التقارير الخاصة

معاقبة الحوثيين وتحرير المساعدات: كيف يمكن تحقيق التوازن؟

توزيع المساعدات على يمنيين نازحين داخليًا (فرانس برس)

18-02-2025 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | عبد الله الشادلي


لطالما كانت الأزمة الإنسانية في اليمن متشابكة مع التعقيدات السياسية، حيث لا تعمل المساعدات الدولية كشريان حياة للملايين فحسب، بل أيضا كأداة استراتيجية تستفيد منها مختلف الجهات الفاعلة. 


تمثل التدابير الأخيرة التي اتخذتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، بما في ذلك تعليق التمويل ووقف العمليات وإعادة تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في 22 يناير الماضي، تحولا كبيرا في السياسة الإنسانية. تثير هذه التطورات أسئلة حاسمة حول استدامة عمليات الإغاثة والآثار الأوسع نطاقا على الاستقرار الإقليمي.


يؤكد تقاطع المناورات الجيوسياسية وسياسات مكافحة الإرهاب والضرورات الإنسانية على التوازن الدقيق بين الاستراتيجية الدبلوماسية وجهود الإغاثة العاجلة. يتناول هذا التقرير المشهد المتطور للمساعدات الإنسانية في اليمن، وتأثير القيود الدولية، والمسارات المحتملة للتخفيف من حدة الأزمة دون تفاقم التوترات السياسية.


نهج إدارة ترامب


مع عودته إلى البيت الأبيض، نفذت إدارة ترامب سلسلة من الأوامر التنفيذية التي أعادت تشكيل سياسات المساعدات الخارجية الأمريكية. 


كانت إحدى التحركات الأكثر إثارة للجدل هي تعليق المنح الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، مما أثر على البرامج الحيوية في إطار مبادرات مثل الغذاء من أجل السلام، وهو برنامج سنوي بقيمة ملياري دولار يوفر مساعدات لمناطق الصراع، بما في ذلك اليمن.


وفقا للبروفيسور ديفيد ويرينغ، المتخصص في العلاقات الدولية في جامعة ساسكس البريطانية، تعكس هذه التحركات نهجًا يقدم السياسة على الاعتبارات الإنسانية. 


وقال لمركز سوث24: "الإجراءات التي قد تتخذها الخزانة الأمريكية، مثل فرض عقوبات جديدة أو إعادة تصنيف الجماعات، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على استمرارية تدفق المساعدات الإنسانية. وهو ما يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق التوازن بين الأهداف السياسية والاحتياجات الإنسانية".


وبشأن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، قال ويرينغ: "لدي شعور قوي بأن الإدارة الأمريكية الحالية ليست لديها نية لتخفيف الأثر الإنساني الناتج عن هذه الخطوة. بل أعتقد أن هذه الخطوة قد تكون محاولة متعمدة لفرض معاناة إضافية على السكان كوسيلة لكسب نفوذ على الحوثيين".


وأردف: "هذا الأمر يمثل تحديًا كبيرًا للأخلاقيات الإنسانية، حيث يجب أن تأتي احتياجات المدنيين في مقدمة الأولويات، بغض النظر عن الصراعات السياسية."


وحذرت د. إميلي سكوت، الخبيرة الأمريكية في الشؤون الإنسانية، من أن مثل هذا التصنيف يمكن أن يعطل الشراكات القائمة بين منظمات الإغاثة والجهات الفاعلة المحلية. وأوضحت أن "التأثير ذو شقين: فهو يقيد القنوات المالية لإيصال المساعدات بينما يردع الوكالات الدولية عن الانخراط في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وبالتالي يعمق الأزمة".


وأضافت "هذا القرار قد يؤدي إلى تشديد الرقابة على الشركاء السابقين لوكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID) الذين تعاونوا مع كيانات حوثية أو لم يدينوا تصرفاتها".


وأشارت سكوت إلى أن تخفيف المخاطر من قبل وكالة التنمية الأمريكية يتطلب تحققاً دقيقاً من الشركاء ومراقبة الأطراف الثالثة، وهو أمر يتطلب إشرافاً كبيراً من الكونغرس. وأوضحت أن وقف التمويل يعني أيضاً وقف هذا الإشراف الحيوي.


لكن الباحث الاقتصادي د. إيهاب القرشي يقلل من التداعيات الإنسانية لقرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة.


وقال القرشي لمركز سوث24: "هذا القرار لا يشمل سلاسل الإمداد للمواد الغذائية والصحية والوقود، بل يركز على تقيد حرية الأفراد المنتمين للحوثيين في السفر وتجميد أصولهم. هذه الإجراءات قد تكون فعالة رغم مخاطر تأثيرها المحتملة على المصلحة اليمنية ككل".


وأوضح القرشي أن الوضع في اليمن قد شهد تغييرات كثيرة، حيث لم تعد هناك منظمات تتعامل مع الحوثيين بنفس الطريقة السابقة. مشيرا إلى أن تراجع التمويل ووقف أنشطة برنامج الغذاء العالمي في مناطق سيطرة الحوثيين قد أثر بشكل كبير حتى قبل القرار الأمريكي.


وأكد أن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية قد يفتح آفاقاً جديدة للعمل الإغاثي والتنموي، بعيدًا عن ارتباطه بالجماعة. وعبر القرشي عن تفاؤله بإعادة هيكلة الهيئة العليا للإغاثة، وشدد على أنها ستكون لها تأثيرات إيجابية إذا تم تنظيمها بشكل جيد.


وأضاف القرشي: "هذا التصنيف سيمكن من توجيه المساعدات عبر قنوات واضحة، بحيث لا تصل إلى الحوثيين الذين حولوا المساعدات إلى أدوات للسيطرة والقتال."


ويعتقد القرشي أن المناطق الخاضعة للحكومة اليمنية التي تعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة ستستفيد من قرار التصنيف، مما قد يزيد الضغط الشعبي في مناطق سيطرة الحوثيين. وخلص القرشي إلى أنّ "هذه هي التوقعات المنطقية لتطبيق القرار".


خطوات الأمم المتحدة 


في 24 يناير/كانون الثاني 2025، علقت الأمم المتحدة جميع التحركات الرسمية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بعد اختطاف الميليشيا لعدد إضافي من موظفي الأمم المتحدة. وأكد هذا القرار المخاوف المتزايدة بشأن المخاطر الأمنية التي يواجهها الموظفون الدوليون.


وفي وقت لاحق، أمر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالتعليق الفوري لجميع عمليات الأمم المتحدة في صعدة، معقل الحوثيين، بعد احتجاز المزيد من موظفي الأمم المتحدة، بينهم شخص توفي لاحقًا في سجون الحوثيين.


وشدد بيان الأمم المتحدة على الحاجة إلى "الموازنة بين استمرارية العمليات وسلامة الموظفين مع حث الحوثيين على الإفراج عن جميع الأفراد المحتجزين".


وبالقدر الذي تثير فيه هذه الخطوة المخاوف بشأن العمل الإنساني في اليمن، يرى البعض أنها تمثل فرصة استثنائية لتصحيح مسار الإغاثة والمساعدات وعمل الوكالات الأممية في البلاد. من بين هؤلاء، منسق عام اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية جمال بلفقيه.


وقال بلفقيه لمركز سوث24: "وجود المكاتب الرئيسية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين يعوق العمل الإنساني، حيث يتم تعطيل جهود المنظمات الإنسانية وعدم القدرة على الوصول للمحتاجين".


وتحدث بلفقيه عن قرار الخزانة الأمريكية بتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية في نهاية إدارة الرئيس ترامب السابقة (2021)، حيث جهزت الحكومة اليمنية فريق فني برئاسة وزير التخطيط. مضيفًا: "الحكومة اليمنية كانت مستعدة لاستقبال المنظمات الدولية في العاصمة عدن، لكن تم إلغاء التصنيف عندما تولى الرئيس بايدن، مما زاد من تفاقم الأزمة الإنسانية".


وكشف بلفقيه عن توجه للحكومة اليمنية اليوم بعد استعادة الحوثيين إلى لائحة الإرهاب الأمريكية بتصنيف من الدرجة الأولى. مشيرًا إلى أن "هناك إجراءات قادمة تشمل نقل مكاتب المنظمات الدولية إلى عدن، بما في ذلك مكتب الشؤون الإنسانية، ونقل أموال المنظمات إلى البنك المركزي بعدن، مما يسهم في تعزيز العمل الإنساني".


وتحدث بلفقيه عن أهمية تطبيق مبدأ اللامركزية في العمل الإنساني، واستغلال الممرات البرية والبحرية المتنوعة، لتسهيل تدفق المساعدات. وأشار إلى أن إعادة تشكيل الهيئة العليا للإغاثة كجهة واحدة ستساعد في تنظيم العمل الإنساني ورصد الاحتياجات بشكل أفضل.


وأكد بلفقيه أن الأموال التي تصل إلى البنك المركزي بعدن ستعزز الاقتصاد، مشيرًا إلى أن عدن قدمت برنامجًا مع برنامج الغذاء العالمي لبناء مخازن وميناء خاص لاستقبال المساعدات. وذكر أن الشركاء المحليين يمكنهم إيصال المساعدات إلى جميع أنحاء اليمن.


وفي ختام تصريحاته، دعا بلفقيه المجتمع الدولي لدعم الحكومة الشرعية لتثبيت دور المؤسسات، وتحسين مسار العمل الإنساني، وربطه بالتنمية لمساعدة المجتمعات الضعيفة في مواجهة الفقر.


وتجدر الإشارة إلى أنه بموجب الأمر التنفيذي لتنصيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية في 22 يناير الماضي، يتعين على وزير الخارجية الأمريكي، بالتشاور مع مدير الاستخبارات الوطنية ووزير الخزانة، تقديم تقرير للرئيس خلال 30 يومًا بشأن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. 


بعد ذلك، وفي غضون 15 يومًا من تقديم التقرير، سيتخذ وزير الخارجية الإجراءات القانونية اللازمة لإتمام التصنيف. كما ينص القرار على مراجعة كافة الشركاء الدوليين والمنظمات غير الحكومية المتعاملة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) لتحديد أي جهات قدمت تمويلًا أو تعاملت مع الحوثيين بشكل غير قانوني.


بعد تنفيذ التصنيف، سيتم إنهاء المشاريع أو العقود التي يثبت تورطها في دعم الحوثيين. وتهدف هذه الخطوة وفقا للخزانة الأمريكية إلى قطع الموارد المالية عن الحوثيين، الحد من عملياتهم، وحماية الملاحة الدولية، مع التأكيد على التعاون مع الحلفاء الإقليميين لضمان تنفيذ القرار بفعالية.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا