AFP/Getty Images
09-10-2024 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
"حتى لو أرادت إيران استبدال الجماعة الحوثية كرأس حربة مؤقت لتهديد إسرائيل في المنطقة بعد ما حدث لحزب الله، فالمليشيا اليمنية مازالت غير مؤهلة لأسباب عديدة.."
سوث24 | فريدة أحمد
شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعداً متسارعاً للأحداث بين إسرائيل وإيران، بعد أن تلقى حزب الله اللبناني أقسى ضربة خلال مسيرته، باغتيال الرجل الأول في الحزب وربما في لبنان، حسن نصر الله. سبق ذلك اختراق كبير للحزب، عبر إحداث إصابات عميقة لآلاف من أعضائه جراء انفجار أجهزة "البيجر" والأجهزة اللاسلكية، في مناطق مختلفة من العاصمة بيروت وعدد من المدن في جنوب لبنان. وحمّل الحزب إسرائيل، المسؤولية الكاملة عن العمليات التي استهدفت العاملين في مؤسسات الحزب.
بعد أيام فقط من عملية الاغتيال، ردت إيران على تل أبيب بنحو 200 صاروخ، مؤكدة أن 90% من الصواريخ وصلت لأهدافها، من بين ذلك ثلاث قواعد عسكرية إسرائيلية. بينما توعدت إسرائيل بتدفيع إيران "الثمن الباهض"، جراء الهجوم. ورداً على ذلك، حذرت إيران، من رد "أشد وأقوى" على أي هجوم إسرائيلي محتمل ضدها. في خضم ذلك، بدا أن اللعبة الإسرائيلية الإيرانية أكثر هزالة مقارنة بالتهديدات المتكررة المتبادلة، خاصة وأنّ طهران بالذات وضعت تحركاتها في إطار "الانتقام"، بداية من اغتيال "إسماعيل هنية" على أراضيها، حتى اغتيال حسن نصر الله في ضاحية بيروت. إذ كان من المتوقع بعد فترة انتظار شهرين، أن يتم استهداف مواقع أكثر حساسية في تل أبيب، أو يتم تنفيذ عملية اغتيال واحدة على الأقل لأحد القادة المؤثرين في المشهد الإسرائيلي، خاصة وأنّ الحرب المتصاعدة منذ السابع من أكتوبر تمّ فيها تجاوز الخطوط الحمراء لقواعد الاشتباك، غير أنّ ذلك لم يحدث من الجانب الإيراني. وهو ما عزّز النظرة التي يصفها كثير من المراقبين، بأنها ليست سوى حفلات من الألعاب النارية التي تطلقها إيران من وقت لآخر، ولا تختلف عن هجمتها السابقة في شهر إبريل الماضي.
رغم ذلك، لا يمكن التقليل من خطورة سرعة الصواريخ التي أطلقتها طهران، إذ استخدمت للمرة الأولى صواريخ "فاتح"، فرط الصوتية، التي يمكنها المناورة داخل وخارج الغلاف الجوي، وتتراوح سرعتها ما بين 13 إلى 15 ماخ، وتفوق 5 مرات سرعة الصوت، لذا يصعب عادةً مواجهتها. وهو ما سبب إرباكاً لدى أنظمة الدفاع الإسرائيلية بما في ذلك القبة الحديدية في القدرة على مواجهة البعض منها أثناء عملية هجوم الأول من أكتوبر. لذا، من الممكن أن يمثل الرد على مثل هذا الهجوم، "فرصة غير مسبوقة لإسرائيل لتقويض النظام الإيراني"، وفقاً لصحيفة صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، إضافة لذلك، فإنّ الهجوم الإسرائيلي "سيكون شاملاً وسيستهدف البنية التحتية الحيوية لإيران، مثل المصافي ومنشآت الطاقة ومراكز الصناعة، فضلاً عن هجمات إلكترونية واسعة النطاق تستهدف تعطيل نظام القيادة والسيطرة الإيراني".
وفي خضم التوتر المتصاعد، تحاول الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن، الدفع نحو تهدئة وتجنيب منطقة الشرق الأوسط اندلاع حرب شاملة، ودعوة إسرائيل إلى عدم ضرب منشئات نفطية إيرانية رداً على هجمات طهران. بينما يدعو المرشح الجمهوري ترمب، إسرائيل إلى ضرب المنشئات النووية الإيرانية، معللاً ذلك بأن حصول إيران على سلاح نووي، سيؤدي لحصول مشكلة أكبر. واقع الحال، تشير المعطيات الراهنة إلى أنّ التصعيد مرشح للزيادة في ظل تعنت الأطراف بالردود العسكرية المتبادلة، ورغبة إيران بحماية وكلائها في المنطقة بعد خسارتها أكثر من شخصية بارزة خلال فترة وجيزة، وخاصة بعد أن شكّل وكلاؤها لعقود من الزمن سلسلة متشابكة من القوة والتهديد للخصوم في المنطقة، بما في ذلك التهديد الواقع على السعودية عبر بالحوثيين. فضلاً عن ذلك، فهي أول حرب تضطر إيران للتدخل فيها بشكل مباشر نيابة منذ حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي.
التأثير على الحوثيين
يحظى الحوثيون حتى الآن، بوضع جيد يؤهلهم لمواصلة نطاق عملياتهم في البحر الأحمر، إذ لم تؤثر الضربات المتواصلة في مواقع عدة شمال اليمن منها الحديدة ورأس عيسى مؤخراً، على نشاطهم. بل ازدادت الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وعلى تل أبيب بالذات منذ اغتيال حسن نصر الله. مع ذلك، وعلى رغم الهجمات الإسرائيلية على لبنان التي أدت إلى تقويض قدرات "حزب الله" إلى حد كبير، إلا أنّ ذلك لم ينهيه كقوة سياسية وعسكرية، مازال يمتلك ترسانات من الأسلحة والصواريخ وآلاف المقاتلين، لاسيّما وطهران مازالت تعتبر حزب الله "جوهرة التاج" في محور ما يُسمى بالمقاومة التابع لها. وحتى لو أرادت إيران استبدال الجماعة الحوثية كرأس حربة مؤقت لتهديد إسرائيل في المنطقة، فالأخيرة مازالت غير مؤهلة لأسباب عديدة منها: أولاً، عدم امتلاكها القوة أو الخبرة الكافية التي يمتلكها حزب الله، كونها حركة فتية ومازالت حتى وقت قريب تتدرب على أيدي قادة في حزب الله. ثانياً، بسبب العوائق الجغرافية وبعد المسافة إذا ما قارنها بلبنان أو العراق وسوريا والانتشار الكثيف هناك لميليشيا إيران، والسبب الثالث والأهم، هو اعتبار إيران للحوثيين بأنّهم أقل قيمة من باقي شيعة وكلائها في المنطقة، فقد وصف في وقت سابق القيادي في الحرس الثوري الإيراني، سعيد قاسمي، الحوثيين، بأنهم "شيعة شوارع"، ويختلفون عن شيعة لبنان المتحضرين. وهو وصف أقل ما يُقال عنه أنه استخفاف واستنقاص منهم. مما يقلل ذلك من فرص استبدالهم بحزب الله، والاكتفاء بالاعتماد عليهم كأداة رئيسية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر واستمرار تهديداتهم متى ما استدعى الأمر.
من غير المستبعد، أن تسلك إسرائيل ذات المسلك تجاه الحوثيين، عبر تدمير الهيكل القيادي للجماعة، وقد يكون ذلك أكثر سهولة بالنسبة لها مقارنة بتدمير قدرات حزب الله الأكثر تماسكاً وتنظيماً وخبرة، فيما إذا استطاعت الوصول لمواقعهم بدقة رغم بعض العوائق الجغرافية. خاصة وأنّ سلم القيادة مقتصر على زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي وبعض الشخصيات المقرّبة منه، فهو من يصدر القرارات والتعيينات وباقي الهيئات ليست سوى شكلية، وقد لا تكون ذات أهمية أو تأثير يُذكر. وفي إطار ذلك، يمكن الاعتراف، بأن إسرائيل نجحت في القضاء على خصومها بالاعتماد على المستوى الاستخباراتي المتقدم في تنفيذ عملياتها العسكرية في لبنان، بينما أخفقت إيران في ذلك حتى ضمن نطاق أراضيها.
من المهم القول، إنّ الخطوات الأكثر خطورة التي يمكن أن يلجأ لها حزب الله خلال الفترة القادمة وفقاً لكثير من التقديرات، هو الذهاب إلى "أعمال الإرهاب الدولي"، عبر وحدة الظل الخارجية المعروفة للحزب (910)، وهي واحدة من أكثر فروع المنظمة سرية وخطورة، تحت قيادة طلال حمية، المعروف أيضًا باسم "أبو جعفر". وهذا الأمر يفتح الضوء على ما يمكن القول بأنّ مراقبة العناصر الحوثية في الخارج؛ من المرجح أن يكون أكثر تشديداً مما كان عليه في السابق، خاصة وأنّهم يتنقلون في عدة دول عربية وأجنبية تحت أكثر من غطاء سياسي وإعلامي وغيره، وفيما إذا وجد تعاون وتنسيق بينهم وبين حزب الله لتنفيذ عمليات سرية في الخارج. لا سيّما وأنّ حزب الله هو المسؤول الأول عن الجانب التنفيذي والتمويل المتعلق بالجماعة الحوثية كوسيط عبر إيران.
من المؤكد أنّ ما حدث من نكسة لحزب الله، أثّر بشكل كبير على شبكة وكلاء إيران في المنطقة، وعلى رأسهم الحوثيين في اليمن، وقد يؤثر ذلك عليهم بشكل تصاعدي في ظل استمرار هجماتهم في البحر الأحمر. علاوة على ذلك، لا يمكن الحديث اليوم عن أي محادثات دبلوماسية محتملة لوقف إطلاق النار في اليمن برعاية سعودية. فالحوثيون مازالوا يفتحون الجبهات القتالية الداخلية والخارجية على مصراعيها، ولا يضعون أمام المجتمع الدولي والإقليمي إلا الخيارات الصعبة. لذا، يبدو أنّ اليمن سيستمر في المأزق السياسي لفترة طويلة في ظل التطورات المتسارعة، كما من المتوقع أن تذهب الأوضاع الاقتصادية للتدهور في مناطق الحوثيين ومناطق سيطرة الحكومة المعترف بها بالمثل، وسط موجة التهديدات على السفن التجارية التي تراجع مرورها في شريط البحر الأحمر وسواحله.
هل هو صراع مفتوح؟
من الواضح أنّ الضغط الأمريكي سيظل مستمراً أمام حالة الانتشاء الإسرائيلية، وبالذات بعد التخلص من أبرز قيادات حزب الله في لبنان، وبدء تنفيذ أعمال عسكرية أكثر عنفاً وعمقاً وفي أكثر من محور في جنوب لبنان وقطاع غزة. ولا يبدو أن إسرائيل تكترث كثيراً لهذه الضغوط التي تسبق الانتخابات الأمريكية بشهر واحد تقريباً. فالإسرائيليون يصرّون على تنفيذ ضربة من شأنها إحداث تهديد سياسي واقتصادي على النظام الإيراني الذي يواجه مشكلات داخلية عميقة السنوات الأخيرة. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإنّ اتلاف منشئات النفط في إيران سيعطل أسواق النفط العالمية، خاصة وأنّ إيران تنتج حوالي ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً، أو حوالي 3% من الإمدادات العالمية، وأكبر عملائها هو الصين. كما إنّ ارتفاع أسعار البنزين والوقود والمنتجات الأخرى، من شأنه أن يهدد العديد من اقتصادات الدول بخطر الركود، وبالذات الدول الفقيرة.
حتى الآن، من غير المعروف ما هو مستوى الرد المتوقع من إسرائيل والرد المقابل له من إيران ووكلائها في المنطقة، وما إذا كانت الضربات المتبادلة ستؤدي إلى صراع مفتوح وحرب شاملة. فإيران تحاول إثبات نفوذها في ظل ميزان قوى بدأ يتشكّل لمحاولة إضعافها، خاصة في ظل استثنائها من المشاريع والترتيبات الجيواقتصادية التي سبقت السابع من أكتوبر 2023، ويبدو أن إيران ستستمر في مسارها الراديكالي ضد إسرائيل بقوة أكبر، خاصة وأنّ مشروع تدمير إسرائيل هو المطلب الأقدم والأكثر مركزية بالنسبة للجمهورية الإسلامية ولميليشياتها في المنطقة. وبالمثل بالنسبة لإسرائيل التي وإن كانت حققت بعض المكاسب التكتيكية المهمة، إلاّ أنّها ترغب بإعادة الاعتبار لنفسها في ظل تسويقها المستمر لقدراتها اللامحدودة في أنظمة الدفاع، والذي كسرت صورته طهران مؤخراً ولو نسبياً. لذا، ستظل الخيارات مفتوحة أمام الطرفين، في حال الذهاب لتصعيد أوسع أو الذهاب لتهدئة في المنطقة، غير أن الثمن الذي سيدفعه أيً من الطرفين في كل الأحوال سيكون كبيراً، بما في ذلك من أثر على وكلاء إيران وفي مقدمتهم الحوثيين.