التقارير الخاصة

الألغام تصنع جيلاً جديداً من المعاقين في اليمن

فتى يمني فقد ساقه الأصلية، وحصل على ساق صناعية، بسبب انفجار لغم في الخوخة بالحديدة (لمركز سوث24 بواسطة مشروع مسام السعودي لنزع الألغام)

آخر تحديث في: 05-08-2025 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن

"المدنيون، من رعاة ومزارعين وربات منازل، أصبحوا أهدافاً مباشرة لألغام لا تفرّق بين خطوات مقاتل وممر سيدة تقود قطيعها.."

مركز سوث24 | أفراح بورجي


لم يكن خدام علي دوبلة، الشاب الثلاثيني من مديرية الخوخة جنوب محافظة الحديدة، يعلم أن خروجه المعتاد لرعي الأغنام في العام 2022 سيكون نقطة فاصلة في حياته. خرج برفقة صديقه كما اعتاد، دون أن تلوح في الأفق أي علامة خطر. لكن الأرض التي سارت عليها قدماه كانت مفخخة. انفجر به لغم أرضي مزروع عشوائياً، فبُترت ساقاه في لحظة واحدة، وبدأت معها حياة جديدة عنوانها الإعاقة والعجز.


قصة خدام ليست استثناءً، بل واحدة من آلاف القصص التي تنتجها الألغام يومياً في اليمن. ففي الوقت الذي هدأت فيه أصوات المدافع في بعض الجبهات، لا يزال الموت الكامن تحت الأرض يعمل بصمت، ليصنع جيلاً جديداً من المعاقين، ويدفع ثمنه مدنيون لا علاقة لهم بساحات القتال. أطفال يلعبون، نساء يبحثن عن الحطب، رعاة ومزارعون يسيرون في طرقات مألوفة، فجأة يجدون أنفسهم بلا أطراف، أو بصر، أو قدرة على الحركة.



فقد خدام طرفاه السفليتان بسبب انفجار اللغم (صورة لمركز سوث24 من الشخص نفسه)


وفي ظل غياب خرائط دقيقة لمواقع الألغام، وقيود مشددة على فرق نزعها، تتسع رقعة الخطر وتتقلص معها فرص الوقاية. وتعجز السلطات المحلية والمنظمات الدولية عن مواكبة الاحتياجات الطبية والنفسية المتزايدة للضحايا، في ظل ضعف التمويل وغياب الرؤية المؤسسية طويلة الأمد.


هذا التقرير يسلط الضوء على أبعاد هذه الكارثة الممتدة، عبر شهادات مباشرة من الضحايا، وتحليلات رسمية من مختصين، وإحصائيات تكشف حجم التهديد الذي تفرضه الألغام على المجتمع اليمني، لا سيما في المحافظات الأكثر تلوثاً، حيث من ينجو من الموت قد لا ينجو بالضرورة من الإعاقة والتلف الدائم.


ضحايا حرب لم يخوضوها 


في القرى والمزارع وعلى أطراف المدن اليمنية، لم يعد الخطر محصورًا في خطوط التماس أو جبهات القتال. المدنيون، من رعاة ومزارعين وربات منازل، أصبحوا أهدافاً مباشرة لألغام لا تفرّق بين خطوات مقاتل وممر سيدة تقود قطيعها. قصصهم متكررة، ووجعهم واحد.


في محافظة الحديدة، خرجت صفية سالم، وهي امرأة تبلغ من العمر 44 عامًا من سكان مديرية بيت الفقيه، في ظهيرة أحد أيام عام 2023، كعادتها لتفقد قطيع الأغنام. وبينما كانت تحاول إعادته إلى الطريق الآمن، انفجر بها لغم أرضي. استفاقت صفية على فاجعة غيّرت مجرى حياتها؛ فقدت يدها اليمنى وساقها اليسرى، ومعهما فقدت قدرتها على العمل والتحرك. لم تكن تحمل سلاحاً، ولم تكن جزءاً من أي صراع، بل امرأة بسيطة خرجت خلف قطيعها، فعادت محمولة بلا أطراف.


وفي حديثه لمركز سوث24 قال ابن عمها، أحمد علي: "كنا نسمع عن الألغام، لكن ما كنا نظن أنها بتقرب من أماكننا. يوم الحادث، ما قدرنا نصدق إن صفية فقدت أطرافها. كانت إنسانة نشيطة وتشتغل من الصباح، واليوم ما تقدر تتحرك إلا بمساعدة، حياتها تغيرت بالكامل."



طفل يمني فقد أحد أطرافه بسبب انفجار لغم في الحديدة (لمركز سوث24 بواسطة مشروع مسام السعودي لنزع الألغام)


وفي محافظة لحج، كان محمد شجير، 38 عامًا، يعمل في رعي الأغنام في منطقة الصبيحة. في عام 2018، خرج للبحث عن اثنتين من مواشيه، فتجاوز المسار الذي اعتاد السير فيه، ليجد نفسه في منطقة زرعت فيها الألغام مسبقًا. انفجر به لغم، نُقل على إثره إلى مستشفى، وهناك أدرك أنه فقد ساقه اليمنى. 


محمد يعيل ثلاثة أطفال وزوجته، ووصف لمركز سوث24 حالته بعد الإصابة بقوله: "أصبحت معاقًا لا أستطيع العمل لتوفير لقمة العيش لأسرتي... تدهورت حالتي النفسية والاقتصادية، وأنا أرى أطفالي يريدون شيئا وما بيدي شيء أوفره لهم."


وفي شبوة، الطفل عثمان خرج عام 2018 ليجلس قرب منزله الذي عاد إليه بعد النزوح. لم يكن يعلم أن المنطقة التي تحررت من جماعة الحوثيين ما تزال مفخخة. انفجر به لغم أرضي زرع بجوار منزله، ما أدى إلى فقدان ساقه اليمنى وأصابع قدمه اليسرى. تعرّض لشلل جزئي منعه من الحركة، وغاب عن المدرسة لعامين كاملين.


وفي منطقة "التوفير" شرق محافظة تعز، خرجت الطفلتان ندى ونداء في عام 2022 لجمع الحطب، في محاولة بسيطة لمساعدة والدتهما. لم تدرِ الفتاتان أن الأرض التي تسيران عليها مزروعة بالموت. انفجر بهما لغم أرضي، لتصاب ندى إصابات بالغة في عينها اليسرى ويدها اليمنى، بينما أصيبت نداء بشظايا تسببت في قصور بعضلات ساقيها، مما أعاق حركتها.


في حديثها لمركز سوث24، قالت والدة ندى إن ابنتها كانت مجتهدة ونشيطة في مدرستها، ولا تمل من أداء واجباتها، لكنها اليوم تعاني من صعوبة في الكتابة وتحاول استخدام يدها اليسرى دون جدوى، بعدما فقدت يدها اليمنى القدرة على أداء المهام المعتادة. تلك الحادثة غيرت مجرى حياتهما بالكامل، وحوّلتهما من طفلتين طبيعيتين إلى حالتين طبية ونفسية معقدة.



طفل يمني فقد أحد أطرافه بسبب انفجار لغم في مأرب (لمركز سوث24 بواسطة مشروع مسام السعودي لنزع الألغام)


وفي محافظة الحديدة، لم يكن الطفل ريان قاسم يعلم أن لعب كرة القدم بالقرب من منطقة "منظر" في عام 2023 سيكون نهاية لحلمه. انفجر به لغم، ففقد على إثره ساقيه ويده اليسرى. تقول أسرته إن حالته النفسية تدهورت، ولم يعد قادرًا على الذهاب إلى المدرسة أو اللعب مع الأطفال.


أما أمنة، طفلة من مديرية ماهلية بمحافظة مأرب، انفجر بها لغم في الأول من أغسطس 2024 أثناء عودتها إلى المنزل. دخلت شظايا الانفجار إلى عينيها، وفقدت قدرتها على الرؤية. تقول والدتها إن أمنة خضعت لعدة عمليات، ولا تزال بحاجة إلى زراعة قرنية لاستعادة بصرها. 


في كل هذه الحالات، لم يكن الضحايا منخرطين في أي نشاط عسكري أو سياسي. لم يحملوا سلاحًا، ولم يخترقوا جبهات. كانوا يسعون خلف الرزق، أو يعودون إلى منازلهم، أو يجلسون أمام أبوابهم. ومع ذلك، وجدوا أنفسهم ضحايا مباشرة لحرب لم يشاركوا فيها، ولا يعلمون متى ستنتهي أو من يزرع الموت تحت أقدامهم.



ألغام نزعت من الأرض بواسطة فرق هندسية (لمركز سوث24 بواسطة مشروع مسام السعودي لنزع الألغام)


وأشار الطبيب النفسي د. صخر الشدادي لمركز سوث24 أن هذا الواقع: "ينتج آثار نفسية كثيرة مترتبة على ضحايا الألغام، كون المصاب تنقلب حياته من شخص يعيش حياته ببساطة إلى معاق لا يقوى على المشي والحركة في الأيام القادمة له. هنا يُصاب الضحية بالإحباط والاكتئاب، مما يؤدي إلى اضطرابات نفسية عديدة طويلة الأمد."




وفي ظل غياب منظومة وطنية شاملة لرصد وتوثيق ضحايا الألغام في اليمن، تبقى الأرقام الرسمية غير قادرة على عكس الحجم الحقيقي للكارثة. فالمسافات الجغرافية، وانعدام الوصول الآمن، والقيود المفروضة في بعض المناطق، تعيق جمع البيانات الدقيقة، وتُخفي خلف الأرقام المعلنة مئات الحالات التي لم تُسجل.


ويؤكد غالب القديمي، راصد اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات حقوق الإنسان في محافظة الحديدة لمركز سوث24 أن "أعداد المصابين بسبب الألغام تتجاوز الألف، لكن اللجنة لا توثق إلا من تم اللقاء بهم أو بذويهم مباشرة، مما يجعل الأرقام غير شاملة، خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين."


وأضاف القديمي أن الألغام المستخدمة في الوقت الحالي أكثر خطورة من ذي قبل، موضحًا: "بعد تحويل ألغام الدبابات إلى ألغام تنفجر بأي حركة، أصبحت أكثر فتكاً. المشكلة أن القوانين الدولية لا تجرّم هذا النوع، ما يزيد من تعقيد الوضع."


وتُعد محافظات تعز، الحديدة، البيضاء، الجوف، ومأرب من أكثر المحافظات تضررًا من الألغام، مع تباين الفئات المستهدفة بحسب طبيعة كل منطقة. ففي الحديدة مثلاً، يتركز الضرر على الرعاة والمزارعين، بينما تتضرر في تعز أحياء مدنية مكتظة بالسكان.


كما أن معظم الناجين من حوادث الألغام، بحسب القديمي، يعانون من إعاقات دائمة، في ظل غياب العناية الطبية المناسبة، وتقصير كبير من قبل المجتمع الدولي في توفير دعم حقيقي للضحايا.


أزمة الأطراف الصناعية، وغياب الخرائط


في ظل الأعداد المتزايدة من المصابين بإعاقات جسدية نتيجة انفجارات الألغام، تبرز الحاجة الماسة لتوفير الأطراف الصناعية كأحد أهم وسائل التخفيف من معاناة الضحايا. غير أن الإمكانيات المتاحة في اليمن لا تواكب حجم الكارثة، وتعاني المرافق المتخصصة من شحّ التمويل، وغياب الاستدامة، وارتفاع تكاليف الاستيراد.


الدكتور عبدالله القيسي، مدير إدارة الأطراف الصناعية بوزارة الصحة العامة اليمنية، أوضح في تصريح لمركز سوث24 أن الوزارة تواجه تزايداً غير مسبوق في أعداد الضحايا في عدة محافظات، ما دفعها إلى عقد ورشة عمل واسعة خلُصت إلى توصيات عاجلة، كان أبرزها التوسع في بناء مراكز جديدة للأطراف الصناعية في شبوة، وأبين، والمخا (تعز)، لتلبية الاحتياجات المتزايدة، مشيراً إلى أن هذه الأطراف ليست دائمة الاستخدام، بل تحتاج إلى استبدال دوري مع مرور الوقت.



وأشار القيسي إلى أن أبرز التحديات التي تعرقل توفير الأطراف الصناعية تتمثل في: "شحّ الموازنات التشغيلية وارتفاع كلفة الاستيراد... الأطراف الصناعية تُستورد بالعملة الصعبة، والدولة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية عاجزة عن توفير التمويل، ولذلك نعتمد اعتماداً شبه كلي على دعم المنظمات الإنسانية مثل مركز الملك سلمان، ومنظمة هانديكاب، واللجنة الدولية للصليب الأحمر."


كما أسهب القيسي في الحديث عن الأثر النفسي العميق لفقدان الطرف، خصوصاً لدى الأطفال، مؤكداً أن مراكز الوزارة لا تقتصر على الجانب الجسدي، بل تقدم كذلك دعماً نفسياً واجتماعياً شاملاً، رغم تواضع الإمكانيات.


واختتم القيسي تصريحه بتوصية واضحة للجهات الرسمية، دعا فيها إلى: "إصدار قرار جمهوري بإنشاء هيئة عليا للجرحى وذوي الإعاقات، تُمول عبر صندوق دعم مستقل وتكون لها فروع في كافة المحافظات، لضمان استمرارية الرعاية والخدمات التأهيلية لهذه الفئة المنسية من المجتمع."


ورغم تصاعد المخاطر المرتبطة بالألغام الأرضية والعبوات غير المنفجرة، لا تزال الجهود المبذولة لنزعها وتحديد مواقعها تواجه تحديات هيكلية، في مقدمتها غياب الخرائط الدقيقة، وصعوبة الوصول إلى المناطق المشتبه بتلوثها، خاصة تلك الواقعة ضمن نفوذ الأطراف المسيطرة عسكرياً.


وفي تصريح رسمي لمركز سوث24، أوضحت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (UNMHA) أنها لا تمتلك إمكانية الوصول إلى المناطق المشتبه بتلوثها بالألغام، كما لا تتوفر لديها بيانات دقيقة أو محدثة بشأن أماكن زرع الألغام بعد اتفاق ستوكهولم. وترجع البعثة ذلك إلى القيود الأمنية الصارمة التي تفرضها السلطات المسيطرة في تلك المناطق، سواء التابعة لجماعة الحوثيين أو الجهات الحكومية.




ورغم الطلبات المتكررة التي وجهتها البعثة إلى الطرفين للحصول على خرائط توضح مواقع الألغام، إلا أنها لم تستلم أي خرائط رسمية، ما يزيد من صعوبة تقييم المخاطر، ويُعقّد عملية التنسيق الفني واللوجستي مع الجهات الدولية المختصة.


كما أشارت البعثة إلى وجود تنسيق غير رسمي يجري بينها وبين مشروع "مسام" السعودي لنزع الألغام، إلا أن هذا التعاون لا يشمل تبادل تقارير مرحلية أو خرائط ميدانية، مما يُقيّد جدوى التنسيق ويقلص أثره.


في المقابل، تبذل البعثة جهوداً لتعزيز التعاون مع عدد من الوكالات الدولية، من بينها: اليونيسف، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتهدف هذه الجهود إلى تأمين المساحات المدنية وتبادل المعلومات الحيوية، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية.


مشروع مسام السعودي


منذ انطلاقه في عام 2018، يمثل مشروع "مسام" السعودي لنزع الألغام أحد أبرز المبادرات العاملة في الميدان اليمني لمواجهة التلوث الواسع بالألغام والعبوات الناسفة ومخلفات الحرب. ومع ذلك، تكشف الأرقام الرسمية للمشروع عن حجم مرعب للمشكلة، لكن مع جهود توصف بالجبارة.


وفي حديثه لمركز سوث24، أشار مدير عام المشروع، أسامة القصيبي، إلى أن فرق "مسام" تمكنت حتى نهاية يونيو 2025 من: "تطهير 67,971,272 مترًا مربعًا من الأراضي الملوثة، إلى جانب نزع 502,736 لغماً وذخيرة غير متفجرة وعبوة ناسفة."



تمشيط حقل ألغام (لمركز سوث24 بواسطة مشروع مسام السعودي لنزع الألغام)


وبحسب القصيبي، فإن محافظة تعز تتصدر قائمة المحافظات الأكثر تضررًا، تليها شبوة، الجوف، الحديدة، ولحج، ثم محافظات الضالع، البيضاء، صعدة، صنعاء، وأبين. ويوضح أن المشروع يتعامل مع نوعين رئيسيين من الألغام:


• ألغام مضادة للأفراد

• ألغام مضادة للدبابات


ويضيف القصيبي أن آلية الاستجابة لأي بلاغ عن منطقة يُشتبه بتلوثها تمر بعدة مراحل:

"عند تلقي البلاغات، نعمل بالتنسيق مع السلطة المحلية لبدء تمشيط المنطقة، وتحديد خطة العمل، والوقت المتوقع للتطهير، والأدوات اللازمة، وعدد الفرق العاملة، وفقًا لمساحة المنطقة وطبيعتها وتضاريسها."


ويمتلك المشروع حالياً 32 فريقًا ميدانيًا متخصصًا في عمليات الكشف والإزالة، منتشرين في مناطق متعددة، يعملون وسط ظروف بالغة الخطورة، في ظل غياب الخرائط والمعلومات الدقيقة.


وتعد حملات التوعية المجتمعية واحدة من الأدوات القليلة المتاحة لتقليل الخسائر البشرية، لا سيما في أوساط الفئات الأكثر عرضة للخطر، كالأطفال والنساء وسكان المناطق الريفية.




وفي هذا الصدد، لفت القصيبي، إلى أن فرق المشروع تواصل تنفيذ حملات توعية ميدانية منتظمة تستهدف مختلف فئات المجتمع في المدارس، والساحات العامة، والقرى النائية.


وتغطي الحملات مواضيع متعددة، منها التعرف على أشكال الألغام، وطرق التبليغ الآمن، وكيفية تجنّب الأجسام الغريبة، لا سيما في المناطق المحيطة بالمدارس، والأسواق، ودور العبادة، وآبار المياه.


ورغم أهمية هذه المبادرات، إلا أنها تبقى محدودة في التأثير، نظرًا لاتساع نطاق الخطر، وقصور التمويل، وغياب التنسيق المؤسسي الشامل. 


ويوضح أسامة القصيبي هذه المعادلة المؤلمة: "اللغم لا يختار ضحيته، ولا يميز بين رجل وامرأة أو إنسان وحيوان... لذا يجب تكثيف التوعية في المناطق السكنية والمزارع والطرقات، خصوصاً بين الأطفال الذين يُقبلون على اللعب في محيط المنشآت الحيوية."




تُظهر شواهد الواقع أن الألغام في اليمن لم تعد مجرّد بقايا صراع مسلح، بل تحوّلت إلى أداة دائمة لإنتاج المعاقين، في مجتمعٍ يفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية. آلاف المدنيين، من أطفال ونساء ورعاة ومزارعين، خسروا أطرافهم أو بصرهم أو حريتهم الجسدية بسبب ألغام زُرعت في الطرق والمزارع والمنازل دون خرائط، ودون اعتبار لحق الحياة. وفي ظل عجز الدولة، وتقاعس المجتمع الدولي، تبقى هذه المأساة قائمة وتتمدد.


ومن الأهمية بمكان بدء التعامل مع ملف الألغام كأولوية وطنية وإنسانية شاملة، لا بوصفه هامشًا أمنياً أو مهمة إنقاذ ظرفية. إن توفير الخرائط، وإنشاء هيئة مستقلة لرعاية الضحايا، وضمان تمويل دائم لمراكز الأطراف والتأهيل، ليس ترفًا، بل استحقاقٌ أخلاقي وقانوني وإنساني. فكل يوم تأخير يعني ضحية جديدة، وكل خطوة غير محسوبة على الأرض، قد تكون آخر ما يخطوه أحدهم في حياته.


أفراج بورجي

صحفية يمنية مهتمة بحقوق الإنسان وقضايا المرأة والمجتمع 


يأتي هذا التقرير ضمن مشروع ممول من "صندوق العمل العاجل" (Urgent Action Fund)، بهدف تسليط الضوء على القضايا المناخية والبيئية وقضايا المرأة وذوي الإعاقة.



شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا