التحليلات

هل ينقلب السحر على الساحر؟: الحوثيون بين مكاسب غزة المؤقتة ومخاوف المستقبل

الصورة: محمد حويس (فرانس برس)

30-01-2025 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

"هنا يبرز تساؤل بالغ الأهمية حول كيفية تعامل جماعة الحوثي مع الفراغ الذي سيخلفه اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.."



سوث24 | إبراهيم علي


روّجت مليشيا الحوثي لهجماتها على أهداف إسرائيلية في البحر الأحمر باعتبارها دعماً للمقاومة الفلسطينية في غزة، لكنها في الواقع كانت تحركا محسوبا بأبعاد استراتيجية أعمق. إذ استغلت الجماعة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لتعزيز تماسكها الداخلي، وتبرير سياساتها، خاصة وسط الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تعصف باليمن. ومع ذلك، قد يتسبب وقف إطلاق النار في غزة في تقويض هذه الاستراتيجية، إذ قد يفقد الحوثيون جزءًا من الزخم الذي اكتسبوه نتيجة لهذه الحملة. بمعنى أن هذه الجماعة قد تكون من بين الأطراف الأكثر تضررا من توقف الحرب التي استثمرت فيها بشكل كبير.


طوال الأشهر الماضية، استفادت الجماعة من تحشيد أنصارها في الشمال، عبر ربط تحركاتها بالقضية الفلسطينية التي تحظى بتفاعل واسع من قبل المجتمع اليمني. هذا الربط منحها شرعية شعبية ودعما محليا، لكنه قد يتراجع  مع توقف التصعيد العسكري في غزة، ويهدد بفقدان إحدى أدواتها المهمة في تعزيز قوتها السياسية والميدانية.


وهنا يبرز تساؤل بالغ الأهمية حول كيفية تعامل جماعة الحوثي مع الفراغ الذي سيخلفه اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. ففي ظل توقف العمليات العسكرية، قد يكون على الحوثيين مواجهة تحديات كبيرة في الحفاظ على المكاسب التي حققوها خلال هذه الحرب. فما الاستراتيجيات التي قد تتبناها لضمان استمرار الاستفادة من هذه المكاسب بعد توقف القتال؟ وكيف ستعمل على تأمين موقعها إقليميا ودوليا في مرحلة ما بعد الحرب، خصوصا في ظل المتغيرات السياسية والعسكرية التي قد تفرضها الهدنة؟ هذه الأسئلة تفتح الباب لتحليل أعمق حول كيفية استثمار الحوثيين للواقع الجديد للحفاظ على نفوذهم الإقليمي.


حملات متنوعة


مباشرة، عقب اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، دشنت جماعة الحوثي حملات إعلامية ودعائية مكثفة ترمي إلى تعزيز مكانتها داخليا وإقليميا. وقد صُممت هذه الحملة بعناية فائقة لملء الفراغ الذي خلفه توقف العمليات العسكرية التي أطلقت عليها الجماعة تسمية "إسناد غزة".


وتتمحور هذه الحملة حول تسليط الضوء على الدور المحوري الذي زعمت الجماعة القيام به في دعم القضية الفلسطينية، ودورها في دفع إسرائيل إلى الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك بهدف تعزيز الروح المعنوية لمؤيديها والحفاظ على زخم الدعم الشعبي الذي حظيت به إثر هذه العمليات. 


- حملة دينية: تتضمن هذه الحملة مجموعة متنوعة من الأنشطة الإعلامية، أبرزها المحاضرات الدينية التي باتت تُلقى بشكل شبه يومي في مساجد العاصمة صنعاء، والتي تهدف إلى ربط أي تصعيد محتمل ضد الجماعة بإسرائيل.


- حملة ضد الحكومة: على مدار الأيام القليلة الماضية، أطلقت الجماعة حملة إلكترونية واسعة النطاق ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، مستخدمة هاشتاج #فساد_أدوات_الاحتلال. وقد شملت الدعوة للمشاركة في الحملة كافة المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث تمت الدعوة إلى الحملة عبر خدمة وزارة الداخلية التي وزعت الرسائل من خلال شركات الاتصالات المحلية. وتزامنت الحملة مع ضخ إعلامي حول ذات القضية في وسائل الإعلام المحسوبة على الجماعة والموالية لها. وتظهر الحملة كجزء من استراتيجية الحوثيين في خوض المعركة ضد الحكومة اليمنية تحت شعارات تتماشى مع القضية الفلسطينية، مما يضفي عليها بعدا سياسيا وأيديولوجيا يهدف إلى استقطاب المزيد من التأييد. 



صورة أرسلتها اتصالات الحوثيين بواسطة خدمة SMS الهاتف المحمول، 22 يناير 2024 (مركز سوث24)


- وقفات مجتمعية: نفذت الجماعة عددا من الوقفات القبلية في محافظات يمنية مختلفة، حيث تجمع الآلاف من أبناء القبائل في مشهد رمزي يهدف إلى التعبير عن رفض أي تصعيد عسكري قادم. هذه التحركات تهدف إلى إبراز التزام الحوثيين بالقضية الفلسطينية من خلال فعاليات جماهيرية تروج لفكرة النصر المشترك ضد إسرائيل. 


- تحشيد عسكري: أعلنت جماعة الحوثي عن إجراء مناورات عسكرية في بعض المناطق، وخاصة في محافظة الحديدة، حيث تم تنظيم تدريبات لبعض خريجي دورات "طوفان الأقصى". وتعتبر هذه المناورات جزءا من برنامج الجماعة لتأهيل مقاتليها وتحضيرهم لأي تحركات عسكرية مستقبلية. 


- في خطوة لافتة، نفذت "القوات الشعبية" التابعة للحوثيين عرضا عسكريا حاشدا قبل أيام في محافظة حجة، شارك فيه 20 ألفا من خريجي الدورات العسكرية التي أُقيمت في إطار برنامج "طوفان الأقصى" الذي استهدف أبناء مديريات مربع تهامة، بحسب وسائل إعلام مقربة من الحوثيين. تكرر هذا العرض في أكثر من محافظة يمنية، تخضع لسيطرة الجماعة.


- تغطية إعلامية: كثف الإعلام الحوثي من ترويجه لأنشطة جماعته الحالية، حيث سعى إلى إبراز الدعم الكبير الذي تقدمه الجماعة للمقاومة الفلسطينية. وقد تم نشر العديد من المواد الإعلامية التي تبين ارتباط أنشطة الحوثيين في اليمن بالقضية الفلسطينية، في محاولة لتوجيه الأنظار إلى هذه القضية الأم، وإظهارهم كجزء من جبهة موحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي. 


- صرف المرتبات: في هذا السياق أيضا، برزت قضية صرف مرتبات الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء (غير المعترف بها دوليا) كأحد الملفات الأكثر أهمية. تسعى الجماعة من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز تماسكها الاجتماعي والاقتصادي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها اليمن.


- في نفس اليوم الذي أطلقت فيه حماس سراح رهائن إسرائيليات، أعلن الحوثيون أنهم أفرجوا، السبت، عن 153 شخصا من اليمنيين المعتقلين منذ سنوات في سجون الجماعة. وقال رئيس لجنة الأسرى الحوثية، عبد القادر مرتضى، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات مؤخرا، أن أغلب من أفرج عنهم هم "من ذوي الحالات الإنسانية، من المرضى والجرحى وكبار السنّ".


- ويوم الجمعة، شنّ الحوثيون حملة اعتقال جديدة ضد موظفي عدد من المنظمات الأممية. وعادة ما تتهم الجماعة هؤلاء الموظفين بالتخابر أو التجسس. وردا على ذلك، أعلنت الأمم المتحدة إدانتها للحادثة وأوقفت تحركاتها في مناطق الجماعة حتى إشعارا آخر. تعكس هذه الخطوة حرص جماعة الحوثي على القيام بأنشطة وممارسات تجعل ارتباطها بالقضية الفلسطينية حيا.


وتأتي هذه التحركات الحوثية في ظل مخاوف من تراجع الدعم الشعبي للجماعة، خاصة بعد توقف الحرب في غزة التي كانت بمثابة منصة لانطلاق العديد من الحملات الإعلامية والتعبئة الشعبية. وبالتالي، فإن التركيز على القضايا الأمنية والإنسانية والمعيشية للمواطنين يمثل محاولة من الحوثيين لتعزيز شرعيتهم والحفاظ على نفوذهم.


استراتيجية جديدة


من خلال ما سبق، تتضح معالم استراتيجية جديدة لجماعة الحوثي، تتمثل في ربط أي "عمل عدواني" موجه ضدها بموقفها الداعم للقضية الفلسطينية. فعبر هذه الاستراتيجية، تسعى الجماعة إلى تحصين نفسها وتحقيق مكاسب سياسية، وذلك بتقديم نفسها كضحية بسبب مواقفها المبدئية. وقد تجسد هذا الأمر بوضوح في رد فعل الجماعة على إعادة تصنيفها كمنظمة إرهابية، حيث ربطت هذا الإجراء مباشرة بموقفها المساند لغزة، وهو ما أكدته بياناتها الرسمية وتصريحات قياداتها. على الرغم أنّ إدارة ترامب الأولى، سبق لها وصنفت الحوثيين في العام 2020.


لذلك سيسعى الحوثيون للترويج لفكرة أن حملات الاستهداف التي يتعرضون لها هي محاولة لإضعاف كل ما يمثّل "المقاومة"، وبالتالي فإنّ استهدافهم في جوهره يمثل استهداف للقضية الفلسطينية، في محاولة لتقديم أنفسهم كحليف طبيعي للفلسطينيين في مقاومتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي. 


كما سيسعى الحوثيون لتقديم قضيتهم على أنها امتداد طبيعي للمقاومة الفلسطينية، مؤكدين أن ما يتعرضون له ليس فقط من قبل التحالفات الإقليمية، بل من قبل "مشاريع الهيمنة الغربية" التي تهدف إلى تقويض دورهم في المنطقة.


وفي هذا السياق، يرى "مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية الإسرائيلي" أن "الهدف النهائي للحوثيين ليس تدمير إسرائيل، ولا الولاء الأعمى لطهران، التي يعرفون أن حظوظها قد تتعثر قريبا. فطموح الحوثيين أكثر براغماتية، وهو تأمين بقائهم، واكتساب الاعتراف الدولي والشرعية."


كما يرى معهد واشنطن أنه ونظراً لتاريخ الحوثيين في استخدام وقف إطلاق النار لإعادة التجمع وإعادة التسلح، فقد يلجأون لاستغلال التوقف الحالي في الأعمال العدائية للتحضير لهجمات مستقبلية بدعم من إيران.


خاتمة


مع استمرار التوترات المتصاعدة في المنطقة، تسعى جماعة الحوثي إلى استغلال الأحداث الأخيرة لإعادة تأكيد قوتها وتأثيرها على الساحة الإقليمية. ومع توقف العمليات العسكرية في غزة، يبدو أن الجماعة ستواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على الزخم الشعبي والسياسي الذي اكتسبته من خلال هجماتها في البحر الأحمر وضد إسرائيل.


ورغم ذلك، يبدو أن الحوثيين عازمون على التكيف مع الوضع الجديد عبر تكثيف حملاتهم الإعلامية وتوسيع أنشطتهم العسكرية المحلية، في محاولة لتعزيز قوتهم الداخلية والاستعداد لأي تغيرات قد تطرأ على الساحة اليمنية أو الإقليمية، خصوصا بعد إدراجهم على قائمة الإرهاب، مع التركيز على استعراض قوتهم في مواجهة الحكومة اليمنية وداعميها الإقليميين.


إبراهيم علي

اسم مستعار لخبير في شؤون في الجماعات المسلحة، أخفى هويته لأسباب شخصية.

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا