الرئيس دونالد ترامب (Getty Images)
آخر تحديث في: 12-02-2025 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن
"أحد السيناريوهات المطروحة أن يكون الرئيس ترامب رفع سقف الأطروحات في هذا الملف، على أمل الوصول إلى صيغة معينة خاصة باليوم التالي.."
سوث24 | محمد فوزي
بالتزامن مع زيارة شديدة الأهمية أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، التقى خلالها بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أول زيارة رسمية يتلقاها "ترامب" عقب تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة، فاجأ "ترامب" العالم خلال مؤتمر صحفي مشترك مع "نتنياهو" بطرح يستهدف تهجير سكان قطاع غزة. حيث قال في تصريحات على هامش المؤتمر الصحفي إن "سكان غزة ليس لديهم بديل سوى مغادرته بعد أن دمره الهجوم العسكري الإسرائيلي" وفق تعبيره، وأضاف "ترامب": "أحس بشعور مختلف تماماً تجاه غزة عن الكثير من الناس. أعتقد أنهم يجب أن يحصلوا على قطعة أرض جيدة وجديدة وجميلة، ونطلب من بعض الناس أن يخصصوا المال لبنائها وجعلها لطيفة وصالحة للسكن وممتعة" وفق تعبيره. وفي إطار هذا الطرح، تناقش هذه الورقة الحيثيات الخاصة بمقترح الرئيس الأمريكي، ومدى واقعيته، والموقف العربي والإقليمي منه مع التركيز على المقاربة المصرية.
أولاً- حيثيات الطرح الخاص بالرئيس الأمريكي
أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن مصادر أمريكية، أن الطرح الأخير من دونالد ترامب، لم يكن مخططاً له، وكان مفاجئاً حتى بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض والخارجية والبنتاجون، فيما يبدو أنه مؤشر على حالة من التخبط داخل الإدارة الأمريكية بخصوص هذا المقترح وأنه لم يكن مخططاً. وبشكل عام يُمكن تناول أبرز الحيثيات الخاصة بهذا المقترح من الرئيس دونالد ترامب في ضوء الآتي:
• يقوم مقترح الرئيس الأمريكي بشكل رئيسي على فكرة التهجير القسري والطوعي للشعب الفلسطيني، من قطاع غزة، في سردية تستهدف وفق تصريحاته إسعاد الشعب الفلسطيني في ضوء أن قطاع غزة أصبح مفتقداً لمقومات الحياة، وهنا يتبادر إلى الذهن أفكار الزعيم الروحي للصهيونية تيودور هرتزل، التي لا تبتعد كثيراً عن نظرية ترامب "الإسعادية التهجيرية".
• قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن إسرائيل ستسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء القتال. وأضاف ترامب في منشور له على منصته "تروث سوشيال" أن "الفلسطينيين سيكونون قد تم توطينهم بالفعل في مجتمعات أكثر أماناً وجمالاً، مع منازل جديدة وحديثة، في المنطقة"، ولعل المتغير الرئيسي والأهم في هذه النقطة، أن "ترامب" نقل الحديث من إعادة احتلال إسرائيل للقطاع أو البقاء فيه إلى مربع السيطرة الأمريكية على القطاع.
• كذلك وفي إطار المقترح الخاص به، أشار "ترامب" إلى تحويل قطاع غزة إلى "منطقة سياحية واستثمارية"، مشيراً إلى أنها "منطقة مهمة، ويمكن أن تتحول إلى ريفييرا الشرق الأوسط" وفق تعبيره. وقال ترامب: "سنسيطر على قطاع غزة وسنكون مسؤولين عن تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة والأسلحة هناك"، مردفاً: "سنطور القطاع ليصبح وجهة عالمية توفر آلاف الوظائف، ويمكن أن يفخر به الشرق الأوسط بأسره، وقد يصبح هذا المكان موطناً لشعوب العالم" وفق تعبيره.
• لم يحدد "ترامب" طبيعة الوجهة التي يقترحها للفلسطينيين، لكنه أشار في تصريحات لاحقة إلى أن مصر والأردن رفضتا المقترح الخاص باستقبال الفلسطينيين وتهجيرهم ولو بشكل مؤقت. لكن تقارير عبرية تحدثت عن بحث مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين يدرسون المغرب وبونتلاند وصوماليلاند كوجهات محتملة. ونقلت التلغراف عن نائب وزير الإعلام في بونتلاند، يعقوب محمد عبد الله، قوله إن منطقته ستقبل بكل سرور لاجئين فلسطينيين، ولكن فقط إذا اختاروا القدوم إلى هناك طواعية.
ثانياً- رفض واسع لمقترحات "ترامب"
احتفت إسرائيل بمقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث اعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقترحاً "رائعاً"، كذلك أشارت تقارير إلى أن وزارة الدفاع الإسرائيلية أصدرت تعليمات لقواتها المنتشرة في بعض مناطق قطاع غزة، بوضع خطط لوجستية لتسهيل الهجرة الطوعية للفلسطينيين. كذلك احتفى الكثير من الوزراء في حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، بمقترح "ترامب" والأوامر الأخيرة للجيش الإسرائيلي بوضع خطط بهذا الخصوص.
لكن في مقابل ذلك أثار القرار العديد من ردود الفعل الرافضة، فعلى المستوى الدولي أعلنت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وتركيا والصين والأمم المتحدة وروسيا واسكتلندا والبرازيل ومبعوث الاتحاد الأوروبي للشرق الأوسط سفين كومبانز، فضلاً عن العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي، عن رفضهم للقرار، معتبرين أن الإدارة الأمريكية يجب أن تدفع باتجاه حل الدولتين، وأن هذه الخطوة تمثل انتهاكاً للقانون الدولي ولحقوق الشعب الفلسطيني.
وعلى المستوى العربي كان هناك موقف عربي موحد على مستوى رفض أطروحات ترامب، حيث أعربت كلاً من مصر والأردن والسعودية والإمارات والعديد من الأطراف العربية الأخرى عن رفضها القاطع لهذا المقترح. كما أفاد وزير الخارجية البحريني عبداللطيف الزياني، عن التنسيق لعقد قمة عربية عاجلة بخصوص هذا الملف، بعد تواصل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي معه و10 من نظرائه العرب. فيما يبدو أنه مسعى لصياغة موقف عربي موحد رافض لفكرة تهجير الفلسطينيين من وطنهم ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، والدعوة إلى تضافر جهود المجتمع الدولي للتخطيط وتنفيذ عملية شاملة لإعادة الإعمار في قطاع غزة، بأسرع وقت بشكل يضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم.
ثالثاً- مستويات التحرك المصري تجاه مقترحات "ترامب"
كان الموقف المصري قاطعاً ومباشراً تجاه المقترحات الأخيرة الخاصة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من حيث رفض أي تحركات خاصة بتهجير الشعب الفلسطيني. وباستطلاع أنماط تعامل الإدارة المصرية مع هذا الملف، يُمكن الوقوف على بعض المسارات الرئيسية التي اتبعتها القاهرة في هذا الإطار، وذلك على النحو التالي:
1. الرفض السياسي والدبلوماسي للمقترح: أصدرت القاهرة العديد من البيانات الدبلوماسية عبر وزارة الخارجية المصرية، أكدت فيها على رفضها القاطع لأي أطروحات خاصة بتهجير الشعب الفلسطيني. ولعل تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتي شدد فيها على أن "تهجير وترحيل الشعب الفلسطيني ظلم لا يمكن أن نشارك فيه". ورأى السيسي في مؤتمر صحافي مع نظيره الكيني ويليام روتو بالقاهرة، أنّ حل أزمة الفلسطينيين ليس بإخراجهم من مكانهم بل يكمن في حل الدولتين وإقامة دولة لهم. كانت هذه التصريحات معبرة وواضحة فيما يتعلق بالموقف المصري.
كذلك أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي، أنّ "أي تصورات لليوم التالي للوضع في غزة"، يجب أن تكون في إطار وحدة الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن تشمل عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وبقاء السكان الفلسطينيين في القطاع خلال عملية إعادة إعماره.
2. زيادة وتيرة التنسيق العربي المشترك: أحد المسارات الرئيسية التي اتبعتها القاهرة في إطار التعاطي مع الأطروحات الترامبية، تمثلت في تكثيف وتيرة التنسيق مع الدول العربية بخصوص هذا الملف، وقد تجسد ذلك في إجراء وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، لاتصالات هاتفية بنظرائه من 11 دولة عربية، شملت "التأكيد على ثوابت الموقف العربي إزاء القضية الفلسطينية الرافض لأي إجراءات تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، أو تشجيع نقلهم إلى دول أخرى خارج الأراضي الفلسطينية". واعتبر الوزير المصري أن مقترحات تهجير الفلسطينيين "انتهاك صارخ للقانون الدولي، وتعد على الحقوق الفلسطينية، وهي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة وتقوّض فرص السلام والتعايش بين شعوبها".
3. التنسيق مع الأطراف الدولية والأممية: ركزت القاهرة أيضاً في إطار تحركاتها على تكثيف التنسيق مع الأطراف الدولية والأممية، ومن مؤشرات هذا التنسيق، المباحثات الهاتفية التي أجراها الرئيس المصري مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والتي أكد فيها على رفض تهجير الفلسطينيين، مع التأكيد على ضرورة دعم منظمة الأونروا. وبشكل عام يحظى الملف الإنساني بأهمية كبيرة في إطار المقاربة المصرية، على اعتبار أن الملف الإنساني يمثل أحد أدوات الضغط الإسرائيلية على الفلسطينيين لتهجيرهم.
4. أنباء عن التلويح بمعاهدة السلام: كذلك أفادت تقارير بأن القاهرة أبلغت إدارة ترامب وإسرائيل بمعارضتها القاطعة لأي خطة من هذا النوع، كما أكدت أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ستكون مهددة إذا تم تنفيذ هذه الخطة. ووفقاً للتقارير فإنّ هذا التحذير تم إيصاله إلى وزارة الدفاع الأمريكية، ووزارة الخارجية، وأعضاء في الكونغرس الأمريكي، وتضمّنت هذه الرسالة وفقاً لتقارير تأكيدات على أن هذه الخطط تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري.
5. حراك شعبي لرفض التهجير: مثّل المحور الشعبي رقماً مهماً في معادلة رفض التهجير المصرية، ويُمكن الاستدلال على ذلك من خلال مؤشرين رئيسيين، الأول هو تصريحات "السيسي" نفسها مع نظيره الكيني، والتي أكد فيها على أنّ الشعب المصري يرفض أطروحات التهجير ويعتبر هذا الملف من الثوابت بالنسبة له. والثاني هو احتجاج آلاف المصريين والقوى السياسية أمام معبر رفح في 31 يناير 2025 تأكيداً على رفض خطط التهجير، وللتأكيد على دعم الموقف الرسمي الرافض لهذه الأطروحات.
رابعاً- ملاحظات عامة على أطروحات "ترامب"
قرأت العديد من التقديرات التصريحات اللاحقة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي قال فيها إنّه "لا داعي إلى العجلة على الإطلاق في مسألة غزة" باعتبارها تمثل تراجعاً عن مقترحاته، وإن كان هذا الافتراض يبدو متعجلاً على اعتبار أن هذه المسألة سوف تخضع للعديد من التفاعلات اللاحقة، خصوصاً مع توجه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن خلال الأيام المقبلة، لإجراء مباحثات في البيت الأبيض، إلا أنّ مقترح "ترامب" يواجه جملة من التحديات التي تجعله غير واقعياً وغير قابل للتنفيذ، وهو ما يمكن تناوله في ضوء الآتي:
1- عودة سكان قطاع غزة إلى مناطق الشمال: منذ الأيام الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته كلاً من مصر وقطر والولايات المتحدة، بين الفصائل الفلسطينية وخصوصاً حماس وبين إسرائيل، بدأ سكان قطاع غزة في ترك أماكن لجوئهم في وسط وجنوب القطاع والعودة إلى مناطق الشمال. وبالتزامن مع ذلك تنامت وتيرة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حتى وصلت إلى 600 شاحنة يومياً نصفها موجه إلى شمال القطاع، فضلاً عن بدء العديد من الأطراف الإقليمية والدولية في وضع خطط بخصوص مسألة إعادة الإعمار. وبموجب هذه المعطيات فإن إعادة طرح فكرة تهجير الفلسطينيين تتنافى وهذا الواقع.
2- انهيار سردية "النصر المطلق": أشارت العديد من التقارير والتقديرات الإسرائيلية إلى أن حماس عملت خلال الأشهر الأخيرة على إعادة بناء قدراتها العسكرية، وتجنيد المزيد من المقاتلين، بالإضافة لفصائل أخرى موجودة في قطاع غزة. وكان من مؤشرات هذا الافتراض مجموعة من المشاهد الرئيسية، ومنها عودة حماس في الأسابيع الأخيرة من عمر الحرب إلى استهداف الداخل الإسرائيلي عبر رشقات صاروخية، ما يعني عملياً عدم قدرة إسرائيل على القضاء على البنى التحتية لها. فضلاً عن بعث حماس لرسائل متعددة في مشاهد تسليم المحتجزين الإسرائيليين تؤكد نفس المعنى، حيث حولت عملية التسليم إلى مشهد أشبه بالاستعراض العسكري، وكل هذه المؤشرات نسفت السردية الإسرائيلية الخاصة بفكرة "النصر المطلق" والتي كانت تستند إليها إسرائيل في الترويج لمقترح التهجير على مدار الحرب.
3- التداعيات الخطيرة لمسألة التهجير: أحد المؤشرات الخطيرة والمهمة التي تدفع باتجاه تنامي رفض عملية تهجير الشعب الفلسطيني، ليس فقط أن هذه الخطوة تمثل تطهيراً عرقياً وانتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، ولكنها ترتبط أيضاً بالتداعيات الخطيرة التي قد تترتب على هذه الخطط على كافة المستويات. وأولها أنها عملياً تقضي على فكرة حل الدولتين وإقامة السلام العادل وهذا أمر مرفوض عربياً وإقليمياً. وثانيها أنّ هذا الطرح سوف يُثقل كاهل العديد من الدول بالمزيد من موجات اللجوء. وثالثها أنّ هذا الطرح يضرب منظومة الأمن الإقليمي، على اعتبار أن إسرائيل سوف توظف وجود قيادات الفصائل الفلسطينية في الخارج من أجل استهداف وانتهاك سيادة بعض الدول.
4- إعاقة التطبيع السعودي الإسرائيلي: ربما فوجئت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، بالموقف السعودي شديد اللهجة تجاه الطرح الأخير الخاص بتهجير الشعب الفلسطيني، حيث كانت الإدارة الأمريكية تراهن على القبول العربي والسعودي بهذا المقترح كجزء من صفقة إقليمية كبرى. لكن الموقف السعودي من هذه القضية، الذي جدد بشكل قاطع على رفض أي خطط خاصة بتهجير الفلسطينيين، وربط إقامة أي علاقات مع إسرائيل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، أكد على افتراض مهم، وهو أنّ الإدارة الأمريكية حال تصميمها على هذا الطرح، فإنها لن تغلق الباب فقط أمام التطبيع السعودي الإسرائيلي، بل إنها ستدفع باتجاه توترات كبيرة على مستوى العلاقات العربية بكلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل بطبيعة الحال.
إجمالاً يمكن القول، إنّ الطرح "الترامبي" الأخير الخاص بتهجير الشعب الفلسطيني، حتى وإن فاق توقعات اليمين المتطرف في إسرائيل، وشهد احتفاءً واسعاً من الجانب الإسرائيلي، إلا أنه يصطدم بمجموعة من التحديات الكبيرة، في القلب منها الموقف العربي الإقليمي الدولي الرافض لهذا الطرح، فضلاً عن عدم واقعيته. وهنا فإن أحد السيناريوهات المطروحة أن يكون الرئيس "ترامب" رفع سقف الأطروحات في هذا الملف، على أمل الوصول إلى صيغة معينة خاصة باليوم التالي وبعض الترتيبات الإقليمية التي تُرضي الجانب الإسرائيلي. وبالتالي يظل الرهان على مدى القدرة في بناء مقاربة عربية مشتركة بالتنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، من أجل الدفع باتجاه عملية سلام شاملة في المنطقة، تراعي اعتبارات الأمن الإقليمي، وحقوق الشعب الفلسطيني.
قبل شهرين
قبل 1 شهر
قبل 3 أشهر