مركز سوث24 بواسطة الذكاء الاصطناعي
آخر تحديث في: 07-04-2025 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن
تُظهر كافة المؤشرات أن العلاقات الأمريكية الإيرانية تمر بأسوأ مراحلها منذ عقود، وأن الإدارة الأمريكية الحالية، مدفوعة بضغوط إسرائيلية ومخاوف من تقدم البرنامج النووي الإيراني، تميل إلى خيار الحسم العسكري.
مركز سوث24 | محمد فوزي
تشهد العلاقات الأمريكية الإيرانية حاليًا منعطفًا حاسمًا، في ظل مجموعة من المتغيرات والاعتبارات، بعضها يرتبط بحالة التصعيد الراهنة في الإقليم، وبعضها الآخر يتصل بتحول الإدارة الأمريكية الحالية في التعامل مع إيران، من استخدام لغة التهديد إلى التلويح بالتصعيد، على وقع تصاعد المؤشرات التي تفيد بأن المطلب الأمريكي الرئيسي من إيران في هذه المرحلة هو تفكيك منشآتها النووية بالكامل، وهو مطلب لا يُتوقع أن تستجيب له طهران. وفي ضوء ذلك، تحاول هذه الورقة رصد مؤشرات التصعيد القائم بين الولايات المتحدة وإيران، واستشراف مستقبل هذا التصعيد واتجاهاته المحتملة.
أولًا: مؤشرات التصعيد الراهن بين الجانبين
برزت في الآونة الأخيرة عدة مؤشرات عكست طبيعة المقاربة التي تعتمدها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاليًا تجاه إيران، وهي مقاربة يمكن وصفها بـ "دبلوماسية الضغوط"، وهي تشير إلى نمط من التحركات يترافق فيه طرح مطالب محددة مع ضغط مكثف وتحركات تصعيدية ملموسة. وتتمثل هذه المؤشرات في:
1- رسالة "ترامب" إلى المرشد الإيراني: وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة مباشرة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. ورغم الغموض الذي اكتنف تفاصيل الرسالة، إلا أن تقارير متعددة أشارت إلى أنها دعت إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات حول برنامجها النووي، على أساس تقليص الأنشطة النووية وتفكيك البرنامج، إلى جانب وقف الدعم للأذرع الإقليمية، وعلى رأسها حزب الله اللبناني وميليشيا الحوثي في اليمن، مقابل تخفيف العقوبات ورفع العزلة الدولية عن طهران.
وقد حمل هذا التحرك الأمريكي دلالات مهمة، أبرزها أن ترامب تعمّد مخاطبة المرشد الأعلى بصفته صاحب القرار النهائي في القضايا الاستراتيجية، كما اختار الإعلان عن الرسالة دون الإفصاح عن مضمونها، في ما بدا محاولة للضغط على إيران أو إحراجها، فضلًا عن أن الرسالة ذاتها يمكن قراءتها كمؤشر استباقي على تحرك تصعيدي أمريكي ضد طهران.
2- تنامي الحديث عن تحرك عسكري ضد إيران: في أكثر من مناسبة، لوّح الرئيس ترامب بالخيار العسكري. وفي مقابلة مع "فوكس نيوز"، صرّح بأن "إيران أمام خيارين: إما الخيار العسكري أو إبرام اتفاق"، معربًا عن تفضيله للتفاوض لأنه "لا يريد إيذاء الشعب الإيراني"، وفق تعبيره. وفي مقابلة مع "سكاي نيوز"، قال المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأمريكية، صامويل ويلبرغ، إن ترامب يدرس "خيارًا عسكريًا" ضد إيران. كما نقلت القناة 14 العبرية أن تهديدات ترامب، إلى جانب التدريبات المكثفة للجيش الإسرائيلي، توحي باقتراب شنّ "هجوم كبير وشيك على إيران"، ورجّحت أن يكون هذا الهجوم هو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.
ويتزايد الحديث عن عملية عسكرية محتملة ضد إيران في ضوء عدد من المؤشرات الإضافية، من بينها بدء الولايات المتحدة في تنفيذ ضربات غير مسبوقة ضد ميليشيا الحوثي في اليمن منذ 15 مارس الماضي، ما يمكن اعتباره رسالة تحذيرية لإيران بأنها ستكون الهدف التالي، فضلًا عن الضغوط الإسرائيلية المتصاعدة لحسم ملفي الحوثيين وإيران، وتلقي تل أبيب مؤخرًا أسلحة غير تقليدية من الولايات المتحدة، من بينها 100 قنبلة خارقة للتحصينات من نوع "BLU-109" تزن الواحدة منها نحو 875 كغم، إضافة إلى مناورات إسرائيلية في منطقة جبل الشيخ السورية على عمليات الإسقاط الجوي، ما قد يشير إلى احتمال تكرار هذا السيناريو ضد المنشآت النووية الإيرانية.
3- إرسال تعزيزات عسكرية أمريكية إلى المنطقة: شهدت الأسابيع الماضية تعزيزًا كبيرًا للوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. فقد تم إرسال حاملة الطائرات "يو إس إس كارل فينسون" لتنضم إلى "يو إس إس هاري إس ترومان"، ما ضاعف من القدرة الهجومية الأمريكية قرب السواحل الإيرانية، وسط تقارير عن احتمال إرسال حاملة طائرات ثالثة هي "يو إس إس جيرالد فورد". كما كشفت صور الأقمار الصناعية عن تمركز ست قاذفات من طراز B-2 "سبيريت" في قاعدة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، وهي القاذفات الأكثر تطورًا في الأسطول الأمريكي، مدعومة بطائرات تزويد وقود لتمكينها من تنفيذ ضربات بعيدة المدى ضد منشآت إيرانية محصنة.
4- استمرار سياسة الضغوط الاقتصادية: أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في مطلع أبريل الجاري فرض عقوبات جديدة استهدفت ستة كيانات وشخصين في كل من إيران، والإمارات، والصين. وذكر بيان الوزارة أن هذه العقوبات تستهدف شبكة متورطة في شراء مكونات طائرات مسيّرة لصالح شركة "قدس" الإيرانية للصناعات الجوية، بالتنسيق مع وزارة العدل الأمريكية. في موازاة ذلك، يبذل الجمهوريون في الكونغرس جهودًا لتقنين حملة "الضغط الأقصى" التي يقودها ترامب، عبر عشرة مشاريع قوانين تهدف إلى معاقبة القيادة الإيرانية وحرمانها من مصادر التمويل، وفرض أقسى حزمة عقوبات على إيران منذ عقود، بحسب اللجنة الجمهورية في مجلس النواب.
ثانيًا: طبيعة الرد الإيراني
تلقّت إيران الرسائل الأمريكية المتتالية، وردت عليها بمجموعة من المواقف التي عكست رفضها المطلق للتنازل عن بعض الثوابت، بالتوازي مع تحذيرها من التصعيد، وتحديدها لأطر التفاوض الممكنة، كما يلي:
1- الوساطة الإماراتية: أكدت طهران أن رسالة ترامب نُقلت إليها عبر زيارة قام بها الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، حيث سلّم الرسالة إلى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. وتأتي هذه الوساطة في ظل العلاقات المتوازنة التي تحتفظ بها أبوظبي مع الجانبين، في ظل انعدام قنوات الاتصال المباشرة بين واشنطن وطهران.
2- تحذيرات من أي عمل عسكري: أعلنت إيران رفضها التهديدات الأمريكية، محذرة من "عواقب أي عمل عدواني". وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن "تهديد رئيس دولة بقصف إيران يمثل انتهاكًا واضحًا للسلم والأمن الدوليين"، مضيفًا أن بلاده أبلغت القائم بالأعمال السويسري، ممثل المصالح الأمريكية في طهران، مذكرة رسمية بهذا الخصوص، أكدت فيها عزمها على "الرد الحاسم والفوري" على أي تهديد.
3- رفض المباحثات المباشرة مع واشنطن: أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن بلاده ترفض إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي المتسارع، لكنها تركت الباب مفتوحًا لمفاوضات غير مباشرة بوساطة سلطنة عمان، رغم أن هذه المساعي لم تحرز أي تقدم منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في 2018.
4- التهديد بالتصعيد ضد الوجود الأمريكي: ردًا على التصريحات الأمريكية، قال قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري، العميد أمير علي حاجي زاده، إن القوات الأمريكية في المنطقة "تجلس في بيت زجاجي"، وعليها "الامتناع عن رمي الحجارة"، في إشارة إلى قابلية تلك القوات للاستهداف حال تصعيد المواجهة.
5- تحديد نطاق التفاوض: أعلنت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في 10 مارس 2025 أن طهران لا تمانع في إجراء مفاوضات إذا كانت تهدف لمعالجة المخاوف العسكرية حول برنامجها النووي، وهو ما يعني ضمنيًا استعداد إيران للتخلي عن اليورانيوم عالي التخصيب وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، دون المساس بالبنية الكلية للبرنامج، مع رفض شامل لأي نقاش حول برنامجها الصاروخي أو دورها الإقليمي.
ثالثًا: التداعيات والمسارات المحتملة
في ظل استمرار التصعيد، يمكن توقع عدة سيناريوهات محتملة:
1- شنّ حملة عسكرية أمريكية إسرائيلية ضد إيران: يرجّح هذا السيناريو تنفيذ هجوم مشترك واسع النطاق يستهدف البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، ومنصات إطلاق الصواريخ، بالتزامن مع استمرار الضربات ضد ميليشيا الحوثي ومحاولة نزع سلاح حزب الله دبلوماسيًا. وتدعم هذا السيناريو تصريحات ترامب، واستعدادات الجيش الأمريكي، ونشر قاذفات B-2، إلى جانب ضغط الجمهوريين في الكونغرس، وتحركات القيادة المركزية الأمريكية.
2- رد إيراني تصعيدي: قد ترد إيران بهجمات على المصالح الأمريكية، أو إطلاق عمليات ضد إسرائيل، وتحفيز الحوثيين لمهاجمة السفن في البحر الأحمر، أو العودة إلى التصعيد عبر حزب الله. كذلك قد تلجأ إلى إعلان امتلاك سلاح نووي، خاصة بعد تقرير أمريكي في ديسمبر 2024 أشار إلى إمكانية إنتاج أكثر من 12 قنبلة نووية، وتلويح إيران بهذا السيناريو في حالة التصعيد ضدها. أما إغلاق مضيق هرمز، فاحتماله ضعيف بالنظر إلى التوازنات العسكرية والاقتصادية، ولتجنّب مواجهة مباشرة مع القوى الدولية.
3- العودة إلى التفاوض: يفترض هذا السيناريو استئناف المفاوضات، على الأرجح بشكل غير مباشر، لكن معضلة تحديد الإطار التفاوضي ما تزال قائمة، إذ تصر واشنطن على تفكيك البرنامج النووي، بينما تسعى طهران إلى فرض معادلة تركز على "الضمانات الأمنية" فقط. ومع تصاعد الضغط من الجمهوريين وإسرائيل، وتزايد فقدان الثقة، تبدو فرص نجاح هذا السيناريو محدودة.
ختامًا.. تُظهر كافة المؤشرات أن العلاقات الأمريكية الإيرانية تمر بأسوأ مراحلها منذ عقود، وأن الإدارة الأمريكية الحالية، مدفوعة بضغوط إسرائيلية ومخاوف من تقدم البرنامج النووي الإيراني، تميل إلى خيار الحسم العسكري. وفي حال تحقق هذا الخيار، سيكون الإقليم أمام دورة تصعيد واسعة وغير مسبوقة خلال المدى القريب والمتوسط.
قبل 3 أشهر
قبل 10 أيام