نائب رئيس المجلس الانتقالي أحمد بن بريك يصل إلى المكلا بحضرموت، 18 أبريل 2025 (الصفحة الرسمية على إكس)
آخر تحديث في: 19-04-2025 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
|
مركز سوث24 | عبد الله الشادلي
شهدت محافظة حضرموت، جنوب اليمن، خلال الأسابيع الأخيرة تصاعداً سريعاً في الأحداث، وبروز أجندات محلية يشتبه بارتباطها العابر للحدود. المحافظة، التي لطالما وُصفت بأنها واحة هادئة نسبياً منذ بدء الأزمة، باتت اليوم على صفيح ساخن تشعل جذوته التوترات السياسية والأمنية.
في صميم هذا التصعيد، تبرز المواجهة المتفاقمة بين السلطات المحلية بقيادة المحافظ مبخوت بن ماضي، وحلف قبائل حضرموت، الذي يرأسه الزعيم القبلي البارز الشيخ عمرو بن حبريش. ويشغل بن حبريش أيضاً رئاسة مؤتمر حضرموت الجامع، وهو كيان سياسي محلي بارز يدعو إلى حكم ذاتي غير واضح المعالم والإطار لحضرموت.
وفي نقطة تصعيد مفصلية، أصدر مؤتمر حضرموت الجامع، في 15 أبريل، بياناً حاد اللهجة، اتهم فيه اللجنة الأمنية بالمحافظة – التي يرأسها المحافظ وقائد المنطقة العسكرية الثانية ومدير شرطة حضرموت – بالتواطؤ وعرقلة متعمدة لمساعي تحقيق الحكم الذاتي.
كما زعم البيان دخول أكثر من 2500 مسلح من محافظات جنوبية كعدن ولحج والضالع إلى مدينة المكلا الساحلية. ورغم أنه لم يذكر أطرافاً بالاسم، إلا أنه أشار إلى وجود جهات مجهولة تسعى لإشعال الصراع وفرض أجندات سياسية بالقوة. وطالب المؤتمر التحالف بقيادة السعودية ومجلس القيادة الرئاسي بالتدخل العاجل.
ويسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على المحافظات الثلاث التي وردت في البيان، وهو ما يعتبر إشارة ضمنية له في تلك الاتهامات.
وفي اصطفاف بين قوتين غير متجانستين، كان حزب الإصلاح اليمني، وهو فصيل إسلامي نافذ مرتبط بتنظيم الإخوان المسلمين، قد أعلن في ديسمبر 2024 تأييده لمواقف مؤتمر حضرموت الجامع. وأعرب محمد بالطيف، أمين المكتب التنفيذي للإصلاح في حضرموت، عن دعمه لمبادرات بن حبريش الأخيرة، ما يُعد مؤشراً على تحالف سياسي غير رسمي يهدف إلى تغيير الوضع القائم في حضرموت.
وفي اليوم التالي، أصدرت اللجنة الأمنية في حضرموت بياناً نفت فيه ما ورد في بيان المؤتمر الجامع، واعتبرته تحريضاً يضر بالتماسك الاجتماعي. وأكدت أنها لن تسمح بوجود سلطات موازية، وستتصدى لأي محاولات لتقويض مؤسسات الدولة.
من جهته، حدد المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يحتفظ بحضور عسكري واجتماعي قوي في حضرموت، الخطوط العريضة لمواقفه بشأن التطورات في المحافظة. وفي 15 أبريل، جدد نائب رئيس خارجية المجلس الانتقالي، أنيس الشرفي، دعم المجلس لحق حضرموت في إدارة شؤونها، محذراً من حملات تضليل تهدف لزعزعة الاستقرار.
وفي لهجة أكثر تصالحاً، دعا الأمين العام لمؤتمر حضرموت الجامع، أكرم نصيب العامري، في 16 أبريل، إلى التهدئة والحوار. في نفس اليوم، أدان حلف قبائل حضرموت ما وصفه بإجراءات انتقامية من السلطات، بما في ذلك اعتقال إعلاميين مؤيدين له، مثل الصحفي عوض كشميم في وادي حضرموت.
لكن التصدعات في جسم حلف قبائل حضرموت كانت تسير في مسارها المنتظم أيضًا. ففي 16 أبريل، عقد مؤسسون سابقون للحلف بينهم الأمين العام السابق الشيخ عمر باشقار اجتماعًا لاستكمال اختيار قيادة جديدة لحلف قبائل حضرموت بعد قرار عزل عمرو بن حبريش في لقاء موسع بمنطقة (العيون) بالقرب من المكلا في 22 مارس الماضي.
وأعلن الشيخ عمر باشقار، في صفحته على فيسبوك، عن تشكيل لجنة مصغرة من خمسة أشخاص لاستكمال الجهود التي قد تفضي إلى وجود نسختين من حلف قبائل حضرموت تتنازع كل منهما شرعية قيادة المكون القبلي في المحافظة. وجاءت هذه التحركات وسط تذمر داخلي من طريقة إدارة بن حبريش للحلف.
مُتعلق: هل يشق بن حبريش صف قبائل حضرموت من الداخل؟
وكان بن حبريش قد نظم في 12 أبريل لقاءً جماهيرياً كبيراً في هضبة حضرموت طالب بـ "الحكم الذاتي"، ودعا خلاله المئات من أنصار بن حبريش إلى تصعيد ميداني، ورفعوا صورا لوزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان.
جاء ذلك بعد جولة لبن حبريش في السعودية أواخر مارس، التقى خلالها الأمير خالد بن سلمان ومسؤولين سعوديين آخرين.
في غضون ذلك، يستعد المجلس الانتقالي الجنوبي لتنظيم تظاهرة جماهيرية كبيرة في المكلا يوم 24 أبريل، لإحياء ذكرى "تحرير" المكلا وساحل حضرموت من تنظيم القاعدة في 2016، والتعبير عن دعم قوات النخبة الحضرمية، وهي قوة عسكرية تصنف على أنها موالية له ضمن نطاق المنطقة العسكرية الثانية.
كما دعت مجموعات في حضرموت، مثل مجموعة تطلق على نفسها "شباب الغضب"، سكان حضرموت للمشاركة دعماً للاستقلال الجنوبي وضم حضرموت إلى دولة الجنوب المستقبلية.
وكان نائب رئيس المجلس الانتقالي وعضو المجلس الرئاسي اللواء فرج البحسني، قد أكد في 12 أبريل، على ضرورة تشكيل حامل سياسي موحد يمثل كافة الأطياف الحضرمية، وهو ما أيده اللواء أحمد سعيد بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي أيضًا.
ويوم 17 أبريل، دعا فرج البحسني مجددًا إلى وقف الحملات الإعلامية ذات الطابع السياسي "لإتاحة فرصة للتقارب والحلول الواقعية في حضرموت.. وحفاظا على وحدة الصف والنسيج المجتمعي في المحافظة."
ويوم 18 أبريل، وصل أحمد بن بريك المكلا، وهو أول ظهور للقيادي الحضرمي البارز منذ أشهر طويلة. وكل من البحسني وبن بريك كانا محافظين سابقين لحضرموت، ويحظيان بشعبية مرتفعة.
تنافس إقليمي ووكلاء محليون
قال د. عمر باجردانة، رئيس مركز المعرفة للدراسات الاستراتيجية: "لا شك أن حضرموت أصبحت ساحة لتنافس إقليمي، حيث باتت الأطراف المحلية وكلاء لصراعات خارجية". وفي تحليله لمركز سوث24، أوضح بجردانة أن الخارطة السياسية في حضرموت تُعاد تشكيلها بواسطة قوى أجنبية تستغل الولاءات القبلية والسياسية والإيديولوجية لخدمة مصالحها.
وأضاف: "يظهر هذا التنافس في تصاعد حرب السرديات، حيث يسعى كل طرف للهيمنة على الرأي العام. الرهانات مرتفعة، واستراتيجيات الخطاب تعكس الصراع الجيوسياسي الأوسع في هذه المنطقة".
وأضفى ظهور مكون سياسي جديد تعقيداً إضافياً على المشهد، وهو "حركة التغيير والتحرير" التي ظهرت مؤخراً في مديرية العبر الصحراوية بوادي حضرموت التي تسيطر عليه قوات المنطقة العسكرية الأولى [المؤلفة من آلاف الجنود الشماليين]، وقوات درع الوطن الموالية للسعودية.
ووفقاً لمصدر مطلع تحدث لمركز سوث24، شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن الحركة يُنظر إليها كمشروع إسلامي-قبلي مدعوم من تركيا وحزب الإصلاح، وتربطها صلات بشبكات متطرفة في الإقليم.
يقود الحركة رياض بن شعيب النهدي، المعروف باسم "أبو عمر"، والذي وصفه المصدر بأنه شخصية ذات ارتباط سابق بتنظيم القاعدة. وأضاف أن إطلاق الحركة تم بتنسيق مع الشيخ علي بن حفتان من قبيلة كندة، وجرى تغطيته حصرياً عبر وسائل إعلام محسوبة على الإصلاح.
وفي مداخلة تلفزيونية على قناة (المهرية)، أقر أبو عمر النهدي بعضويته في تنظيم القاعدة قبل أن ينشق عن التنظيم في 2018. وقال إن المكون السياسي الجديد لا علاقة له بالتنظيم المتطرف.
وحذر د. باجردانة من تداعيات ظهور هذا الكيان وسط هذا الزخم السياسي، قائلاً: "ظهور مجموعة يُقال إنها ذات صلات بالإرهاب في وضح النهار، وأمام أعين الحكومة المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي، يعكس فشل في معالجة جذور التطرف في حضرموت".
المحلل السياسي سالم أحمد المرشدي عبّر عن قلق مشابه، واعتبر الحركة محاولة متعمدة لإرباك المشهد في لحظة حرجة، قائلاً لمركز سوث24: "يبدو أن هذه الجماعة ظهرت في توقيت دقيق لتفكيك التحالفات القائمة".
وفقاً للمرشدي، تسعى "حركة التغيير والتحرير" إلى تحدي نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي عبر تقديم نفسها كبديل حضرمي، رغم افتقارها للدعم الشعبي. واعتبرها "حركة مصطنعة تهدف إلى تمزيق الجبهة الجنوبية". وأكد بجردانة أن ظهورها يعكس جهوداً خارجية لإعادة رسم حدود النفوذ السياسي في حضرموت.
وجاء تشكيل هذا المكون السياسي المشبوه وسط عمليات أمنية نفذتها القوات الجنوبية في محافظة شبوة استهدفت عناصر من تنظيم القاعدة. كما تزامنت أيضًا مع ضربات جوية يعتقد أنها أمريكية قتلت عناصر من التنظيم في وادي حضرموت وشبوة. وعملية اغتيال مجهولة مؤخرًا أودت بحياة سعودي من القاعدة في مأرب وسط البلاد.
وقد حذّرت السلطات في حضرموت مراراً من تشكيل ميليشيات غير مرخصة، وأصدرت المنطقة العسكرية الثانية وشرطة حضرموت بيانات سابقة تندد بهذه المحاولات وتصفها بخطوات نحو الفوضى. ومن بين هذه المحاولات، (قوات حماية حضرموت) التي يعتزم عمرو بن حبريش تشكيلها في ساحل حضرموت.
مُتعلق: حصاد الأسبوع: غارات أمريكية دامية على الحديدة وتطورات مُقلقة تعصف بحضرموت
السيناريوهات القادمة
يعتبر المحلل السياسي سالم المرشدي أن "حضرموت تمر بمرحلة غير مسبوقة من الاضطراب السياسي والأمني، وما سيحدث لاحقاً يتوقف على قدرة قادتها على تجاوز الانقسامات وخدمة المصلحة العليا للاستقرار الجنوبي".
وفي ما يتعلق بمسارات المستقبل، أضاف: "قد نشهد إعادة تموضع لكافة الأطراف خلال الأشهر القادمة، ويتوقف الكثير على مدى قدرتها على تحقيق توافق، أو – في حال الفشل – على استعداد القوى الخارجية لتحديد ملامح المرحلة القادمة".
وأشار د. باجردانة إلى أن تناغم المجلس الانتقالي مع الحكومة اليمنية المركزية في بعض الملفات زاد من تعقيد الوضع. وقال: "لا يمكن تحقيق الاستقرار دون إشراك مؤسسات الدولة بفاعلية، ومعالجة الملفات العالقة مثل الانقطاعات الكهربائية، والتضخم، والثغرات في الحوكمة".
ومع اقتراب موعد 24 أبريل، يتكثف استعداد المجلس الانتقالي للفعالية. وقد اجتمع رئيس المجلس المحلي في المكلا، العميد محمد المحمدي، مع طلاب جامعة حضرموت من جناح الانتقالي لترتيب التظاهرة.
وقال المرشدي: "يمتلك الانتقالي اليوم نفوذاً واسعاً في مديريات حضرموت، وهو في موقع يؤهله لقيادة المرحلة القادمة، لكن عليه أن يتحرك بسرعة لمواجهة التحديات المتصاعدة".
وختم قائلاً: "إن الدفع باتجاه استعادة القرار الجنوبي يزداد زخماً، ويبدو أن المجلس الانتقالي مصمم على استثمار هذه اللحظة المتقلبة".
قبل 21 يوم