مقاتلون مناهضون للحكومة يحتفلون في أحد شوارع معرة النعمان في محافظة إدلب شمال غرب سوريا في 30 نوفمبر 2024 (Credit: ABDULAZIZ KETAZ/AFP via Getty Images)
05-12-2024 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
"مآلات هذه العملية ومساراتها المحتملة سوف تظل مقترنة بمجموعة من المحددات الرئيسية وعلى رأسها درجة الممانعة والصمود الذي ستبديه قوات الجيش الوطني السوري في معركة حماة الحالية.."
سوث24 | محمد فوزي
بعد هدوء نسبي استمر لنحو 5 سنوات، عاد مصطلح الحرب الأهلية إلى الوجهة كتعبير عن التفاعلات التي تشهدها الساحة السورية، وهي التفاعلات التي طغى عليها الجانب العسكري والميداني، بعد إقدام العديد من المجموعات المسلحة المنتشرة في مناطق الشمال السوري ببدء هجوم أطلقت عليه مسمى "عملية ردع العدوان" ضد قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية والمجموعات المسلحة المتحالفة معه منذ 27 نوفمبر 2024. وقد كان لافتاً في إطار هذا التصعيد النوعي مجموعة من الملاحظات الرئيسية، بعضها يرتبط بالتقدم الميداني الكبير الذي حققته هذه المجموعات خلال فترة وجيزة، وبعضها يرتبط بحضور العامل الخارجي بشكل كبير في هذه العمليات وتفسيراتها، وبعضها الآخر يرتبط بتنامي الحديث عن تغيرات كبيرة قد تحدث على وقع هذه العمليات على الميدان السوري وتوزيع الفاعلين وتوازنات القوة به.
أولاً- الفصائل المشاركة
تصدّرت هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني مشهد العمليات الجارية في سوريا، باعتبارها الفصيل المسلح الأبرز المشارك في هذه العمليات، حيث ذكرت الهيئة في بيان لها أن هذه العمليات "تأتي كرد على العدوان الروسي – السوري المشترك ضدها على مدار شهر أكتوبر 2024".
وبشكل عام يُمكن تسليط الضوء على أبرز الفصائل المسلحة المشاركة في هذه العملية وذلك على النحو التالي:
الفصيل |
الحيثيات |
هيئة تحرير الشام |
كان متحالفاً حتى العام 2016 مع تنظيم القاعدة، وكان يحمل اسم
"جبهة النصرة" في وقت سابق، وقد نشأ التنظيم في سوريا منذ صيف العام
2011، استجابة لرسالة أطلقها زعيم "القاعدة"، آنذاك أيمن الظواهري،
يدعو فيها إلى "نصرة أهل الشام لمواكبة المظاهرات السلمية التي كانت قد
بدأت قبل أشهر في سوريا للمطالبة بإصلاح النظام"، ونُسبت إلى
"الجبهة" باكورة العمليات الإرهابية التي بدأت تتوالى في سوريا منذ
يناير 2012 |
جيش إدلب الحر |
فصيل تم تشكيله عام 2016 إثر توحد المجموعات المسلحة: صقور الجبل والفرقة
الشمالية والفرقة الثالثة عشرة التابعة للجيش السوري الحرر. |
حركة أحرار الشام |
نشأت إثر اندماج أربع فصائل إسلامية سورية وهي "كتائب أحرار
الشام" و"حركة الفجر الإسلامية" و"جماعة الطليعة
الإسلامية" و"كتائب الإيمان المقاتلة". وتتمركز الحركة في إدلب وريفي
حلب وحماة. |
الجبهة الوطنية للتحرير |
تحالف مسلح شُكّل من قبل 11 فصيلًا من "الجيش السوري الحر" عام 2018، وتتحدث
تقارير عن أنه يضم نحو 30 ألف مقاتل يتمركز معظمهم في إدلب الشمالية. |
الجيش الوطني السوري |
تحالف يضم مجموعة من الفصائل المسلحة الموالية لتركيا. |
قوة "جيش العزة" |
فصيل يضم مجموعات من المسلحين والضباط المنشقين عن الجيش الوطني السوري. |
كتائب "نور الدين الزنكي" |
جماعة إسلامية مسلحة تشكلت عام 2011 على يد الداعية توفيق شهاب
الدين، وكانت أحد الفصائل التي شاركت في تأسيس هيئة تحرير الشام. |
ثانياً- حيثيات وطبيعة العملية
على الرغم من أنّ البيانات المعلنة لهذه الفصائل المسلحة في سوريا، حمل تركيزاً على كون العملية تأتي للرد على هجمات سورية روسية مشتركة على مدار الفترات الماضية في ضد تمركزاتها في إدلب، إلا أنّ الواقع الميداني الحالي حتى وقت كتابة هذه الورقة، يكشف عن أن هذه التحركات تستهدف ما هو أبعد من الرد على هذه العمليات. إذ أنها تسعى إلى فرض واقع ميداني وعسكري جديد في سوريا، وخصوصاً في مناطق التماس مع النظام السوري، وهو ما يمكن بيانه في ضوء الاعتبارات التالية:
1- مد النفوذ من إدلب إلى حلب: شهد يوم 29 نوفمبر 2024، إعلاناً مما يُعرف بـ "إدارة العمليات العسكرية لعملية ردع العدوان" عن دخول المجموعات المسلحة إلى مدينة حلب، لتُعلن في اليوم التالي في 30 نوفمبر 2024، عن السيطرة على مدينة إدلب بشكل كامل (بما في ذلك مدينة خان شيخون جنوب إدلب والتي كانت خاضعة لسيطرة النظام السوري منذ 2019)، والسيطرة على مطار حلب الدولي ومناطق واسعة من المدينة، بما يعني أنّ النفوذ داخل مدينة حلب حالياً يتوزع بين هذه الفصائل وبشكل أقل بين مجموعات كردية لا تزال متواجدة في ميدان المدينة.
وترتبط أهمية مدينة حلب في إطار استراتيجية هذه الفصائل بمجموعة من الاعتبارات الرئيسية، أولها أن المدينة تضم مجموعة من المراكز الحكومية والعسكرية الرسمية المهمة، ومنها "الفوج 46" الذي يقع غرب حلب ويعد منطلقاً رئيسياً لهجمات الجيش الوطني السوري ضد هذه الفصائل، وثانيها أن السيطرة على حلب بمحاورها المختلفة تضمن السيطرة على الطريقين (M4) و(M5) اللذان يصلان حلب بدمشق، وثالثها أن السيطرة على حلب يمثل مرتكزاً استراتيجياً مهماً للتقدم والتمدد خصوصاً تجاه مدينة حماة.
2- السعي للتقدم نحو مدينة حماة: بالتزامن مع هذا التقدم الكبير في مدينتي حلب وإدلب، أعلنت الفصائل المسلحة في سوريا في 30 نوفمبر 2024، عن التقدم في مختلف المحاور في أرياف حماة، وفي الساعات الماضية قالت هذه الفصائل إنها استطاعت السيطرة على 7 مناطق في ريف حماة، وبحسب حسابات مؤيدة للفصائل على "إكس"، فإنّ الفصائل المسلحة وصلت أبواب منطقة قلعة المضيق بريف حماة الشمالي وسيطرت على قرى أخرى مجاورة.
وبشكل عام، تحظى مدينة حماة بأهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للفصائل أو بالنسبة للنظام السوري، وذلك لاعتبارات عديدة. أولها أن مدينة حماة تعد مدخلاً رئيسياً لأي تمدد باتجاه مدن حمص ودمشق والساحل السوري، وثانيها أن المدينة تشهد تواجداً ضخماً وكبيراً لقوات الجيش الوطني السوري ما يجعل معركة حماة هي واحدة من أكبر المعارك بين الجانبين. وثالثها أن هناك نظرة سائدة لدى العديد من التقديرات بأن حماة تمثل بيئة حاضنة مواتية بالنسبة لهذه الفصائل، على وقع العلاقات التاريخية المتوترة لسكان هذه المدينة بالنظام السوري وبالمجموعات الإيرانية المتحالفة معه.
3- السيطرة على المراكز العسكرية واللوجستية المهمة: ركزت المجموعات المسلحة بشكل لافت على السيطرة على بعض المراكز العسكرية واللوجستية المهمة، ومنها: مطارات حلب الدولي، ومنغ العسكري، وأبو الظهور العسكري، وكويرس، بالإضافة لنقاط عسكرية مهمة أبرزها معامل الدفاع وكليات عسكرية، وبعيداً عن كون هذه التحركات تأتي في إطار استراتيجية التمدد التي تتبناها الفصائل المسلحة، إلا أنها أيضاً تحمل بعض الدلالات المهمة، ومنها أنّ السيطرة على هذه المراكز سوف توظف سياسياً من أجل فرض سيطرة هذه الفصائل على المناطق التي تم الاستحواذ عليها. بمعنى تحويل التقدم الميداني إلى نفوذ سياسي. كذلك فإنّ السيطرة على هذه المناطق يعني عملياً الاستحواذ على ما في داخلها من أسلحة وطائرات مقاتلة ومسيرة.
ثالثاً- الأسباب ودلالات التوقيت
حمل انطلاق العملية الأخيرة للمجموعات المسلحة السورية العديد من الدلالات المهمة، خصوصاً في ظل السياق والتوقيت الذي جاءت فيه، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- التعاطي مع أي تفاهمات روسية سورية جديدة: كان لافتاً أن عملية الفصائل المسلحة جاءت بالتزامن مع زيارة قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا في 28 نوفمبر 2024، وهي الزيارة التي ركزت على مناقشة إعادة ترتيب أوراق وملفات التعاون الروسي-السوري بعد اتفاق وقف إطلاق النار فى الجنوب اللبناني بين حزب الله وإسرائيل من ناحية، ومراجعة الدور العسكري الإيراني في سوريا بالتنسيق مع روسيا من ناحية ثانية. وبالتالي سعت الفصائل إلى فرض أمر واقع ميداني جديد في سوريا استباقاً لأي تفاهمات جديدة قد تتم بين الجانبين.
كذلك لا يمكن إغفال بعض الاعتبارات الراهنة الخاصة بالموقف الروسي والتي ساهمت في تشجيع هذه الفصائل على تنفيذ هذا التصعيد النوعي، ومنها حالة الاستنزاف والإنهاك الروسي في الميدان الأوكراني، بما أضعف القدرة الروسية على تقديم الدعم والإسناد بشكل كبير ومطلق للجيش الوطني السوري كما حدث في السنوات الأولى للحرب في سوريا. كذلك فإنّ روسيا تسعى إلى إنجاز مجموعة من التفاهمات التي تضمن تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري بما يعكس تقليلاً في وتيرة الانخراط العسكري في سوريا. كما يبدو أنّ هناك تخوفات لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن أي دعم حالي للنظام السوري والمجموعات الإيرانية الموالية له يُمكن أن يدفع باتجاه توترات أكبر على مستوى العلاقات مع إسرائيل.
2- استباق أي تحركات في مسار التطبيع مع تركيا: تأتي هذه العملية بالتزامن مع تنامي التحركات التي تجري لتطبيع العلاقات بين النظام السوري وبين تركيا، بوساطة من قبل روسيا بشكل رئيسي. وفي هذا السياق تنظر المجموعات المسلحة السورية المنتشرة في الشمال السوري إلى هذا المسار بعين الارتياب والتهديد، على وقع أنه قد يمهّد لتفاهمات تُفضي إلى استعادة النظام سيطرته على مناطق حيوية في شمال سوريا، جنباً إلى جنب مع تداعيات هذا المسار على مستوى رفع تركيا لعباءة الدعم عن هذه الفصائل.
3- استغلال ضعف المجموعات الموالية لإيران: تشهد اللحظة الراهنة حالة هي الأضعف بالنسبة للفصائل الموالية لإيران في سوريا، وهي الفصائل التي كانت تمثل أحد نقاط القوة الرئيسية بالنسبة للنظام السوري، وخصوصاً حزب الله اللبناني الذي استُنزف بشكل كبير على وقع الحرب الأخيرة بينه وبين إسرائيل. وبالتالي فاختيار هذا التوقيت على وجه الخصوص، يرجع في أبعاده من جانب إلى حالة الاستنزاف التي تعيشها الفصائل الإيرانية وإيران نفسها على وقع المواجهات مع إسرائيل، ومن جانب آخر استباقاً لأي محاولات إيرانية أو تحرّكات تُمهد لإعادة ترتيب أوضاع ميليشياتها على الأراضي السورية. وهنا لا يجب إغفال أن إسرائيل شنت منذ بدء الحرب في غزة وحتى اليوم ما يزيد على الـ 100 هجوم على الأراضي السورية كان معظمها ضد قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية، كما أنّ إسرائيل اغتالت كافة قيادات الصف الأول الإيرانيين وكذا قيادات حزب الله الموجودين في سوريا.
4- حضور العامل التركي في العملية الأخيرة: يحظى "العامل التركي" بحضور كبير في إطار العملية الأخيرة، وذلك على أكثر من مستوى. أولها أن أحد المقاربات التفسيرية المطروحة لهذا التصعيد يتمثل في كونه رسالة من قبل أنقرة رداً على الاشتراطات التعجيزية التي يضعها النظام السوري لتطبيع العلاقات الثنائية. وثانيها أن التسليح النوعي الذي ظهر لدى هذه الفصائل يعكس أن هناك دعماً كبيراً على المستوى العسكري قد حصلت عليه، وهنا لا يجب إغفال أن مجمل هذه الفصائل تقع تحت مظلة الرعاية والدعم التركي. وثالثها أن هناك افتراضاً يقول بأن تركيا تسعى عبر هذا المسار إلى تحقيق بعض المكاسب ومنها توسيع رقعة سيطرة الفصائل بما يقلل من موجات اللجوء، وكذا فرض تسوية سياسية تُراعي حساباتها في الميدان السوري.
5- فرض واقع جديد على "دونالد ترامب": أحد أبعاد هذه العملية الأخيرة ودلالاتها الرئيسية يتمثل في سعي الفصائل والمجموعات المسلحة المنتشرة في الشمال السوري إلى فرض واقع جديد يتعاطى معه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب. وتسعى هذه الفصائل إلى بعث رسائل لأمريكا مفادها ضرورة التراجع عن دعم قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ومراجعة مسألة التواجد الأمريكي العسكري في سوريا، وطرح نفسها أمام الإدارة الأمريكية كفاعل ميداني مهم في أي تسويات سياسية قد تُقدم عليها.
6- غلق الباب أمام تنامي نفوذ "قسد": بالتزامن مع تراجع قوة وفاعلية الميليشيات الموالية لإيران في سوريا، كان هناك في المقابل تعاظم على مستوى نوفذ وحضور قوات سوريا الديمقراطية في المشهد السوري، مدفوعةً في ذلك بدعم أمريكي كبير. وبالتالي يمكن القول إن هذه العملية تأتي في إطار العداء التاريخي بين فصائل الشمال السوري وبين "قسد"، كما أنها تستهدف غلق الباب أمام أي استغلال من "قسد" لهذا التراجع الذي مُنيت به الفصائل الموالية لإيران.
وختاماً يمكن القول إن عملية المجموعات السورية المسلحة عبرت من جانب عن تطور ودعم عسكري كبير حصلت عليه هذه الفصائل، ومن جانب آخر عن سعيها لفرض أمر واقع ميداني جديد في سوريا، استباقاً لأي تفاهمات خارجية قد تتم بشأن الملف السوري. لكن مآلات هذه العملية ومساراتها المحتملة سوف تظل مقترنة بمجموعة من المحددات الرئيسية وعلى رأسها درجة الممانعة والصمود الذي ستبديه قوات الجيش الوطني السوري في معركة حماة الحالية، وكذا طبيعة الدعم الخارجي وخصوصاً الإيراني والروسي ومن بعض الفصائل في دول الجوار الذي سيتم تجاه الجيش السوري. لكن المؤكد في كل ذلك أن هذا التطور سيؤدي إلى تراجع فرص الحل السياسي في سوريا ويجعله مقروناً بمآلات التصعيد العسكري والميداني.