من الضعف بالنسبة لإيران وحلفائها في المنطقة. وسعياً لعدم التصعيد الداخلي وسيناريو الحرب الأهلية، قد تلجأ الرئاسة والحكومة اللبنانية بالتنسيق مع الجانب الأمريكي، إلى تبني مسار يقوم على النزع التدريجي للسلاح، مقابل مجموعة من الضمانات، وعلى رأسها وقف الأعمال التصعيدية الإسرائيلية، والانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، وبناء استراتيجية دفاعية جديدة خاصة بلبنان بما في ذلك مسألة دمج عناصر وعتاد حزب الله في الجيش اللبناني، بالإضافة إلى ملفات إعادة الإعمار واستعادة الأسرى. 


- أما السيناريو الثاني، فيتمثل في عدم التوصل إلى تفاهمات بخصوص العوامل السابق الإشارة إليها، وهنا فإنّ المرجح أنّ التصعيد سوف يكون سيد الموقف في لبنان، على اعتبار أنّ حزب الله قد يلجأ إلى إحداث شلل سياسي في لبنان عبر مسارين: الأول انسحاب وزرائه من الحكومة والضغط على حليفه الشيعي حركة أمل من أجل تحقيق ذلك، والسعي لإسقاط الحكومة وإعادة طرح الثقة بها. والثاني هو الاحتجاجات الواسعة عبر الشارع اللبناني والبيئة الحاضنة له، على غرار ما حدث في 5 مارس 2005، حيث يمكن لحزب الله وحركة أمل تنظيم مظاهرات واعتصامات وحشود جماهيرية ضخمة رفضاً لنزع السلاح، وهو ما قد يدفع لبنان إلى دوامة من الاحتجاجات والصراعات السياسية والميدانية.


- أما السيناريو الثالث وهو الأسوأ، فيتمثل في وصول حالة الفوضى والشلل السياسي في لبنان، إلى حالة أشبه بما حدث في 2008 أو تتجاوزها، حينما سعى رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة إلى تعطيل مراكز اتصالات حزب الله وتغيير مدير مطار بيروت. مما أدى إلى اشتباكات مسلحة استمرت ثلاثة أيام، انتهت بسيطرة الحزب على بيروت وإجبار الحكومة على مغادرة العاصمة، وهنا يُطرح سيناريو الحرب الأهلية بقوة. 


ختاماً، يمكن القول، إنّ حالة الزخم التي يشهدها ملف نزع سلاح حزب الله في لبنان، تأتي بشكل رئيسي مدفوعةً بالمتغيرات الأخيرة التي شهدها الداخل اللبناني لا سيما على مستوى التوجهات الرئاسية والحكومية الخاصة باحتكار الدولة للسلاح، فضلاً عن السياق الإقليمي العام والذي شهد تراجعاً كبيراً للمحور الإيراني في المنطقة، وسعي إسرائيل والولايات المتحدة إلى تقليم أظافر إيران في الشرق الأوسط، بما يعكس أنّ مسألة نزع سلاح حزب الله اللبناني سوف تتجاوز في تداعياتها وتأثيراتها الداخل اللبناني، لتكون مرتبطة بتغيرات أشمل قد تشهدها منطقة الشرق الأوسط على المدى القريب والمتوسط.


خبير في الأمن الإقليمي. باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات



شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا