التقارير الخاصة

الريال اليمني ينتعش وسط الشكوك والآمال.. فهل يدوم؟

AHMAD AL-BASHA/AFP

آخر تحديث في: 02-08-2025 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol
"تتجه الأنظار إلى الأيام المقبلة لاختبار مدى التزام كبار التجار والموردين، مثل مجموعة هائل سعيد أنعم، بترجمة التحولات النقدية إلى خفض فعلي للأسعار، وسط وعود حكومية بالمحاسبة.."

مركز سوث24 | عدن


سجّل الريال اليمني في العاصمة عدن بجنوب اليمن، يوم السبت 2 أغسطس 2025، أفضل أداء له منذ عام، مع تراجع سعر صرف الدولار الأميركي إلى نحو 1,528 ريالًا للشراء و1,680 للبيع، مقارنة بذروته التي بلغت 2,838 ريالًا قبل أيام فقط، في أعلى مستوى انهيار للعملة المحلية بتاريخ البلاد. وبالمقابل، انخفض سعر الريال السعودي إلى نحو 400 ريالًا يمنيًا للشراء و450 للبيع.


وجاء هذا التحسن اللافت وسط احتجاجات واسعة في محافظة حضرموت، وبعد سلسلة من الإجراءات الحكومية المفاجئة، التي شملت إغلاق عشرات شركات الصرافة غير المرخصة، وتفعيل آليات تنظيم تمويل الاستيراد، فضلًا عن نظام المدفوعات الذي يعتزم البنك المركزي في عدن تفعيله بدعم دولي. وقرب استئناف عمل مصافي عدن جزئيًا خلال هذه الأيام. كل هذا وسط تساؤلات شعبية وخبراء اقتصاديين حول مدى صمود هذا التحسن في ظل هشاشة الوضع المالي وانقسام السلطات النقدية في البلاد.


وشهدت السوق المصرفية تراجعًا ملحوظًا في المضاربات، مدعومًا بالمعلومات عن قرب تفعيل نظام المدفوعات وربطه بالبنك المركزي بعدن، وهي خطوة طالما طالب بها خبراء ماليون منذ بدء الانقسام النقدي بين عدن وصنعاء الخاضعة للحوثيين. 


ورغم التحسن المشوب بالحذر والتساؤلات، يسود غياب اليقين بشأن اعتباره مؤشرًا على تعافٍ اقتصادي دائم. مع تحذيرات من هذا أن التحسن إذا لم يُستثمر في إصلاحات أعمق على صعيد المالية العامة، ودعم القدرة الشرائية للمواطنين، فقد يتحول إلى ارتداد مؤلم يعمق من أزمة الثقة ويعزز المضاربات من جديد.




تحسن حقيقي؟


عبّر أستاذ المالية والاقتصاد السياسي في جامعة عدن، د. محمد جمال الشعيبي، عن شكوكه بشأن واقعية التحسن في سعر الريال اليمني. وقال لمركز سوث24 إن "التحسن المفاجئ في سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية لا يبدو أنه ناتج عن تدخلات اقتصادية حقيقية، مثل زيادة الصادرات أو وصول ودائع نقدية، بل يعكس ـ على الأرجح ـ تفاعلات سياسية مشابهة لتلك التي وقفت خلف الانهيار السابق في سعر العملة". 


وأضاف أن ما شهدته الفترة الماضية من تدهور في قيمة الريال كان بفعل أزمة "مفتعلة" لا تستند إلى مبررات منطقية، معتبرًا أن "التحسن الحالي أيضًا لا يقوم على أسس اقتصادية متينة، ولا أعتقد أن مجرد تحركات أو قرارات خلال فترة قصيرة يمكن أن تُحدث هذا التحول الكبير في قيمة العملة".


ولقياس واقعية التحسن، أشار الشعيبي إلى سعر الوقود، باعتباره مؤشرًا حساسًا لسعر الصرف، وقال: "كان سعر 20 لترًا من الوقود يبلغ 37,800 ريال قبل تحسن سعر الصرف، وبعد التحسن أعلنت شركة النفط عن تعديل السعر إلى 31,000 ريال فقط، أي بانخفاض نسبته نحو 18%، رغم أن التحسن في سعر الريال وصل إلى قرابة الثلث، فهل هذا يعكس فعلاً حساسية السوق لسعر الصرف كما يحدث عند الانهيار."


وأردف: "لو كان التحسن حقيقيًا بالكامل، لكان من المفترض أن يكون سعر الوقود اليوم نحو 25,200 ريال، وليس 31,000، وهو ما يعزز الشكوك بأن ما حدث لا يعكس واقع السوق". وخلص إلى أن "مثلما كان الانهيار في سعر الصرف بفعل فاعل، فإن التحسن الحالي أيضًا جاء بفعل نفس الفاعل، ولكن دون أن يقابله تحسن ملموس في أسعار السلع والخدمات"، متسائلًا عن مدى استمرارية هذا التحسن في غياب العوامل الواقعية.


وفي سياق متصل، عبّر رئيس نقابة الصرافين الجنوبيين، حسين البعسي، عن موقف مماثل، معتبرًا أن "الانخفاض الحاد في سعر صرف العملات الأجنبية خلال الأيام الماضية لا يعكس واقعاً اقتصادياً حقيقياً"، مرجحًا أن يكون ناتجًا عن "جني أرباح من قبل الشركات الكبرى التي كانت قد استعدت لهذا الهبوط". 


وقال لمركز سوث24 إن "البنك المركزي لا يمتلك احتياطيًا نقديًا من العملات الأجنبية أو الذهب، ولا يملك حتى ما يكفي من الأوراق النقدية بالريال لتغطية رواتب الدولة، فكيف يُقال إنه ضخ سيولة في السوق؟ فاقد الشيء لا يعطيه".


 وأكد أنه "لا يوجد أي دعم مالي من دول الخليج خلال هذه الفترة، وبالتالي فإن هذا التراجع في أسعار الصرف لا يستند إلى أي عوامل اقتصادية حقيقية". وأضاف في تحذير: "أعتقد أن الكثير من المواطنين والتجار سيفقدون مدخراتهم بسبب هذا الانخفاض الوهمي. ومن وجهة نظري، فإن السعر الحقيقي للعملات الأجنبية سيتضح خلال شهر من الآن، وسنشهد على الأرجح عودة الأسعار إلى مستوياتها السابقة، إن لم تكن أعلى".


سوق هش


في قراءة أكثر تفصيلًا، وصف رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، هذه التقلبات بأنها "غير طبيعية وتعكس هشاشة السوق النقدية وغياب الاستقرار الحقيقي". 


وقال لمركز سوث24: "المضاربة وفوضى سوق الصرافة لعبتا دورًا رئيسيًا في تعميق الأزمة"، مشيرًا إلى أن "الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي في عدن، بما في ذلك تفعيل لجنة المشتريات وتشديد الرقابة على شركات الصرافة، كان لها أثر إيجابي ملموس".


لكنه شدد على ضرورة استمرار هذه الجهود للقضاء على السوق الموازية المنفلتة. واعتبر أن "شح الموارد من النقد الأجنبي نتيجة توقف تصدير النفط، إضافة إلى أخطاء في السياسات المالية والنقدية، تمثل أبرز العوامل وراء هذا التدهور"، مؤكدًا أن "معالجة هذا الملف أو على الأقل الحد منه من جانب السلطة الشرعية يُعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان استقرار العملة".


وأشار نصر إلى أن دعم البنك المركزي لا يكفي ما لم يُقرن بإصلاحات سياسية، مؤكدًا أن "من المهم دعم البنك المركزي اليمني وتوفير الغطاء السياسي له"، داعيًا إلى "استعادة الموارد وتحقيق الحد الأدنى من الاستدامة المالية". 


وحذر من "الاستمرار في دور المتفرجين والسعي الشهري وراء الرواتب فقط، لأن غياب الحلول المستدامة يهدد أي تحسن في قيمة العملة".


 كما أشار إلى أن "استمرار حالة عدم اليقين والانقسامات بين مكونات الشرعية اليمنية يعرقل أي مسار إصلاحي"، حد وصفه. معتبرًا أن "إصلاح منظومة الشرعية وآليات اتخاذ القرار بإرادة سياسية جادة يُعد الخطوة الأولى قبل أي إصلاح اقتصادي". 


وختم نصر حديثه بتحذير مباشر للمواطنين: "أحذر من الانجرار وراء المضاربة أو الوقوع في فخاخ المتلاعبين بسوق العملة، وعلى من لديهم حسابات لدى شركات الصرافة أن يتوخوا الحذر، لأن ضياع الأموال مسألة وقت في ظل غياب الرقابة الفعالة".


وتزامنًا مع هذه التطورات، أعلنت وزارة الصناعة والتجارة في عدن منذ يوم الخميس عن تنفيذ حملات ميدانية لضبط أسعار السلع ومحاسبة المخالفين، بالتعاون مع السلطات المحلية في العاصمة وبقية المحافظات، لضمان مناسبتها مع تحسن سعر العملة.


وفي تحرك مواز، أجرى رئيس الوزراء سالم بن بريك يوم السبت زيارة إلى وزارة الصناعة والتجارة بعدن، شدد خلالها على ضرورة خفض الأسعار فورًا، مؤكدًا في تصريحات رسمية أن "انخفاض سعر الصرف ليس رقمًا نظريًا، بل يجب أن يشعر به المواطن". 


وفي تغريدة له على منصة إكس (تويتر سابقًا)، قال: "لن نسمح بأن يبقى المواطن أسير جشع بعض التجار"، موجّهًا إنذارًا واضحًا لمن يرفضون تعديل الأسعار بما يتناسب مع الوضع النقدي الجديد.


كما دعا بن بريك إلى تضامن وطني بين الحكومة والتجار والمواطنين لمواجهة الاستغلال ورفع الأسعار غير المبرر، مشيرًا إلى أن الحكومة ستفعّل أدواتها لمحاسبة المتخلفين. وشدّد على أن المعركة الحالية "معيشية واقتصادية"، ولن يكون هناك تهاون مع من يحاولون إفشال جهود الإصلاح المالي وتعطيل ثمار التعافي النقدي.


وفي بيان صدر اليوم السبت، قالت مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه، أكبر مجموعة تجارية في اليمن تحتكر نسبة كبيرة من واردات الغذاء، أنها تتابع باهتمام التغيرات الأخيرة في سوق الصرف، مشيرة إلى أنها بصدد "إعادة تسعير منتجاتها بما يحقق مصلحة المستهلك ويحافظ على استقرار السوق". غير أن البيان لم يتضمّن تعهدًا بخفض فوري للأسعار، بل ربط الأمر بعوامل متعددة منها استقرار العملة بشكل دائم وتوفر الغطاء النقدي للاستيراد، وهو ما اعتبره مراقبون تبريرًا غير كافٍ في ظل الفارق الكبير بين أسعار الصرف السابقة والحالية.


وبينما يشكّك خبراء في واقعية التحسن الأخير للريال اليمني، تبدو الكرة الآن في ملعب الحكومة والمؤسسات الاقتصادية لتثبيت هذا المكسب النقدي وتحويله إلى تحسين حقيقي في معيشة المواطنين. 


في المقابل، تتجه الأنظار إلى الأيام المقبلة لاختبار مدى التزام كبار التجار والموردين، مثل مجموعة هائل سعيد أنعم، بترجمة التحولات النقدية إلى خفض فعلي للأسعار، وسط وعود حكومية بالمحاسبة وتكثيف الرقابة. فإما أن يتحول التحسن النقدي إلى فرصة إصلاح، أو ينقلب إلى خيبة أمل جديدة تعمّق أزمة الثقة بين المواطن والسوق.


- مركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا