القوات الجنوبية المشاركة في عملية سهام الشرق، أكتوبر 2022 (مركز سوث24)
آخر تحديث في: 20-02-2025 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن
منذ أن تصاعد نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن مطلع الألفية، شكّل التنظيم تهديدا خطيرا للأمن والاستقرار في المنطقة، إذ نفّذ أكثر من عملية عابرة للحدود، غير أن الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية، أسفرت عن تصفية العديد من قادة التنظيم البارزين، مما أضعف قوته بشكل ملحوظ. فخلال السنوات الماضية، نجحت الطائرات الأمريكية من دون طيار في توجيه ضربات فعالة ضد تنظيم القاعدة في اليمن، تسببت بتصفية جُلّ قادة التنظيم البارزين، في صفه الأول والثاني والثالث. وكان معظم هؤلاء ممن تلقوا تدريبات في أفغانستان.
تركت هذه الهجمات فراغا على مستوى القيادة، وخاصة في الجوانب العسكرية والشرعية والإعلامية للتنظيم، إذ تم القضاء على العديد من العقول الاستراتيجية، مثل القادة العسكريين الذين كانوا يشرفون على العمليات الكبرى، بالإضافة إلى الشخصيات الإعلامية التي كانت تحاول استقطاب الأعضاء الجدد من خلال الدعاية المحرضة. كما تعرضت الشخصيات القيادية الدينية، التي كانت تلعب دورا كبيرا في الترويج لعقيدة التنظيم وإصدار فتاوى شرعية تدعم وتروج لنشاطه، لعمليات تصفية كانت بمثابة ضربة قوية للقاعدة.
ومع استمرار هذه الهجمات، تقلصت قدرة القاعدة في اليمن على إعادة تشكيل صفوفه بصورة مماثلة لما كان عليه وضعه في السابق، مما جعله يواجه صعوبة في ملء المناصب القيادية بعد مقتل كبار قادته. على الرغم من ذلك، لا تزال هناك بعض الخلايا الناشطة للتنظيم في مناطق مختلفة من اليمن، وتستمر في محاولاتها لإعادة تنظيم صفوفها رغم الخسائر الفادحة التي تكبدها خلال السنوات الأخيرة.
ومن قيادات التنظيم، مازال هناك قلة من القيادات التي استطاعت النجاة من الهجمات الأمريكية، ولكنها أقل حنكة ودهاء مقارنة بسابقيها. فهؤلاء القادة الجدد لا يمتلكون نفس الخبرة أو القدرات القيادية التي كان يتمتع بها القادة السابقون، ما يجعل التنظيم يعاني من ضعف في هيكله القيادي وقدرته على التخطيط والتنفيذ.
حاليا، يواجه فرع تنظيم القاعدة في اليمن تحديات كبيرة في استعادة قوته. فلا يزال التنظيم يفتقر إلى القيادة الموحدة التي كانت موجودة في الماضي، كما أن الموارد المالية والبشرية للتنظيم أصبحت محدودة. على الرغم من محاولاته لإعادة بناء هياكله، فإن الواقع يشير إلى أن التنظيم أصبح أقل قدرة على تنفيذ عمليات واسعة النطاق.
وعلى رغم هذه التحديات، فإن تنظيم القاعدة في اليمن لم ينقرض بعد. فحتى في ظل الخسائر الجسيمة، لا يزال هناك العديد من القادة والأنصار الذين يسعون للحفاظ على وجود التنظيم في المنطقة، إلا أن الطائرات الأمريكية مستمرة في تعقبهم واستهدافهم.
يمكن القول أنّ محمد بن صالح المغي، المكنّى بـ (أبو علي الديسي)، هو آخر القادة الكبار للتنظيم الذين قُتلوا بغارات لطائرات أمريكية من دون طيار، إذ لقي الديسي مصرعه مع قائد عسكري كبير مطلع الشهر الجاري في محافظة شبوة. وبهذا يكون الديسي، وهو قيادي شرعي بارز، قد انضم إلى قائمة كبيرة من القيادات الكبيرة والمؤثرة التي قتلت بطائرات مسيرة خلال السنوات الماضية، من بينهم (أمير التنظيم ناصر الوحيشي، نائب الأمير سعيد الشهري، المسئول العسكري نصر الآنسي، المسئول الشرعي عادل العباب، المسئول الدعوي مأمون حاتم، القيادي الشرعي والدعوي إبراهيم الربيش، المسئول الشرعي حارث النظاري، أمير التنظيم بعد الوحيشي قاسم الريمي، أمير التنظيم بعد الريمي خالد باطرفي.)
من المهم الإشارة هنا إلى أن اثنين من قادة التنظيم البارزين، وهما محمد سعيد المحمدي، المكنى بـ (أبو يوسف الحضرمي)، وأبو عاصم الصنعاني، لقيا مصرعهما بانفجار دراجة نارية في منطقة الصمدة بمحافظة مأرب في 8 فبراير الحالي، وهذه العملية تعتبر الأولى من نوعها. ويعتبر المحمدي واحدا من القادة الشرعيين الذين لقوا حتفهم مؤخرا بصورة متتابعة، فخلال شهر واحد، بلغ عدد القتلى الشرعيين من القاعدة نحو أربعة.
عقب هذه الحادثة، لقي اثنان آخران من قادة التنظيم مصرعهما في غارتين منفصلتين لطائرات أمريكية مسيّرة يوم الأربعاء 12 فبراير الحالي. حيث قتل أبو محمد الهذلي المكي، الذي يحمل الجنسية السعودية، في غارة أمريكية بمنطقة المصينعة في محافظة شبوة، بينما قتل أيوب اللحجي بغارة مماثلة في محافظة أبين. وتعد هذه الغارات تطورا كبيرا في نطاق العمليات العسكرية، إذ تعتبر المرة الأولى التي تمتد فيها الغارات لتشمل محافظتي أبين وشبوة، بعد أن تركزت خلال السنوات الماضية بشكل رئيسي في محافظة مأرب، وبالتحديد في وادي عبيدة.
وتأتي هذه العمليات الجوية مع استمرار عملية برية واسعها تقودها القوات الجنوبية ضمن ما يُعرف بـ "عملية سهام الشرق" لمكافحة التنظيم في محافظة أبين، والتي انطلقت في أغسطس 2022. وقد نجحت العملية في إضعاف قدرات التنظيم وفرضت حصارا محكما على تحركاته في المناطق الجنوبية. كما تمكنت من تقليص نفوذه في بعض المناطق التي كانت تعتبر معقلاً رئيسياً له، مما زاد من صعوبة تحركات عناصر التنظيم. وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها القوات الجنوبية في ظل الظروف الأمنية والجغرافية المعقدة، إلا أن استراتيجيتها في التضييق على القاعدة جعلته عرضة لضربات الطائرات الأمريكية من دون طيار.
بعض صورة قادة التنظيم الذي لقوا مصرعهم خلال الأسابيع الماضية بغارات جوية أمريكية وآخر بعملية أمنية للقوات الجنوبية (الصورة بواسطة: محمد بن فيصل على x)
من بقي من قادة القاعدة في اليمن؟
يشير تعيين سعد عاطف على رأس فرع تنظيم القاعدة في اليمن إلى أزمة كبيرة يواجهها التنظيم فيما يتعلق بتوافر القيادات، خاصة المحلية منها. فعلى الرغم من أهمية هذا المنصب، يعتبر عاطف من القيادات الأقل تأثيراً مقارنة بالقادة البارزين في التنظيم، ما يعكس افتقار القاعدة إلى كوادر ذات مستوى عالٍ من الخبرة القيادية المحلية. ومع ذلك، فقد مثَّل عاطف "خيار الضرورة" في ظل غياب خيارات أخرى تملأ هذا الفراغ القيادي.
كما يعد سعد عاطف من بين القادة القلائل الذين تمكنوا من النجاة من الغارات الجوية المكثفة التي تشنها الطائرات الأمريكية بدون طيار، وهي غارات تستهدف كبار قيادات التنظيم. على الرغم من ذلك، لا يزال عاطف يعاني من نقص في الخبرات القيادية المحلية. ويعتمد التنظيم بشكل متزايد على قادة آخرين ذوي خلفيات غير يمنية. لكنَّ هؤلاء القيادات، رغم خبرتهم الطويلة، يظل تواجدهم في اليمن محدودا، ولا يتم تعيينهم في مناصب قيادية مهمة، لكنهم يلعبون أدوارا مؤثرة. ومن بين هؤلاء القادة؛ (إبراهيم البنا "مصري الجنسية"، أسامة القوصي "سوداني الجنسية"). أما القادة المحليون، فهم: سعد عاطف العولقي، منير البجلي الأهدل، سمير بلقدي، ريان الحضرمي والقاضي أبو بشر (معتقل لدى سلطات مأرب). فضلا عن قيادات ميدانية وشرعية أخرى من مستويات دنيا.
وفي ظل ضعف تنظيم القاعدة على مستوى القيادة المركزية في أفغانستان وباكستان، يبدو أن اليمن قد يتحول إلى نقطة محورية للتنظيم في المنطقة. ويعد الفرع اليمني أحد الأفرع الأكثر نشاطا في شبكة القاعدة العالمية، وإن تراجع نشاطه خلال السنوات الماضية، للأسباب التي أوردناها. وتحاول القيادة العامة للتنظيم، سد فراغ نزيف القيادات بإرسال قيادات جديدة وازنة إلى هذا الفرع.[1]
وبين العامين 2022 و 2023، أرسل زعيم تنظيم القاعدة، أحمد سيف العدل، مجموعة[1] من القيادات الميدانية إلى اليمن في خطوة تهدف إلى سد الفراغ القيادي الذي خلّفته الهجمات الأمريكية. العدل، الذي يُعتبر أحد أبرز قادة القاعدة، يراهن على اليمن كحاضنة جديدة للتنظيم، إذ يمكن للقيادات الجديدة إدارة عمليات التنظيم بشكل أكثر فاعلية وتحقيق استمرارية النشاط الجهادي في المنطقة. هذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية جديدة لتعزيز العمليات المحلية، خاصة في ظل تزايد الضغط على التنظيم في مناطق أخرى من العالم. وكان من بين من أرسلهم سيف العدل إلى اليمن، ابنه خالد، والذي قُتل لاحقا بحريق في شقته بمحافظة مأرب في شهر مارس 2024.
ولا شك أن تعزيز التنظيم لفرعه اليمني يعكس التحديات الأمنية التي ستواجهها اليمن والمنطقة في المستقبل القريب، خصوصا وأن التعزيز لهذا الفرع لا يقتصر على إرسال قيادات فقط، إذ تشير المعلومات إلى أن التنظيم حصل على أموال من إيران أيضا. وفي ظل هذا التطور، يمكن القول إن العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب التي تقودها القوات الجنوبية في اليمن تحتاج إلى تنسيق أكبر بين القوات المحلية والدولية لمواجهة هذه التهديدات المتنامية. كما أن دعم المجتمع الدولي لجهود القوات الجنوبية في مكافحة الإرهاب يعد أمرا بالغ الأهمية، خاصة في ظل عودة التنظيمات الإرهابية للتموضع في مناطق غير خاضعة للرقابة، مما يستدعي استراتيجيات جديدة لمكافحة انتشار هذه التنظيمات.
لا شك أن تنظيم القاعدة في اليمن يواجه تحديات كبيرة، في مقدمتها الضربات الجوية المتواصلة التي تستهدف قياداته وعناصره، فضلاً عن العمليات الأمنية التي تنفذها القوات الجنوبية بدعم من التحالف العربي. كما يعاني التنظيم من انقسامات داخلية وخلافات بين بعض قياداته، وهو ما يؤثر على تماسكه وقدرته على تنفيذ عمليات نوعية.
وعلى الرغم من هذه التحديات، لا يزال تنظيم القاعدة في اليمن يشكل تهديدا حقيقيا، خاصة في ظل غياب الاستقرار السياسي في البلاد، وبالتوازي مع سيطرة مليشيا الحوثيين على الشمال. هذا التهديد قد يتضاعف إذا كان هناك توجه دولي وأمريكي على وجه الخصوص لتقليص جهود مكافحتها للإرهاب في المنطقة. إذ فرض الرئيس الأمركي دونالد ترامب بعد ساعات من توليه منصبه في 19 يناير الماضي، تجميدا شاملا على المساعدات الخارجية للبرامج التي تهدف إلى مواجهة الإرهاب، مثل التصدي لحركة الشباب واحتواء انتشار تنظيم القاعدة في غرب أفريقيا. وبحسب صحيفة الواشنطن بوست فإنّ هذا التجميد يهدد جهود مكافحة الإرهاب في العالم ويعرّض الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة للخطر.
إبراهيم علي
اسم مستعار لزميل غير مقيم في مركز سوث24، وخبير في شؤون في الجماعات المسلّحة. طلب عدم إظهار هويته الحقيقية لظروف شخصية.
قبل شهرين
قبل 1 شهر
قبل 3 أشهر