أنصار الحوثي يشاركون في مظاهرة دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة وضد تصنيف الحكومة الأمريكية للحوثيين كجماعة إرهابية في صنعاء باليمن، الجمعة 19 يناير 2024. (صورة | أسوشيتد برس)
29-01-2025 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
"إمّا أن يؤدي قرار التصنيف إلى المزيد من التصعيد الحوثي سواءً في اليمن أو في البحر الأحمر، أو أنّه قد يمثل ضغطاً يدفع باتجاه محاصرة الجماعة ودفعها باتجاه تقديم تنازلات عديدة.."
سوث24 | محمد فوزي
أعلن البيت الأبيض في 23 يناير 2025 عن قرار تنفيذي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. وقال البيت الأبيض في بيان له إنّ "أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين والموظفين الأمريكيين في الشرق الأوسط وسلامة أقرب شركائنا بالمنطقة واستقرار التجارة البحرية العالمية". بشكل عام يعد هذا القرار التنفيذي من "ترامب" أكثر صرامةً من التصنيف الذي وضعته إدارة "بايدن" للحوثي، كـ "تنظيم إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص". ويعد التصنيف الذي تبنته إدارة "ترامب" الأكثر شدة بالنسبة للمنظمات الإرهابية الأجنبية والذي يُعرف اختصاراً بـ (FTO). وقد ارتبطت أهمية هذا القرار الأمريكي الجديد بمجموعة من الاعتبارات، أولها أنه يعبر عن النهج الذي ستتبناه إدارة "ترامب" تجاه الحوثي، وثانيها أن هذه الخطوة سوف يكون لها انعكاساتها سواءً على مستوى عملية السلام في اليمن، أو على مستوى اقتصاديات الجماعة الدينية وعلاقاتها الخارجية، وبطبيعة الحال على المستوى الأمني والعسكري، وهي الأبعاد والتداعيات التي ستحاول هذه الورقة الوقوف عليها.
أولاً- دلالات التصنيف الجديد للحوثيين
قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، الذي سيدخل حيّز التنفيذ خلال 30 يوماً بعد تمريره لوزير الخارجية الأمريكي وبعض الإدارات في الولايات المتحدة، يحمل العديد من الدلالات المهمة، على النحو التالي:
1- التصنيف الأكثر صرامة: كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قد صنفت الحوثيين كـ "منظمة إرهابية عالمية مصنفة بشكل خاص، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224". ووفقاً للتشريعات الأمريكية فإن الأمر التنفيذي رقم 13224 يفرض "عقوبات صارمة على أشخاص أجانب تبين أنهم ارتكبوا أعمالاً إرهابية تهدد أمن الأمريكيين، أو الأمن القومي أو السياسة الخارجية أو الاقتصاد الأمريكي، أو يشكلون خطراً كبيراً لارتكاب أعمال مماثلة"، وهو قرار قُرأ وقتها على أنه محاولة للضغط على الحوثي. أما القرار الأخير من "ترامب" فهو مختلف من حيث الطبيعة والتداعيات، إذ أنّه أشد صرامة حيث يشمل تجميد الأصول وحظر التعاملات، وما يشبه الحظر الاقتصادي، ويفرض عقوبات شديدة على من يحاول تجاوز هذه العقوبات، بمعنى أن التصنيف الجديد يُجرم جميع أنواع التعاملات المالية أو الشخصية أو حتى تقديم الخبرات الفنية والتدريب أو المساعدة، والتي قد تشمل إجراء اتصالات مع الحوثيين أو أي أفراد تابعين للجماعة. بمعنى أدق فإنّ هذا التصنيف هو الأعلى في تصنيفات الإرهاب الأمريكية، بما يجعل الحوثي في نظر الإدارة الأمريكية الجديدة مثله مثل تنظيمي داعش والقاعدة.
2- استراتيجية متشددة تجاه الحوثي: يحمل هذا القرار في أحد أبعاده تعبيراً عن النهج المحتمل من إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تجاه الحوثيين، وهي الاستراتيجية التي تقوم على مجموعة من الركائز الأساسية. أولا، أن هذه الإدارة الجديدة سوف تتبنى مقاربة "الضغوط القصوى" تجاه الحوثي. وثانيا، أن هذه المقاربة سوف يتبعها المزيد من الإجراءات التصعيدية من الإدارة الأمريكية تجاه الحوثي، بما يضمن المزيد من الضغط والحصار للجماعة. ثالثا، أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة تبعث برسائل لإدارة "بايدن" بفشل مقاربتها في التعامل مع الحوثي. ورابعا، أن هذه الاستراتيجية تعني عدم التساهل في أي ملفات مرتبطة بالحوثيين تحت مبررات الاستثناءات أو الدواعي الإنسانية.
3- التماهي مع الضغوط الإسرائيلية: رحب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعادة تصنيف الحوثيين في اليمن "منظمة إرهابية أجنبية"، وقال جدعون ساعر عبر حسابه على منصة إكس، "الحوثيون هم وكيل إيراني يعطل حرية الملاحة ويهدد التجارة العالمية ويزعزع استقرار المنطقة والنظام العالمي"، وأضاف "هذه خطوة مهمة في مكافحة الإرهاب ومواجهة العناصر المزعزعة للاستقرار في المنطقة" وفق تعبيره.
وبشكل عام، يأتي هذا القرار في أحد أبعاده ليس ارتباطاً فقط بنظرة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الجماعة الحوثية، ولكن على وقع الضغوط الإسرائيلية وتداعيات التصعيد الأخير في المنطقة، وذلك على مستويات متعددة. فهذا القرار يأتي كرد فعل ومقاربة للتعامل مع التهديدات الحوثية لمنطقة البحر الأحمر والملاحة البحرية، فضلاً عن الاستهدافات المتكررة للعمق الداخلي الإسرائيلي. كا إنّ الإدارة الأمريكية الجديدة تضم شخصيات موالية لإسرائيل، مثل مايك والتر مستشار الأمن القومي، وبيت هيجسيت وزير الدفاع، ومايك هاكابي السفير الأمريكي الجديد لدى، بالإضافة للعديد من الشخصيات الأخرى، وبالتالي ساهم العامل الإسرائيلي بقوة في اتخاذ هذا القرار.
ثانياً- التداعيات المحتملة للقرار
يمثّل هذا القرار الأمريكي الجديد ضربة قوية للجماعة الحوثية على كافة المستويات، لكنه سوف يدفع باتجاه العديد من التداعيات وذلك على أكثر من مستوى، يمكن بيانها على النحو التالي:
1- سحب الشرعية عن الحوثيين: باتت الجماعة الحوثية بموجب هذا القرار تنظيماً إرهابياً أجنبياً على غرار تنظيمات القاعدة وداعش، وهذا الاعتبار سوف يكون له انعكاسات عديدة، أولها أن القرار يعني عملياً سحب الشرعية من الحوثيين، وأنه طالما ظل الحوثي موضوعاً في هذا الإطار، فإن الحوثي باعتباره تنظيماً إرهابياً لن يُمكن إشراكه في أي حكومة تؤسس لها أي اتفاقيات سلام لاحقاً. وثانيها أن هذا القرار سوف يُضفي المزيد من الصعوبات على مسألة التفاوض مع الحوثيين على اعتبار أنه سوف يفرض معوقات قانونية تعوق عمل وسطاء السلام؛ فمع القيود التي يفرضها على الدعم المادي، مثلاً، يصبح تزويد المفاوضين بأي تسهيلات أو خدمات كالنقل والسكن أمراً صعباً ويحتاج لترتيبات خاصة، فضلاً عن التخوفات من التفاوض أو التباحث مع جماعة مصنفة إرهابياً. وثالثها أن هذا القرار يمثل انتصاراً لمعسكر الشرعية في اليمن، على اعتبار أنه يزيد من الوزن السياسي لها وموقعها التفاوضي، وهو ما تجسد في ترحيب واحتفاء معسكر الشرعية بهذا القرار. ورابعها أن القرار يغلق باب السياسة والحوار والتفاوض مع الحوثيين ويصعد إلى السطح سياسات الخنق الاقتصادي الأقصى للجماعة.
2- التداعيات على الملف الإنساني والاقتصادي: أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هامش قراره الأخيرـ، بأنه سيوجه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لإنهاء علاقتها مع الكيانات التي قدمت مدفوعات للجماعة. وفي إطار تداعيات القرار أعلنت الأمم المتحدة تعليق جميع تحركاتها وعمليات في مناطق سيطرة الحوثيين وهي خطوة تعكس زيادة المخاطر على موظفي المنظمات الإنسانية. وفي ضوء التقديرات باعتماد 80% من الشعب اليمني على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، فإنّ هذا القرار ربما يدفع باتجاه مفاقمة الأوضاع الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية. أيضاً فإن القرار سوف يؤثر على التحويلات المالية إلى مناطق الحوثيين من خلال إلغاء نظام السويفت عن البنوك العاملة في صنعاء، كذلك سينعكس القرار سلباً على موارد الجماعة المالية من الضرائب الجمركية لميناء الحديدة ورأس عيسى.
3- احتمالية توسيع الهجمات الأمريكية ضد الحوثي: كما سبق الإشارة فإنّ الحوثي بموجب هذا القرار يعد تنظيماً إرهابياً من الدرجة الأولى على غرار تنظيم القاعدة وتنظيم داعش. وبناء على ذلك فإن الإدارة الأمريكية الجديدة قد لا تكتفي بالعمليات التي يتم شنها ضد مناطق سيطرة الجماعة عبر تحالف "حارس الازدهار" أو عبر التنسيق مع بريطانيا من خلال القوات المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط، بل إنها قد تذهب إلى استنساخ نموذج "قطع الرؤوس". وهي المقاربة التي تُركز على اصطياد واغتيال قادة التنظيمات الإرهابية، والتي تتبناها الولايات المتحدة في دول مثل العراق وسوريا والصومال.
4- التداعيات على التصعيد في البحر الأحمر: رغم أن أغلب التحليلات والتقديرات تذهب إلى أن القرار سوف يساهم في المزيد من الضغط على الجماعة الحوثية لخفض تصعيده في البحر الأحمر، خصوصاً وأنه تزامن مع إعلان الحوثيين تقليص هجماتهم البحرية، والإفراج عن طاقم السفينة التجارية "جالاكسي ليدر" بوساطة عمانية، إلا أنّ هناك تفسيراً آخر يذهب إلى احتمالية أن يدفع هذا القرار الحوثي إلى المزيد من التصعيد، ويُمكن الاستناد في هذه الفرضية إلى بعض الاعتبارات الرئيسية، أولها أن الجماعة ورداً على هذا القرار قد تدفع إلى التحرك لمنع أي سفن بريطانية أو أمريكية من المرور بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب، وثانيها أن القرار الأمريكي قد يدفع إسرائيل إلى توسيع مساحة وحجم الضربات الموجهة ضد الحوثيين في اليمن.
5- حدود التأثير على القدرات العسكرية للحوثيين: يحمل القرار الأمريكي الأخير تأثيرات وتداعيات اقتصادية سلبية كبيرة على الجماعة الحوثية، لكن من غير المتوقع أن يحمل تأثيرات كبيرة على مستوى القدرات العسكرية لهم، وذلك لاعتبارات عديدة. أولها أنه حتى لو أمعنت الولايات المتحدة في تبني عمليات نوعية ضد الحوثي، فإن تجربة استهداف قيادات حزب الله وحماس زادت من إجراءات الحوثيين لتأمين قياداتهم. وثانيها أنّ إسرائيل وفق بعض التقديرات تفتقر إلى مصادر استخباراتية قوية لها في اليمن وتجاه الحوثيين على غرار تلك الموجودة في غزة ولبنان. وثالثها أن الحوثيين ميليشيا تعتمد في تسليحها بشكل رئيسي على الأسلحة المهرّبة إيرانية الصنع، كما أنها تعتمد بشكل رئيسي على الجبايات والضرائب المحلية التي تفرضها في مناطق سيطرتها كأحد مصادر التمويل لشراء الأسلحة، جنباً إلى جنب مع علاقاتها الكبيرة بالعديد من التنظيمات والميليشيات المسلحة.
إجمالاً يمكن القول إنّ القرار الأمريكي الأخير بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية من الدرجة الأولى، يحمل تعبيراً عن التوجهات الخاصة بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الجماعة الدينية، ويعكس نمطاً من ممارسة الضغوط القصوى. وبشكل عام إمّا أن يؤدي هذا القرار إلى المزيد من التصعيد الحوثي سواءً في اليمن أو في البحر الأحمر، أو أنّه قد يمثل ضغطاً يدفع باتجاه محاصرة الجماعة ودفعها باتجاه تقديم تنازلات عديدة خصوصاً في ملف التسوية باليمن والبحر الأحمر.
قبل شهرين