أرشيف
30-03-2024 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
"تعد إجراءات البنك المركزي اليمني، والتي تتضمن إنشاء منظومة شبكة موحدة، ورد فعله الحازم ضد البنوك المتمردة بمثابة خطوات رئيسية نحو التيقن من الاستقرار المالي للدولة".
سوث24 | أحمد باحكيم
تلعب البنوك المركزية دورًا حيويًا في الحفاظ على استقرار النظام المالي للدول. إنها مسؤولة عن تشكيل وتنفيذ السياسات النقدية، وتنظيم المؤسسات المالية، والتيقن من سلاسة أنظمة المدفوعات. تتماشى الإجراءات الحديثة التي اتخذها المركزي اليمني في عدن مع التفويض المنوط به بالترويج للاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي. ويعد الاستقرار المالي ذو أهمية بالغة للعافية العامة لأي اقتصاد، حيث يعزز ثقة المستثمرين، ويشجع النمو الاقتصادي، ويسهل التخصيص الفعال للموارد. من خلال تنفيذ إجراءات تعزيز الاستقرار المالي، يتخذ البنك المركزي اليمني خطوات استباقية لحماية مستقبل الاقتصاد.[1]
بغض النظر عن الصراع العسكري الممتد، تجد الحكومة اليمنية والمتمردون الحوثيون أنفسهم ضالعين في معركة أخرى تتمثل في حرب عملات أدت إلى تباين حاد في قيمة الريال اليمني. حتى أواخر عام 2019، كانت الحكومة والحوثيون تستخدمان نفس الأوراق النقدية. بيد أن المتمردين فرضوا حظرا على أوراق نقدية جديدة تمت طباعتها في عدن التي تديرها الحكومة بسبب مخاوف تتعلق بالتضخم. هذا التشعب النقدي أدى إلى انخفاض كبير لقيمة الريال في مناطق سيطرة الحكومة، حيث تراجع بشدة أمام الدولار الذي يبلغ حاليًا مستوى يصل 1700 ريال. وبالمقابل، فإن سعر الدولار يتسم بالاستقرار في مناطق سيطرة الحوثيين حيث يناهز مستوى 600 ريال.[2]
هذا التفاوت تسبب في عواقب ضارة للمواطنين والشركات في كل من مناطق سيطرة الحكومة والمتمردين. بيد أن هذا ينطبق بشكل خاص على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة نظرًا للتضخم المتفشي. هذا التباين في قيمة الريال جعل العديد من المواطنين والشركات متوترين ماليًا بالإضافة إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي بالفعل في اليمن.
وطبّق البنك المركزي اليمني مؤخرًا سلسلة من الإجراءات التي طال انتظارها منذ نقله إلى عدن. هذه الإجراءات لم تتسبب في أي تأثيرات قد تضر بمصالح الجهات المعنية، بما في ذلك ملاك شركات الصرافة والمواطنين والتجار. أحد الإجراءات الملحوظة التي اتخذها البنك المركزي يتمثل في تأسيس شبكة موحدة يمكن من خلالها تعقب الحركات المالية. من المهم ملاحظة أن هذا الإجراء لا يعني "انفصالا" بين إجراءات التحويل بين مناطق سيطرة الحكومة الشرعية وتلك التي يسيطر عليها الحوثيون. من المقرر أن تتواصل التحويلات المالية بشكل طبيعي في كافة الأرجاء.
من خلال تنفيذ الشبكة الموحدة، يستطيع البنك المركزي المراقبة الوطيدة لحركة الأموال داخل شركات الصرافة والبنوك. هذه الرقابة المعززة تسمح للبنك المركزي بتتبع أصل ووجهة الأموال والتيقن من الشفافية والمساءلة في الصفقات المالية. مثل هذه الإجراءات تمثل جزءا لا يتجزأ من تفويض البنك المركزي وخطوة هامة نحو المضي قدمًا في عملياته. إن من شأن يقظة البنك في مراقبة الحركات المالية أن تقوض ممارسات المضاربة التي تعد أحد عوامل انهيار العملة. الجدير بالذكر أن هؤلاء الرافضين لإجراءات البنك المركزي ضالعون دائما في أنشطة غير مشروعة مثل التهريب وغسيل الأموال والمضاربة بالعملة. من خلال تفعيل موقف صارم ضد البنوك غير الملتزمة، يستهدف البنك المركزي وضع نهاية لهذه الممارسات وإعادة الاستقرار إلى النظام المالي.[3]
لقد اتخذ البنك المركزي اليمني إجراءات حاسمة ضد بنوك معينة رفضت الانضمام إلى الشبكة الموحدة، في إشارة إلى تمردها ضد الإجراءات المقررة. وكرد فعل على ذلك، اختار البنك المركزي تعليق التعامل مع هذه البنوك[4] قبل أن يتراجع عن الخطوة في وقت لاحق، بعد تعهد البنوك بالالتزام بتعليمات المركزي. في وقت سابق، عندما كان يريد تاجر حوثي في صنعاء استيراد بضائع من الخارج كان يدفع بالريال اليمني للبنك التجاري في صنعاء. وكان فرع البنك في عدن يحصل آنذاك على المزاد الضروري من البنك المركزي ويغطي نفقات التاجر بالدولار ويسهل نقل البضائع إلى ميناء الحديدة. ومع الإجراءات الحديثة التي اتخذها البنك المركزي، إذا أراد البنك التجاري تنفيذ نفس العملية، يتعين على التاجر الآن التيقن من وصول البضائع إلى ميناء عدن لدفع الضرائب والرسوم الجمركية.
هذا التغيير في الإجراءات بواسطة البنك المركزي يرتبط بتأثير مهم يقلص قدرة البنوك التجارية على التعامل في أنشطة غير مشروعة مثل تهريب الأموال والمضاربة بالعملة. كما أنّ تعزيز الرقابة المالية من خلال إجراءات البنك المركزي يمثل تأكيدًا على أن حركة الأموال يتم مراقبتها عن كثب. ويستهدف هذا الإشراف شديد الأهمية كبح المضاربة ومنع انهيار العملة. من المهم ملاحظة أن البنوك التي رفضت الانضمام إلى الشبكة الموحدة كان مقرها الأساسي في صنعاء وكانت ضالعة في أنشطة غير مشروعة.
تعتبر إجراءات البنك المركزي اليمني، والتي تتضمن إنشاء منظومة شبكة موحدة، ورد فعله الحازم ضد البنوك المتمردة بمثابة خطوات رئيسية نحو التيقن من الاستقرار المالي للدولة. ومن خلال تفعيل الشفافية والمساءلة، يستهدف البنك المركزي حماية الاقتصاد من الأنشطة غير المشبوهة وتعزيز مناخ من الثقة بين أصحاب المصلحة.
[المحرر: من المرجّح أن يعلن، اليوم السبت، البنك المركزي في صنعاء عن إجراءات جديدة لتعويض العملة التالفة في مناطق سيطرة الحوثيين. يأتي ذلك مع تحذيرات شديدة اللهجة من البنك المركزي في عدن من مغبة اللجوء لطباعة أوراق جديدة "مزورة"]
وتعد هذه الإجراءات جزءًا من جهود أكبر للتعامل مع التحديات التي يواجهها النظام المالي اليمني والذي تأثر بالصراع المستمر والتشرذم السياسي. حيث أدى انقسام البنك المركزي إلى فرعين، أحدهما في صنعاء تحت سيطرة الحوثيين والآخر في عدن المعترف بها دوليا، إلى خلق انقساما اقتصاديًا أعاق استقرار الريال اليمني.[5]
ختامًا، لقد خلقت حرب العملات بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين تفاوتًا كبيرًا في قيمة الريال اليمني. إن التوتر المالي الناتج عن ذلك بالنسبة للمواطنين والشركات يعقّد أكثر الوضع الاقتصادي المتردي بالفعل في اليمن. ولذلك، فإن إجراءات البنك المركزي اليمني للتعامل مع حرب العملة مهمة لاستعادة الاستقرار والشفافية داخل النظام المالي. ومع ذلك، هناك ضرورة لوجود حل سياسي شامل لمخاطبة الأسباب الكامنة للصراع وتخفيف معاناة السكّان.