الصورة: صفحة حزب الإصلاح على فيسبوك
آخر تحديث في: 01-05-2025 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
|
"هناك العديد من المؤشرات التي تدفع باتجاه فرضية أفول حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن، وهي مؤشرات مرتبطة من جانب بالسياق الإقليمي الراهن، ومن جانب آخر مرتبطة بطبيعة الممارسات الخاصة بالتنظيم.."
سوث24 | محمد فوزي
يمثّل القرار الذي أعلنت عنه السلطات الأردنية على لسان وزير الداخلية مازن الفراية، بحظر جماعة الإخوان المسلمين، حلقة جديدة في إطار ما يمكن وصفه بـ "أفول تنظيم الإخوان المسلمين في المنطقة"، عقب حالة التراجع والهزائم التي مُني بها التنظيم في العديد من دول الإقليم خلال العشر سنوات الماضية. ويُعيد هذا التراجع إلى الواجهة تساؤلات مرتبطة بوضع الجماعة في اليمن، الممثلة بحزب التجمع اليمني للإصلاح، لا سيما في ظل تورطه في انتهاكات واسعة في مناطق نفوذه، واعتماده نهجًا عنيفًا خلال السنوات الماضية، إلى جانب اتهامات بتنسيق غير معلن مع جماعة الحوثي المسلحة. وتفتح هذه المعطيات الباب أمام نقاش أوسع حول مستقبل الإخوان المسلمين في اليمن وتموضعهم السياسي خلال المرحلة المقبلة، وهي القضايا التي تحاول هذه الورقة تسليط الضوء عليها.
أولاً- التموضع الحالي للإخوان المسلمين في اليمن
تعود جذور جماعة الإخوان المسلمين في اليمن لأول مرة إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي، عندما قاد عبد المجيد الزنداني، المؤسس الفعلي للجماعة في اليمن، والذي أدرجته الأمم المتحدة في 2004 على قائمة الإرهاب، مجموعة من رجال الدين لإنشاء نظام تعليم ديني أصولي في شمال اليمن. وبعد إعلان الوحدة بين دولتي اليمن الجنوبي واليمن الشمالي في عام 1990،شارك الزنداني في تأسيس حزب الإصلاح الإسلامي بدعم من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي اعتمد على الحزب في الحشد والتشريع للقتال ضد الجنوبيين في حرب 1994. وظل الحزب أحد الفاعلين الرئيسين في اليمن، وكان يتأرجح في بعض الأحيان بين حزب معارض وبين حليف للحكومة. وبشكل عام يمكن بيان أبرز الاتجاهات والسمات الخاصة بتعامل إخوان اليمن مع الوضع السياسي في البلاد منذ 2011 وحتى اليوم، في ضوء هذه المؤشرات:
1- الانقلاب السريع على علي عبد الله صالح: كانت مواقف الإخوان المسلمين إجمالاً قبيل الاحتجاجات التي شهدتها البلاد تقوم على التحالف البراجماتي مع نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وكان ملاحظاً أن التنظيم انقلب على مواقفه السابقة وتحالفه مع علي عبد الله صالح سريعاً. وقد برر رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي بالقول: "نحن في التجمع اليمني للإصلاح تحالفنا مع صالح في فترات سابقة على أساس مصلحة الوطن، وعندما لمسنا أن الرجل غير جاد في تنفيذ ما اتفقنا عليه كان لزاماً علينا أن ننتقل إلى صف المعارضة، فنحن أصحاب مبادئ ولسنا طلاب سلطة" وفق تعبيره.
2- موقف الإخوان عقب انقلاب ميليشيا الحوثي: عقب الانقلاب الذي قادته ميليشيا الحوثي، ومع تدخل التحالف العربي لدعم الحكومة المعترف بها دوليا في اليمن، أعلن إخوان اليمن (الإصلاح) دعمهم لعاصفة الحزم. ورغم إعلان هذا الدعم إلا أن إخوان اليمن لم يشاركوا بأي دور فعلي في مجابهة ومواجهة التمدد الحوثي. وقد كشفت الأحداث فيما بعد عن وجود علاقة بين الإخوان والحوثيين في اليمن وقد تجلت مشاهد هذه العلاقة في بعض المناسبات منها حديث العديد من الدوائر اليمنية عن دعم إخواني للحوثيين في الحديدة. كما برز تردد الحزب في أعقاب سيطرة الحوثي على محافظة عمران في يوليو 2014، حيث أعلن الإخوان وقتها أنهم لن يقاتلوا نيابة عن حكومة "عبدربه منصور هادي". بالإضافة إلى ذلك برز تعاون الحزب مع الحوثيين إلى العلن في نوفمبر 2014،خلال لقاء جمع قيادات الحزب وعلى رأسهم رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح "زيد الشامي" والناطق الرسمي للحزب "سعيد شمسان" بزعيم الحوثيين "عبدالملك الحوثي" في صعدة. وقد عقد الطرفان ما أسموه باتفاق التعايش والتصالح السلمي وهو ما عبر عنه "علي القحوم" عضو المجلس السياسي للحوثيين، الذي وصف اللقاء بأنه جاء "لطي صفحة الماضي، والتصالح ومعالجة تداعيات الصراع، والتحرك لتنفيذ اتفاق السلم والشراكة". كما أن التقارب بين الإصلاح والحوثيين برز في أشكال أخرى، من بينها تجميد جبهات القتال ضد الحوثي في عدد من المحاور من بينها مناطق في مديرية "ميدي"، "صرواح"، "الجوف"، "نهم" وتعز.
3- طبيعة النفوذ الإخواني في اليمن: يجمع الإخوان في اليمن بين العديد من أنماط النفوذ على المستوى السياسي والجغرافي والعسكري. فعلى المستوى الجغرافي يسيطر التنظيم على محافظة مأرب شرق اليمن، وأجزاء من تعز. كما يعتبر حزب الإصلاح أن محافظات مثل أبين وشبوة وحضرموت تعد مجالاً حيوياً ما يزال يطمح إلى استعادة السيطرة عليها أو تدعيم حضوره داخلها كما هو الحال بالنسبة لوادي حضرموت. وقد خاض التنظيم حروبا متعددة ضد القوات في جنوب اليمن بين عامي 2019 و 2022. وعلى المستوى المجتمعي يسيطر الإخوان بنسبة كبيرة على الشق الشرعي والتشريعي في المؤسسات اليمنية وتحظى الجماعة بتغلغل كبير في الجانب التعليمي والتربوي. وعلى المستوى العسكري ومنذ عقود مكن علي عبد الله صالح الإخوان المسلمين من نفوذ كبير داخل الهياكل الأمنية والعسكرية الخاصة بالدولة اليمنية. وفي فترة الحرب مع الحوثيين شكل التنظيم مقاومات شعبية مسلحة في أغلب مدن المواجهات تحت قيادته المباشرة، كما أشرف على تشكيل مجالس عسكرية تحت قيادته. وعلى المستوى السياسي اعتمد حزب الإصلاح على استراتيجية "المراوغة البراجماتية" والتي ترجمها عملياً في شكل تنويع تحالفاته الداخلية بشكل لافت، بما يتفق ومصالح الحزب والحفاظ على نفوذه، ما يتجسد عملياً في علاقاته المتناقضة بمعسكر الشرعية وتمثيله فيه من جهة، ومن جهة أخرى علاقته بميليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة "الإرهابي".
ثانياً- هل نشهد أفولاً لإخوان اليمن؟
هناك العديد من المؤشرات التي تدفع باتجاه فرضية أفول حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن، وهي مؤشرات مرتبطة من جانب بالسياق الإقليمي الراهن، ومن جانب آخر مرتبطة بطبيعة الممارسات الخاصة بالتنظيم في الداخل اليمني، ومن أبرز هذه المؤشرات:
1- أفول المجموعات الدينية في منطقة الشرق الأوسط: شهدت السنوات الأخيرة متغيرين رئيسيين شديدي الأهمية فيما يتعلق بانتشار المجموعات المسلحة والدينية والفاعلين المسلحين من دون الدول في منطقة الشرق الأوسط. المتغير الأول ارتبط بالهزائم التي مُني بها تيار الإسلام السياسي في المنطقة في إطار ما يمكن وصفه بـ "أفول الإسلام السياسي بالمنطقة"، بدءاً من سقوط الإخوان المسلمين في مصر عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013، مروراً بالتراجع الكبير لحركة النهضة التونسية عقب قرارات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، وكذا تراجع حضور حزب العدالة والتنمية المغربي في المشهد السياسي، وكذا تراجع الإخوان المسلمين في ليبيا، وبطبيعة الحال في دول الخليج، فضلاً عن تراجع بعض الدول مثل تركيا وقطر على رهانها على تنظيم الإخوان المسلمين، وصولاً إلى القرار الأخير للسلطات الأردنية بحظر جماعة الإخوان والانتساب إليها وحلها.
أما المتغير الآخر، فيرتبط بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما أحدثته من تداعيات على المستوى الإقليمي. حيث تراجع نفوذ الفصائل المحسوبة على إيران في المنطقة، التي كانت بشكل رئيسي إلى جانب عوامل أخرى مسبباً للعديد من الأزمات والتهديدات التي تشهدها الدولة الوطنية في كثير من الحالات، فضلاً عن تهديد منظومة الأمن الإقليمي. وتتجسد هذه الحالة في حالة التحجيم التي سيطرت على تعامل الحكومتين العراقية والسورية مع الفصائل المسلحة الموجودة على أراضيها، فضلاً عن حالة الضعف التي طرأت على حزب الله اللبناني سياسياً وعسكرياً على وقع الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وتوجه الرئيس اللبناني جوزيف عون نحو تطبيق مبدأ احتكار الدولة للسلاح. والآن العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد ميليشيا الحوثي في اليمن، والمؤشرات المتزايدة على احتمالية شن عملية عسكرية برية ضد الجماعة. وبناءً عليه تدفع كل هذه المؤشرات باتجاه تراجع وأفول هذه المجموعات الدينية من دون الدول، في مقابل السعي لتعزيز مفهوم الدولة الوطنية في المنطقة. وهو أمر سيكون له انعكاساته على مستوى خلق رغبة محلية وإقليمية ودولية في تحجيم إخوان اليمن ارتباطاً بهذا السياق.
2- التحالفات البراجماتية المتناقضة للتنظيم في اليمن: منذ السبعينات ارتبطت جماعة الإخوان المسلمين في اليمن بعلاقات وثيقة مع نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، حيث كانت العلاقات بين الجانبين قائمة بشكل رئيسي على توظيف "صالح" الإخوان من أجل مواجهة خصومه خصوصاً من الأحزاب اليسارية والقومية، في حين وظف إخوان اليمن علاقتهم بنظام صالح لمضاعفة تغلغلهم داخل النظام نفسه وإدارته من الداخل، وكذلك تقوية نفوذهم في معظم المناطق اليمنية، خاصة المناطق القبلية. ومع المتغيرات التي شهدتها الساحة اليمنية، خرج الإخوان من عباءة "صالح" ودخلوا في إطار ما عُرف آنذاك بـ "تكتل اللقاء المشترك" الذي تصدر سياسياً لاحقا ثورة فبراير2011،التي أزاحت صالح عن رأس السلطة السياسية. كما حافظ الإخوان لاحقا في السلطات التي أعقبت صالح على علاقات براجماتية متناقضة بين معسكر الشرعية (الحكومة المعترف بها دوليا) وبين الحوثيين، كما سبق الإشارة.
وإلى جانب ذلك لعب إخوان اليمن على العديد من المسارات المتناقضة فيما يتعلق بالتحالفات الخارجية، حيث جمعت حزب "الإصلاح" علاقات بالمملكة العربية سعودية في بادئ الأمر فضلاً عن قطر وتركيا، بالإضافة لسعيه لإرسال رسائل تطمينية لدولة الإمارات وبناء علاقات معها. ويعكس ذلك عملياً تبني "الإصلاح" الإسلامي مقاربة براجماتية تقوم على إعادة إنتاج نفسه بشكل مستمر والتكيف مع كافة المتغيرات الداخلية اليمنية، والعوامل الخارجية المرتبطة بهذا الملف، بما يضمن الحفاظ على بقائه ونفوذه، الأمر الذي كرس نظرة تجاه التنظيم بأنه لا يملك أجندة وطنية حقيقية بقدر ما يتبنى هذه المقاربة للحفاظ على مصالحه.
3- الانتهاكات المتنامية لحزب الإصلاح في اليمن: أحد الاعتبارات والمؤشرات المهمة التي تدفع باتجاه المزيد من النبذ الداخلي لإخوان اليمن، فضلاً عن الرفض الدولي والإقليمي لأدوار التنظيم مستقبلاً في المشهد اليمني وأي تسوية قد تحدث، ترتبط بشكل رئيسي بكم الانتهاكات والجرائم التي مارسها التنظيم خلال السنوات الماضية. فعلى سبيل المثال وثق تقرير لمنظمة مسائلة لحقوق الإنسان، أكثر من 60 حالة انتهاك طالت المدنيين خلال الفترة من يناير 2019 وحتى مارس 2024، في محافظة مأرب. وتنوعت بين استهداف المدنيين سواء بالقصف والاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب، بالإضافة إلى الانتهاكات المتعلقة بالممتلكات العامة والخاصة، سواء بالتدمير أو التفجير أو النهب، وهو أمر يعكس عملياً مشاركة الإخوان إلى جانب الحوثي في زيادة معاناة الشعب اليمني، فضلاً عن زيادة حجم ووطأة الأزمة الإنسانية والمعيشية، وبالإضافة إلى هذه الانتهاكات الحقوقية يُضاف إلى سجل الإخوان في المناطق الخاضعة لسيطرتهم الانتهاكات التي تتم على أساس المعتقدات الدينية المتشددة المرتبطة بالتنظيم.
ختاماً، يُمكن القول إنه ورغم المؤشرات السابقة الخاصة بفرضية أفول تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، على وقع السياق الإقليمي الراهن، وعلى وقع ممارسات التنظيم الداخلية في المشهد اليمني، إلا أن هذه المسألة تظل مرهونة بمجموعة من المحددات الرئيسية. أولها وجود توافق يمني حول تسوية شاملة واستراتيجية للمشهد السياسي بالبلاد، بعد إنهاء حكم ميليشيا الحوثي وسيطرتها على العديد من مناطق الشمال، وإدراك بعض مكونات الشرعية اليمنية لخطوة نهج ومقاربة تنظيم الإخوان. وثانيها مدى التوافقات الدولية والإقليمية بخصوص هذه المسألة، خصوصاً مع تركيز كافة المقاربات الدولية على تحجيم تهديدات الحوثي، بمعزل عن تنظيم الإخوان المسلمين. وثالثها مدى قدرة المكونات اليمنية الأخرى خصوصاً معسكر الشرعية على خلق كيانات مدنية تعتمد على "النفوذ الناعم" وتُنهي حالة النفوذ القبلي والديني للإخوان المسلمين.
خبير مصري متخصص في شؤون الأمن الإقليمي، باحث غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الآراء الواردة في هذه المقالة تعكس رأي المؤلف.