صانعة محتوى البودكاست في عدن كاميليا كامل (تصميم مركز سوث24)
آخر تحديث في: 19-02-2025 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | ريم الفضلي
بين عامي 2003 و2004، شهد العالم ظهور فكرة إبداعية جديدة للنشر من خلال تدوين المحتوى صوتيًا وبثه عبر الإنترنت، وهو ما أُطلق عليه لاحقًا مصطلح "بودكاست"، المشتق من كلمتي "iPod" و"Broadcast" الإنجليزيتين. ويُعد برنامج "The BackStage Pass" أول برنامج حواري صوتي يتم بثه عبر الإنترنت.
دخلت فكرة التدوين الصوتي إلى العالم العربي بعد أربع سنوات من ظهورها في الولايات المتحدة وأوروبا، أي في عام 2009، لكن بشكل خجول. وبلغت ذروتها خلال جائحة كورونا بين 2019 - 2020، حيث تم إنتاج 526 برنامجًا خلال عام 2020 فقط.
وفي اليمن، تصاعد الاهتمام مؤخرًا بهذا النوع من المحتوى حيث توجهت عدد من المنصات والقنوات الإعلامية إلى إنتاجه، إلى جانب الأعمال الشخصية لبعض الصحفيين وصناع المحتوى والفاعلين الثقافيين.
صناعة متصاعدة
بعد دخول البودكاست إلى اليمن، وخصوصًا بعد عام 2020، ظهرت العديد من البرامج المتنوعة من صنع محلي، حيث اتجه العديد من الشباب والمهتمين والقنوات الفضائية إلى إنتاج عدد منها، وكانت البرامج الاجتماعية والفنية هي الأكثر انتشارًا. وبرغم أن صناعة البودكاست في اليمن لا تزال في بداياتها، ترى البودكاستر والمدربة في إنتاج المحتوى الصوتي، فريال مجدي، أنه سيتطور لكنه بحاجة إلى توجيه صحيح.
وتعتقد صانعة المحتوى الصوتي، كاميليا كامل، إن صناعة البودكاست في اليمن تنمو ببطء، إلا أنها تحقق تأثيرًا إيجابيًا. وقالت لمركز سوث24: "البودكاست أصبح وسيلة فعالة لإيصال الأفكار ومناقشة القضايا المجتمعية بعمق. لا يزال المجال في طور النمو، لكنه يملك إمكانيات هائلة ليصبح وسيلة قوية للحوار والتعبير عن الرأي، خاصة في ظل محدودية وسائل الإعلام التقليدية ".
وتؤكد تهاني الخضر، مقدمة بودكاست "سولو"، أن صناعة البودكاست في اليمن لا تزال في مراحلها الأولى، حيث يركز معظم المبدعين على المحتوى الصوتي دون تصوير الحلقات. وقالت لمركز سوث 24، إن هناك إمكانيات كبيرة، مع تزايد اهتمام الشباب بإنشاء محتوى ذي قيمة، كما أن دعم المنظمات والمؤسسات لهذا المجال في الفترة الأخيرة يعزز من فرص تطوره.
تهاني الخضر في بودكاست سولو
لكن المخرج والفاعل الثقافي أصيل إيهاب يرى أن الاتجاه الآن هو نحو البودكاست الحواري المصور. مضيفًا لمركز سوث24: "الصناعة المحلية لا تزال في مراحلها الأولى مقارنةً بالإنتاج الخارجي. الأسباب تعود إلى الضعف في البنية التحتية التي تعاني منها اليمن بسبب الحرب وتبعاتها".
نماذج ملهمة
أنشأ أصيل إيهاب، رفقة عدد من الأشخاص، برنامج "أرخل"، الذي وثق عددًا من الأساطير اليمنية بطريقة درامية، إضافةً إلى منصة "بن كاست" المعنية بإحياء التراث الفني والثقافي في اليمن. اتجه أصيل وفريقه إلى الإنتاج الصوتي بسبب الصعوبات الأمنية التي يعيشها صناع المحتوى في اليمن، وصعوبة الحصول على تصاريح التصوير، خصوصًا في مناطق شمال اليمن.
وأضاف إيهاب: "تحولنا إلى صناعة البودكاست كان بهدف مواكبة العالم والتقنيات الحديثة، إضافةً إلى الشعور بالمسؤولية في تقديم خدمة مجتمعية للناس من خلال التوثيق ورصد تاريخ الثقافة والفن، خصوصًا بعد الحرب اليمنية الأخيرة".
بودكاست أرخن - بن بودكاست
ولأنها تؤمن بأن الصوت أداة قوية للتأثير، خاصة في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، اتجهت كاميليا كامل إلى التخصص في صناعة المحتوى الصوتي. أوضحت كامل أن بدايتها في عالم التدوين الصوتي بدأت في عام 2022، بعد حصولها على منحة من الاتحاد الأوروبي ومعهد جوته لإطلاق بودكاست "استثنائية".
وتابعت: "كشفت لي هذه التجربة الحاجة إلى منصات صوتية محلية تناقش قضايا المجتمع بعمق، وهذا ما دفعني لإنشاء "عدني كاست" عام 2023، كأول منصة بودكاست في عدن". شاركت كامل في برنامج "أصوات نساء بلا حدود"، وهي مبادرة من AHJ وبدعم من وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، في عدن خلال الأعوام الماضية.
وبحسب كاميليا، فإن هذه التجربة كانت محطة مهمة، مضيفةً: "كنت ضمن الدفعة الأولى التي تلقت تدريبًا شاملاً في الإعداد، الإلقاء، المونتاج، والتصميم، ما عزز مهاراتي ومكنني من أن أصبح مدربة بودكاست لاحقًا، من خلال عملي مع منظمة المساعدات الإنسانية والصحافة".
أما فريال مجدي، التي تُعد من أوائل صناع المحتوى الصوتي في اليمن، فقد بدأت مبكرًا من خلال التعليق الصوتي كهواية، لكن تحولها الفعلي إلى البودكاست جاء بعد مشاركتها في تدريب حول التوثيق والأرشفة مع مؤسسة البيسمنت في صنعاء.
وقالت فريال: "إدراكي لضرورة حفظ التاريخ بشكل صحيح، لا سيما المتعلق بقضايا النساء، هو ما دفعني للتخصص في هذا المجال". وتسعى فريال مجدي، من خلال منصة "ظفائر"، بمعية عدد من النساء اليمنيات، إلى تسليط الضوء على قصص النساء اليمنيات، خصوصًا في مجالات الفن والثقافة.
وأضافت: "في 2021، كنت قد أطلقت "بودكاست منكام" لتوثيق قصص الفنانات اليمنيات المنسيات، وهذا العام أطلقت "بودكاست أصوات وإيقاعات غائبة"، الذي لا يقتصر على التوثيق الصوتي فحسب، بل يشمل تدريب الفتيات على تقنيات التاريخ الشفوي والأرشفة وإنتاج البودكاست من الصفر حتى النشر".
من جهتها، قالت تهاني الخضر إن اتجاهها إلى صناعة المحتوى الصوتي كان نتيجة لشغفها بالتواصل وسرد القصص، ورغبتها في التفاعل مع الناس. وتقول الخضر: "تجربة "سولو بودكاست" غنية ومثرية، عززت ثقتي بنفسي وقدرتي على تقديم محتوى هادف. تعلمت من خلالها كيفية البحث عن الفرص، إقناع الرعاة والمستثمرين في عدن، والتفاعل مع المشاهدين، مما مكنني من التأثير في حياة الآخرين".
تحديات وصعوبات
واجهت تهاني تحديات مثل نقص الموارد والخبرة، وصعوبات تقنية تتعلق بجودة الصوت والتسجيل، إلى جانب صعوبة العثور على متطوعين للعمل مجانًا، حيث تم تصوير 11 حلقة بفريق متطوع بالكامل. كما واجهت في البداية تحديات في اختيار المواضيع وإيجاد رعاة ومعلنين للحلقات.
أما بالنسبة لفريال مجدي، فإن التحدي الأكبر هو ندرة المصادر حول البودكاست، سواء في اليمن أو في العالم العربي عمومًا، ما جعل عملية التعلم تستغرق وقتًا طويلًا. وأضافت: "تتمثل الصعوبات في إيجاد أفكار جديدة، وتوفير التمويل اللازم، بالإضافة إلى تحديات النشر والتسويق، لا سيما أن البودكاست ليس مصدر دخل أساسي بالنسبة لي، مما يؤدي أحيانًا إلى عدم الانتظام في الإنتاج".
وقال أصيل إيهاب إن التحدي الأكبر بالنسبة لكل صانع محتوى في اليمن هو ضعف البنية التحتية، خصوصًا في الأرياف التي تضآم أكبر كتلة سكانية في البلاد، إضافةً إلى ضعف التمويل، خصوصًا للمؤسسات غير الربحية.
مستقبل البودكاست
أجمع صناع المحتوى الذين تحدثوا لمركز سوث24 على أن صناعة البودكاست في اليمن ستزدهر في المستقبل القريب، إذ إنه يملك فرصًا كبيرة رغم التحديات، وأصبح وسيلة فعالة لنقاش القضايا المجتمعية بعمق، في ظل محدودية الإعلام المستقل.
وقالت كاميليا كامل إنها تسعى إلى توسيع تأثير البودكاست محليًا عبر "عدني كاست"، وعملها في هذا القطاع مع مؤسسات أخرى. وأشارت إلى بودكاست (مش مكلف) الذي تعمل عليه والمختص بنقاش قضايا النساء والمجتمع.
وبحسب إيهاب، فإن ازدهار الإنتاج في هذا المجال مرتبط بتطور البنية التحتية في البلاد. وحول خطواته المستقبلية في هذا المجال، قال إنه وفريق عمله في بن كاست يسعى لصون وتوثيق التراث الثقافي اليمني غير المادي عن طريق البودكاست.
وتتوقع الخضر مستقبلًا مشرقًا للبودكاست في اليمن، مع تزايد الفرص أمام الشباب لاكتساب مهارات الإنتاج والتواصل، وزيادة الدعم لهذا القطاع.
كما ترى فريال مجدي أن البودكاست بحاجة إلى توجيه صحيح لتجنب تكرار الأفكار، مؤكدةً أن هناك العديد من القصص اليمنية التي تستحق التوثيق، وهذا ما تطمح إليه من خلال منصة "ظفائر".
بودكاست ظفائر
وتنصح الراغبين في صناعة المحتوى الصوتي بالبدء دون تأخير، مؤكدة أن جودة الفكرة والسيناريو أهم من المعدات المتطورة. وتعتقد أن النجاح يعتمد على تقديم أفكار جديدة أو محتوى مميز بطابع شخصي في ظل المنافسة الحالية.
وكغيرها من الصناعات الإعلامية والترفيهية، يعتمد مستقبل البودكاست في اليمن على تطوير البنية التحتية للإنترنت والاتصالات والطاقة، من أجل إتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من المهتمين بالخوض في هذا المجال، أو الاطلاع على محتواه.
قبل شهرين
قبل 1 شهر
قبل 3 أشهر