جنود من كتيبة داناب الصومالية خلال حفل تخرج بعد 14 أسبوعًا من التدريب مع الجيش الأمريكي على اللوجستيات وصيانة المعدات الثقيلة. المصدر: إيفان باركر / وسائل الإعلام الدفاعية.
آخر تحديث في: 04-03-2025 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
"قد تستفيد تنظيمات مثل داعش والقاعدة، من غياب الدعم الأمريكي، مما يتيح لهما إعادة تنظيم صفوفهما والتوسع في مناطق كانت تحت مراقبة أو تهديد من قبل القوات الأمريكية.."
مركز سوث24 | إبراهيم علي
في خطوة مفاجئة بعد ساعات قليلة من توليه منصب الرئيس الأمريكي في 19 يناير، اتخذ دونالد ترامب قرارا بتجميد شامل للمساعدات المالية الأمريكية الموجهة إلى برامج المساعدات الخارجية والتي تمس من بين أمور أخرى البرامج التي كانت مخصصة لمكافحة الجماعات الإرهابية حول العالم، بما في ذلك الجهود الرامية إلى مكافحة حركة الشباب في الصومال وتنظيم القاعدة في غرب أفريقيا.
ويعتبر هذا التجميد خطوة مثيرة للجدل، حيث كان دعم هذه البرامج جزءا من السياسة الأمريكية الخارجية في محاربة الإرهاب العالمي. كما كانت هذه المساعدات تقدم الدعم المالي والتدريبي للعديد من الدول والشركاء في المنطقة بهدف مكافحة الجماعات الإرهابية التي تهدد الاستقرار العالمي.
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية سلطت الضوء على المخاطر التي قد تنجم عن هذا التجميد. وأشارت على لسان مسؤولين أمريكيين إلى أن "العديد من البرامج المتأثرة مصممة خصيصا للرد على تهديدات الأمن القومي، وأن تعليقها يمكن أن يعرض الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين للخطر."
وفي وقت حساس، حيث تكثّف الجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب وتنظيم القاعدة هجماتها في العديد من الدول الأفريقية وفي ضوء تقارير تشير إلى تطوير تعاون وتنسيق بين جماعات إرهابية في القرن الأفريقي وجماعة الحوثيين، يمثل هذا القرار تحديا كبيرا. وعلى الأرجح، فإن تعليق الدعم الأمريكي سيجعل مكافحة الإرهاب أكثر صعوبة في المناطق التي تعاني من ضعف شديد في الموارد الأمنية والعسكرية، كاليمن على سبيل المثال، وهو ما قد يوفر مساحة لتلك الجماعات للتوسع والتمدد.
على الرغم من ذلك، فإن إدارة ترامب بررت القرار بمراجعة شاملة لسياسات المساعدات الأمريكية، موضحة أنها تهدف إلى إعادة تقييم فعالية تلك البرامج وضمان تحقيق أفضل النتائج في مكافحة الإرهاب. لكن المخاوف تزداد بشأن تبعات هذا التجميد على الأمن الدولي والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ما يجعل مستقبل تلك الجهود في مهب الريح.
ما وراء النهج الجديد؟
يمكن إرجاع قرار ترامب، بتجميد المساعدات الموجهة لمكافحة الإرهاب في مرحلته الرئاسية الثانية رغم تصعيده للحرب على الإرهاب في مرحلته الأولى، إلى عدة عوامل سياسية واستراتيجية، منها:
- تغيّر في الأولويات الاستراتيجية: في ولايته الثانية، بدأ ترامب في التركيز أكثر على الانسحاب التدريجي من الحروب الطويلة في الشرق الأوسط وآسيا، مثل تلك التي كانت تتطلب مشاركات كبيرة من الولايات المتحدة في الحروب ضد الإرهاب، مثل سوريا. وبالتالي، فإن تجميد المساعدات قد يعكس التزام ترامب بنهج "أمريكا أولا"، الذي يسعى إلى تقليل التورط العسكري والدبلوماسي المكلف لواشنطن في مناطق نزاع مستمرة.
- ضغط لتقليل الإنفاق الحكومي: حيث كان ترامب يسعى في ولايته الثانية إلى تقليص حجم الإنفاق الحكومي بشكل عام، وخاصة المساعدات الدولية. ويعتبر تجميد أو تقليص المساعدات لمكافحة الإرهاب جزءا من استراتيجيته لتقليص الميزانية الفيدرالية والمساعدات الخارجية، وبالتالي الحفاظ على الموارد المالية داخل الولايات المتحدة.
- الموقف من حلفاء الولايات المتحدة: تجميد المساعدات قد يكون أيضا نتيجة لمواقفه السياسية تجاه حلفاء الولايات المتحدة. إذ كان ترامب يميل إلى توجيه انتقادات علنية لحلفاء واشنطن الذين لم يساهموا بما فيه الكفاية في تمويل الجهود العسكرية أو في دعم أهداف الولايات المتحدة ضد الإرهاب، كما يفعل مع دول حلف شمال الأطلسي التي يطالبها برفع نسبة إنفاقهم على الناتو إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي. في هذا السياق، قد يكون تجميد المساعدات بمثابة ضغط على الدول الحليفة لتقديم المزيد من الموارد أو لتسريع إصلاحات في سياساتهم المحلية والإقليمية.
- تركيز على محاربة الإرهاب داخل أمريكا: من غير المستبعد أن يكون ترامب قد قرر أن التركيز يجب أن يكون أكثر على مكافحة الإرهاب داخل الولايات المتحدة، خاصة بعد الهجمات الداخلية التي شهدتها البلاد في ظل صعود الجماعات المتطرفة. وبالتالي، ربما يكون قد فضل توجيه الموارد لمكافحة الإرهاب الداخلي بدلا من تقديم مساعدات دولية.
- التغيير في أساليب محاربة الإرهاب: على الرغم من أن ترامب قد صعّد من الحرب على الإرهاب في ولايته الأولى، إلا أنه من غير المستبعد أن يكون ترامب قد اعتقد أن نهج المساعدات التقليدية لمكافحة الإرهاب لم يكن فعّالا بما يكفي في المدى الطويل. لذا قد تكون إدارته لجأت إلى مقاربة جديدة لا تشمل بالضرورة تقديم مساعدات مالية ضخمة، بل التركيز على استراتيجيات أخرى مثل الضغط الدبلوماسي أو المساعدات الأمنية ذات الطابع المحدد.
بالمجمل، يمكن تفسير قرار ترامب بتجميد المساعدات لمكافحة الإرهاب من خلال مجموعة من الأسباب الاستراتيجية الداخلية والخارجية التي تعكس تحولات في سياساته تجاه حروب الشرق الأوسط وأولوياته الاقتصادية والعسكرية في ولايته الثانية.
تداعيات القرار
لا شك أنَّ من شأن إيقاف أو تقليص الولايات المتحدة لدعمها للحرب على الإرهاب قد يكون له تداعيات كبيرة على المستويات الإقليمية والدولية، من أبرزها:
- تعزيز قدرة الجماعات الإرهابية: قد تستفيد تنظيمات مثل داعش والقاعدة، من غياب الدعم الأمريكي، مما يتيح لهما إعادة تنظيم صفوفهما والتوسع في مناطق كانت تحت مراقبة أو تهديد من قبل القوات الأمريكية. بدون هذا الدعم، قد تزداد عملياتهم وتوسعهم في مناطق جديدة.
- تدهور الأمن العالمي: من المهم الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد وضعت خططًا لمحاربة الإرهاب في مناطق مثل الشرق الأوسط وأفغانستان ودول شمال إفريقيا، والوقف المفاجئ لهذا الدعم قد يؤدي إلى تدهور الاستقرار في هذه المناطق، الأمر الذي قد يفتح الباب لزيادة الهجمات الإرهابية في الدول الغربية والعالم بأسره.
- تزايد التوترات بين الدول: قد يؤدي وقف الدعم الأمريكي إلى زيادة التوتر بين الدول التي تعتمد على مساعدة الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. فبعض الحلفاء الرئيسيين قد يشعرون بخيبة أمل، وقد تؤدي هذه التوترات إلى قلة التنسيق في مكافحة الإرهاب، وبالتالي تؤثر سلبا على التعاون الدولي.
- ضغوط على الحلفاء الإقليميين: في حال توقفت الولايات المتحدة عن دعم حروب مكافحة الإرهاب، سيضطر حلفاؤها في المنطقة مثل دول الخليج العربي وتركيا، إلى تحمل مسؤولية أكبر في مواجهة تهديدات الإرهاب، ما قد يخلق تحديات إضافية لأمنهم الداخلي والعالمي وخلق تنافسات جيوسياسية جديدة.
- تعزيز النفوذ الروسي والصيني: قد تسعى كل من روسيا والصين إلى ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأمريكي من الحرب على الإرهاب. إذ يمكن أن تستفيد هذه الدول من غياب القيادة الأمريكية لتعزيز نفوذها في المناطق التي كانت تحت السيطرة الأمريكية.
- التأثير على السياسة الداخلية الأمريكية: في الداخل، قد يؤدي وقف الحرب على الإرهاب إلى تقسيم سياسي كبير حول مدى فاعلية هذه الحرب وأسبابها. هذا قد يؤثر على أي انتخابات قادمة وصورة الولايات المتحدة في العالم.
في اليمن
وبالنسبة إلى الوضع في اليمن، فإن هذا القرار جاء في وقت حساس، حيث يعاني اليمن من تبعات حرب مستمرة منذ سنوات، ويواجه تهديدات متعددة من جماعات إرهابية مثل القاعدة وداعش وجماعات دينية أخرى مثل جماعة الحوثيين. ولا شك أنَّ هذا التجميد سيضر بشكل مباشر بقدرة القوات الحكومية على مكافحة هذه الجماعات، التي تستغل الفوضى لتمرير أجندتها.
وحتى لو كان قرار تجميد المساعدات قد جاء في سياق مراجعة السياسات الأمريكية في المنطقة، وتحديد مدى فاعلية تلك المساعدات في مواجهة الإرهاب. ولكن على أرض الواقع، يمكن أن يكون لهذا القرار تأثير سلبي على جهود مكافحة الإرهاب في اليمن. ذلك على الرغم من أنّ الأسابيع الأولى من ولاية ترامب الثانية شهدت عدة عمليات عسكرية باستخدام الطائرات المسيّرة استهدفت قيادات بارزة في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في مأرب وأبين وشبوة.
يشمل الدعم الأمريكي للقوات المحلية في اليمن تقديم التدريب وبعض المعدات والدعم اللوجستي والاستخباري. وقد انخفض هذا الدعم مؤخرا. وبغياب هذا الدعم كليا، قد تجد تلك القوات نفسها في موقف صعب، خاصة في ظل الموارد المحدودة والضغط المستمر من الجماعات المسلحة. وهذا قد يهدد بتوسيع تهديدات هذه الجماعات نحو مناطق جديدة.
وبالنسبة إلى المجتمع الدولي، ربما يثير قرار ترامب تساؤلات حول التزام الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، خاصة في البلدان التي تشهد صراعات طويلة مثل اليمن.
وإذا لم تتمكن الحكومة اليمنية أو القوات الجنوبية من مواجهة هذا التهديد بمفردها، فإن تصاعد النشاط الإرهابي قد يمتد إلى دول أخرى في المنطقة، مما يزيد من خطر تهديدات الأمن الإقليمي والدولي. وهنا قد يكون من الضروري إعادة النظر في آليات دعم مكافحة الإرهاب بما يضمن فاعلية أكبر على الأرض دون الإضرار بالاستقرار المحلي.
التزام تاريخي
منذ الهجمات الإرهابية التي استهدفت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001، أصبحت أمريكا في قلب الحرب الدولية على الإرهاب، متبنية دور القائد في التصدي لهذه الظاهرة التي تهدد الأمن العالمي.
وقد فرضت تلك الهجمات على الولايات المتحدة التزاما تاريخيا وشراكة مع دول العالم لمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله، ما جعلها القوة الدافعة الأولى وراء تشكيل التحالفات الدولية والمبادرات المشتركة لمكافحة الإرهاب، سواء عبر التدخلات العسكرية أو من خلال الدعم الاستخباراتي واللوجستي للدول الشريكة.
كما قامت الولايات المتحدة من خلال هذه الحرب بتطوير استراتيجيات متعددة لمكافحة التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك في ولاية ترامب الأولى. وعلى الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهتها أمريكا في الحروب المباشرة في العراق وأفغانستان، إلا أن موقفها الحاسم على الساحة الدولية ساعد في دفع دول أخرى للمشاركة في التصدي لهذه التهديدات.
ولا يمكن نكران أن الدعم الأمريكي في مجالات التدريب، الموارد المالية، والمعلومات الاستخباراتية قد أسهم في تعزيز قدرة الدول الأخرى على مكافحة الإرهاب داخل حدودها. لكن مع مرور الوقت، بدأت العديد من الأصوات تتساءل عن مستقبل هذه الحرب وأولويات أمريكا في دعمها، خصوصا في ضوء تسجيل انتهاكات متعددة لمدنيين أبرياء بما في ذلك في اليمن، وفي ضوء تقارير أمريكية أشارت إلى أنّ الحروب الأمريكية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر تسببت بمقتل 4.5 مليون شخص في دول مثل أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا وليبيا والصومال واليمن.
صحيح أن العديد من الدول قد قامت بتطوير قدراتها الأمنية ونجحت في إضعاف بعض التنظيمات الإرهابية، إلا أن العديد من التهديدات لا تزال قائمة. كما أن الإرهاب الدولي قد تغير في شكله وطرق عمله، ليأخذ مسارات جديدة مع استغلال الإنترنت والشبكات الاجتماعية في تجنيد المتطرفين، مما يجعل الحاجة إلى الدعم المستمر من الولايات المتحدة أمرا ضروريا.
صحيح أنّ واشنطن ومن خلال استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 خلصت إلى أنّ "التنافس الاستراتيجي بين الدول هو اليوم الشاغل الرئيسي للأمن القومي الأمريكي، وليس الإرهاب". إلا أنه يتحتم على واشنطن أن تظل في صدارة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، ليس فقط على المستوى العسكري، ولكن أيضًا من خلال المبادرات الاقتصادية والدبلوماسية، باعتبار ذلك مسؤولية استراتيجية لا يمس مصالح أمنها الوطني، بل الاستقرار العالمي.
وفي الوقت الذي قد تركز فيه بعض الدول على تحدياتها الداخلية، تبقى الحاجة إلى التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب في أشكال جديدة وفي مناطق جغرافية متفرقة من العالم أمرا ملحا.
قبل شهرين
قبل 3 أشهر