تصميم: مركز سوث24
آخر تحديث في: 10-02-2025 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
مع استمرار المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط المتقلب، أثار اقتراح أمريكي إسرائيلي مثير للجدل بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى البلدان المجاورة – في المقام الأول الأردن ومصر والسعودية – انتقادات حادة من الحكومات الإقليمية والمنظمات الدولية.
هذه الخطوة، التي ينظر إليها على أنها محاولة صارخة للقضاء على النضال الفلسطيني، لم تثير مخاوف قانونية وأخلاقية فحسب، بل مهدت أيضا الطريق لمواجهة أوسع نطاقا حول مستقبل غزة والمنطقة بأسرها.
ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، اتخذت السياسة الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني موقفا أكثر عدوانية. في 6 فبراير، أعلن ترامب أن إسرائيل ستسلم السيطرة على غزة إلى الولايات المتحدة بعد وقف الأعمال العدائية. ووصف المبادرة بأنها "جهد لتحقيق الاستقرار" يهدف إلى تعزيز التنمية طويلة الأجل في المنطقة.
وقال ترامب: "سيكون هذا أحد أعظم المشاريع في التاريخ"، مشددا على أنه سيتم نقل الفلسطينيين النازحين إلى "مجتمعات أكثر أمانا وجمالا" مع بنية تحتية جديدة. كما استبعد نشر قوات أمريكية في غزة مما يعزز فكرة أن هذه الخطة لا تتعلق بالاحتلال العسكري بل بإعادة الهيكلة الاقتصادية والسياسية.
وقال في تصريحات أخرى إنه ملتزم بشراء غزة وامتلاكها، وسيمنح أجزاء منها لدول في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، سارعت حماس إلى إدانة التصريح، ووصفته بأنه تأييد واضح للاحتلال الإسرائيلي. وفي العالم العربي، كانت ردود الفعل أقوى، حيث حذر المسؤولون والمحللون من أن مثل هذه الخطة ستشكل انتهاكا للقانون الدولي واعتداء على السيادة الفلسطينية.
تصريحات متطرفة
مما زاد طين الأزمة بلة، اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة بديلة لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية. وفي مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية في 7 فبراير، أشار إلى أن الأراضي السعودية الشاسعة يمكن أن تستوعب الفلسطينيين النازحين.
وقال: "المملكة العربية السعودية لديها ما يكفي من الأراضي لتوفير وطن للفلسطينيين"، مما أثار موجة من الإدانات من الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
وسارعت وزارة الخارجية الفلسطينية إلى إدانة التصريحات، واصفة إياها بأنها "عنصرية" و"غير مقبولة". أصدرت وزارة الخارجية السعودية توبيخًا شديد اللهجة، قائلة إن "حقوق الشعب الفلسطيني ستظل راسخة". كما اتهم البيان السعودي نتنياهو بمحاولة صرف الانتباه عن الفظائع الإسرائيلية المستمرة في غزة.
ورفضت عدة دول عربية، بما في ذلك مصر والأردن والإمارات والبحرين وقطر، الاقتراح، واصفة إياه بأنه انتهاك صارخ للسيادة السعودية. وأكدت مصر والأردن مجددا أن أي تهجير قسري للفلسطينيين أمر غير مقبول، واصفين أمن المملكة العربية السعودية بأنه "خط أحمر" وجزء لا يتجزأ من الاستقرار الإقليمي.
في غضون ذلك، دعت قطر المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات ضد ما وصفته ب "الاستفزازات الإسرائيلية".
وبشكل صارخ، تتناقص تصريحات ترامب في حملته الانتخابية بشأن صناعة السلام في الشرق الأوسط والعالم، مع خطته بشأن غزة. وقد أشار الأمير السعودي تركي الفيصل إلى ذلك في رسالة قال فيها:
"السيد الرئيس، إن عزمك المعلن على إحلال السلام في فلسطين يحظى بثناء كبير في منطقتنا من العالم. أقترح بكل احترام أن السبيل للقيام بذلك هو منح الفلسطينيين حقهم غير القابل للتصرف في تقرير المصير ودولة عاصمتها القدس الشرقية".
ردود الفعل الأوروبية والدولية
وخارج الشرق الأوسط، أعرب القادة الدوليون أيضا عن قلقهم بشأن التهجير القسري المحتمل للفلسطينيين. صرح الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير خلال زيارة إلى أنقرة في 5 فبراير إن أي سياسة تتجاهل القانون الدولي "غير مقبولة".
وحذر من أن المفاوضات المقبلة بين الدول العربية والإدارة الأمريكية ستعرقل على الأرجح مثل هذه المقترحات المتطرفة.
وأكدت تركيا، التي تنتقد بشدة الإجراءات الإسرائيلية في غزة، رفضها لأي ترحيل جماعي للفلسطينيين، في حين أكد الاتحاد الأوروبي مجددا التزامه بحل الدولتين، مشددا على أن غزة لا تزال جزءا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية.
كما اعتبرت منظمة العفو الدولية، أن خطة ترامب "مروعة" و"غير قانونية"، معربة عن قلقها إزاء الطابع "التحريضي" للتصريحات.
محاولة لتغيير مسار الصراع
جادل الباحث الفلسطيني الدكتور عزام شعث ، في حديث لمركز سوث24، بأن رؤية ترامب لغزة تمثل محاولة لتغيير مسار الصراع بشكل جذري.
وقال شعث إن "سياسة ترامب تتجاوز الاحتلال العسكري التقليدي - فهي تسعى إلى تهجير سكان بأكملهم بحجة الفرص الاقتصادية". كما حذر من أن الجهود المبذولة لعرض المبادرة كمشروع تنموي هي "استراتيجية خادعة" تهدف إلى تأمين المصالح الإسرائيلية على حساب السيادة الفلسطينية.
وسلط شعث الضوء على فشل القيادة الفلسطينية في بناء رد متماسك على مثل هذه التهديدات الوجودية. "لا يزال المسؤولون الفلسطينيون محاصرين في الخطاب الرجعي بدلا من وضع استراتيجيات قابلة للتنفيذ. لا يزال الخطاب يتمحور حول لغة الضحية بدلا من الحوكمة الاستراتيجية".
وشدد على أن صمود الفلسطينيين يكمن في الوحدة، مضيفا أن "الإجراء المضاد الوحيد القابل للتطبيق لسياسات التهجير القسري هذه هو تعزيز هياكل الحكم في غزة والضفة الغربية".
الموقف المصري الحاسم
رفضت مصر، التي لعبت منذ فترة طويلة دورا مركزيا في شؤون غزة، أي محاولات أمريكية-إسرائيلية لدفع اللاجئين الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء. صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحزم أن "مصر لن تكون جزءا من أي مخطط لإعادة توطين الفلسطينيين قسرا".
وردد المحلل السياسي المصري عبد المجيد حسن هذا الموقف، محذرا من أن مصر ستتخذ إجراءات قوية لمنع أي هجرة قسرية وأكد أن "مصر ملتزمة بمواجهة أي محاولات لمحو الهوية الفلسطينية من خلال تغيير السكان".
وجادل حسن أيضا بأنه يجب على الدول العربية تشكيل جبهة موحدة للضغط على واشنطن وإسرائيل للتخلي عن هذه الخطط. وقال: "يجب على تحالف إقليمي يضم دول الخليج والأردن ومصر أن يمارس نفوذا دبلوماسيا على الإدارة الأمريكية".
وقد بدأت مصر بالفعل مناورات دبلوماسية، حيث من المرجح أن يلتقي الرئيس السيسي بترامب بعد دعوة الأخير له لزيارة واشنطن. كما يتواصل المسؤولون المصريون مع نظرائهم الخليجيين لصياغة رد إقليمي.
مع تصاعد التوترات، من المتوقع أن تصبح قضية النزوح القسري تحديا حاسما في الجغرافيا السياسية العربية. يؤكد اقتراح إدارة ترامب، إلى جانب تصريحات نتنياهو الاستفزازية، على تحول النهج تجاه القضية الفلسطينية - نهج يعطي الأولوية للأمن الإسرائيلي على حساب تقرير المصير الفلسطيني.
وفي حين أن المقاومة الفلسطينية لهذه الخطط لا تزال ثابتة، فإن الرد العربي الأوسع سيكون حاسمًا في تحديد مصير سكان غزة. سواء من خلال القنوات الدبلوماسية أو التحالفات الإقليمية، ستختبر الأشهر المقبلة قدرة الدول العربية على تشكيل تحد منسق ضد استراتيجيات النزوح القسري هذه.
في الوقت الحالي، يبقى السؤال: هل سترتقي الدول العربية إلى مستوى المناسبة وتمنع فصل آخر من طرد الفلسطينيين، أم أن الضغط الدولي سيكون كافيا لوقف هذه الخطط قبل أن تصبح واقعًا قاتمًا؟
قبل شهرين
قبل 1 شهر
قبل 3 أشهر