التقارير الخاصة

المنتجات التجارية المغشوشة تنتشر على البسطات في عدن

مواد غذائية على بسطة في سوق شعبية بمديرية الشيخ عثمان في عدن، 10 أبريل 2025 (مركز سوث24)

آخر تحديث في: 12-04-2025 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

مركز سوث24 | ريا المزاحمي


لم تكن الشابة خديجة، البالغة من العمر 27 عامًا والمقيمة في مدينة عدن بجنوب اليمن، تدرك أن استخدام منتج تجميلي بسيط سيؤدي إلى كابوس صحي يرافقها حتى اليوم. اشترت خديجة (كريم أساس) للبشرة من إحدى البسطات المنتشرة في شوارع سوق الشيخ عثمان، ليتسبب المنتج في ظهور بثور مؤلمة على وجهها، تحولت لاحقًا إلى بقع داكنة تعرف طبيًا باسم التهاب الجلد البكتيري. وعلى الرغم من ترددها المستمر على الأطباء وتجربة عدد من العلاجات، إلا أن حالتها لم تتحسن حتى الآن.


قالت خديجة لمركز سوث24: "اشتريت المنتج المسمى BB بسعر 9000 ريال يمني في شهر مايو 2024، أي ما يعادل 4 دولارات. وبعد أن شعرت بتهيج شديد في بشرتي، بدأت أقرأ مكونات المنتج، لكن لم أجد أي معلومات واضحة. كل ما وُجد كان طباعة باهتة بخط صغير باللغة الإنجليزية، متداخلة الكلمات، دون أي توضيح حول المكونات، بلد المنشأ أو الشركة المصنعة."



صورة من الإنترنت لمنتج كريم BB الذي يباع في أسواق عدن الشعبية على البسطات بنسخ مزيفة خطيرة على الصحة


لم تكن خديجة الضحية الوحيدة لهذا النوع من المنتجات، إذ أصيب قاسم، 25 عامًا، بتشوه جلدي نتيجة استخدامه كريمًا لإزالة حب الشباب، اشتراه قبل أشهر من بسطة لبيع مستحضرات التجميل في شارع الذهب، التابع لمديرية الشيخ عثمان. كان البائع قد أقنعه بأنه منتج تركي فعّال، قبل أن تتسبب تركيبته في أضرار جسيمة لبشرته.


تنتشر ما يُعرف بـ "البسطات" في مختلف أسواق عدن، وهي عبارة عن عربات خشبية متنقلة أو مساحات ثابتة على الأرصفة، تُعرض عليها بضائع متنوعة تشمل المواد الغذائية، ومستحضرات التجميل، والمنظفات، وحتى الإلكترونيات والملابس، بأسعار في متناول الفئات ذات الدخل المحدود، وهي الشريحة الغالبة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة باليمن.



مواد نظافة شخصية على بسطة في سوق شعبية بمديرية الشيخ عثمان في عدن، 10 أبريل 2025 (مركز سوث24)


على مدى خمسة أشهر من العمل الميداني، تمكّنت الصحفية ريا المزاحمي، معدّة التحقيق، من توثيق 50 حالة لأشخاص تضرروا صحيًا بعد استخدامهم منتجات تجارية مغشوشة. التقت الصحفية بالضحايا الذين تفاوتت إصاباتهم بين حالات تسمم غذائي، وأمراض في الرأس والمعدة، وترسّبات في الكلى، وأمراض جلدية.


أساليب غش متعددة


رصدت معدة التحقيق خلال العمل الميداني العديد من أنماط الغش التجاري والمخالفات الواضحة التي تُمارس علنًا في الأسواق. وتنوعت هذه الأساليب بين تزوير وتقليد منتجات أصلية وبيعها على أنها أصلية، والتلاعب بتواريخ الصلاحية أو مسحها، وبيع مواد منتهية الصلاحية أو مهرّبة تفتقر لأبسط معايير الجودة، ولا تخضع لأي مواصفات أو رقابة معتمدة.


وخلال زيارة ميدانية عشوائية إلى شارع الذهب في مديرية الشيخ عثمان – عدن، أحد أشهر الأسواق الشعبية، تم توثيق انتشار "البسطات" التي تعرض منتجات غذائية مكشوفة وتحت أشعة الشمس الحارقة، بالقرب من مصادر تلوث كالمجاري والنفايات. كثير من هذه المنتجات تحمل الكود المصري (622)، كانت في حالة مزرية. كما أن بعضها ممسوح تاريخ الصلاحية.



منتج شوكولاتة مصري معروض في إحدى بسطات الشوارع في عدن مع تاريخ صلاحية ممسوح 


أيضًا، تحمل بعضها باركودات غير مدرجة أو مسجلة في أي من القوائم أو الأدوات المتخصصة. مثل منتج التنظيف متعدد الاستخدامات "أبتيكا – Optika"، المصنّع من قبل شركة "أبو إبراهيم وأولاده للتجارة والصناعة – اليمن"، الذي يروج له على أنه مناسب لتنظيف الأسطح، الحمامات، الأيدي، أدوات المطبخ، وحتى الخضروات والفواكه. ويظهر على العبوة باركود برقم 96770081312، دون أي توضيحات تتعلق بالسلامة أو جهة ترخيص رسمية.


غير أن التحقيق يُظهر أن الباركود المدرج لا يحمل أي سجل في قواعد بيانات GS1 الدولية، كما لا تتوفر أي بيانات موثوقة عن الشركة المُنتجة عبر الإنترنت أو الجهات التنظيمية. هذا الغياب للمصدر والشفافية يثير الشكوك حول موثوقية المنتج، خصوصًا مع الترويج لاستخدامه مع الأغذية، ما قد يشكّل تهديدًا صحيًا في ظل غياب رقابة فعّالة.



منتج "أبتيكا – Optika" معروض في إحدى البسطات في عدن مع باركود غير مسجل وبدون معلومات ترخيص


وبالاعتماد على عملية بحث بسيطة عبر أدوات متخصصة، مثل Barcodelookup، حاولنا التحقق من هوية المنتج والشركة المصنّعة، لكن النتيجة كانت صادمة: لا وجود لأي بيانات مسجّلة توثق المنتج أو الشركة المُدعاة.


وفي حديث مع المهندس أسامة سليمان، وهو تقني تجاري متخصص، أوضح لمركز سوث24 أن الباركود عبارة عن شفرة تربط المنتج بالعالم الرقمي، وتحتوي على معلومات عن اسم المنتج، حجمه، سعره، عنوان الشركة، أرقام الاتصال، والبريد الإلكتروني الخاص بالشركة المصنّعة.


وأشار إلى أن غياب نتائج موثقة عند البحث عن منتج ما على الإنترنت، يعني أن هذا المنتج غير مُعترف به دوليًا، أو أنه غير مسجّل لدى الجهات المانحة للباركودات. وأضاف أن بعض الشركات تقوم بطباعة باركودات لمنتجات أصلية وانتحالها، بينما في حالات نادرة قد يكون المنتج جديدًا ولم يتم تسجيله بعد.




في زيارة ميدانية أخرى، تم توثيق بيع منتجات غذائية تحمل تواريخ صلاحية مطبوعة بحبر يزول بمجرد فركه بالأصابع، فيما كانت بعض المواد منتهية الصلاحية فعليًا، وأخرى لا تحمل أي تاريخ على الإطلاق، أو تمت إزالة التاريخ منها عمدًا.


أما منتجات التجميل، فهي من أكثر المواد انتشارًا على هذه البسطات. التنوع الكبير في المعروضات يجعل من الصعب التفريق بين الأنواع الأصلية والمزيفة. وبحسب صاحب إحدى البسطات، يعرض أكثر من 70 صنفًا من مستحضرات التجميل، تتنوع بين كريمات للوجه، أدوات تصفيف الشعر، وكريمات أساس وغيرها.



منتجات شامبو بعلامات تجارية مختلفة معرضة للشمس في إحدى البسطات في عدن 


كما تنتشر أنواع متعددة من المنظفات المنزلية بمختلف الأسماء والأحجام، لكن الملفت أن العديد منها لا يحمل بطاقة بيانات، ولا بلد منشأ، ولا تاريخ إنتاج أو انتهاء، ما أثار تساؤلات حول مصدرها وآلية تعبئتها. أحد البائعين كشف لمعدة التحقيق أن هذه المواد يتم تصنيعها في "معامل خاصة" داخل محافظتي صنعاء وحضرموت.



منتجات تنظيف بتعليب محلي بدون أي بيانات معروضة للبيع في إحدى البسطات في عدن


محمد، أحد التجار الصغار الذي اعتزل بيع هذه المنتجات، رفض الكشف عن اسمه الكامل، لكنه قال لمركز سوث24:


"كنت أعمل لدى تاجر يزوّدنا بالبضائع، وكان يُزوّر تواريخ الصلاحية في موقع سري داخل عدن، ثم يطلب منا بيعها على البسطات. لم أستطع الاستمرار، فالأمر مخالف للدين، والقانون، والضمير."


تصريحات محمد أكدها لمركز سوث24 واثق الحجيلي، نائب مدير مكتب الصناعة والتجارة في مديرية المنصورة، الذي أوضح أن تزوير تواريخ الصلاحية يتم في مواقع سرّية باستخدام آلات طباعة متخصصة لطباعة تواريخ جديدة على أغلفة المنتجات، مضيفًا أن هذه التواريخ تزول بمجرد ملامستها، أو احتكاكها بأي سطح آخر، بعكس التواريخ الأصلية التي لا تزول بسهولة.




وأضاف الحجيلي: "على سبيل المثال، يوجد معمل في منطقة الدرين يقوم بشراء الصابون المنتهي الصلاحية، ثم يعيد تعبئته في جالونات صغيرة، ويلصق عليها ملصقًا جديدًا باسم وهمي وتاريخ إنتاج وانتهاء مزور بحسب رغبته."


من جانبه، قال د. سفيان قاسم العلياني، المدير السابق لمكتب الصناعة والتجارة، إن تزوير تواريخ المنتجات هو الجريمة الأخطر والأكثر شيوعًا في عدن، مشيرًا في تصريح لمركز سوث24 إلى أن بعض التجار يقومون بتحويل تاريخ الانتهاء إلى تاريخ إنتاج جديد، ما يمنح المنتج عمرًا إضافيًا وهميًا يصل إلى عامين أو أكثر.


تتضاعف خطورة هذه الظاهرة بحسب  قاسم صالح عبد الرحمن، مدير إدارة تأكيد الجودة في الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس، الذي قال إن ما يتم ضبطه في ميناء عدن من كميات ضخمة لعبوات التغليف و"الرولات" المستخدمة في تزوير البيانات "كبير ومرعب".



وأضاف قاسم أن الهيئة تتلف يوميًا ما يصل إلى 10 كراتين من هذه الرولات، وهي كافية لتزوير مئات المنتجات. ومع ذلك، فإن ما يتم ضبطه لا يمثل سوى جزء صغير من الحقيقة، فالكثير من هذه المواد يدخل إلى البلاد عبر منافذ لا تخضع لإشراف الهيئة، مثل التهريب عبر الجمارك مباشرة.


وأردف: "حتى داخل الميناء الذي تُشرف عليه الهيئة، لا تخضع جميع الشحنات للفحص. هناك شحنات تخرج من دون مرورها عبر الإجراءات القانونية المعتمدة، ولدينا مذكرات رسمية بهذا الشأن".


وعلى الرغم من ذلك، رفض قاسم صالح اطلاع معدة التحقيق على هذه الوثائق.


تقليد الماركات العالمية


تكشف وثائق وصور حصلت عليها معدّة التحقيق من التاجر يوسف الحاج، الوكيل الحصري لمنتجات ماركة "Noet" التركية في عدن، تفاصيل حملة أمنية نُفذت في سبتمبر 2024، استهدفت عددًا من المحلات التجارية في مديريتي الشيخ عثمان وصيرة. جاءت الحملة استجابة لشكوى، في مارس 2024، مقدمة من الحاج، مسجلة بالرقم بشأن انتشار منتجات مقلّدة تحمل نفس اسم وشكل الماركة الأصلية المسجلة منذ 2016.



وثيقة الشكوى المقدمة من التاجر يوسف الحاج


وقال الحاج لمركز سوث24: "تكبدت خسائر فادحة نتيجة تقليد منتجات Note، والتي بات الزبائن يعزفون عن شرائها بعد أن تضرر كثير منهم بسبب النسخ الصينية الرديئة المنتشرة في الأسواق، والتي سببت حالات حساسية والتهابات. هذه المنتجات تحتوي على زيوت ومواد غير آمنة قد تضر بالصحة على المدى الطويل."



مقارنة بين منتج Note التركي للعناية بالبشرة والنسخة المقلدة الصينية المنتشرة في أسواق عدن


الحال نفسه تكرر مع منتجات أخرى، حيث تم تقليد صابون "مينا" البولندي، وماركة لوشن "البابايا" التايلاندي، من خلال نسخ صينية منخفضة الجودة أغرقت الأسواق المحلية. هذا ما دفع التاجر عادل الجرادي، الوكيل الرسمي لصابون "مينا" البولندي، إلى تقديم شكاوى متكررة ودفع مبالغ للسلطات لتنفيذ حملات مصادرة.


وقال الجرادي لمركز سوث24: "مقلدو المنتجات ليسوا تجارًا فرديين بل شبكة من التجار يسافرون إلى الصين، ويطلبون نسخًا مقلّدة بجودة منخفضة. هذا يشوه سمعة المنتجات الأصلية ويضر بالتاجر والمستهلك على حد سواء. يتم إدخال هذه البضائع عبر ميناء شحن بطرق غير قانونية، في ظل تواطؤ بين بعض التجار وموظفين رسميين. أوجه نداء للسلطات للتحقيق ومحاسبة المتورطين."




من جهته، يقول ماجد القدسي، الوكيل الحصري لماركة أدوات التجميل Essence وماركة استشوارات الشعر United: تعرضت منتجات Essence لعمليات تقليد متكررة، حتى لم نعد نحصي عدد النسخ المقلّدة. تم تقليد الشكل والاسم والتغليف، وتباع هذه المنتجات بنفس سعر الأصلية، ما تسبب بخسائر كبيرة لنا وللشركة الأم، دون أن تتحرك الجهات الرسمية لحماية الوكلاء والمستهلكين."


خلال عملية التتبع التي قامت بها معدّة التحقيق لمصدر دخول هذه المنتجات، تبين أن البضائع المخالفة الوافدة إلى عدن تنقسم إلى مصدرين رئيسيين: خارجي وداخلي.


• خارجيًا، تأتي النسبة الأكبر من الصين ومصر عبر منافذ لا تخضع لإشراف الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس.

• داخليًا، تُهرب كميات ضخمة من المنتجات من محافظات شمال اليمن الخاضعة للحوثيين، وتتجه مباشرة إلى الأسواق الجنوبية وبالأخص أسواق عدن.


النقيب قمري الصوعري، قائد شرطة خور عميرة في مديرية رأس العارة، أكد لمركز سوث24 أن معظم المواد التالفة والمخالفة مصدرها محافظات الشمال الخاضعة لسيطرة الحوثيين.


مضيفًا: "توجد مكاتب شحن مثل مكتب مهيوب ومكتب عدن في جولة القاهرة، ومكتبين آخرين في منطقتي السنافر والدرين، تقوم بإرسال واستقبال المنتجات من وإلى عدن. للأسف، لا تقوم النقاط الأمنية بتفتيش هذه الشحنات، كما أن الجهات الرقابية لا تراقب هذه المكاتب، رغم أن مقارها الرئيسية غير مسجلة في عدن، وهو ما يخالف المادة 32 من القانون 46 لسنة 2008."



مواد غذائية على بسطة في سوق شعبية بمديرية الشيخ عثمان في عدن، 10 أبريل 2025 (مركز سوث24)


وفي حديث خاص لمركز سوث24، كشف مسؤول في مكتب الصناعة والتجارة بعدن – فضّل عدم الكشف عن هويته – أن التلاعب في المنتجات، خاصة الغذائية، بلغ ذروته . قال: قبل عامين، شاهدت طابعة مخصصة لتزوير تواريخ الصلاحية في هنجر تابع لأحد كبار التجار. هذا التاجر محمي من قبل أطقم أمنية، وله نفوذ واسع. كدت أفضح المستودع، لكن أحد الضباط البارزين قام بإتلاف الآلة قبل توثيقها."


أما الدكتور سفيان قاسم العلياني، المدير العام السابق لمكتب الصناعة والتجارة، فيقول بصراحة: "التقليد والتزوير يتم داخل عدن نفسها، في معامل غير قانونية. يتم تقليد الأرز والسكر كمواد أساسية، إلى جانب مستحضرات التجميل والمواد الغذائية، بكميات ضخمة. حتى المصانع الكبرى في عدن لا تُستثنى من عمليات الغش. الأسوأ أن معظم هذه المواد المقلدة تدخل عبر طرق رسمية، بتواطؤ مع جهات أمنية، سواء عبر الميناء أو المنافذ البرية. ما يدخل تهريبًا لا يشكل سوى 10% من الإجمالي."


ولم يتسن لمركز سوث24 التواصل مع الجهات الأمنية والسلطات في عدن للتحقق من صحة هذه الادعاءات. 


تشريعات غائبة ورقابة رخوة 


رغم أن القانون اليمني رقم 46 لعام 2008 بشأن حماية المستهلك يتضمن أكثر من 44 مادة صريحة تضمن الحماية الكاملة من الغش والخداع والتزوير، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع يعاني من تراخي شديد. ينص القانون على حق المستهلك في حماية صحته وأمواله، بغض النظر عن ظروفه الاقتصادية أو وضع البلد، كما يُلزم مزودي السلع والخدمات بمجموعة من الواجبات لا يجوز تجاوزها.


المادة (6) من القانون تُعد الأكثر وضوحًا، حيث تنص على وجوب أن تحمل عبوة المنتج بطاقة بيانات واضحة باللغة العربية، تتضمن اسم السلعة، بلد المنشأ، بلد التصدير، تاريخ الإنتاج والتعبئة، وفترة الصلاحية، بشكل لا يمكن إزالته أو تغييره.




في هذا السياق، يشدد الناشط المهتم بشؤون مكافحة الفساد صالح الحنشي على ضرورة وجود تشريع رادع وصارم لمواجهة الجرائم التي تمس فئات واسعة من المجتمع، متهمًا المشرّع اليمني بالتواطؤ حين يتم الاكتفاء بحكم لا يتجاوز أربعة أشهر في قضية بيع مواد تالفة بقيمة 10 مليارات ريال، في حين تنص المادة (34) من نفس القانون على الحبس لمدة لا تقل عن عام لكل من يخالف اللوائح، مع مضاعفة العقوبة في حال تكرار المخالفة.


من بين أبرز الاختلالات التي تم رصدها، هو تنازع الصلاحيات بين الجهات الرسمية. إذ يمنح كل من مكتب الأشغال العامة ووزارة الصناعة والتجارة تصاريح وسجلات تجارية لمزاولة النشاط التجاري، دون الرجوع إلى الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس، أو التنسيق معها. 


هذا الخلل، وفقًا لقاسم صالح عبد الرحمن، مدير إدارة تأكيد الجودة في الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس، يفتح الباب واسعًا أمام تجاوزات تمس الصحة العامة وسلامة المنتجات، وهو ما يوافق فيه السليماني الذي يؤكد أن "بعض الجهات لا تؤدي دورها ولا تتعاون مع مكتب الصناعة والتجارة".


من جانبه، قال فضل صويلح، مدير عام حماية المستهلك في وزارة الصناعة والتجارة، إن نقص الوعي والجهل بالقوانين لدى المواطنين يعد من أبرز العوائق في مواجهة الغش التجاري. وأضاف لمركز سوث24: "الكثير من المستهلكين لا يعرفون كيف يميّزون بين المنتجات الأصلية والمزيفة، ولا يعرفون حقوقهم. نحتاج إلى جهود ضخمة لنشر ثقافة حماية المستهلك، والملكية الفكرية، وكيفية التأكد من سلامة المنتجات."


وأضاف صويلح أن البضائع المقلّدة تدخل اليمن من دول الخليج وعمان عبر منفذ شحن، بالإضافة إلى المنافذ البرية والبحرية. كما أشار إلى أن ميناء عدن أيضًا يشهد دخول منتجات مقلدة ومزورة، ما يشير إلى ثغرات في الرقابة داخل الميناء ذاته.


وشدد على أن السوق المحلية "مليئة بالمنتجات المقلدة والمزورة"، كثير منها لا يحمل اسم بلد المنشأ، ويتم إنتاجه في معامل محلية غير مرخصة وغير خاضعة لأي معايير. وأعطى مثالًا على ذلك منتج "تيتول"، وهو منظف مقلد للماركة العالمية "ديتول"، يتم تصنيعه داخل معمل صغير في مديرية التواهي دون تسجيل تجاري أو تصريح رسمي من الهيئة. 



مواد غذائية على بسطة في سوق شعبية بمديرية الشيخ عثمان في عدن، 10 أبريل 2025 (مركز سوث24)


ولم يوضح المسؤول أي تفاصيل أخرى عن هذا المعمل وموقعه، أو لمن يتبع.


واجهت معدّة التحقيق الجهات الرسمية بجملة الحقائق والأدلة التي تم جمعها، في مقدمتها الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة. رئيس الهيئة، المهندس حديد الماس، يربط تدهور الرقابة وظهور المخالفات التجارية بفترة ما بعد الحرب، قائلاً لمركز سوث24 إن "السوق اليمنية أصبحت وجهة للتخلص من النفايات التجارية، إذ تُرسل إليها منتجات مزورة عبر تجار داخل البلاد وخارجها، تشمل مواد غذائية، أدوية، مستحضرات تجميل، وقطع غيار إلكترونية".


وعند سؤاله عن كيفية دخول هذه المواد، وما إذا كان الميناء هو البوابة، نفى ذلك قائلًا: "لا تدخل أي بضائع مخالفة عبر المنافذ الخاضعة لإشراف الهيئة. كل ما هو موجود من مخالفات في الأسواق مصدره جهات أخرى، لا تخضع لرقابتنا."


وأضاف أن الهيئة تسعى حاليًا للتنسيق مع مختبرات دولية لفحص المنتجات، خاصة الأدوية ومستحضرات التجميل، كما أنها تعمل مع لجنة مكافحة التهريب بهدف إخضاع كافة المنافذ لرقابة الهيئة.


من جانبه، أوضح راشد حازب، وكيل وزارة الصناعة والتجارة، أن نيابة الصناعة تسلمت خلال عام 2024 نحو 800  قضية تتعلق بعمليات إتلاف ومخالفات تجارية.



وثيقة تظهر عملية ضبط كميات من الأجبان ومنتجات أخرى منتهية الصلاحية في إحدى البقالات في مديرية المنصورة بالعاصمة عدن في 4 سبتمبر 2024


فيما كشفت غرفة العمليات التابعة لمكتب الصناعة والتجارة بعدن أنها رصدت أكثر من 4000 مخالفة منذ تأسيسها في ديسمبر 2022، وفقًا لتصريح أحمد السليماني، نائب مدير عام المكتب لشؤون المديريات، لمركز سوث24. لكن الغرفة ماطلت مركز سوث24 لأسابيع من أجل تسليم نسخة من كشوفات هذه المخالفات لتعزيز التحقيق، ثم لم يتسلمها في نهاية المطاف.



وثيقة تظهر عملية ضبط كميات من الشوكولاتة والبسكويت ومنتجات أخرى منتهية الصلاحية في إحدى البقالات في مديرية المنصورة بالعاصمة عدن في 25 نوفمبر 2024


في ضوء ما كشفه هذا التحقيق من شهادات ميدانية وبيانات رسمية ووثائق موثقة، تتجلى أزمة الغش التجاري في أسواق عدن كظاهرة متجذّرة تتغذى على هشاشة الرقابة وتداخل المصالح وغياب التنسيق المؤسسي بين الجهات المعنية. وعلى الرغم من تعدد الجهات الرقابية وتوفر الأطر القانونية، فإن الاستجابة لمستوى المخاطر ما تزال دون التحديات القائمة، الأمر الذي يضع صحة المواطنين وأموالهم على المحك يوميًا.


تستغل شبكات الغش والتقليد البيئة الاقتصادية المتدهورة وغياب المساءلة القانونية لترويج منتجاتها في قلب الأسواق، دون الاكتراث بعواقبها الصحية والاقتصادية. كما أن تضارب التصريحات الرسمية وتبادل الاتهامات بين المؤسسات المعنية يسلّطان الضوء على الحاجة الملحّة لإصلاح منظومة الرقابة وتحديث أدواتها، بما يضمن الحد من تسرب المنتجات المزيفة والفاسدة إلى الأسواق، خصوصًا تلك التي تتعلق بالاستهلاك البشري المباشر كالأغذية والمستحضرات الطبية.


إن استمرار الوضع الحالي لا يهدد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة فحسب، بل يفتح المجال لمزيد من الكوارث الصحية، ويقوض الجهود الرامية لحماية المستهلك وتعزيز الأمن الغذائي. ويتطلب التصدي لهذه الظاهرة إرادة سياسية فاعلة، وتفعيل أدوات الرقابة الميدانية، ورفع وعي المستهلك بحقوقه، والربط الرقمي الشفاف بين البيانات المحلية والدولية لضمان تتبع المنتجات من المصدر وحتى رف السوق.


ريا المزاحمي
صحفية يمنية مهتمة بالشؤون البيئية والاجتماعية والمرأة

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا