التحليلات

هل تعود الولايات المتحدة لاستهداف الحوثيين؟

طائرات F-16 (فايتينغ فالكون) تابعة لسلاح الجو الأمريكي تُجري دورية جوية ضمن نطاق عمليات القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، 15 يوليو 2025

آخر تحديث في: 28-07-2025 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

"دخول إيران على خط دعم الحوثيين من جديد، والضغط الإسرائيلي لاستئناف الهجمات الأمريكية ضد الميليشيا اليمنية، كلها عوامل تشي بأنّ تغيراً ما قد يطرأ على موقف الولايات المتحدة الأمريكية العسكري، لكن هناك عوامل أخرى لا ترجّح ذلك .."

مركز سوث24| محمد فوزي


شهدت الأسابيع الماضية أنماطاً لافتة من التصعيد في منطقة البحر الأحمر، وذلك على وقع عودة ميليشيا الحوثي لاستهداف الملاحة البحرية في المضيق المائي الحيوي، في إطار مقاربة "الحوثي" وما يُطلق عليه "جبهة الإسناد والدعم". وقد دفعت عودة الهجمات الحوثية في البحر الأحمر إسرائيل إلى التحرك على مستويين الأول هو تكثيف الهجمات ضد مواقع الجماعة في اليمن، والثاني هو التحرك لتحفيز  واشنطن من أجل استئناف هجماتها ضد الميليشيا اليمنية. وهي التطورات التي تطرح تساؤلات بخصوص مدى إمكانية استئناف الهجمات الأمريكية على الحوثي، فضلاً عن التداعيات المترتبة على هذا التصعيد الذي تشهده منطقة البحر الأحمر.


أولاً- اتجاهات التصعيد الأخيرة


ارتبطت أهم التطورات الخاصة بجبهة البحر الأحمر، والتطورات المتلاحقة التي تشهدها بمجموعة من المؤشرات الرئيسية، وهي المؤشرات التي يغلب عليها عناصر "التصعيد"، وهو ما يمكن إبرازه في ضوء الآتي:


1- عودة الحوثيين لاستهداف الملاحة البحرية: شهد مسار التصعيد الحوثي تطورات نوعية، حيث عادت الميليشيا اليمنية لاستهداف الملاحة البحرية في البحر الأحمر، عبر هجمات تعد الأخطر خلال الأشهر الأخيرة، على غرار الهجوم الذي حدث في 8 يوليو الجاري. حيث أشارت قوة "أسبيدس" الأوروبية في البحر الأحمر إلى أن هجوماً نفذته ميليشيا الحوثي في اليمن على سفينة "اتيرنيتي" بالبحر الأحمر أسفر عن مقتل 3 بحارة وإصابة شخصين، وذلك بعد ساعات من تنفيذ هجوم آخر على سفينة (ماجيك سيز)، التي ترفع علم ليبيريا وتديرها اليونان. حيث تعرضت السفينة لأضرار من إطلاق نار وصواريخ ومسيرات بحرية و4 قوارب متفجرة يتم التحكم فيها عن بعد. كلا الهجومين تسببا في غرق السفينتين في مياه البحر الأحمر.


من جهته اعتبر عبد الملك الحوثي زعيم الميليشيا اليمنية، في خطاب له في 10 يوليو 2025، أن "العمليات البحرية بإغراق سفينتين من سفن الشركات المخالفة تؤكد ثبات الموقف الحازم في حظر الملاحة على العدو الإسرائيلي طالما استمر العدوان والحصار على غزة" وفق تعبيره، مؤكداً أنّ "ما حصل في البحر الأحمر فيه درس واضح لكلّ شركات النقل البحري التي تتحرك للنقل لصالح العدو الإسرائيلي وأنها ستعامل بالحزم، وأنه لا يمكن السماح لأي شركة تقوم بنقل بضائع العدو الإسرائيلي عبر مسرح العمليات المعلن عنه" وفق تعبيره.


وهنا يجب الإشارة إلى متغيرات شديدة الأهمية، أولها يرتبط بعودة الاستهداف الحوثي للملاحة في البحر الأحمر، وذلك بعد توقف هذا النوع من الهجمات منذ نوفمبر 2024، والثاني يرتبط بما أعلنت عنه السفارة الأمريكية في اليمن من أنّ الحوثيين قاموا باختطاف عدد من أفراد طاقم سفينة Eternity C الناجين عقب الهجوم. أيضاً لا يمكن فصل هذه الهجمات عن إيران، على اعتبار حضور فرضية أن يكون هذا التصعيد بإيعاز من طهران، كنوع من الرد الانتقامي والسعي للتأكيد على استمرار امتلاكها ورقة الأذرع الإقليمية.


2- عمليات حوثية مستمرة ضد إسرائيل: لم تكن عودة استهداف الحوثيين للملاحة البحرية في البحر الأحمر بمعزل عن استمرار هجمات الجماعة داخل العمق الإسرائيلي، حيث بدأ الحوثيون عقب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في 25 يونيو 2025، في تكثيف وتيرة هجماتهم ضد إسرائيل، حيث استهدفوا ما وصفوه بـ  "هدف إسرائيلي حيوي في بئر السبع في 28 يونيو 2025. ومنذ ذلك الوقت شنت المليشيا العديد من الهجمات التي استهدفت العمق الإسرائيلي، ما يعكس تعدد أنماط الهجمات الحوثية، بين الاستمرار في استهداف الداخل الإسرائيلي، وعودة استهداف الملاحة في البحر الأحمر.


3- تحفيز إسرائيل واشنطن لاستهداف الحوثيين: أفادت وسائل إعلام عبرية في 11 يوليو 2025، بأنّ حكومة بنيامين نتنياهو طالبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باستئناف ضرباتها ضد ميليشيا الحوثي في اليمن. وقالت هيئة البث العبرية إنّ " تل أبيب أبلغت واشنطن أنّ هجمات الحوثيين على الملاحة ليست مشكلة إسرائيلية فقط، بل مشكلة عالمية". ودعت إسرائيل الولايات المتحدة إلى "شن هجمات مشتركة أكثر تكثيفاً ضد أهداف نظام الحوثي – ليس فقط بضربات جوية من طائرات مقاتلة إسرائيلية، بل أيضاً بتجديد الهجمات الأمريكية وتشكيل تحالف يضم دولاً إضافية". ونقلت الهيئة عن مسؤول إسرائيلي قوله إنّ "هناك حاجة إلى تحالف أوسع لإعلام نظام الحوثي بأنه في خطر"، في مؤشر لافت عبر عن سعي إسرائيل توظيف التصعيد الحوثي الأخير من أجل إعادة واشنطن إلى مربع التصعيد ضد الميليشيا اليمنية.


اقرأ أيضا: لماذا تفشل إسرائيل في اليمن رغم نجاحها في إيران ولبنان؟


4- تصاعد وتيرة الاستهداف الإسرائيلي للحوثيين: على وقع التصعيد المستمر من ميليشيا الحوثي في الآونة الأخيرة، بدأت إسرائيل في تكثيف وتيرة هجماتها ضد الميليشيا اليمنية. ففي السابع من يوليو 2025، شنت القوات الإسرائيلية هجمات على ما قالت إنها أهداف تابعة للحوثيين في موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، إضافة إلى محطة كهرباء رأس كثيب. وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، استهداف السفينة "جالاكسي ليدر" التي استولى عليها الحوثيون، قائلاً إنها تُستخدم في "أنشطة إرهابية" في البحر الأحمر.  وفي 21 يوليو 2025، أعلن الجيش الإسرائيلي، أنه هاجم ودمر بنى تحتية عسكرية تابعة لميليشيا الحوثي في ميناء الحديدة. وأشار إلى أنه من بين البنى التحتية المستهدفة آليات هندسية تعمل لإعمار بنى الميناء وبراميل وقود وقطع بحرية تستخدم لأنشطة عسكرية وسفن في المجال البحري القريب من الميناء إلى جانب بنى تحتية أخرى تستخدمها الميليشيا الحوثية. 


ويُلاحظ في هذ السياق استمرار التركيز الإسرائيلي على استهداف منظومة البنى التحتية الخاصة بميليشيا الحوثي في اليمن، بما يعبر عن عدم قدرة إسرائيل حتى اللحظة على تحقيق اختراق استخباراتي للجماعة يضمن فاعلية الهجمات على غرار ما حدث في حالة حزب الله اللبناني. كما أن هذه الهجمات الإسرائيلية تأتي في إطار السعي لتحجيم قدرة الجماعة الحوثية على شن هجماتها وإعادة بناء قدراتها. 


5- ضبط شحنة أسلحة إيرانية كبيرة للحوثيين: مثلت أحد التطورات المهمة المرتبطة أيضاً بمسار التصعيد، بما كشفت عنه "المقاومة الوطنية" في الساحل الغربي من أنها "ضبطت في 27 يونيو 2025، أكبر شحنة أسلحة استراتيجية قادمة من إيران إلى الحوثيين". وهي الشحنة التي قالت إنّ وزنها وصل إلى 750 طناً. ويعكس حجم الشحنة سعي إيران للمزيد من الاستثمار العسكري والمالي في الحوثيين، والدخول في مرحلة جديدة من الدعم الإيراني للمليشيا. فضلاً عن كون هذا التطور يعبر عن افتراض سابق مفاده أنّ التصعيد الحوثي الأخير جاء بضوء أخضر إيراني.


اقرأ أيضا: ما هي فرص تجدد الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟



ثانياً- التداعيات بالنسبة لموقف الولايات المتحدة


في ضوء المعطيات السابق الإشارة إليها، يبدو أنّ مسار العمليات الحوثية في البحر الأحمر سوف يأخذ منحى أكثر تصعيداً، مقابل استمرار العمليات الإسرائيلية. لكن دخول إيران على خط دعم الحوثيين من جديد، والضغط الإسرائيلي لاستئناف الهجمات الأمريكية ضد الميليشيا اليمنية، كلها عوامل تشي بأنّ تغيراً ما قد يطرأ على موقف الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى التعامل مع التهديد الحوثي. وفي هذا السياق يمكن القول، إنّ هناك جملة من العوامل التي قد تحفز واشنطن نحو عودة الانخراط في مسار التصعيد ضد الميليشيا اليمنية: 


• أحد العوامل الرئيسية التي قد تُحفز واشنطن من أجل الانخراط في تصعيد جديد ضد الحوثيين، تتمثل في إمكانية نسف المصلحة الأمريكية من التهدئة مع الميليشيا اليمنية، وذلك لاعتبارات عديدة. أولا؛ تهدد هجمات الحوثيين الأخيرة في البحر الأحمر، أحد الخطوط الحمراء التي وضعتها واشنطن في اتفاق التهدئة الذي تم التوصل إليه بوساطة عمانية، بما في ذلك مبدأ حرية الملاحة في الممر المائي. ثانيا؛ يرتبط بحالة التعقيد التي تطغى من جانب على مسار وقف إطلاق النار في غزة، ومن جانب آخر على مسار المباحثات النووية مع إيران، الأمر الذي يعزز من فرص العودة إلى التصعيد بالمنطقة. ثالثا؛ هناك قناعة بدأت تتنامى لدى بعض الدوائر الأمريكية بأن عدم وجود ردع حقيقي لميليشيا الحوثي يسبب مضار اقتصادية وأمنية أكبر بكثير من أي حسابات سياسية تدفع باتجاه التهدئة. 


• أيضاً لا يمكن فصل فرضية عودة الهجمات الأمريكية ضد الحوثيين، عن بعض المتغيرات الأخيرة إقليمياً ودولياً، حيث أنّ "ترامب" استطاع الوصول إلى صيغة مع الجانب الأوروبي ترفع عن كاهل واشنطن مسألة تسليح أوكرانيا وتمويل هذه العمليات. كذلك فإنّ تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، يدفع باتجاه تقليل المخاطر الناجمة عن أي تصعيد محتمل مع الحوثيين، خصوصاً على مستوى استهداف المصالح والحضور الأمريكي. 


• أما الاعتبار الثالث، فيرتبط بحسابات "ترامب" الشخصية ورغبته في الظهور باعتباره رئيساً أقوى من الإدارات السابقة وسعيه للانقلاب على استراتيجياتها ومقاربتها تجاه بعض الملفات. وفي هذا السياق قد يرى الرئيس الأمريكي أنه بحاجة إلى تجاوز مقاربة الإدارة السابقة من حيث التركيز على "الاحتواء والردع الدفاعي"، والانتقال إلى العمليات الاستباقية وما يمكن تسميته بـ "الردع الهجومي"، بما يُجبر الحوثيين على "فصل الجبهات" ووقف التصعيد.

 

• كذلك لا يمكن الفصل بين سيناريو العودة الأمريكية لمهاجمة الحوثيين وبين العامل الإسرائيلي في المسألة، بمعنى أنّ تنامي التهديدات التي تمثلها الميليشيا اليمنية بالنسبة للداخل الإسرائيلي، ليس على مستوى الخسائر البشرية المباشرة التي تتسبب فيها هجماته ولكن على مستوى الدفع باتجاه المزيد من الاضطرابات في الداخل الإسرائيلي. يُضاف إلى ذلك ضغوط اللوبيات وجماعات الضغط الموالية لإسرائيل، وحسابات إسرائيل المستندة إلى ضرورة تصفية المحور الإيراني في المنطقة، كلها عوامل ضغط إسرائيلية على واشنطن ربما تدفعها باتجاه عودة الانخراط في مسار التصعيد ضد الحوثيين.


لكن، ومع كل الاعتبارات والمؤشرات السابقة، ربما تتبنى واشنطن مقاربة تقوم مرحلياً على إرجاء الانخراط في أي مسارات تصعيدية جديدة في المنطقة، بما في ذلك ضد الحوثيين، وذلك لاعتبارات عديدة، أولها عدم القدرة حتى اللحظة على تحقيق اختراق استخباراتي كبير للحوثيين يضمن فاعلية الهجمات، ويضمن تكبيده خسائر تدفع باتجاه وقف التصعيد. وثانيها المؤشرات على عدم القدرة حالياً في ضوء ظروف محلية يمنية واعتبارات خاصة ببعض الأطراف الإقليمية على تنفيذ عملية شاملة برية ضد الميليشيا اليمنية، على اعتبار أنّ الضربات الجوية غير كافية لاقتلاع الميليشيا. وثالثها الضغوط الخاصة بالداخل الأمريكي والتي لا تحبذ أي انخراط أمريكي في مسار التصعيد في الشرق الأوسط. ورابعها سعي دونالد ترمب إلى الحصول على جائزة نوبل للسلام، فضلاً عن رغبته في إنجاز صفقة شاملة في منطقة الشرق الأوسط تشمل توسيع مظلة الاتفاقات الإبراهيمية. هذه كلها عوامل قد تدفع الإدارة الأمريكية إلى عدم التجاوب مع الضغوط الإسرائيلية الخاصة بعودة الانخراط في التصعيد ضد الميليشيا الحوثية.


باحث في الشأن الإقليمي. باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار  والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا