متظاهرون يقطعون الشارع العام بمدينة المكلا 29 يوليو 2025 (المصدر: ناشطون)
آخر تحديث في: 03-08-2025 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
|
"في ظل غياب مؤشرات جدية على تنفيذ الإصلاحات الموعودة، تبدو الأوضاع مرشحة لمزيد من التوتر. فالأزمة لم تعد مجرد ملف خدمي، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمدى قدرة الدولة على استعادة ثقة الشارع.."
مركز سوث24 | عبد الله الشادلي
اجتاحت محافظة حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن، خلال الأسبوع الأخير من يوليو الماضي، وحتى اليوم، موجة متصاعدة من الغضب الشعبي، عبّرت عنها احتجاجات جماهيرية واسعة في مدن الساحل والوادي، على خلفية انقطاعات حادة للتيار الكهربائي وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة والأسعار، وسط انهيار متسارع في قيمة العملة المحلية.
وتحوّلت مدينة المكلا، مركز المحافظة، إلى بؤرة مركزية للحراك الشعبي، في مشهد امتد سريعًا إلى مدن مثل سيئون وتريم والقطن. الشعارات المرفوعة عبّرت بوضوح عن الغضب من غياب المعالجات الحكومية، والعجز عن توفير أبسط مقومات الحياة. ومع تصاعد الدعوات إلى العصيان المدني، بدا أن الأزمة تجاوزت بعدها الخدمي، لتلامس عمق الانقسام بين القوى السياسية والاجتماعية في حضرموت، وتكشف أزمة ثقة متجذّرة تجاه المؤسسات الرسمية، سواء على مستوى السلطة المحلية أو مجلس القيادة الرئاسي.
في الخلفية، تتصاعد اتهامات متبادلة بين السلطة المحلية من جهة، ومكونات بارزة مثل حلف قبائل حضرموت التابع للشيخ عمرو بن حبريش ومؤتمر حضرموت الجامع من جهة أخرى، بشأن المسؤولية عن تعطيل الخدمات، وتحديدًا أزمة الوقود. وترافق ذلك مع تحذيرات من انفلات الوضع وخروجه عن السيطرة، في وقت لم تُفعّل فيه الإصلاحات الموعودة، ولا سيما ما تضمّنته "مصفوفة المطالب" التي تعهد مجلس القيادة الرئاسي بتنفيذها منذ مطلع العام.
الأسباب الجوهرية للاحتجاجات
منذ يوم الأحد 27 يوليو الماضي، انفجرت موجة الغضب الشعبي في محافظة حضرموت على وقع أزمة كهرباء خانقة، وصلت فيها الانقطاعات المتواصلة إلى أكثر من 48 ساعة، تحديدًا في مدينة المكلا ومدن وادي حضرموت، وسط درجات حرارة مرتفعة فاقمت معاناة السكان. لكن هذا الانفجار لم يكن استجابة لحالة طارئة، بل نتيجة مباشرة لتدهور طويل الأمد في الخدمات الأساسية، وتجاهل مستمر للمطالب المحلية من قبل السلطات.
مُتعلق: قطاع الكهرباء في حضرموت: بين صراع النفوذ وتهميش الاستثمار
الاحتجاجات التي تعد الأوسع في حضرموت منذ أعوام لم تقتصر على رفع شعارات أو إغلاق طرق وإحراق إطارات، بل شملت اقتحام ديوان المحافظة، تنظيم وقفات نسائية أمام ميناء المكلا، وتوسعت لتشمل مدنًا رئيسية مثل سيئون وتريم والقطن. كما تصاعدت الدعوات إلى العصيان المدني، مما أدى لشلل في الحياة العامة.
وتعليقًا على عمق الأزمة، قال د. عمر باجردانة، رئيس مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، أن ما تشهده حضرموت ليس استثناءً بل جزء من مشهد أوسع يشمل كافة محافظات الجنوب.
مضيفًا لمركز سوث24: "الأسباب التي دفعت أبناء حضرموت للخروج في احتجاجات واسعة مؤخرًا تتشابه إلى حد كبير مع تلك التي دفعت سكان عدد من محافظات الجنوب الأخرى إلى التظاهر، وعلى رأسها تردي الخدمات، وفشل المجلس الرئاسي والسلطات المحلية في أداء واجبهم تجاه المواطنين."
وتابع، "الوضع المعيشي في الجنوب بلغ حدًا من التدهور جعل الناس لا يرون أمامهم سوى خيار الاحتجاج. هذا التراكم في الفشل الخدمي والإداري، ومعه الغياب شبه الكامل للمعالجات الحقيقية، هو ما فجّر الحراك الحالي، وجعل من حضرموت نموذجًا مصغرًا لأزمة وطنية أكبر".
واعتبر العميد سعيد المحمدي، رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، أن ما تشهده مدن الساحل والوادي، وفي مقدمتها المكلا، هو نتيجة مباشرة لفشل السلطات في تلبية الحد الأدنى من متطلبات المواطنين.
وقال لمركز سوث24: "إن أبناء حضرموت، شأنهم شأن بقية أبناء محافظات الجنوب، يرزحون تحت وطأة انهيار الخدمات والانهيار المتواصل للعملة، ما جعل حياتهم اليومية أكثر صعوبة. وحين غابت استجابة الدولة لمعالجة هذه الأوضاع، بات من الطبيعي أن يخرج المواطنون للتعبير عن غضبهم."
من جهته، أوضح د. عبدالعزيز صالح جابر، رئيس الدائرة السياسية لمؤتمر حضرموت الجامع، وهو مكون سياسي يرأسه الشيخ القبلي عمرو بن حبريش ويعد الجناح السياسي لحلف القبائل، عن موقفهم تجاه ما وصفه بـ "التدهور المعيشي والخدمي".
وأضاف لمركز سوث24: "إن موقف المؤتمر واضح تجاه تصاعد الاحتجاجات الشعبية في حضرموت، ونعتبرها ردًّا طبيعيًّا على التدهور المعيشي والخدمي، خصوصًا في الكهرباء والمياه، وسط غياب أي معالجات فعلية من الجهات المعنية."
وأشار جابر إلى أن المؤتمر كان قد حذّر منذ عام من تدهور الوضع، مطالبًا بتدخل عاجل دون أن يجد أي استجابة، مؤكدًا على شرعية التحركات الحالية: "الاحتجاجات السلمية حق مشروع كفله الدستور والقانون، ونرفض أي محاولات لقمعها أو حرفها عن مسارها السلمي."
فشل تنفيذ مصفوفة المطالب
رغم تعهدات مجلس القيادة الرئاسي في يناير 2025 بتنفيذ ما عُرف بـ "مصفوفة مطالب حضرموت"، التي جاءت نتيجة مفاوضات وضغوط مجتمعية وسياسية، إلا أن معظم بنود هذه المصفوفة بقيت حبرًا على ورق. وقد عمّق هذا الفشل شعور أبناء المحافظة بالتهميش، ودفع مكونات فاعلة إلى التشكيك في جدية الدولة تجاه التزاماتها.
وأعاد د. عبدالعزيز صالح جابر تسليط الضوء على هذه القضية الجوهرية في خضم الاحتجاجات الأخيرة، مؤكدًا أن المصفوفة مثّلت الحد الأدنى من حقوق حضرموت، لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ. مردفًا: "تحدثنا عن مصفوفة المطالب التي أُعلن عنها في 7 يناير، والتزم بتنفيذها مجلس القيادة الرئاسي، وعبّرت عن الحد الأدنى من حقوق حضرموت في الشراكة والتمكين والسيادة على قرارها وثرواتها."
وأشار جابر إلى أن "المشكلة لم تتوقف عند عدم التنفيذ للمصفوفة حتى الآن، بل تمثلت أيضًا في غياب أي جدول زمني واضح لتحقيق ما ورد في المصفوفة، ما فتح الباب أمام اتساع الهوة بين السلطة والمجتمع المحلي".
الانقسام السياسي وأزمة الوقود
وسط تصاعد الاحتجاجات في حضرموت، برزت أزمة الوقود كعنوان صدامي جديد بين القوى المحلية، ما كشف حجم الانقسام السياسي والشلل الإداري العميق. ومع تفاقم الانقطاعات في الكهرباء، تبادلت السلطة المحلية من جهة، وحلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع من جهة أخرى، الاتهامات بشأن المسؤولية عن عرقلة وصول شحنات الوقود إلى المحطات.
السلطة المحلية ألقت باللائمة على أطراف محسوبة على الشيخ عمرو بن حبريش، متهمة إياها بعرقلة إمدادات الوقود، وهي رواية سارعت قيادات مؤتمر حضرموت الجامع إلى نفيها بشكل قاطع.
ورفض د. عبدالعزيز صالح جابر هذه الاتهامات، قائلًا "إنها باطلة ولا أساس لها من الصحة". مضيفًا: "حلف القبائل بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش حريص على المواطنين واستقرار الخدمات."
ووصف جابر تلك المزاعم بأنها محاولة للتغطية على الإخفاق الحكومي. مضيفًا: "ما يُروّج من مزاعم ضد الشيخ بن حبريش ليس سوى محاولة لتغطية الإخفاقات الحقيقية في إدارة ملف الخدمات، وفي مقدمتها الكهرباء، عبر إشاعات مغرضة وافتعال خصومات سياسية".
ودعا جابر إلى "فتح تحقيق مستقل وشفاف في ملف وقود الكهرباء، ونشر البيانات بالأرقام والمستندات حول كميات الوقود الموردة وآليات توزيعها، مع توضيح مصير تلك الكميات وأسباب استمرار تدهور الخدمة".
أما من جهة المجلس الانتقالي الجنوبي، فقد عبّر العميد سعيد المحمدي عن قناعة مختلفة، محذرًا من أن الأزمة تتجاوز ملف الوقود لتعبّر عن صراع نفوذ مزمن داخل المحافظة. وقال: "حضرموت تعيش منذ أكثر من عام أزمة مصطنعة ناجمة عن صراع نفوذ بين السلطة المحلية وما وصفها بـ 'جماعة الهضبة'."
وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة، وجّه المحمدي رسالة تهدئة: "أوجه دعوة جديدة لجماعة الهضبة [تيار بن حبريش] إلى تغليب لغة العقل والمسارعة بنزع فتيل التوتر. ونحن في المجلس الانتقالي مستعدون لتجديد مبادرات التقارب مع السلطة المحلية بما يضمن تحقيق مصالح أبناء حضرموت ويحفظ أمنها واستقرارها."
غير أن واقع الأرض لا يعكس انفراجة قريبة، خصوصًا في ظل استمرار التصعيد. ففي 31 يوليو، أعلن حلف قبائل حضرموت عن تخرج دفعة عسكرية جديدة من "اللواء الأول بقوات حماية حضرموت"، وهو تشكيل عسكري غير تابع رسميًا للدولة، مما أثار حفيظة السلطات التي حذّرت مسبقًا من قيام أي مكونات محلية بإنتاج كيانات مسلحة خارج القانون.
من جهته، يرى د. عمر باجردانة أن هذا التداخل في الملفات يؤكد أن أطراف النزاع تستثمر في الأزمة: "الأزمة الحالية تبدو وكأنها تُدار من قبل طرفي النزاع في المحافظة، وهما حلف قبائل حضرموت والسلطة المحلية، بحيث يستفيد كل طرف من الأزمة ويوظفها لصالحه."
وأضاف: "الطرفان يتبادلان الاتهامات حول عرقلة وصول الوقود كتكتيك سياسي ومحاولة لتوظيف ملف الخدمات، وخصوصًا الكهرباء، كورقة ضغط وابتزاز في صراعهما على النفوذ والتمثيل، ما يعكس أزمة أعمق في بنية السلطة وفقدان الحس بالمسؤولية تجاه المواطنين."
ولفت باجردانة، إلى أن مواقف القوى السياسية والقبلية تجاه الاحتجاجات تنبع من ارتباطها المباشر بالسلطة، مشيرًا إلى أن كل طرف يتعامل مع الشارع وفقًا لحجمه السياسي وموقعه داخل منظومة الحكم.
في هذا السياق، أبرز باجردانة موقف حزب التجمع اليمني للإصلاح، بوصفه واحدًا من أكثر الأطراف المؤيدة للاحتجاجات، وفسّر هذا الموقف بانعدام تمثيل الحزب داخل السلطة الحالية.
مضيفًا: "جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة في حزب التجمع اليمني للإصلاح، تقف اليوم بوضوح في صف المحتجين، لأنها لم تحظَ بأي تمثيل يُذكر في المجلس الرئاسي أو السلطات المحلية، وتسعى من خلال دعم هذه الاحتجاجات إلى توظيفها سياسيًا لصالحها."
المشهد الأمني وتعامل القوات مع الاحتجاجات
رغم اتساع رقعة الاحتجاجات في مدن الساحل والوادي، لم تنزلق حضرموت نحو العنف الشامل، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى تعامل قوات النخبة الحضرمية والأجهزة الأمنية بـ "انضباط نسبي"، وسط تحذيرات من تسلل عناصر مشبوهة قد تستغل الحراك السلمي لصالح أجندات خارجة عن مطالب المواطنين.
ولم تسجل إلا حالة وفاة واحدة لمواطن برصاص الأمن في 31 يوليو، بمديرية تريم.
العميد المحمدي، أشاد بهذا الأداء الأمني، معتبرًا أن القوات تعاملت بحكمة مع الاحتجاجات رغم الاستفزازات. مضيفًا: "نقدّر المواقف المسؤولة لقوات الأمن وقوات النخبة الحضرمية التي تعاملت بانضباط وحكمة مع المظاهرات، رغم الاستفزازات التي تعرضت لها من بعض المندسين."
وطالب المحمد يتكثيف الجهود الاستخباراتية لرصد تلك العناصر وكشف الجهات التي تقف خلفها.
ورغم اختلاف مواقعها ومواقفها، اتفقت القوى المحلية على ضرورة حماية المحتجين والممتلكات، وهو ما أكده مؤتمر حضرموت الجامع أيضًا، على لسان د. عبدالعزيز جابر، الذي طالب بـ "حماية المحتجين من أي اعتداء، وحماية الممتلكات العامة والخاصة."
وحتى اللحظة، لم تتوقف الاحتجاجات في مدن حضرموت، رغم تراجع حدتها أحيانًا، إذ ما تزال الدوافع الأساسية التي أشعلتها قائمة دون معالجة جذرية. استمرار الانقطاعات الكهربائية وتفاقم الأوضاع المعيشية، إلى جانب غياب أي حلول ملموسة من قبل السلطة المحلية أو مجلس القيادة الرئاسي، جعل الشارع يحتفظ بزخمه ويعبّر عن غضبه بطرق سلمية متواصلة.
وفي ظل غياب مؤشرات جدية على تنفيذ الإصلاحات الموعودة، تبدو الأوضاع مرشحة لمزيد من التوتر. فالأزمة لم تعد مجرد ملف خدمي، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمدى قدرة الدولة على استعادة ثقة الشارع، وسط حالة من الجمود السياسي والانقسام بين القوى المحلية، ما يبقي حضرموت في دائرة احتجاجات مفتوحة على احتمالات متعددة.
قبل 3 أشهر
قبل 12 ساعة
قبل 5 أيام