التحليلات

ما هي فرص تجدد الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟

ضباط الجيش الإيراني يحضرون اجتماعاً في المقر الرئاسي بطهران (صورة من AP)

21-07-2025 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن

"شهدت الفترات التي أعقبت إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 25 يونيو، عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، العديد من المؤشرات التي عبرت إجمالاً عن هشاشة هذا الإعلان.."

مركز سوث24 | محمد فوزي


عادت لغة الإنذار والتهديد لتطغى على التفاعلات الإيرانية الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، وذلك بالتزامن مع غلبة طابع "الجمود" على المباحثات النووية بين واشنطن وتل أبيب، فضلاً عن تعثر مسار وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهي سياقات طرحت في مجملها تخوفات وتوقعات باحتمالية تجدد التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، خصوصاً وأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن عن قائمة مطالب مباشرة لطهران، محذراً من أن عدم الامتثال لها يعني دفع ثمن عسكري باهظ. وفي هذا الإطار تحاول الورقة الوقوف على المؤشرات الرئيسية الخاصة بالتصعيد السياسي والإعلامي بين الجانبين حالياً، وفرص تجدد المواجهات بينهما على المدى القريب.


أولاً- مؤشرات التصعيد الراهن 


شهدت الفترات التي أعقبت إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 25 يونيو 2025، عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، العديد من المؤشرات التي عبرت إجمالاً عن هشاشة هذا الإعلان، واحتمالية العودة إلى مربع التصعيد مرة أخرى بين واشنطن وتل أبيب من جانب وطهران من جانب آخر، ويمكن تناول أبرز هذه المؤشرات في ضوء الآتي:


1- شروط "نتنياهو" لعدم العودة للتصعيد: طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قائمة مطالب مباشرة لطهران، محذراً من أنّ عدم الامتثال لها يعني دفع ثمن عسكري باهظ. وتضمنت هذه المطالب، التخلي الكامل عن تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية، أي إنهاء النشاط الذي طالما شكل جوهر البرنامج النووي الإيراني، ووقف تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية أو حصر مداها ضمن الحدود المتوافقة مع الاتفاقيات الدولية (أقل من 300 ميل)، ووقف دعم ما تسميه إسرائيل "الإرهاب"، في إشارة إلى فصائل مسلحة كحزب الله وحماس والحشد الشعبي والحوثيين. 


وتعبّر هذه المطالب الإسرائيلية عن مجموعة من الدلالات المهمة، أولها أنّ احتمال تجدد الهجمات الإسرائيلية على إيران لا يزال مطروحاً بالنسبة لحكومة "نتنياهو". وثانيها أنّ التقديرات الإسرائيلية تذهب إلى أنّ الضربات ضد إيران سببت خسائر كبيرة، ولكنها لم تقض على العوامل التي ترى فيها إسرائيل تهديداً كبيراً وأدت لاندلاع الحرب "الهجمات أدت إلى إضعاف الخصم وليس الإجهاز عليه"، خصوصاً فيما يتعلق بالبرنامج النووي ومنظومة الصواريخ الباليستية، والأدوار الإقليمية لإيران. وثالثها أنّ قرار العودة إلى الحرب يظل أيضاً مرهوناً بنتائج المفاوضات التي يُفترض أن يتم تدشينها بين الولايات المتحدة وإيران.


2- تحركات أمريكية للضغط على إيران: شهدت الأوساط السياسية والأمنية في الولايات المتحدة حراكاً متعدد المستويات غلب عليه الطابع التصعيدي تجاه إيران، فضلاً عن الطابع التحذيري، انطلاقاً من افتراض تتبناه بعض الدوائر الأمريكية مفاده أنّ الحرب قد انتهت، ولكن الملفات التي أدت إلى الوصول إلى نقطة الحرب لا تزال قائمة وعالقة ولا يمكن تسويتها بسهولة. وفي هذا السياق حذر مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون من أن إيران «لا تزال تحتفظ بالمعرفة والنية اللازمة لإعادة بناء برنامجها النووي». وفي مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، اعتبر بولتون أنّ الضربات ضد موقع فوردو وغيره من المنشآت الإيرانية «حققت أضراراً هائلة»، لكنها «غير كافية». 

وفي سياق متصل قدم نائبان ديمقراطي وجمهوري، مشروع قانون يدعو الرئيس الأمريكي، إلى تزويد إسرائيل بقاذفات «بي 2» الشبحية مع قنابلها الخارقة للتحصينات، «لتمكينها من حماية نفسها من جميع الاحتمالات، في حال سعت إيران إلى تطوير سلاح نووي». وتأسيساً على المواقف السابقة يبدو أنّ هذه التحركات من قبل بعض الدوائر الأمريكية، يعني عملياً توفير مظلة كبيرة من الدعم قد تُمهد لحملات عسكرية جديدة ضد إيران.


3- تحركات وتقديرات إيرانية استعداداً لعودة الحرب: لم يختلف المشهد كثيراً بالنسبة لإيران، فيما يتعلق بتنامي الحديث عن احتمالية عودة الحرب، حيث لوحت العديد من وسائل الإعلام الإيرانية ومنها صحيفة "شرق" الإصلاحية، والتي عنونت أحد افتتاحياتها بـ"سيناريو الحرب الثانية"، حيث تحدثت عن إمكانية اندلاع الحرب مجدداً، وشددت على أهمية الوحدة الوطنية في إحباط أي هجوم جديد. 


على مستوى آخر أفادت تقارير بأنّ إيران تدرس شراء مقاتلات صينية متقدمة بعد وقف إطلاق النار مع إسرائيل، حيث تهتم طهران بالتحديد بنسخة التصدير من المقاتلة تشنغدو جيه- 10. وذكرت الصحيفة أنه يجب رؤية زيارة وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده لمدينة تشينغداو، لحضور اجتماع لمنظمة شنغهاي للتعاون، في هذا السياق. 


4- تعقد مسار المفاوضات مع إيران: أحد المؤشرات المهمة المطروحة في سياق فرضية احتمال عودة الحرب بين إيران من جانب وإسرائيل والولايات المتحدة من جانب آخر، ترتبط بتعقد مسار المفاوضات بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جانب وإيران من جانب آخر، ويُمكن الاستدلال على ذلك من خلال مجموعة من التطورات المهمة، وأولها ما ذكرته تقارير في مطلع يوليو الجاري من أنّ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أصدر أمر، الأربعاء، بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد استهداف الولايات المتحدة لأهم منشآتها النووية. وثانيها تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأخيرة والتي أشار فيها إلى أنّ الأوروبيين لا يملكون أي «أساس أخلاقي وقانوني» لتفعيل آلية «سناب باك» في مجلس الأمن، بعد تلويحهم بإعادة فرض العقوبات الدولية على طهران في حال عدم تحقيق تقدم في المباحثات بشأن ملفها النووي. 


وثالثها يرتبط باستقراء مسار المباحثات في الجولات السابقة التي تم عقدها، ووجود عقبات لم يتم حلحلتها حتى اللحظة، على غرار تصفير التخصيب، أي منع السلطات الإيرانية من تخصيب اليورانيوم داخل البلاد ولو بنسبة 1%، وهو المطلب أو الشرط الذي تتمسك به الإدارة الأمريكية وترفضه إيران، كذلك يتمسك الجانب الأوروبي وإسرائيل بطبيعة الحال بضرورة إدراج البرنامج الصاروخي الإيراني ضمن المحادثات، لاسيما ما يتعلق بالصواريخ الباليستية، وبالإضافة لما سبق يوجد مسألة إخراج كافة المخزون من اليورانيوم عالي التخصيب من داخل إيران وهو ما ترفضه إيران، كذلك يوجد مسألة الأدوار الإقليمية لإيران. 


ثانياً- السيناريوهات المحتملة


في ضوء المعطيات السابق الإشارة إليها يمكن الوقوف على بعض الافتراضات الرئيسية وعلى رأسها أن العوامل التي أدت إلى اندلاع الحرب لم يتم تسويتها أو حسمها، كذلك فإن السلوك الخاص بكلاً من إيران وإسرائيل، كلها اعتبارات تدفع باتجاه تنامي الاهتمام بتساؤلات من قبيل مدى إمكانية العودة إلى مربع التصعيد بين الجانبين، وفي هذا السياق يبدو أنّ هناك سيناريوهين رئيسيين: 


1- تجدد الحرب الإسرائيلية الأمريكية على إيران: يفترض هذا السيناريو عودة الحرب على إيران، سواءً عبر شراكة عسكرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، أو عبر عمليات دعم عسكري واسعة من الولايات المتحدة لإسرائيل، بما في ذلك الدعم المتمثل في القاذفات الشبحية الخارقة للتحصينات، وبما يُجنب الولايات المتحدة الانخراط في الجولة القادمة من التصعيد. ويأتي هذا السيناريو مدفوعاً بجملة من الاعتبارات:


• كشفت الحرب الأخيرة في المنطقة منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، عن مجموعة من الافتراضات المهمة، خصوصاً فيما يتعلق بقدرة إسرائيل عسكرياً وبدعم أمريكي على فتح العديد من الجبهات فضلاً عن القدرة على التكيف مع الحروب طويلة الأمد في متغير شديد الأهمية في العقيدة العسكرية لتل أبيب. أيضاً فقد كشفت الحرب عن أنّ الجانب الإسرائيلي لا يترك أي فرصة تلوح في الأفق للإجهاز على خصمه إلا وتبادر إسرائيل بفعل ذلك، وبالتالي تدفع هذه الافتراضات باتجاه احتمال إقدام إسرائيل على تجديد هجماتها ضد إيران.


• بتحليل السلوك العسكري الإسرائيلي، يتجلى أنّ الجانب الإسرائيلي يتجرأ على مهاجمة الخصوم طالما افتقدوا القدرة على تحقيق الردع، وطالما غابت حالة التوازن في معايير القوة العسكرية. وبالتالي وفي ضوء الأضرار الكبيرة التي لحقت بإيران، وكذا أذرعها الإقليمية، وفي ضوء الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل، قد تلجأ إسرائيل إلى توظيف ذلك من أجل توجيه ضربة قاضية تجاه إيران. 


• لم تستطع إسرائيل وكذا الولايات المتحدة تحقيق الأهداف المرجوة من الحرب – وذلك رغم الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها إيران – ومن المؤشرات على ذلك وجود خلافات كبيرة داخل الإدارة الأمريكية نفسها بخصوص نتائج العمليات التي جرت ضد البرنامج النووي الإيراني، فضلاً عن أنّ المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل جروسي كان قد أشار إلى أنّ "إيران لديها القدرة على العودة لتخصيب اليورانيوم خلال شهور".


• لم تضع إسرائيل إسقاط النظام الإيراني كهدف رئيسي لحربها الأخيرة، لكنها عوّلت بشكل كبير على أنّ الضربات الاستباقية العنيفة التي وجهتها، سوف تخلق سياقاً يدفع باتجاه تفكك هذا النظام، ومع قدرة النظام الإيراني على استيعاب هذه الحرب وتداعياتها على المستوى الداخلي تدريجياً، فضلاً عن التصريحات التي صدرت عن الجانب الإيراني من خلال عدد من المسؤولين "بخصوص الانتصار في الحرب"، كلها سياقات قد توفر ذريعة من أجل تجدد الحرب.


2- التوصل إلى تسوية تضمن عدم تجدد الحرب: يفترض هذا السيناريو عدم تجدد الحرب، استناداً إلى متغير رئيسي قد يحدث يرتبط بقدرة واشنطن والأطراف الأوروبية على التوصل إلى اتفاق مع إيران، مع إبداء مرونة فيما يتعلق بالسماح لإيران بالاحتفاظ بمنشآتها النووية وإمكانية تخصيب اليورانيوم، ولو بالمستويات المطلوبة لإنتاج الطاقة المدنية؛ أي بنسبة 3.67 في المائة، ويأتي هذا السيناريو مدفوعاً بجملة من العوامل الرئيسية: 


• الرغبة الشخصية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عدم تجدد الحرب، وحسم الصراع الجاري في منطقة الشرق الأوسط، سعياً للفوز بجائزة نوبل، فضلاً عن التكلفة الكبيرة لخيار الحرب بالنسبة للولايات المتحدة، على المستوى الاقتصادي والعسكري، بالإضافة إلى الضغوط التي تُمارس من قبل العديد من الدوائر الأمريكية من أجل عدم العودة إلى سيناريو الحرب.


• التخوف الأمريكي الإسرائيلي من تداعيات حرب الاستنزاف مع إيران بالنسبة للداخل الإسرائيلي، خصوصاً وأنّ حرب الـ 12 يوماً كشفت عن قدرة إيران على توجيه ضربات قوية لإسرائيل بما أدى إلى تدمير مئات المباني، واستهداف العديد من المنشآت العسكرية والأمنية والتقنية، فضلاً عن حصيلة الضحايا الكبيرة، وشل الحياة بشكل كبير في الداخل الإسرائيلي، وهي نتائج كانت معرضة للزيادة لولا الدعم والإسناد الأمريكي الذي أدى إلى تقليل خسائر الجانب الإسرائيلي.


• بالنسبة للجانب الإيراني يبدو أنّ طهران وعلى وقع التكلفة الكبيرة للحرب الأخيرة وعلى وقع التأثير بالغ الخطورة للضربات الإسرائيلية، وكذا تداعيات العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، يضاف إلى ذلك السخط الشعبي المتزايد، قد تجد إيران نفسها تتجه نحو تبني مقاربة تحرص على التوصل لاتفاق، يضمن الحد الأدنى من الخسائر الاستراتيجية. 


إجمالاً، يمكن القول، إنّ الإعلان الأمريكي الأخير الخاص بوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، يظل أقرب إلى الهدنة، وتظل نتائجه مرهونة بشكل كبير بالنتائج التي ستتمخض عن المفاوضات بين الجانب الأمريكي والأوروبي وبين إيران، وفي حال فشلت هذه المفاوضات، وفي حال استمرار النهج التصعيدي الإسرائيلي فإنّ سيناريو تجدد الحرب على المدى المتوسط والقريب سوف يكون مطروحاً بشكل كبير.


خبير مصري متخصص في شؤون الأمن الإقليمي، باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا