أعلام الدول العربية في مقر انعقاد القمة العربية في بغداد (رئاسة الوزراء العراقية)
آخر تحديث في: 19-06-2025 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
|
افتتاحية مركز سوث24
تشهد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أخطر التحولات الجيوسياسية في العقود الأخيرة، مع اندلاع المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، التي قد تفضي إلى إعادة رسم خارطة النفوذ في الإقليم برمّته، بناءً على وقع نتائجها وتداعياتها.
في قلب هذه المعركة، التي تعبّر عن صراع نفوذ بين قوتين غير عربيتين، يجد العالم العربي نفسه أمام أربعة سيناريوهات محتملة، يربط بينها قاسم مشترك واحد: الخسارة المؤكدة للعرب ما لم يتحركوا سريعًا كقوة موحدة، تمتلك رؤية استراتيجية وموقفاً موحداً، وتنهض بأدوار متسقة ومنسقة.
أولا: انتصار إسرائيل
إذا تمكنت إسرائيل من تحقيق نصر حاسم، فلن تكتفي بكبح جماح إيران، بل ستسعى إلى فرض هيمنتها على بقية دول المنطقة تحت غطاء "الأمن الوقائي". ومن هذا المنطلق، قد تنتقل من مواجهة الخصم إلى ممارسة ضغوط سياسية وأمنية واقتصادية على دول الجوار، مدفوعة بأولوية التمدد وتوسيع نطاق نفوذها على حساب العرب.
ثانيا: انتصار إيران
أما إذا خرجت إيران منتصرة، فإن نفوذها سيترسخ في الجغرافيا العربية، مدعومًا بأذرع مسلحة حليفة. هذا الواقع سيؤدي إلى فرض تبعية سياسية غير معلنة على بعض الدول العربية، قائمة على أدوات التدخل الناعم والخشن في آن. بل وقد تدفعها نشوة النصر إلى التوسع البري والبحري، لا سيما في منطقة الخليج العربي، دون قيود تُذكر.
ثالثًا: تسوية سياسية وتوازن قوى
في حال تعذر الحسم، قد يجد الطرفان نفسيهما أمام خيار التسوية، برعاية قوى دولية كبرى. إلا أن هذه التسوية، على غرار ما جرى في اتفاقية "سايكس بيكو"، قد تُعيد توزيع النفوذ في الإقليم على حساب العرب، الذين سيكونون خارج غرفة التفاوض، وحضورهم لا يتجاوز أوراقًا تُتداول بين اللاعبين الأساسيين.
رابعًا: إنهاك متبادل دون حسم
يرجّح هذا السيناريو استمرار الحرب وتحولها إلى صراع استنزاف طويل الأمد. تُرهق فيه إيران اقتصاديًا وأمنيًا، وتُستنزف بنيتها التحتية، بينما تتآكل قدرة إسرائيل على الصمود بفعل تصاعد الضغوط الداخلية والخسائر البشرية والمادية. وفي ظل هذا الإنهاك، قد تنشأ فرصة نادرة للعرب لملء الفراغ الإقليمي، بشرط تحركهم ضمن إطار مشروع سياسي واقتصادي وأمني متكامل. أما غياب هذه المبادرة فسيمنح قوى إقليمية أخرى – مثل تركيا وروسيا – فرصة التقدم وفرض واقع جديد يخدم مصالحها.
لحظة اختبار وجودي
من رحم هذا الصراع – بغض النظر عن نتيجته – تتولد فرصة تاريخية نادرة للعرب. فما يواجهونه اليوم ليس مجرد تحدٍّ إقليمي، بل اختبار وجودي غير مسبوق. ذلك أن الصراعات العربية – العربية، رغم عمقها، لم تكن تهديدًا وجوديًا للمنطقة، على عكس التحديين الإيراني والإسرائيلي، اللذين يمتلكان أدوات تفكيك الداخل العربي عبر الطائفية، والمذهبية، والتغلغل السياسي والأمني، فضلًا عن تصاعد سباق التسلح، وصولًا إلى مساعي إنتاج القنبلة النووية.
من هنا، تبرز الحاجة الماسة إلى تجاوز الخلافات الآنية، والانتقال من التباين إلى التكامل، عبر مشروع عربي عقلاني لا يشترط وحدة سياسية، بل يستند إلى مرتكزات عملية يمكن تلخيصها فيما يلي:
1. تفعيل اتفاقيات الدفاع العربي المشترك وبناء منظومة ردع ذاتية مستقلة.
2. تشكيل قوة بحرية عربية مشتركة لحماية أمن الملاحة وسلاسل الإمداد والطاقة، بما يخدم المصالح العربية والدولية.
3. تعزيز التعاون الاقتصادي والتكامل الإقليمي، عبر مشاريع استثمارية توظف الميزات النسبية لكل دولة، وتستفيد من فرص التمويل والتقنيات المتوفرة لدى دول عربية أخرى، بما يحقق مكاسب جماعية للدول والشعوب.
4. حل الصراعات الداخلية التي تنهك الموارد وتقوّض فرص التعاون.
5. إدارة التنافس العربي بعقلانية استراتيجية قائمة على معادلة "رابح – رابح"، وترسيخ ثقافة الحوار والتفاهم.
6. إعادة هيكلة العلاقة بين المكونات السياسية والاجتماعية داخل الدول المتأزمة، بما يضمن تفكيك دوافع النزاع وبناء تكامل اقتصادي واجتماعي معرفي مستدام.
7. إن المصالح الاقتصادية العابرة للحدود باتت تمثل الأرضية الأكثر واقعية لتقارب عربي ناجح، شريطة أن تُبنى خارج منطق الهيمنة، ووفق قواعد الشراكة لا الإخضاع.
واالسؤال المحوري الذي ينبغي أن يطرحه كل عربي اليوم هو: هل سنكون فاعلين في صياغة مستقبل المنطقة؟ أم مجرد متلقين لنتائج يُعاد إنتاجها دون مشاركتنا؟
لقد حان الوقت للخروج من حالة الانتظار وردود الفعل، والانخراط في صناعة المبادرة ورسم المسارات. فتاريخ العرب الحديث يزخر بأمثلة على تغييرات جذرية فُرضت عليهم دون استشارتهم، وكان ثمنها باهظا من الاستقلال والسيادة.
رغم تعارض بعض الرؤى والمصالح بين الدول العربية، إلا أن هناك منطقة وسطى زاخرة بالبدائل، تسمح بتقديم تنازلات موضعية مقابل مكاسب استراتيجية أكبر. وعندما يتحقق هذا التفاهم، سيغدو العرب الكتلة الأكثر نفوذاً وتأثيراً في المنطقة، والأقدر على ترجيح كفة التوازن الإقليمي، وامتلاك أوراق القوة اللازمة لإعادة توزيع الأدوار والمصالح بما يخدم مستقبلهم الجماعي.
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل 3 أشهر
قبل 3 أشهر