توكل كرمان تقود مظاهرة للمطالبة بتنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن السلطة - صنعاء، 27 يونيو 2011 (Keystone)
آخر تحديث في: 05-03-2025 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | علي عبد الإله سلّام
تمرّ اليمن منذ أحداث فبراير2011 بتحولات عميقة أثرت على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وعلى الرغم من أن هذه الأحداث بدأت بثورة شعبية تطالب بالإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية ضد نظام علي عبدالله صالح، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى صراع بين القوى التقليدية والناشئة. كان عمر هذه الأحداث فقط ثلاث سنوات حتى تحوّلت إلى حرب حقيقية في العام 2015 تغيّر فيها شكل الدولة اليمنية بما فيها المؤسسات العسكرية، مما أدى إلى مرحلة من عدم الاستقرار اُرتكبت خلالها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك ما قد يصل إلى جرائم حرب، في جميع أنحاء البلاد. وبحلول نهاية 2019، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 233 ألف يمني لقوا مصرعهم نتيجة القتال والأزمة الإنسانية. في غضون ذلك، وثّقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قتل وجرح أكثر من 200 ألف مدني في القتال منذ مارس/آذار 2015. يعاني نحو ما يزيد عن 17 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي من إجمالي السكّان الذين يبلغ عددهم قرابة 35 مليون نسمة.
فمن هم المستفيدون والخاسرون من هذه الأحداث؟
أولا: القوى السياسية التقليدية
حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون): استفاد الحزب في البداية من الحراك الشعبي ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث عزز نفوذه السياسي والعسكري. غير أن التغيرات اللاحقة، خاصة بعد حرب 2015، أضعفت نفوذ الحزب في الشمال، ومكنته من توسيع نفوذه في مناطق الوسط والجنوب، بما في ذلك أجزاء من تعز ومأرب ووادي حضرموت ومحافظة شبوة، قبل أن يتلاشى نفوذه لاحقا في محافظة شبوة في 2021 عقب سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي عليها. وعلى الرغم من إزاحة نائب الرئيس اليمني السابق، علي محسن الأحمر، الحليف الاستراتيجي للحزب من السلطة، إلا أنّ الحزب ظل حاضرا في مؤسسات الدولة بما في ذلك في حكومة المناصفة التي تشكّلت وفقا لاتفاق الرياض لعام 2019، ومجلس القيادة الرئاسي الذي تشكّل في أبريل 2022.
ولا يمكن إغفال أنّ معظم قيادات الحزب، الذي انخرطوا في ثورة فبراير، غادروا البلاد بعد سقوط صنعاء، وباتوا يقيمون اليوم خارج اليمن، في دول مثل تركيا والرياض والقاهرة.
جماعة الحوثيين: كانت أحداث 11 فبراير نقطة تحول لصعود الحوثيين إلى المشهد السياسي والعسكري بقوة. الجماعة التي قادت ستة حروب ضد نظام علي عبدالله صالح. وقد ذهبت مبررات الحروب الست التي شنّها صالح على صعدة أدراج الرياح. إذ تمكن الحوثيون في نهاية المطاف التوسع عسكريا والسيطرة على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 ومعظم محافظات شمال اليمن، على الرغم من تدخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية في البلاد.
تطورت تدخلات جماعة الحوثيين بعد السابع من أكتوبر 2023 عبر الهجمات الصاروخية على بعض موانئ ومناطق في إسرائيل، بعد أنّ شنوا، في 19 من ذات الشهر، هجومًا كبيرًا بمقذوفات صاروخية باليستية وطائرات مسيّرة هجومية أحادية الاتجاه، على مدينة (ميناء) إيلات، ضمن ما اعتبروه لاحقا "مساندة للشعب الفلسطيني". وقد تلت هذه الهجمات اختطاف سفينة تجارية واستهداف ما يزيد عن مئتي سفينة تجارية وعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، تسببت بمقتل عدة بحارة وإغراق سفينتين تجاريتين في مياه البحر الأحمر، وتعطيل حركة التجارة الدولية.
المؤتمر الشعبي العام: الحزب الذي سيطر على البلاد برمتها لـ 21 عام كان له نصيب واسع من تداعيات أحداث 11 فبراير. إذ فقد الحزب سلطته بعد الإطاحة بصالح ومقتله لاحقا في 2017 على يد الحوثيين، إلا أن جناحًا منه لا يزال متحالفًا مع الجماعة في صنعاء، فيما استفاد جناح آخر (طارق صالح – أحمد صالح) من التحولات لإعادة تموضعه بدعم إقليمي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك لا تزال قيادات من الحزب تتواجد في هرم مؤسسات الدولة المعترف بها في البلاد، مثل المجلس الرئاسي ومجلس النواب المنتهية ولايته ومجلس الشورى.
ثانيا: الفاعلون الإقليميون والدوليون
الدور الإيراني: بعد أحداث 2011 في اليمن، لعبت إيران دورًا متزايدًا في الأزمة اليمنية، وتحديدًا بعد بداية ما يُعرف بالربيع العربي التي أطاحت بنظام الرئيس صالح. حيث وجدت في اليمن ساحة لتعزيز نفوذها الإقليمي، ودعمت الحوثيين سياسيًا وعسكريًا، مما منحها ورقة ضغط في المنطقة. كان دور إيران في اليمن جزءًا من استراتيجيتها الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز نفوذها في الدول المجاورة. حيث ساهمت في تعزيز قوة الحوثيين في شمال اليمن، خاصة في محافظة صعدة. ودعمت إيران الجماعة بالأسلحة، والتدريب، والتمويل، مكنتهم من مواجهة الحكومة اليمنية في صنعاء وإسقاطها بيد عناصرها، مستفيدين من تراخي الأطراف الرئيسية في مواجهتهم وسيطرة الجماعة على القدرات العسكرية التقليدية للجيش اليمني، من بينها صواريخ سكود. ولاحقا دعمت إيران الجماعة بالتكنولوجيا المتقدمة في مجال الصواريخ والطائرات بدون طيار حتى أصبحت تهديدا عابرا للحدود ضد دول مثل السعودية والإمارات والملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ثالثا: الدور الخليجي
الدول الخليجية: بعد أحداث 2011 في اليمن، التي شهدت احتجاجات شعبية واسعة ضد الرئيس صالح، لعبت دول مجلس التعاون الخليجي دورًا مهمًا في محاولة حل الأزمة السياسية في اليمن. كان هذا الدور جزءًا من المبادرة الخليجية التي تم طرحها في 2011، والتي كانت تهدف إلى إنهاء النزاع القائم وتعزيز الاستقرار في البلاد.
في أبريل 2011، قدّم مجلس التعاون الخليجي مبادرة لحل الأزمة في اليمن. المبادرة كانت تتضمن خطة انتقالية تنص على أن يتنحى الرئيس صالح عن السلطة مقابل منح حصانة قضائية له ولأعضاء حكومته، حيث كانت المبادرة الخليجية تهدف إلى تفادي العنف وخلق انتقال سياسي سلمي في اليمن، وهو ما تم تأكيده من خلال الدعم الدبلوماسي والمادي من دول الخليج. في نوفمبر 2011، وقّع الرئيس صالح على المبادرة الخليجية، تخلى فيها عن السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي، وبموجبها تم تشكيل حكومة انتقالية برئاسة محمد سالم باسندوة.
ومن أبرز ملامح الدور الخليجي لأحداث فبراير 2011، ساعدت دول الخليج في توفير الدعم المالي والسياسي لحكومة هادي، وكذلك في تنظيم مؤتمر الحوار الوطني خلال عامي 2013 و 2014، الذي كان يهدف إلى إعادة بناء النظام السياسي في اليمن.
في 2015، بعدما سيطرة مليشيا الحوثيين على العاصمة صنعاء وبقية المناطق الشمالية وتوجهت نحو الجنوب، تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، الذي ضم دول الخليج بشكل رئيسي باستثناء سلطنة عمان لدعم الحكومة اليمنية. وعقب ذلك تطورت الحرب في اليمن إلى صراع عسكري شامل بين الحوثيين المدعومين من إيران وحكومة هادي المدعومة من التحالف العربي، وعلى الرغم من هدنة الأمر الواقع التي رعتها الأمم المتحدة، وانتهت في أكتوبر 2022، لا يزال الاقتتال – ولو بصورة منخفضة - في عدة جبهات حدودية بين الأطراف اليمنية مستمرا.
رابعا: الجماعات المتطرفة
مسلحو تنظيم القاعدة: سيطر مسلحون من القاعدة على مدينة جعار وعدة مناطق أخرى مجاورة في محافظة أبين جنوب اليمن تزامنا مع أحداث ما عرف بـ "ثورة الشباب"، في حين اتهمت المعارضة الرئيس علي عبد الله صالح بتسليم المدينة إلى تنظيم القاعدة لاستدراج أنظار العالم صوب خطر التنظيم من أجل مساندته. واستغل القاعدة الفوضى الأمنية وضعف الدولة لزيادة نشاطه في بعض المناطق اليمنية، ما منحها مجالًا أوسع للتجنيد وتنفيذ عملياتها.
لاحقًا، سيطر مسلحو التنظيم على مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت، في 2 إبريل عام 2015 في عملية غامضة أثارت تساؤلات كثيرة، لكن القوات المحلية، التي سميت لاحقا بـ "النخبة الحضرمية"، وبدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، تمكنت في 2016 من طرد التنظيم وتحرير مدن حضرموت.
وبين عامي 2015 و 2016 استطاع تنظيم القاعدة فرض سيطرته على بعض المناطق في أبين وشبوة. لكنّ القوات الجنوبية (الحزام الأمني، النخبة الشبوانية (لاحقا قوات دفاع شبوة)، ألوية العاصفة وأمن أبين)، المدعومة من التحالف العربي، تمكنت من تنفيذ عدة عمليات عسكرية وأمنية واسعة بين عامي 2017 و 2022، ضد التنظيم في تلك المناطق، كان آخرها العملية الشهيرة بـ (عملية سهام الشرق)، التي استطاعت تطهير عدد من معاقل التنظيم التاريخية لأول مرة منذ حرب 1994. وعملية سهام الشرق هي جزء من جهود مكافحة الإرهاب المستمرة لمحاربة الجماعات المتطرفة مثل القاعدة وداعش. وتهدف، بحسب المسؤولون العسكريون، إلى القضاء على التنظيمات المتطرفة واستعادة الأمن والاستقرار من خلال تأمين مناطق جنوب اليمن.
واقع جنوب اليمن ما بعد 2011
كان الحراك الشعبي في جنوب اليمن قد سبق أحداث فبراير 2011 في الشمال بنحو أربع سنوات. حيث دشّن المتقاعدون العسكريون في 2007 ما عرف لاحقا بـ الحراك الجنوبي السلمي، الذي بدأ بمطالب خدمية وإصلاح مسار الوحدة إلا أنها انتهت بمطالب إستعادة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بسبب تراكم الظلم والتهميش الذي تعرضوا له بعد الوحدة اليمنية. شهدت الأشهر الأولى من أحداث فبراير 2011 اتفاق بعض مكونات الحراك مع القوى الأخرى في شمال اليمن على الانخراط في الكفاح ضد نظام صالح، حتى توقيع المبادرة الخليجية، التي استبعدت ضمنياَ دور جنوب اليمن في أي مرحلة وأبقت فقط على أحزاب اللقاء المشترك والحزب الحاكم ومعاونيه آنذاك. وقد توج موقف الرافضين بانعقاد المؤتمر الجنوبي الأول للحراك في أواخر شهر سبتمبر 2011 تمخض عنه إعلان رفض المشاركة في الحوار الوطني المرتقب ما لم يكن على قاعدة المناصفة بين الشمال والجنوب وبين دولتين والقبول بحق بتقرير المصير الذي تطالب به مختلف مكونات الحراك. كانت للحرب التي نشبت بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، تأثيرات بالغة على جنوب اليمن وهذه التطورات أدت إلى اندلاع مقاومة محلية شرسة للغزو الحوثي المدعوم من قوات الرئيس السابق صالح على عدن. وقد توسع النفوذ الجنوبي بشكل ملحوظ بعد تحرير مدينة عدن من الحوثيين في2015، بدعم من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت عدن مركزًا للجنوب وتحت سيطرة القوات الجنوبية التي تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي
الخاسر الأكبر
ورغم تعدد الأطراف المستفيدة من أحداث 2011، أصبح المجتمع اليمني الخاسر الأكبر من تداعياتها. وبعد 14 عام من إنطلاقة الأحداث إلا أن نتائجها أدت إلى صراعات سياسية واسعة وانهيار لمنظومة الاقتصاد وارتفاع معدلات الفقر، وتفاقم الأزمة الإنسانية، فضلاً عن التشظي السياسي الذي جعل مستقبل البلاد غامضًا. ولا تزال معظم القوى التقليدية في النظام اليمني (المؤتمر والإصلاح) تسيطر على القرار السياسي للدولة حتى الآن.
ويمكن القول إنّ أحداث فبراير 2011 تحوّلت من فرصة للتغيير الديمقراطي إلى بوابة لصراع طويل الأمد، استفادت منه قوى محلية وإقليمية ودولية، فيما ظل المواطن اليمني يدفع الثمن الأكبر حتى الآن.
قبل شهرين
قبل 3 أشهر