التقارير الخاصة

مأرب تحت الضغط العسكري مجددًا: ماذا يريد الحوثيون؟

القوات الموالية للحكومة اليمنية المدعومة في مأرب - 16 أبريل/نيسان 2021 (أ ف ب)

آخر تحديث في: 24-02-2025 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | عبد الله الشادلي


في الأسابيع الأخيرة، زادت مليشيا الحوثيين بشكل كبير من وجودها العسكري حول مدينة مأرب وسط اليمن، ونشرت تعزيزات تشمل المدفعية الثقيلة والدبابات والعربات المدرعة. كما أقاموا، وفقًا لوزارة الدفاع اليمنية (الحكومة المعترف بها) مواقع عسكرية جديدة وحفروا خنادق، مما يشير إلى الاستعداد لهجوم محتمل واسع النطاق.


وشن الحوثيون بعض الهجمات أيضًا، من أبرزها الهجمات في جبهات متعددة في مأرب يوم (16 فبراير). حيث أفادت وزارة الدفاع اليمنية بإحباط محاولات تسلل للحوثيين في جبهتي رغوان ومدغل، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجماعة، بالإضافة إلى مقتل جندي وإصابة أربعة آخرين من القوات الحكومية. 


كما أعلنت القوات الحكومية في اليوم نفسه استهداف عناصر حوثية أثناء محاولتها زرع ألغام وعبوات ناسفة شمال غرب مأرب. وفي جنوب مأرب، تصدت القوات الحكومية لمحاولة تسلل في قطاعي الفليحة والبلق.


وفي 20 فبراير، أعلنت وزارة الدفاع اليمنية أن اشتباكات اندلعت مع الحوثيين واستمرت لساعات عقب محاولة الحوثيين تنفيذ عملية هجومية في جنوب مأرب. وبحسب مصدر عسكري، حاولت قوات الحوثيين التسلل إلى مواقع عسكرية بالتزامن مع قصف مكثف استخدمت فيه المدفعية وقذائف الهاون والـ RPG، إلى جانب الأسلحة الرشاشة من عدة مواقع.


ولم يقتصر تصعيد الحوثيين على مأرب وحدها، فقد أعلنت الدفاع اليمنية في 18 فبراير إحباط محاولة تسلل نفذتها مليشيا الحوثيين في جبهة قناو، شرق بئر المرازيق بمحافظة الجوف. واليوم 23 فبراير، أعلنت الدفاع اليمنية عن تطورات ميدانية في الجبهات مع الحوثيين في محافظات مأرب والجوف وتعز.


وأشارت في بيان إلى التصدي لهجمات للحوثيين استخدموا خلالها الطائرات المسيرة والمدفعية في جبهات متفرقة بمحافظة مأرب. وقال البيان إن عناصر من الحوثيين قتلوا. أما في الجبهات الشرقية لمحافظة الجوف، فقد شهدت (قطاعات العلم والجدافر وشهلاء) اشتباكات مماثلة.


وطبقًا للبيان، استهدفت القوات الحكومية في تعز معدات تستخدم في استحداث تحصينات في جبهتي الكدحة والضباب، وتمكنت من تحييدها، إضافة إلى الرد على مصادر نيران معادية في المطار القديم بالجبهة الغربية للمحافظة.


مسرح التصعيد


في عام 2021، استطاع الحوثيون السيطرة كليًا أو جزئيًا على 12 مديرية من أصل 14 مديرية في محافظة مارب. لكن عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم نفسه (مدينة مأرب)، ومديرية الوادي التي تضم حقول الغاز ومنشأة صافر ظلت بعيدة عنهم. 


واجه الحوثيون دفاعًا مستميتًا من القبائل والقوات الموالية للحكومة اليمنية، وتوقفت المعارك في الأشهر اللاحقة بالقرب من مدينة مأرب. واليوم، تتركز المناوشات مع الحوثيين في مناطق التماس نفسها التي توقف عندها القتال آنذاك، وفقًا لمصدر عسكري مطلع لمركز سوث24.


وبالإضافة للقبائل، تتمركز قوات المنطقة العسكرية الثالثة التابعة للحكومة اليمنية في مأرب. كما تتنشر قوات ألوية العمالقة الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي في مديرية حريب التي تسيطر عليها بالكامل، ومديرية العبدية  التي تسيطر على مناطق فيها، ومنها: منطقة الجفرة".


وتقع هذه المناطق على الحدود بين محافظتي مأرب وشبوة. وقد شهدت شبوة معارك طاحنة في يناير 2022 عندما أطلقت العمالقة عملية (إعصار الجنوب) لاستعادة مديريات عين وبيحان وعسيلان من الحوثيين. وقد نجحت العملية في تحقيق هذا الهدف وكسرت حصار الحوثيين المطبق على مدينة مأرب.


أهداف التصعيد


يربط المحلل السياسي محمود الطاهر بين تصعيد الحوثيين، والقرار الأمريكي بتصنيفهم منظمة إرهابية أجنبية وأيضًا قرارات الأمم المتحدة بوقف الأنشطة والتحركات في مناطق سيطرة الحوثيين. وقال لمركز سوث24: "يدرك الحوثيون جيدا أن مأرب هي شريان اقتصادي مهم للحكومة اليمنية".


مضيفًا: "من شأن السيطرة على مأرب وثرواتها أن تشل قدرة الحكومة على الحفاظ على عملياتها وستتيح للحوثيين الوصول إلى موارد النفط والغاز الحيوية، وهي ضرورية لاستقلالهم المالي". ويتابع الطاهر: "في أعقاب العقوبات الدولية، بما في ذلك تلك التي تفرضها الولايات المتحدة، يبحث الحوثيون بنشاط عن مصادر دخل بديلة، مما يجعل موارد مأرب هدفًا رئيسيًا".


ومن وجهة نظر الطاهر "يستغل الحوثيون الهدن السابقة لتجميع قواهم، مما يشير إلى نيتهم في إعادة إشعال الحرب عندما يرون الظروف مواتية". مضيفًا: "الحوثيون لا يلتزمون بأي اتفاقات سلام إلا عندما تكون في صالحهم، وعندما يشعرون أن لديهم تفوقا عسكريًا، لا يترددون في شن المزيد من الهجمات".


يتفق حول هذا الطرح السياسي اليمني خالد بقلان، الذي قال لمركز سوث24 إن "الحوثيين يرون في مأرب هدفًا استراتيجيًا ذا أهمية كبيرة"، مضيفاً: "مأرب تمثل ورقة ضغط لتعويض خسائر محتملة في مناطق أخرى".


ويعتقد بقلان أن تحركات الحوثيين "تهدف إلى مواجهة تبعات تصنيف الإدارة الأمريكية للجماعة، وكذلك إرباك أي تحركات لتحرير محافظة الحديدة على الساحل الغربي، التي يخشى الحوثيون فقدان السيطرة عليها".


لكن بقلان يقترح أيضًا وجود أبعاد إقليمية مرتبطة بتصعيد الحوثيين في مأرب. وقال: "في الوقت الذي يسعى فيه الحوثيون جاهدين لتعزيز موقفهم التفاوضي، هناك توجه إيراني يهدف إلى ممارسة أقصى قدر من الضغوط، بهدف إعادة إحياء المفاوضات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وتجنب أي ضربة محتملة لمنشآت إيران النووية".


ولفت بقلان إلى أنّ "الحوثيين يدركون ما تمثله مأرب من أهمية للمجتمع الدولي، خاصة من الناحية الإنسانية، نظرًا لوجود أكثر من مليوني نازح فيها، بالإضافة إلى المنشآت الحيوية النفطية والغازية".


لكن مدير إدارة الإعلام بالمنطقة العسكرية الثالثة، الرائد عمرو الزين، يرى أن تصعيد الحوثيين باتجاه مأرب محاولة للهروب من أزماتهم الداخلية المتفاقمة، وقال لمركز سوث24: "إنهم يواجهون فقدانًا متزايدًا لحاضنتهم الشعبية، نتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية، وانقطاع الرواتب، والتضييق على المواطنين".


مضيفًا: "كما يأتي هذا التصعيد كرد فعل هستيري على تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، مما زاد من عزلتها الداخلية والدولية. وبالتالي، فإن اللجوء إلى الحرب والحشد نحو مأرب هو أسلوبهم المعتاد لتصدير أزماتهم الداخلية".


وأشار الزين إلى أن "الحوثيين يعتمدون على تكتيكات التمويه والتضليل، حيث يقومون بفتح مناوشات في عدة جبهات بغرض تشتيت الانتباه، بينما يحاولون تنفيذ هجمات فعلية في محاور أخرى. كما يستخدمون الدعاية الإعلامية والحرب النفسية كجزء أساسي من استراتيجيتهم".


استعداد الحكومة اليمنية


يؤكد الرائد عمرو الزين جهوزية القوات الحكومية في مأرب للتصدي لأي تصعيد الحوثيين. أكثر من ذلك، يقول إن هذه القوات في حالة استعداد للتحول من وضع الدفاع إلى الهجوم والمبادرة إذا صدرت قرارات من القيادة السياسية بذلك.


لكن المحلل السياسي محمود الطاهر يحذر من الانقسامات داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني وتأثيرها على المعادلة العسكرية في مأرب. مضيفًا: "أي انقسامات داخل مجلس القيادة والحكومة قد تسهل سقوط مأرب".


وأشار الطاهر إلى أهمية تعزيز التحالفات مع القبائل المحلية، قائلاً: "يعد هذا أمرًا ضروريًا، حيث أثبت رجال القبائل في مأرب أنهم قوة قتالية مؤثرة ضد الحوثيين". وخلال الأيام الماضية، نفذت القبائل في مأرب وقفات للتعبير عن الاستعداد القتالي ضد الحوثيين.


كما أكد الطاهر على ضرورة استمرار الدعم الجوي، مضيفاً: "استمرار الدعم الجوي من التحالف العربي كان له دور حاسم في صد الهجمات الحوثية سابقًا، ويجب أن يستمر هذا الدعم".


لكن السياسي خالد بقلان يرى  أنَّ الوضع العسكري للقوات الحكومية والموالية للحكومة "هش، خاصة مع تحييد طيران التحالف العربي والحصار الحوثي المفروض على مأرب من ثلاث جهات".


ومنذ أبريل 2022، توقفت الهجمات المتبادلة بين الحوثيين والسعودية بالتزامن مع وساطة عمانية أفضت إلى اتصال مباشر بين الطرفين وتقدم على المسار السياسي.


وفي 21 يناير، أجرى رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي اتصالاً هاتفياً بوزير الدفاع محسن الداعري، ورئيس هيئة الأركان العامة قائد العمليات المشتركة صغير بن عزيز. ووفقًا للدفاع اليمنية، جاء الاتصال "للاطلاع على المستجدات العسكرية، والجاهزية القتالية، على ضوء قرار مجلس القيادة الرئاسي بشأن وحدة الجبهات في مسرح العمليات المشتركة على مختلف المستويات".


سيناريوهات محتملة 


يرى محمود الطاهر أنَّ هناك سيناريوهات عديدة يمكن أن تحدث عند احتدام الصراع في مأرب. وقال: "أولاً، قد يحاول الحوثيون التقدم عبر عدة محاور، لكن المقاومة من [القوات الحكومية] ورجال القبائل قد تؤدي إلى معركة استنزاف طويلة، كما حدث في السنوات الماضية".


ولفت إلى أنه في هذا السيناريو، قد تبقى مأرب صامدة، وقال: "لكن ذلك مرهون باستمرار الإمدادات العسكرية والدعم اللوجستي".


وتحدث الطاهر عن أسوأ الاحتمالات، وقال: "إذا تمكن الحوثيون من تحقيق اختراق استراتيجي في جبهات مأرب، فقد يؤدي ذلك إلى سقوط المدينة بسرعة، وهو ما سيكون كارثيًا للحكومة اليمنية، حيث سيسمح لهم بالتقدم نحو شبوة وحضرموت".


ولفت إلى أهمية مأرب بالنسبة للمصالح الإقليمية، وقال: "قد يدفع أي هجوم حوثي واسع دول التحالف، وخاصة السعودية، إلى تكثيف ضرباتها الجوية لمنع سقوط المدينة. كما قد نشهد تدخلًا أمريكيًا أو دوليًا للضغط على الحوثيين".


لا يختلف السياسي خالد بقلان حول هذا الاتجاه. لكنه يرى أنّ الحديث حول الوضع الراهن يستند إلى بعدين أساسيين"، وقال: "الأول هو أن ملف اليمن أصبح إقليمياً ودولياً ولم يعد محلياً. والثاني يتعلق بطبيعة علاقات القوى المحلية اليمنية بالإقليم".


وقال بقلان: "السيناريوهات المتوقعة تشير إلى اشتباكات قد تؤدي إلى اختراقات، مما يتيح للحوثيين تعزيز موقف [إيران] في المفاوضات مع الإدارة الأمريكية بشأن الملف النووي الإيراني"، وأضاف: "إيران تسعى لاستخدام جماعة الحوثي كأداة للعودة إلى طاولة التفاوض، وقد تلعب المملكة العربية السعودية دور الوسيط في هذه العملية إذا نجح الحوثيون في تحقيق مصالح طهران".


وأشار بقلان إلى أن القوى اليمنية تواجه تحديات كبيرة في إيجاد صيغة تفاهم محلية، مما يجعل من الضروري إعادة النظر في الحسابات الإقليمية تجاه ملف اليمن، الذي لم يعد محلياً، بل أصبح قضية إقليمية بامتياز.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا